الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُّلْطَان إِلَيْهِ يَوْم الْخَمِيس سَابِع ذِي الْحجَّة وَكَانَ الدُّخُول على يَعْقُوب وَالسَّلَام عَلَيْهِ فِي الْعشْرين من ذِي الْحجَّة
وَفِي هَذَا النَّهَار حملت هَدِيَّة السُّلْطَان إِلَى خزانته وَكَانَ انْفِصَاله من مراكش عَاشر الْمحرم سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة وَوصل إِلَى الاسكندرية فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ
فصل
لم يحصل من جِهَة سُلْطَان الغرب مَا التمس مِنْهُ النجدة وَبَلغنِي أَنه عز عَلَيْهِم كَونه لم يُخَاطب بأمير الْمُؤمنِينَ على جاري عَادَتهم وَقد كَانَ سُلْطَانا عادلا مظْهرا للشريعة غازيا وَتُوفِّي سنة خمس وَتِسْعين وَفِيه يَقُول شاعره
(أهل لِأَن يسْعَى إِلَيْهِ ويرتجى
…
ويزار من أقْصَى الْبِلَاد على الوجا)
(ملك غَدا بالمكرمات مُقَلدًا
…
وموشحا ومختما ومتوجا)
(عمرت مقامات الْمُلُوك بِذكرِهِ
…
وتعطرت مِنْهُ الرِّيَاح تأرجا)
(وجد الْوُجُود وَقد دجا فأضاءه
…
وَرَآهُ فِي الكرب الْعِظَام ففرجا)
وَفِيه يَقُول ابْن عَمه سُلَيْمَان بن عبد الله بن عبد الْمُؤمن أَبُو الرّبيع من قصيدة أَولهَا
(هبت بنصركم الرِّيَاح الْأَرْبَع
…
وَجَرت بسعدكم النُّجُوم الطّلع)
(إِن قيل من خير الخلائف كلهَا
…
فاليك يَا يَعْقُوب تومي الاصبع)
(إِن كنت تتلو السَّابِقين فَإِنَّمَا
…
أَنْت الْمُقدم وَالْخَلَائِق تبع)
وَقد مدحه أَيْضا شمس الدّين ابْن منقذ هَذَا الْمُرْسل إِلَيْهِ من جِهَة السُّلْطَان بقصيدة مِنْهَا
(سأشكر بحرا ذَا عباب قطعته
…
إِلَى بَحر جود مَا لنعماه سَاحل)
(إِلَى مَعْدن التَّقْوَى إِلَى كعبة الْهدى
…
إِلَى من سمت بِالذكر مِنْهُ الْأَوَائِل)
(إِلَيْك أَمِير الْمُسلمين وَلم تزل
…
إِلَى بابك المأمول تزجي الرَّوَاحِل)
(قطعت إِلَيْك الْبر وَالْبَحْر موقنا
…
بِأَن نداك الْغمر بالنجح كافل)
(فَمَا راعني من وجبة الْبر رائع
…
وَلَا هالني من زاخر الْبَحْر هائل)
(وَمن كَانَ غايات الْمَعَالِي طلابه
…
يهون عَلَيْهِ كل أَمر يحاول)
(رَجَوْت بقصديك الْعلَا فبلغتها
…
وَأدنى عطاياك الْعلَا والفضائل)
(فَلَا زلت للعلياء والجود ثَانِيًا
…
تبلغك الْأَيَّام مَا أَنْت آمل)
وَابْن منقذ هَذَا من أهل بَيت وأدب وَشعر وَله على مَا وجدت بِخَط بعض الثِّقَات
(تصرم عمري فِي التغرب والنوى
…
وأفنى ارتحالي طارفي وتلادي)
(وأخلقت الْأَيَّام برد شبيبتي
…
وأصلد من وَقع الخطوب زنادي)
(وأشغلني الْحِرْص الْمُوكل فِي الورى
…
عَن الْعَمَل المنجي ليَوْم معادي)
(فَلَا رَاحَة الْأُخْرَى تيقنت نيلها
…
