الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سل عَنهُ قلب الانكتار فَإِن فِي
…
خفقانه مَا شِئْت من أنبائه)
(لولاك أم الْبَيْت غير مدافع
…
ولسال سيل نداك فِي بطحائه)
(وبكت جفون الْقُدس ثَانِيَة دَمًا
…
لترنم الناقوس فِي أفنائه)
فصل فِيمَا جرى بعد الْهُدْنَة
قَالَ القَاضِي أَمر السُّلْطَان أَن يُنَادى فِي الوطاقات والأسواق أَلا إِن الصُّلْح قد انتظم فَمن شَاءَ من بِلَادهمْ يدْخل بِلَادنَا فَلْيفْعَل وَمن شَاءَ من بِلَادنَا يدْخل إِلَى بِلَادهمْ فَلْيفْعَل وأشاع رحمه الله أَن طَرِيق الْحَج قد فتح من الشَّام وَوَقع لَهُ عزم الْحَج فِي ذَلِك الْمجْلس وَكنت حَاضرا ذَلِك جَمِيعه وَأمر أَن يسير مئة نقاب لتخريب سور عسقلان مَعَهم أَمِير كَبِير ولاخراج الفرنج مِنْهَا وَيكون مَعَهم جمَاعَة من الفرنج إِلَى حِين وُقُوع الخراب فِي السُّور خشيَة من استبقائه عَامِرًا فَفعل ذَلِك وَخَربَتْ
وَكَانَ يَوْم الصُّلْح يَوْمًا مشهودا غشي النَّاس من الطَّائِفَتَيْنِ من الْفَرح وَالسُّرُور مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى وَالله الْعَلِيم أَن الصُّلْح لم يكن من إيثاره فَإِنَّهُ قَالَ لي فِي عض محاوراته فِي الصُّلْح أَخَاف أَن أصالح وَمَا أَدْرِي أيش يكون مني فيقوى هَذَا الْعَدو وَقد بَقِي
لَهُم هَذِه الْبِلَاد فَيخْرجُونَ لاستعادة بَقِيَّة بِلَادهمْ وَترى كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة قد قعد فِي رَأس تله - يَعْنِي حصنه - وَقَالَ لَا أنزل وَيهْلك الْمُسلمُونَ
فَهَذَا كَلَامه وَكَانَ كَمَا قَالَ رحمه الله لكنه رأى الْمصلحَة فِي الصُّلْح لسأم الْعَسْكَر ومظاهرتهم بالمخالفة وَكَانَ مصلحَة فِي علم الله تَعَالَى فَإِنَّهُ اتّفقت وَفَاته بعيد الصُّلْح وَلَو كَانَ اتّفق ذَلِك فِي أثْنَاء الوقعات لَكَانَ الْإِسْلَام على خطر فَمَا كَانَ الصُّلْح إِلَّا تَوْفِيقًا وسعادة من الله رَحْمَة الله عَلَيْهِ
ورحل السُّلْطَان إِلَى النطرون وَاخْتَلَطَ العسكران وَذهب جمَاعَة من الْمُسلمين إِلَى يافا فِي طلب التِّجَارَة وَوصل خلق عَظِيم من الْعَدو إِلَى الْقُدس لِلْحَجِّ وَفتح السُّلْطَان لَهُم الْبَاب فِي ذَلِك وَنفذ مَعَهم الخفراء يحفظونهم حَتَّى يردوهم إِلَى يافا وَكَانَ غَرَض السُّلْطَان بذلك أَن يقضوا وطرهم من الزِّيَارَة ويرجعوا إِلَى بِلَادهمْ فَيَأْمَن الْمُسلمُونَ شرهم
وَلما علم الْملك كَثْرَة من يزور مِنْهُم صَعب عَلَيْهِ ذَلِك وسير إِلَى السُّلْطَان يسْأَله منع الزوار واقترح أَن لَا يَأْذَن لأحد إِلَّا بعد حُضُور عَلامَة من جَانِبه أَو بكتابه وَعلمت الفرنجيه ذَلِك فَعظم عَلَيْهَا واهتموا فِي الْحَج فَكَانَ يرد فِي كل يَوْم مِنْهُم جموع كَثِيرَة مقدمون وأوساط وملوك متنكرون وَشرع السُّلْطَان فِي إكرام من يرد
