الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي عقد الْهُدْنَة مَعَ صَاحب أنطاكية وعود السُّلْطَان
قَالَ الْعِمَاد كَانَ السُّلْطَان قد عزم على قصد أنطاكية فَرَأى همم الأجناد لَا سِيمَا الغرباء قد ضعفت ونياتهم فِي الْجِهَاد قد فترت وتشوقوا إِلَى بِلَادهمْ والراحة من جهادهم وَكَانَ صَاحب أنطاكية قد أشرف على الْهَلَاك وَعلم أَنه إِن قصد غلب فنفذ أَخا زَوجته رَسُولا إِلَى السُّلْطَان متذللا يطْلب الْهُدْنَة على أَنه يُطلق من عِنْده من أُسَارَى الْمُسلمين وهم جمع كثير فعقدها مَعَهم مُدَّة يسيرَة ثَمَانِيَة أشهر من تشرين الأول إِلَى انْقِضَاء أيار فَيكون انْقِضَاء الهدنه قبل إِدْرَاك الْغلَّة وَأَوَان حصادها فيستريح فِيهَا الأجناد ويعودون بعْدهَا إِلَى فرض الْجِهَاد فتم كتاب الهدنه وَتوجه شمس الدولة ابْن منقذ لتخليص الأسرى وإنقاذهم مِنْهُ
وَقَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَفِي بَقِيَّة ذَلِك الْيَوْم يَعْنِي يَوْم فتح بغراس وَهُوَ ثَانِي شعْبَان عَاد السُّلْطَان إِلَى المخيم الْأَكْبَر وراسله أهل أنطاكية فِي طلب الصُّلْح فَصَالحهُمْ لشدَّة ضجر الْعَسْكَر وَقُوَّة
قلق عماد الدّين صَاحب سنجار فِي طلب الدستور وَعقد الصُّلْح بَيْننَا وَبَين أهل أنطاكية لَا غير على أَن يطلقوا جَمِيع أُسَارَى الْمُسلمين الَّذين عِنْدهم وَكَانَ إِلَى سَبْعَة أشهر فَإِن جَاءَهُم من ينصرهم وَإِلَّا سلمُوا الْبَلَد إِلَى السُّلْطَان
ثمَّ رَحل عَنهُ يطْلب دمشق وَسَأَلَهُ وَلَده الظَّاهِر صَاحب حلب أَن يجتاز بِهِ فَأَجَابَهُ فَدَخلَهَا فِي حادي عشر شعْبَان وَأقَام بقلعتها ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ سَار إِلَى دمشق فاعترضه ابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين وأصعده إِلَى قلعة حماة وَبَات بهَا لَيْلَة وَاحِدَة فَأعْطَاهُ جبلة واللاذقية وَسَار إِلَى بعلبك وَأقَام ببرجها يَوْمًا وَدخل حمامها ثمَّ أَتَى دمشق فَأَقَامَ بهَا حَتَّى دخل شهر رَمَضَان وَمَا كَانَ يرى تبطيل وقته عَن الْجِهَاد مهما أمكنه وَكَانَ قد بَقِي لَهُ من القلاع القريبه من حوران الَّتِي يخَاف عَلَيْهَا من جَانبهَا صفد وكوكب فَرَأى أَن يشغل الزَّمَان بِفَتْح المكانين فِي الصَّوْم
وَقَالَ الْعِمَاد وودع السُّلْطَان عماد الدّين صَاحب سنجار والعساكر الغريبة وأتحفهم بالتحف العجيبة وارتاح إِلَى العبور على أرتاح وَوصل إِلَى حلب وَقد خرج كل من بهَا للتلقي مستبشرين بالاقبال المتضاعف المترقي وشاهدنا من النظارة عيُونا للمحاسن ناظرة ووجوها ناضرة وَقُلُوبًا حَاضِرَة وألسنا شاكرة وأيديا فِي بسطها إِلَى الله للإبتهال بِالدُّعَاءِ متظاهرة فَأَقَامَ بقلعتها أَيَّامًا يسيرَة وألفى وَلَده الظَّاهِر قد سَار فِيهَا أحسن سيرة
ثمَّ سَار مِنْهَا على طَرِيق المعرة وَقصد زِيَارَة الشَّيْخ الزَّاهِد أبي زَكَرِيَّا المغربي عِنْد مشْهد عمر بن عبد الْعَزِيز رحمه الله فتبرك بزيارة الْمَيِّت والحي ثمَّ وصل إِلَى حماة فَنزل بقلعتها وَمَعَهُ أَمِير المدينه النَّبَوِيَّة على ساكنها السَّلَام وَهُوَ عز الدّين أَبُو فليتة الْقَاسِم بن المهنا وَكَانَ للسُّلْطَان فِي جَمِيع الْغَزَوَات مصاحبا وعَلى معاضدته مواظبا وَمَا حضر مَعنا على بلد أَو حصن إِلَّا فتحناه وَكَانَ السُّلْطَان يستوحش لغيبته ويأنس بشيبته وَكَانَ بِجنب السُّلْطَان جَالِسا ولنظره عَلَيْهِ حابسا
وَكَانَت قلعة حماة ذَات تل منبطح فَلَمَّا تولاها تَقِيّ الدّين رفع تلها وعمق خندقها وحصنها فطلع السُّلْطَان تِلْكَ الليله إِلَى القلعة وسر بِمَا رأى من الحصانة والرفعة ووقف الْملك المظفر لِعَمِّهِ وَجرى فِي الْخدمَة على رسمه وَأصْبح السُّلْطَان راحلا وَلم يقم بحمص وَجَاء إِلَى بعلبك على طَرِيق الزِّرَاعَة واللبوة وَوصل إِلَى دمشق قبل رَمَضَان وأشير على السُّلْطَان بِأَن يرِيح عسكره فقد أَحْمد فِي عَامه مورده ومصدره وأربح فِي سَبِيل الله متجره فَقَالَ إِن الْقدر غير مَأْمُون والعمر غير مَضْمُون وللفرص أَوْقَات وللدهر آفَات وَقد بقيت مَعَ الْكفْر هَذِه الْحُصُون وان لم نبادرها اخْتَلَّ أمرنَا المصون لَا سِيمَا صفد وكوكب فانهما للداوية