الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى عَن ابْن نَبهَان وَكَانَ قد رَبِّي بِالشَّام وخالط أهل الْأَدَب وأضر بالجدري وَله أَربع عشرَة سنة وَكَانَ يبصر الْأَشْيَاء الْقَرِيبَة مِنْهُ وَلَا يحْتَاج إِلَى قَائِد إِذا مَشى ثمَّ قدم الْعرَاق لمداواة عينه فآيسه الْأَطِبَّاء من ذَلِك فاشتغل بِالْقُرْآنِ وَحفظه وَصَاحب المتدينين والزهاد من أهل الْفِقْه والْحَدِيث واللغة وَله ديوَان شعر كَبِير وَسُئِلَ عَن مذْهبه فأملى
(أحب عليا والبتول وَوَلدهَا
…
وَلَا أجحد الشَّيْخَيْنِ فضل التَّقَدُّم)
(وَأَبْرَأ مِمَّن نَالَ عُثْمَان بالأذى
…
كَمَا أتبرا من وَلَاء ابْن ملجم)
(ويعجبني أهل الحَدِيث لصدقهم
…
فلست إِلَى قوم سواهُم بمنتمي)
وَله أَيْضا فِي غير ذَلِك
(وزهدني فِي جَمِيع الْأَنَام
…
قلَّة إنصاف من تصْحَب)
(هم النَّاس مَا لم تجربهم
…
وطلس الذئاب إِذا جربوا)
(وليتك تسلم عِنْد البعاد
…
مِنْهُم فَكيف إِذا تقرب)
قَالَ وَدفن بمقابر الشُّهَدَاء بِبَاب حَرْب
ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة
قَالَ الْعِمَاد وَالسُّلْطَان مُقيم بِدِمَشْق فِي دَاره وممالك الْآفَاق فِي انْتِظَاره والأنام مشرقة بمطالع أنواره ورسل الْأَمْصَار مجتمعون على بَابه منتظرون لجوابه والضيوف فِي فيوض إنعامه عائمون والفقراء فِي رياض صدقاته راتعون وَيجْلس فِي كل يَوْم وَلَيْلَة
لاسداء الْجُود وإبداء السُّعُود وَبث المكارم وكشف الْمَظَالِم وبرز إِلَى الصَّيْد شَرْقي دمشق بزاد خَمْسَة عشر يَوْمًا واستصحب مَعَه أَخَاهُ الْعَادِل وَأبْعد فِي الْبَريَّة وَظهر عَن ضمير ضمير إِلَى الْجِهَة الشرقية وَطَابَتْ لَهُ الفرص وَوَافَقَ مُرَاده القنص
ثمَّ عَاد يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشر صفر وَوَافَقَ ذَلِك عود الْحَاج الشَّامي فَخرج للتلقي وسعاداته فِي الترقي وَلما لَقِي الْحجَّاج استعبرت عَيناهُ كَيفَ فَاتَهُ من الْحَج مَا تمناه وسألهم عَن أَحْوَال مَكَّة وأميرها وَأَهْلهَا وخصبها ومحلها وَكم وصلهم من غلات مصر وصدقاتها والفقراء والمجاورين ورواتبها وإدراراتها وسر بسلامة الْحَاج ووضوح ذَلِك الْمِنْهَاج وَوصل من الْيمن ولد أَخِيه سيف الْإِسْلَام فَتَلقاهُ بالاكرام
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَخرجت من الْقُدس الشريف يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من الْمحرم وَكَانَ الْوُصُول إِلَى دمشق ثَانِي عشر صفر وَكَانَ الْأَفْضَل حَاضرا فِي الإيوان الشمالي وَفِي خدمته خلق من الْأُمَرَاء وأرباب المناصب ينتظرون جُلُوس السُّلْطَان فَلَمَّا شعر بحضوري واستحضرني وَهُوَ وَحده قبل أَن يدْخل إِلَيْهِ أحد فَدخلت عَلَيْهِ رحمه الله فَقَامَ ولقيني ملقى مَا رَأَيْت أَشد من بشره فِيهِ وَلَقَد ضمني إِلَيْهِ ودمعت عينه
وَفِي ثَالِث عشر صفر طلبني فَحَضَرت فَسَأَلَنِي عَمَّن فِي الإيوان فَأَخْبَرته أَن الْملك الْأَفْضَل جَالس فِي الْخدمَة والأمراء وَالنَّاس فِي خدمته فَاعْتَذر إِلَيْهِم على لِسَان جمال الدولة إقبال ثمَّ استحضرني بكرَة الْخَمِيس رَابِع عشر صفر وَهُوَ فِي صفة الْبُسْتَان وَعِنْده أَوْلَاده الصغار فَسَأَلَ عَن الْحَاضِرين فَقيل رسل الفرنج وَجَمَاعَة الْأُمَرَاء والأكابر
فَاسْتَحْضر رسل الفرنج إِلَى ذَلِك الْمَكَان فَحَضَرُوا وَكَانَ لَهُ ولد صَغِير وَكَانَ كثير الْميل إِلَيْهِ يُسمى الْأَمِير أَبَا بكر وَكَانَ حَاضرا وَكَانَ رحمه الله عَلَيْهِ يداعبه فَلَمَّا وَقع بَصَره على الفرنج وَرَأى أشكالهم خَافَ مِنْهُم وَبكى فَاعْتَذر إِلَيْهِم وصرفهم بعد أَن حَضَرُوا وَلم يسمع كَلَامهم وَقَالَ لي أكلت الْيَوْم شَيْئا وَكَانَت عَادَته رحمه الله هَذِه المباسطة ثمَّ قَالَ أحضروا لنا مَا تيَسّر فأحضروا أرزا بِلَبن وَمَا يشبه ذَلِك من الْأَطْعِمَة الْخَفِيفَة فَأكل رحمه الله وَكنت أَظن أَن مَا عِنْده شَهْوَة
وَكَانَ فِي هَذِه الْأَيَّام يعْتَذر إِلَى النَّاس لثقل الْحَرَكَة عَلَيْهِ وَكَانَ بدنه ممتلئا وَعِنْده تكسل فَلَمَّا فَرغْنَا من الطَّعَام قَالَ مَا الَّذِي عنْدك من خبر الْحَاج فَقلت قد اجْتمعت بِجَمَاعَة مِنْهُم فِي الطَّرِيق وَلَوْلَا كَثْرَة الوحل لدخلوا الْيَوْم وَلَكنهُمْ فِي غَد يدْخلُونَ فَقَالَ نخرج إِن شَاءَ الله إِلَى لقائهم وَتقدم بتنظيف طرقاتهم من الْمِيَاه فَإِنَّهَا كَانَت سنة كَثِيرَة الأنداء وَقد سَالَتْ الْمِيَاه فِي الطّرق كالأنهار وانفصلت عَن خدمته وَلم أجد عِنْده من النشاط مَا أعهده مِنْهُ