وَمد الطَّعَام لَهُم ومباسطتهم ومحادثتهم وعرفهم إِنْكَار الْملك ذَلِك وَأذن لَهُم السُّلْطَان فِي الْحَج وعرفهم أَنه لم يلْتَفت إِلَى منع الْملك من ذَلِك وَاعْتذر إِلَى الْملك بِأَن قوما قد وصلوا من ذَلِك الْبعد وَيسر لَهُم زِيَارَة هَذَا الْمَكَان الشريف لَا اسْتحلَّ مَنعهم
ثمَّ اشْتَدَّ الْمَرَض بِالْملكِ فَرَحل لَيْلَة الْأَرْبَعَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين من شعْبَان وَقيل إِنَّه مَاتَ وَسَار هُوَ والكند هري وَسَائِر المقدمين إِلَى جَانب عكا وَلم يبْق فِي يافا إِلَّا مَرِيض أَو عَاجز وَنَفر يسير ثمَّ أعْطى السُّلْطَان للنَّاس دستورا فَسَار عَسْكَر إربل والموصل وسنجار والحصن وأشاع رحمه الله أَمر الْحَج وَقَوي عزمه على بَرَاءَة الذِّمَّة مِنْهُ
قَالَ القَاضِي وَكَانَ هَذَا مِمَّا وَقع لي وبدأت بالاشارة بِهِ فِي يَوْم تَتِمَّة الصُّلْح وَوَقع مِنْهُ - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - موقعا عَظِيما وَأمر الدِّيوَان أَن كل من عزم على الْحَج من الْعَسْكَر يثبت اسْمه حَتَّى نحصي عدَّة من يدْخل مَعنا الطَّرِيق وَكتب جرائد بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الطَّرِيق من الْخلْع والأزواد وَغير ذَلِك وسيرها إِلَى الْبِلَاد ليعدوها
ورحل من النطرون رَابِع شهر رَمَضَان وَسَار حَتَّى أَتَى مار صمويل يفتقد أَخَاهُ الْعَادِل وَكَانَ مَرِيضا بهَا فَوَجَدَهُ قد سَار إِلَى الْقُدس وَكَانَ قد انْقَطع عَن أَخِيه مُدَّة بِسَبَب الْمَرَض وَكَانَ قد تماثل فَعرف بمجيء السُّلْطَان إِلَى مار صمويل لعيادته فَحمل على
نَفسه وَسَار حَتَّى لقِيه بذلك الْمَكَان وهوأول وُصُوله وَلم ينزل بعد وَنزل وَقبل الأَرْض وَعَاد ركب فاستدناه وَسَأَلَهُ عَن مزاجه وسارا جَمِيعًا حَتَّى أَتَيَا الْقُدس بَقِيَّة ذَلِك الْيَوْم
وَقَالَ الْعِمَاد عَاد السُّلْطَان بعد السّلم إِلَى الْقُدس لتفقد أَحْوَاله وَعرض رِجَاله واشتغل بتشييد أسواره وتحصينها وتخليد آثاره وتحسينها وتعميق خنادقه وتوثيق طرائقه وَزَاد فِي وقف الْمدرسَة سوقا بدكاكينها وأرضا ببساتينها وَكَذَلِكَ رتب أَحْوَال الصُّوفِيَّة فِي رعايتها وَالْوَقْف الكافل بكفايتها وَعين الْكَنِيسَة الَّتِي فِي شَارِع قمامة للبيمارستان وَنقل إِلَيْهِ العقاقير والأدوية من جَمِيع الْأَنْوَاع والألوان وأدار سور الْقُدس على قبَّة صهيون وأضافها إِلَى الْمَدِينَة وَأمر بإدارة الْخَنَادِق على الْجَمِيع وصمم الْعَزْم على الْحَج فَلم يُوَافقهُ الْقدر وتأسف على فَوَاته بعد أَن قدم مقدماته وَأقَام شهر رَمَضَان وأفاض الاحسان وفوض ولَايَة الْقُدس وأعمالها إِلَى عز الدّين جرديك حِين استعفى مِنْهَا حسام الدّين سياروخ وَولى مَمْلُوكه علم الدّين قَيْصر مَا دون الْقُدس كعمل الْخَلِيل وغزة والداروم وعسقلان
قلت وَلما بلغ القَاضِي الْفَاضِل من قبل السُّلْطَان أَنه عازم