وَلَا أَنا فِي الدُّنْيَا بلغت مرادي)
وَله على لِسَان بعض غلمانه
(وَرب قَمِيص دَعَاني إِلَى احْتِمَال
…
الرثاثة مِنْهُ الْعَدَم)
(أقطب وَجْهي لَهُ كلما
…
تهلل لي ضَاحِكا وابتسم)
وَمن كتاب فاضلي إِلَى بعض إخوانه وَأما الْأَخْبَار الغربية وإخلال جَانبهَا وَضعف مطلوبها وطالبها فَإِذا انجرت الظلماء إِلَى الغرب فَبِحَق كَمَا أَن الْأَنْوَار الناصرية قد تناصرت فِي الشرق فَالله يسْعد بِلَاد الدُّنْيَا بالانخراط فِي سلك ملكه وَيُمكن من مؤمنها حكم عدله وَمن كافرها سيف فتكه وَالله يجزيها الْخَيْر عَن نِيَّتهَا فِي الْخَيْر وَيكْتب سَلامَة عزمها فِي طرق النَّفْع أتمه السّير
ثمَّ إِنِّي وقفت على كتاب فاضلي للسُّلْطَان يشْعر بِأَن الرسَالَة المغربية لم تكن بِرَأْي الْفَاضِل وَلَا هُوَ مُخْتَار لَهَا صورته
الْمَمْلُوك يقبل الأَرْض بالْمقَام العالي المولوي الملكي الناصري جعل الله لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْمقَام العالي وَأبقى دولته الَّتِي هِيَ الْأَيَّام بِالْحَقِيقَةِ وَالْأَيَّام قبلهَا هِيَ اللَّيَالِي وَيُنْهِي أَن الظَّاهِر بِأَن الْمَمْلُوك عِنْد الْمولى لَيْسَ من أهل الاتهام وَأَن لَهُ وَللَّه الْحَمد آثارا فِي دولته تشهد بهَا الْأَيَّام وآثار السيوف طاحت وَبقيت آثَار الْأَقْدَام
والرسالة المغربية لَيْسَ الْمَمْلُوك مُشِيرا بِتَرْكِهَا وَلَا كَارِهًا لسفر رسولها وَلَا مستبعدا مصلحَة قريبَة الْأَمر مِنْهَا لَكِن على وَجههَا وَقد نجزت الْهَدِيَّة المغربية على مَا أَمر بِهِ وَكتب الْكتاب على مَا مثل وفخم الْخطاب وَالْوَصْف فَوق الْعَادة وَبِمَا لَا يُمكن مُخَاطبَة مَخْلُوق بِأَكْثَرَ مِنْهُ
وَعند وُصُول الْأَمِير نجم الدّين من المخيم الْمَنْصُور فاوضه الْمَمْلُوك فِي أَنه لَا يُمكن إِلَّا التَّعْرِيض لَا التَّصْرِيح بِمَا وَقع لَهُ أَنه لَا تنجح الْحَاجة إِلَّا بِهِ من لَفْظَة أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَن الَّذين أفاضوا فِي هَذَا الحَدِيث وأشاروا بِهِ قَالُوهُ نقلا وَلَا أحاطوا بِهِ قِيَاسا وَلَا عرفُوا مُكَاتبَة المصريين قَدِيما وَآخر مَا كتب فِي أَيَّام الصَّالح بن رزيك فخوطب فِيهِ أكبر أَوْلَاد عبد الْمُؤمن وَولي عَهده بالأمير الْأَصِيل النجار الجسيم الفخار وعادت الْأَجْوِبَة إِلَى ابْن رزيك وَهُوَ وَزِير سُلْطَان مصر الَّذِي فِي أَتبَاع مَوْلَانَا الْيَوْم مئة مثله مترجمة بمعظم أمره وملتزم شكره
هَذَا والصالح يتَوَقَّع أَن يَأْخُذ ابْن عبد الْمُؤمن الْبِلَاد من يَدَيْهِ مَا هُوَ أَن يهرب مملوكان طريدان منا فيستوليا على أَطْرَاف بِلَاده ويصل الْمشَار إِلَيْهِ بِالْأَمر من مراكش إِلَى القيروان فِي سِتَّة أشهر قيلقاهم فيكسر مرّة ويتماسك أُخْرَى
