الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالله تَعَالَى يوفق مُلُوكنَا للاقتداء بسيرة سلفنا فِي إِقَامَة فرض الْجِهَاد وتخليص الْبِلَاد من أَيدي الْكَفَرَة وَالنَّظَر فِي مصَالح الْعباد
وَمن كتاب فاضلي أما هَذَا الْبَيْت فَإِن الْآبَاء مِنْهُ اتَّفقُوا فملكوا وَإِن الْأَبْنَاء مِنْهُم اخْتلفُوا فهلكوا وَإِذا غرب نجم فَمَا فِي الْحِيلَة تشريقه وَإِذا بَدَأَ خريق ثوب فَمَا يَلِيهِ إِلَّا تمزيقه وهيهات أَن يسد على قدر طَرِيقه وَقد قدر طروقه وَإِذا كَانَ الله مَعَ خصم على خصم فَمن كَانَ الله مَعَه فَمن يطيقه
فصل
بعد انْتِهَاء هَذَا الْكتاب وإسماعه مرّة وقفت على مَا حسن لي إِلْحَاقه بِهَذَا الْكتاب من ذَلِك أَن القَاضِي الْفَاضِل كتب فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين إِلَى القَاضِي محيي الدّين بن الزكي كتابا قَالَ فِيهِ وَمِمَّا جرى فِي هَذِه الْمدَّة من المثلات الْجَارِيَة والمعضلات العادية بَأْس من الله طرق بياتا وَنحن نيام وَظن النَّاس أَن الْيَوْم الْمَوْعُود قد طرق فِي اللَّيْل الْمَمْدُود فَإِذا هم قيام إِن الله تَعَالَى أَتَى بساعة كالساعة كَادَت تكون للدنيا كساعة فِي الثُّلُث الأول من لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة وَذَلِكَ أَنه أَتَى عَارض فِيهِ ظلمات متكاثفة وبروق خاطفة ورياح عَاصِفَة قوي ألهوبها وَاشْتَدَّ هبوبها وَارْتَفَعت لَهَا صعقات
وتدافعت لَهَا أَعِنَّة مطلقات فرجفت لَهَا الجدران واصطفقت وتلاقت على بعْدهَا واعتنقت وثار من السَّمَاء وَالْأَرْض عجاج فَقيل لَعَلَّ هَذِه على هَذِه قد انطبقت
وتوالت البروق من جِهَة المقطم على نظام وَتبع الْوَاحِدَة الْأُخْرَى وتقفى الثَّانِيَة على أثر الأولى وَترى البروق واقفة وَهِي تتعاقب وقائمة وَهِي تتجاذب وَلَا تحسب إِلَّا أَن جَهَنَّم قد سَالَ مِنْهَا وَاد وَعدا مِنْهَا عَاد
وَزَاد عصف الرّيح إِلَى أَن انطفأت سرج النُّجُوم ومزقت أَدِيم السَّمَاء ومحت مَا كَانَ فَوْقه من الرقوم وَلَا تزَال هَذِه الرّيح تسكن سكونا خَفِيفا ثمَّ تعاود عودا عنيفا فَكُنَّا كَمَا قَالَ الله تعاى {يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق} وكما قُلْنَا ويردون أَيْديهم على أَعينهم من البوارق لَا عَاصِم من الخطف للأبصار وَلَا ملْجأ من الْخطب إِلَّا معاقل الاسْتِغْفَار
وفر النَّاس رجَالًا وَنسَاء وَأَطْفَالًا ونهضوا من دُورهمْ خفافا وثقالا لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا إِذْ يستغيثون رَبهم ويذكرون ذنبهم لَا يستغربون الْعَذَاب لانهم على موجباته مصرون وَفِي وَقت وُقُوع واقعاته باستحقاقه مقرون معتصمين بالمساجد الجامعة ومتلقين الْآيَة النَّازِلَة من السَّمَاء بالأعناق الخاضعة بِوُجُوه عانية ونفوس عَن الْأَمْوَال والأهل سالية {ينظرُونَ}
من طرف خَفِي) ويتوقعون أَي خطب جلي قد انْقَطَعت من الْحَيَاة علقهم وعميت عَن النجَاة طرقهم وَوَقعت الفكرة فِيمَا هم عَلَيْهِ قادمون وندموا وَنَحْمَد الله أَن نفعهم بِأَنَّهُم نادمون وَقَامُوا إِلَى صلَاتهم وودوا أَن لَو كَانُوا من الَّذين عَلَيْهَا دائمون