على الْحَج كتب إِلَيْهِ مُشِيرا بتبطيله إِن الفرنج لم يخرجُوا بعد من الشَّام وَلَا سلوا عَن الْقُدس وَلَا وثق بعهدهم فِي الصُّلْح فَلَا يُؤمن مَعَ بَقَاء الفرنج على حَالهم وافتراق عسكرنا وسفر سلطاننا سفرا مُقَدرا مَعْلُوما مُدَّة الْغَيْبَة فِيهِ أَن يسروا لَيْلَة فيصبحوا الْقُدس على غَفلَة فيدخلوا إِلَيْهِ - وَالْعِيَاذ بِاللَّه - ويفرط من يَد الْإِسْلَام وَيصير الْحَج كَبِيرَة من الْكَبَائِر الَّتِي لَا تغْفر وَمن العثرات الَّتِي لَا تقال
ثمَّ قَالَ وحاج الْعرَاق وخراسان أَلَيْسَ هم مئتي ألف أَو ثَلَاث مئة ألف أَو أَكثر هَل يُؤمن أَن يُقَال قد سَار السُّلْطَان لطلب ثار وَسَفك دم وتشويش موسم فاقعدوا فَيكون تَارِيخ سوء أعوذ بِاللَّه مِنْهُ مَا هَذِه الشناعة ممتنعة الْوُقُوع وَلَا مستبعدة من الْعُقُول السخيفة فينعم الْمولى بتأمل مَا أنهاه الْمَمْلُوك مَسْتُورا فانه يسْأَل مَوْلَانَا أَن لَا يُشَارك أحدا فِيمَا يَكْتُبهُ لَا من مُهِمّ وَلَا من غير مُهِمّ
يَا مَوْلَانَا مظالم الْخلق كشفها أهم من كل مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله وَمَا هِيَ بِوَاحِدَة فِي أَعمال دمشق من مظالم من الفلاحين مَا يستغرب مَعَه وُقُوع الْقطر وَمن تسلط المقطعين على المنقطعين مَا
لَا يُنَادى وليده وَفِي وَادي بردى والزبداني من الفتنه الْقَائِمَة وَالسيف الَّذِي يقطر دَمًا مَا لَا زاجر عَنهُ وللمسلمين ثغور تُرِيدُ التحصين والذخيرة وَمن الْمُهِمَّات إِقَامَة وُجُوه الدخل وَتَقْدِير الخرج بحسبها فَمن المستحيل نَفَقَة من غير حَاصِل وَفرع من غير أصل وَهَذَا أَمر قد تقدم فِيهِ حَدِيث كثير وَعرضت للْمولى شواغل دونه ومشت الْأَحْوَال مشيا على ظلع فَلَمَّا خلت النوب - أعاذ الله من عودهَا - كَانَ خلو بَيت المَال أَشد مَا فِي الشدَّة وَلَيْسَ الْمَمْلُوك مطالبا بذخيرة تحصل إِنَّمَا يطْلب تمشية من حَيْثُ تَسْتَقِر
قلت وَلم يزل الْبَيْت الْمُقَدّس - شرفه الله تَعَالَى - ملحوظا بالعمارة والتحصين من عهد السُّلْطَان رحمه الله إِلَى سنة سِتَّة عشرَة وست مئة فَإِنَّهُ خرب فِي الْمحرم مِنْهَا بِسَبَب خُرُوج الفرنج - لعنهم الله - وانتشارهم فِي الْبِلَاد فخيف من استيلائهم عَلَيْهِ وَفِي السّنة الَّتِي قبلهَا توفّي الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب أَخُو السُّلْطَان وتشتت النَّاس بعد خرابه وَرَغبُوا عَن السُّكْنَى بِهِ
ورثاه الرئيس الْفَاضِل شهَاب الدّين أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن مُحَمَّد المجاور بقصيدة حَسَنَة مِنْهَا
(أعيني لَا ترقى من العبرات
…
صلي فِي البكا الأصال بالبكرات)
(لَعَلَّ سيول الدمع يطفئ فيضها
…
توقد مَا فِي الْقلب من جمرات)
(وَيَا قلب أَسعر نَار وَجدك كلما
…
خبت بادكار يبْعَث الحسرات)
(وَيَا فَم بح بالشجو مِنْك لَعَلَّه
…
يروح مَا ألْقى من الكربات)