وَأعلم الْأَمِير نجم الدّين بذلك فَأمْسك مِقْدَار عشرَة أَيَّام ثمَّ أنفذ الْأَمِير الْمَذْكُور إِلَيْهِ على يَد ابْن الجليس بِأَن الْهَدِيَّة أُشير عَلَيْهِ بِأَن لَا يستصحبها وَإِن استصحبها تكون هَدِيَّة برسم من حواليه وَأَن الْكتاب لَا يَأْخُذهُ إِلَّا بتصريح أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَن السُّلْطَان عز نَصره رسم لَهُ ذَلِك وَالْملك الْعَادِل دَامَت قدرته بِأَن لَا يسير إِلَّا بِهِ وَأَنه إِذا لَقِي الْقَوْم خاطبهم بِهَذِهِ التَّحِيَّة عَن السُّلْطَان أبقاه الله من لِسَانه
فَأَجَابَهُ الْمَمْلُوك بِأَن الْخطاب يَكْفِي وَطَرِيق جحدنا لَهُ مُمكن وَالْكِتَابَة حجَّة تقيد اللِّسَان عَن الانكار وَمَتى قُرِئت على
مِنْبَر من مَنَابِر الغرب جعلنَا خالعين فِي مَكَان الْإِجْمَاع مبايعين من لَا ينصره الله وَلَا شَوْكَة فِيهِ وَلَا يحل اتِّبَاعه مرخصين الغالي منحطين عَن العالي شاقين عَصا الْمُسلمين مفرقين كلمة الْمُؤمنِينَ مُطِيعِينَ لمن لَا تحل طَاعَته متقلدين لمن لَا تصح ولَايَته فَيفْسد عُقُود الْإِسْلَام وينفتح بَاب تعجز موارده عَن الاصدار بل تمْضِي وتستشف الْأُمُور وَتكشف الْأَحْوَال
فَإِن رَأَيْت للْقَوْم شَوْكَة وَلنَا زبدة فعدهم بِهَذِهِ المخاطبة وَاجعَل كل مَا نَأْخُذهُ ثمنا للوعد بهَا خَاصَّة فَامْتنعَ وَقَالَ أَنا أَقْْضِي أشغالي وأتوجه إِلَى الاسكندرية وأنتظر جَوَاب السُّلْطَان عز نَصره وَمَا يفوت وَقت وَإِلَى أَن أنْجز أَمر المراكب وأرتاد الركاب
فسير الْمَمْلُوك النُّسْخَة فان وَافَقت فينعم الْمولى على الْمَمْلُوك بترجمة يلصقها على مَا كتبه وَيَأْمُر نجم الدّين بتسلم الْكتاب على أَن ابْن الجليس حَدثهُ عَنهُ أَنه مُمْتَنع من السّفر إِلَّا بالمكاتبة بهَا فَأَما الَّذِي يترجم بِهِ الْمولى عز نَصره فَيكون مثل الَّذِي يدعى بِهِ على الْمِنْبَر لمولانا وَهُوَ الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى يُوسُف بن أَيُّوب أدام الله غنى مَوْلَانَا بالفقر إِلَى ربه
وَإِذا كتب الصَّالح بن رز يَك إِلَيْهِم من السَّيِّد الْأَجَل الْملك الصَّالح قبح أَن يكْتب إِلَيْهِ مَوْلَانَا أبقاه الله الْخَادِم وَهَذَا
مبلغ رَأْي الْمَمْلُوك وَالْمُؤمن لَا يذل نَفسه وقاسم الأرزاق يوصلها وَإِن رغم من جرت على يَده وَإِن كَانَ مَوْلَانَا أعز الله نَصره يَقُول أَنْت غافل وغائب وَمَا تعرف مَا الْإِسْلَام فِيهِ فَلَو حضرت وَعرفت مَا شققت الحَدِيث فجواب مَا نكتب بعد سنتَيْن فَمَا يتخلى الله عَنَّا وَلَا تستمر هَذِه الشدَّة وَلَا نسيء الظَّن بِاللَّه
