الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي فتح حصن كَوْكَب
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد ثمَّ سَار رحمه الله عَلَيْهِ يُرِيد كَوْكَب فَنزل على سطح الْجَبَل وجرد الْعَسْكَر وأحدق بالقلعة وضايقها بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ اتخذ لَهُ موضعا يتجاوزه نشاب الْعَدو وَبنى لَهُ حَائِطا من حِجَارَة وطين يسْتَتر وَرَاءه والنشاب يتجاوزه وَلَا يقدر أحد يقف على بَاب خيمته إِلَّا أَن يكون ملبسا وَكَانَت الأمطار متواترة والوحول بِحَيْثُ تمنع الْمَاشِي والراكب إِلَّا بِمَشَقَّة عَظِيمَة وعانى شَدَائِد وأهوالا من شدَّة الرِّيَاح وتراكم الأمطار وَكَون الْعَدو متسلطا عَلَيْهِم بعلو مَكَانَهُ وجرح وَقتل جمَاعَة وَلم يزل رَاكِبًا مركب الْجد رحمه الله حَتَّى تمكن النقب من سورها
وَلما أحس الْعَدو المخذول بالنقب وَقد تمكن من السُّور علم أَنه مخذول مَأْخُوذ فَطلب الْأمان فَأَمنَهُمْ وتسلمها فِي منتصف ذِي الْقعدَة وَنزل إِلَى الْغَوْر إِلَى الثّقل وَكَانَ قد أنزل الثّقل من شدَّة الوحل وَالرِّيح فِي سطح الْجَبَل
وَقَالَ الْعِمَاد وَجِئْنَا إِلَى كَوْكَب ووجدناها فِي منَاط الْكَوْكَب كَأَنَّهَا وكر العنقاء ومنزل العواء قد نزلتها كلاب عاوية ونزغت بهَا ذئاب غاوية وَقَالُوا لَو بَقِي منا وَاحِد لحفظ بَيت الاسبتار وخلصه إِلَى الْأَبَد من الْعَار وَلَا بُد من عود الفرنج إِلَى
هَذِه الديار فنتشدد للانتظار
ثمَّ وصف الْقِتَال بِالرَّمْي والمنجنيق والنقب وَالتَّعْلِيق والحفر والتعميق والحصر والتضييق
ثمَّ قَالَ وَكَانَ الْوَقْت صعبا والغيث سكبا وتكاثرت السُّيُول وتكاثفت الوحول ودامت الديم لدموعها مريقة وَبقيت الخيم فِي الطين غريقة وَكُنَّا فِي شغل شاغل من تقلع الْأَوْتَاد وتوتد الْأَقْدَام ووهاء الْأَطْنَاب وَوُقُوع الْخيام وَقد عَادَتْ الْخيام مناخل الأنداء والأنوار معدومه لوُجُود الأنواء وَمَاء الشّرْب مَفْقُود مَعَ سيول المَاء والرواحل فِي الطين باركة وَهِي للعلف تاركة والطرق زلقة لزقة وَهِي مَعَ سعتها ضيقَة
فَنقل السُّلْطَان خيمته إِلَى قرب الْمَكَان لتقريب وُجُوه الامكان وَبنى لَهُ من الْحِجَارَة مَا صَار لَهُ كالستارة وَنزلت الأثقال والخيم إِلَى أَسْفَل التل بالغور
وَأقَام السُّلْطَان على محاصرة الْحصن ومصابرته وَنحن نركب إِلَيْهِ من الْخيام بكرَة وَعَشِيَّة للسلام وتنفيذ المهام حَتَّى بلغ الرِّجَال أَمَاكِن النقوب وَتمكن لَهُم الْمَطْلُوب فشرع الْكَفَرَة فِي التذلل وسلموا الْحصن بالأمان وَعرضه على جمَاعَة فَلم يقبل ولَايَته أحد سوى قايماز النجمي على كره مِنْهُ وَذَلِكَ فِي منتصف ذِي الْقعدَة وَنزل السُّلْطَان إِلَى المخيم بالغور