(على الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي جلّ قدره
…
على موطن الاخبات والصلوات)
(على منزل الْأَمْلَاك وَالْوَحي وَالْهدى
…
على مشْهد الأبدال والبدلات)
(على سلم الْمِعْرَاج والصخرة الَّتِي
…
أنافت بِمَا فِي الأَرْض من صخرات)
(على الْقبْلَة الأولى الَّتِي اتجهت لَهَا
…
صَلَاة البرايا فِي اخْتِلَاف جِهَات)
(على خير معمور وَأكْرم عَامر
…
وأشرف مَبْنِيّ لخير بناة)
(وَمَا زَالَ فِيهِ لِلنَّبِيِّينَ معبد
…
يوالون فِي أرجائه السجدات)
(عَفا الْمَسْجِد الْأَقْصَى الْمُبَارك حوله الرفيع
…
الْعِمَاد العالي الشرفات)
(عَفا بَعْدَمَا قد كَانَ للخير موسما
…
وللبر والاحسان والقربات)
(يوافي إِلَيْهِ كل أَشْعَث قَانِت
…
لمَوْلَاهُ بر دَائِم الخلوات)
(خلا من صَلَاة لَا يمل مقيمها
…
توشح بِالْآيَاتِ والسورات)
(خلا من حنين التائبين وحزنهم
…
فَمن بَين نواح وَبَين بكاة)
(لتبك على الْقُدس الْبِلَاد بأسرها
…
وتعلن بالأحزان والترحات)
(لتبك عَلَيْهَا مَكَّة فَهِيَ أُخْتهَا
…
وتشكو الَّذِي لاقت إِلَى عَرَفَات)
(لتبك على ماحل بالقدس طيبَة
…
وتشرحه فِي أكْرم الحجرات)
(لقد أشمتوا عكا وصور بهدمها
…
وَيَا طالما غادتهما بشمات)
(لقد شتتوا عَنْهَا جمَاعَة أَهلهَا
…
وكل اجْتِمَاع مُؤذن بشتات)
(وَقد هدموا مجد الصّلاح بهدمها
…
وَقد كَانَ مجدا باذخ الغرفات)
(وَقد أخمدوا صَوتا وصيتا أثاره
…
لَهُم عظم مَا والوا من الْغَزَوَات)
(أما علمت أَبنَاء أَيُّوب أَنهم
…
بمسعاته عدوا من السروات)
(وَأَن افْتِتَاح الْقُدس زهرَة ملكهم
…
وَهل ثَمَر إِلَّا من الزهرات)
(فَمن لي بنواح يَنحن على الَّذِي
…
شجاني بِأَصْوَات لَهُنَّ شجاة)
(يرددن بَيْتا للخزاعي قَالَه
…
يؤبن فِيهِ خيرة الْخيرَات)
(مدارس آيَات خلت من تِلَاوَة
…
ومنزل وَحي مقفر العرصات)
قلت هَذَا الْبَيْت الْأَخير لدعبل بن عَليّ الْخُزَاعِيّ فِي أول قصيدة يرثي بهَا أهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهَذِه السّنة الَّتِي توفّي فِيهَا الْعَادِل قبل الَّتِي خرب فِيهَا الْقُدس هِيَ السّنة الَّتِي نزل فِيهَا الفرنج - خذلهم الله - على ثغر دمياط حرسه الله تَعَالَى وَهِي الْمرة الأولى فِي زَمَاننَا وَأَقَامُوا عَلَيْهِ إِلَى أَن استولوا عَلَيْهِ بعد أَن جرى لَهُم عَلَيْهِ نَحْو مِمَّا جرى لَهُم على عكا ثمَّ أَخذه الْمُسلمُونَ مِنْهُم وَقتلُوا وأسروا
ثمَّ إِن الفرنج استولوا عَلَيْهِ صلحا فِي سنة خمس وَعشْرين وست مئة وشرعوا فِي بِنَاء طَائِفَة مِنْهُ ثمَّ أخرجُوا مِنْهُ عنْوَة مرَّتَيْنِ أخرجهم فِي إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ مِنْهُ الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين دَاوُد بن الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَقَالَ فِيهِ حِينَئِذٍ بعض شعراء الْعَصْر
هَذَا الشَّاعِر هوالصاحب جمال الدّين يحيى بن