وَإِذا كَانَت لنا إِن شَاءَ الله أخذت جالية من نطلب الْآن مواساته وَإِذا كَانَ الْمَمْلُوك مستجهلا وَغير مستنصح وللضرورة حكمهَا وَالْأَحْوَال الْمَمْلُوك غَائِب عَنْهَا فالمفهوم من الْأَمر للمملوك أَن يتَوَلَّى من الْمُكَاتبَة تَرْتِيب الْمَقَاصِد وتحرير الْأَلْفَاظ وتنضيد الْخَبَر عَمَّا أجراه الله تَعَالَى على يَد مَوْلَانَا عز نَصره والتأني للمطلوب فقد فعل هَذَا كُله فِي النُّسْخَة وَبقيت اللَّفْظَة الَّتِي لَيست كِتَابَة الْمَمْلُوك لَهَا شرطا فِيهَا والمملوك وعقبه مستجيرون بِاللَّه تَعَالَى ثمَّ بالسلطان عز نَصره من تعريضهم لكدر الْحَيَاة وتوقع الْخَوْف ومعاداة من لَا يخفى عَنهُ خبر وَلَا تقال بِهِ عَثْرَة
وَيَكْفِي أَن الْمولى بِخَطِّهِ فِي كِتَابه إِلَى الْمَمْلُوك وَفِيمَا هُوَ بِخَط حَضْرَة سيدنَا الْأَجَل عماد الدّين الْكَاتِب الْأَصْفَهَانِي حرسه الله لما وَصِيّ بِأَن لَا يناظر فِي الْخطاب مَا صرح باللفظة فَهِيَ إِمَّا تقية فالمملوك أولى بهَا وَإِمَّا استهانة فَنَفْس الْملك لَا تقاس بِنَفس الْمَمْلُوك
فان كَانَ لَا بُد فالنسخة بَين يَدَيْهِ وَالْمَقْصُود فِيهَا من زِيَادَة هَذِه اللَّفْظَة مَا يحْتَاج إِلَى تَعْلِيم وَالْكتاب الَّذين يستقلون بِكِتَابَة النُّسْخَة معدومون وَقد نَاب الْمَمْلُوك عَنْهُم وَالْكتاب الَّذين يستقلون بالتبييض موجودون فينوبون عَن الْمَمْلُوك فِي التبييض وَإِلَّا فَكيف يسير رَسُول بِكِتَاب من مصر بِلَا خطّ سُلْطَان وَبِغير حَضرته كتب وَلَا بهدية سَار وبمحضر من البغاددة والمغاربة يعلمُونَ أَن الْكتاب كتب بِمصْر وَيشْهدُونَ بِمَا لم يروه وَمَا لم يقرؤوه من الْخطاب
وَإِذا وصل من الْمولى أدام الله أَيَّامه كتاب مختوم وسير وَلم يعلم مَا فِيهِ انْقَطع فضول كثير وخمدت أراجيف شنيعة وَلَا يعْتَقد الْمولى أَن الْمَمْلُوك يعظم الْقَصَص فَمَا للألسنة والأعين شغل إِلَّا السلاطين وأفعالهم وأقوالهم وَلَا لِلْخلقِ خوض إِلَّا فِي أوامرهم وأحوالهم
وَلَو علم الْمَمْلُوك أَن هَذَا الَّذِي استعفى مِنْهُ يضرّهُ بِحَيْثُ ينفع الْمولى أبقاه الله لهان عَلَيْهِ وَلكنه مضرَّة بِغَيْر مَنْفَعَة وَتعرض لما تذم عاقبته أَو يبْقى على الْخَوْف مِنْهُ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ حسن عهد الْمولى وَفضل رأفته فمقصود الْمولى أبقاه الله تَحْصِيل تبييضها بَين يَدَيْهِ وَرُبمَا حصل استتاره وَأمنت المكاره فِيهِ وغمضت الْعُيُون عَنهُ وشحت الْأَيَّام عَلَيْهِ طالع الْمَمْلُوك بذلك