وَلم يزل ذَلِك دأبهم كلما سكنت الرِّيَاح تحركت وَكلما قيل اسْتَقَلت بَركت وَكلما أخذت قيل مَا تركت حَتَّى الثُّلُث الْأَخير من اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة والقلوب إِلَى الْحَنَاجِر بَالِغَة والأبصار عَن سننها زائغة إِلَى أَن أذن الله فِي الركود وأسعف الهاجدين بِالْأَمر لَهَا بالهجود وَأصْبح كل يسلم على رَفِيقه ويهنيه بسلامة طَرِيقه وَيرى أَنه قد بعث بعد النفخة وأفاق بعد الصَّيْحَة والصرخة وَأَن الله قد رد لَهُ الكرة وأدبه بعد أَن كَاد يَأْخُذهُ على الْغرَّة
وَورد من الْخَبَر أَن المراكب كسرهَا مَا كَانَ مُعْتَرضًا مِنْهَا فِي الْبَحْر للعارض وَالْأُصُول العادية من الشّجر عدت عَلَيْهَا الرّيح بحماها النافض وَأَن فِي الطّرق من الْمُسَافِرين من كَانَ نَائِما فدفنته الرِّيَاح حَيا وَركب فَمَا أغْنى عَنهُ الْفِرَار مِمَّا هُوَ أَمَامه شيا
وَلَا يحْسب الْمجْلس أَنِّي أرْسلت الْقَلَم محرفا وَالْقَوْل مجزفا فَالْأَمْر أعظم وَلَكِن الله سلم والخطب أشق وَمَا بلغت وَلَا قضيت بِهَذَا التكثير بعض الْحق ونرجوا أَن الله سُبْحَانَهُ قد أيقظنا بِمَا وعظنا وَنَبَّهنَا بِمَا ولهنا فَمَا من عبَادَة من رأى الْقِيَامَة عيَانًا وَلم يلْتَمس عَلَيْهَا من بعده برهانا إِلَّا أهل بِلَادنَا فَمَا اقْتصّ الْأَولونَ مثلهَا فِي المثلات وَلَا سبقت لَهَا سَابِقَة فِي المعضلات
وَالْحَمْد لله الَّذِي من فَضله أَن جعلنَا نخبر عَنْهَا وَلَا تخبرعنا ونسأل الله أَن يصرف عَنَّا عَارض الْحِرْص والغرور إِذا عَنَّا
وشغلت خدمته بِهَذَا المهم وَجَعَلته على علم من هَذَا الْعلم فالسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ وَقد كَانَت لنا وَفينَا الموعظة وللذكرى حُدُود ونعوذ بِاللَّه من إِقَامَة حُدُودهَا الْمُغَلَّظَة
وَمن كتاب لَهُ آخر إِلَى الْعَادِل فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين أَيْضا وَقد تجدّد من وصال الْعَدو اللعين وحركته إِلَى جَانب بيروت وخطره الْبِلَاد مَا أذهل كل مرضعه وأوقع فِي ضائقة تنْفق الأفكار فِيهَا من سَعَة وللإسلام الْيَوْم قدم إِن زلت زل وهمة إِن قلت فَإِن النَّصْر مِنْهُ مل وَتلك الْقدَم الْقدَم العادلية وَتلك الهمة الهمة الْمُسَابقَة السيفية فَالله الله ثبتوا ذَلِك الْفُؤَاد ودمثوا ذَلِك المهاد واسهروا فِي الله فَلَيْسَتْ بليلة رقاد
وَلَا ينظر فِي حَدِيث زيد وَلَا عَمْرو وَلَا أَن فلَانا نفع وَلَا ضرّ وَلَا أَن من الْجَمَاعَة من جَاءَ وَلَا أَن فيهم من مر انْظُرُوا إِلَى أَنكُمْ الْإِسْلَام كُله قد برز إِلَى الشّرك كُله وأنكم ظلّ الله فَإِن صححتم تِلْكَ النِّسْبَة فَإِن الله لَا نَاسخ لظله واصبروا إِن الله مَعَ الصابرين وَلَا تهنوا وَإِن ذهب النَّاصِر فان الله خير الناصرين فَمَا هِيَ إِلَّا غمرة وتنجلي وهيعة وتنقضي وَلَيْلَة وتصبح وتجارة وتربح
وَمن كتاب لَهُ آخر إِلَى الْملك الْعَادِل أدام الله ذَلِك الِاسْم تاجا على مفارق المنابر والطروس وحياة للدنيا وَمَا فِيهَا من الأجساد والنفوس وَعرف الْمَمْلُوك مَا عرفه بِهِ من الْأَمر الَّذِي اقتضته الْمُشَاهدَة وحرست بِهِ الْعَاقِبَة فِي بيروت وَلَا مزِيد على تَشْبِيه الْحَال بقوله
(ألم تَرَ أَن الْمَرْء تدوى يَمِينه
…
فيقطعها عمدا ليسلم سائره)
وَلَو كَانَ فِيهَا تَدْبِير لَكَانَ مَوْلَانَا قد سبق إِلَيْهِ وَمن قلم من الاصبع ظفرا فقد جلب إِلَى الْجَسَد بِفِعْلِهِ نفعا وَدفع عَنهُ ضرا
(وتجشم الْمَكْرُوه لَيْسَ بضائر
…
مَا خلته سَببا إِلَى الْمَحْمُود)