وَمن كتاب فاضلي إِلَى سيف الْإِسْلَام بِالْيمن عَن السُّلْطَان مِمَّا تجدّد بحضرتنا فتح كَوْكَب وَهِي كرْسِي الاسبتارية وَدَار كفرهم ومستقر صَاحب أَمرهم وَمَوْضِع سِلَاحهمْ وذخرهم وَكَانَ بمجمع الطّرق قَاعِدا ولملتقى السبل راصدا فتغلقت بفتحه بِلَاد الْفَتْح واستوطنت وسلكت طرقها وَأمنت وعمرت بلادها وسكنت وَلم تبْق فِي هَذَا الْجَانِب الا صور وَلَوْلَا أَن الْبَحْر ينجدها والمراكب تردها لَكَانَ قيادها قد أمكن وجماحها قد أذعن وَمَا هم بِحَمْد الله فِي حصن يحميهم بل فِي سجن يحويهم بل هم أُسَارَى وَإِن كَانُوا طلقاء وأمواتا وَإِن كَانُوا أَحيَاء قَالَ الله تَعَالَى {فَلَا تعجل عَلَيْهِم إِنَّمَا نعد لَهُم عدا}
وَكَانَ نزولنا على كَوْكَب بعد أَن فتحنا صفد بلد الديوية وفتحنا الكرك وحصونه والمجلس السَّامِي أعلم بِمَا كَانَ على الْإِسْلَام من مُؤْنَته المثقلة وَقَضيته المشكلة وعلته المعضلة وَالله تَعَالَى المشكور على مَا طوى من كلمة الْكفْر وَنشر من كلمة الْإِسْلَام فان بِلَاد الشَّام الْيَوْم لَا يسمع فِيهَا لَغْو وَلَا تأثيم إِلَّا قيلا سَلاما سَلاما فادخلوها بِسَلام
وَكَانَ نزولنا على كَوْكَب والشتاء فِي كوكبه وَقد طلع من الأنواء فِي موكبه والثلوج تنشر على الْجبَال ملأها والأودية قد عجت بِمَائِهَا وفاضت عِنْد امتلائها فشمخت أنوفها سيولا فخرقت الأَرْض وَبَلغت الْجبَال طولا والأوحال اعتقلت الطرقات وَمَشى الْمُطلق فِيهَا مشْيَة الْأَسير فِي الحلقات فتجشمنا العناء نَحن وَرِجَال العساكر وكابرنا الْعَدو وَالزَّمَان وَقد يحرز الْحَظ المكابر وَعلم الله النِّيَّة فأنجدها بِفِعْلِهَا وَضمير الْأَمَانَة فَأَعَانَ على حملهَا ونزلنا من رُؤُوس الْجبَال منَازِل كَانَ الِاسْتِقْرَار عَلَيْهَا أصعب من نقلهَا
ثمَّ قَالَ والآن فالمجلس السَّامِي يعلم أَن الفرنج لَا يسلون عَمَّا فتحنا وَلَا يصبرون على مَا جرحنا وَأَنَّهُمْ لعنهم الله أُمَم لَا تحصى وجيوش لَا تستقصى و {يَد الله فَوق أَيْديهم} و {سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} وَمَا هم إِلَّا كلاب قد تعاوت وشياطين قد تغاوت وَإِن لم يقذفوا من كل جَانب استأسدوا واستكلبوا وَكَانُوا لباطلهم الداحض أنْصر منا لحقنا الناهض وَكتب المستخدمون بالاسكندرية وَصَاحب قسطنطينية والثغور المغربية ينذرون بِأَن الْعَدو قد أجمع أمرا وحاول نكرا وغضبوا زادهم الله غَضبا وأوقدوا نَارا للحرب جعلهَا الله عَلَيْهِم حطبا وسلوا سيوفا للبغي لَا يبعد ان يَكُونُوا أغمادها وتواعدت جموع ضلالتهم أخلف الله ميعادها
وَأما نَحن فبالله ندفع مَا نطيق وَمَا لَا نطيق وَإِلَيْهِ نرغب فِي أَن يثبت قُلُوبنَا إِذْ كَادَت تزِيغ قُلُوب فريق وَنحن الْآن نستجذب أخانا وندعوه إِلَى مَا لَهُ دعينا ونؤمل من الله ان ينصرنا دنيا ودينا وَأَن يمدنا بِنَفسِهِ سَرِيعا وبعسكره جَمِيعًا وبذخره الَّذِي كَانَ لمثله مجموعا وَأَن يلبيها دَعْوَة إِمَّا أَن يُطِيع بهَا ربه لِأَنَّهَا دَعوته وَإِمَّا أَن ينصر بهَا نبيه صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا شَرِيعَته وَإِمَّا أَن يعين بهَا أَخَاهُ فَإِنَّهَا شدَّة الْإِسْلَام لَا شدته
هَذَا وَإِن كَانَ الْمجْلس قد قعد عَنَّا وَلم يعدنا فِي مرض الْأَجْسَام فَلَا يقْعد عَنَّا فِي مرض الْإِسْلَام فالبدار البدار فَإِن لم يكن الشَّام لَهُ بدار فَمَا الْيمن لَهُ بدار وَالْجنَّة الْجنَّة فانها لَا تنَال إِلَّا بايقاد الْحَرْب على أهل النَّار والهمة الهمة فان الْبحار لَا تلقى إِلَّا بالبحار والملوك الْكِبَار لَا يقف فِي وجوهها إِلَّا الْمُلُوك الْكِبَار وَفِي هَذِه السّنة ننزل على أنطاكية وَينزل ولدنَا المظفر تَقِيّ الدّين أطرابلس ويستقر الركاب الملكي العادلي بِمصْر لِأَنَّهَا مَذْكُورَة عِنْد الْعَدو وَأَنَّهَا تطرق وَأَن الطّلب على مصر وَالشَّام مِنْهُ يفرق وَلَا غنى عَن أَن يكون الْمجْلس السيفي بحرا فِي بِلَاد السَّاحِل يزخر سِلَاحا ويجرد سَيْفا يكون على مَا فتحناه قفلا وَلما لم يفتح مفتاحا وَمَا يدعى للعظيم إِلَّا الْعَظِيم وَلَا يُرْجَى] لموقف الصَّبْر الْكَرِيم إِلَّا الْكَرِيم
هَذَا والأقدار جَارِيَة ومشيئة الله مَاضِيَة فَإِن يَشَأْ ينصرنا على الْعدَد المضعف بِالْعدَدِ الأضعف فَإنَّا لَا نرتاب بِأَن الله تَعَالَى
مَا فتح علينا هَذِه الْفتُوح ليغلقها وَلَا جمع علينا هَذِه الْأمة ليفرقها وَإِنَّمَا نؤثر أَن يتساهم آل أَيُّوب فِي ميراثهم مِنْهُ مَوَاقِف الصَّبْر ومطالع النَّصْر وَلَا يسرنَا أَن يَنْقَضِي عمره فِي قتال غير الْكَافِر ونزال غير الكفؤ المناظر فَإِنَّمَا هِيَ سفرة قاصدة وزجرة واحده فَإِذا هُوَ قد بيض الصَّحِيفَة وَالْوَجْه وَالذكر فليحضر وليشاهد أَوْلَادًا يستشعرون لفراقه غما قد عاشوا مَا عاشوا وَلَا يعْرفُونَ أَن لَهُم مَعَ عمهم عَمَّا
وَله إِلَيْهِ من كتاب آخر وَكَأَنَّهُ بعد اعتذاره عَن الْحُضُور الْمولى على حسب اخْتِيَاره وَإِن سَار فَمثله من سَار وسر وقاد الْجَيْش وجر ونفع الْوَلِيّ وضر الْعَدو الَّذِي أضرّ وَإِن أَقَامَ فالعذر الَّذِي أقعده وإشفاق السُّلْطَان عز نَصره الَّذِي رده عَن وَجهه والرأي الَّذِي ردده فَلَا يكن فِي صَدره من الْأَمريْنِ حرج وَلَا يخف استقصار عزمه إِن ركد أَو خرج فمكانه مَكَانَهُ من الْقلب ووده وده وَله من اللِّسَان حَمده وَهُوَ سيف الْإِسْلَام إِن ضرب بحده أَو صين فِي غمده لَا زَالَ الْمولى منوها باسمه ومرفها فِي جِسْمه ومجردا سيف عزمه وسعيدا بِحكم التَّوْفِيق فَلَا خرج التَّوْفِيق عَن حكمه
وَمن كتاب عمادي إِلَى الدِّيوَان بِفَتْح الكرك والشوبك وصفد وكوكب يَقُول فِيهِ والآن فقد خلص جَمِيع مملكة الْقُدس وَحدهَا فِي سمت مصر من الْعَريش وعَلى صوب الْحجاز من الكرك والشوبك وتشتمل على الْبِلَاد الساحلية إِلَى مُنْتَهى أَعمال بيروت وَلم يبْق من هَذِه المملكة إِلَّا صور