الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقيل أرسل الْعَادِل وَقَالَ أسلم إِلَيْكُم دمشق بعد سَبْعَة أشهر وتربص وتصبر فَخُذُوا يَمِيني وكلوني إِلَى ديني وَظن أَنهم لَا يوافقون وَفِي الْحصْر يضايقون فَلَمَّا أجابوه إِلَى هَذَا الملتمس وقعقعوا فِي الاستضاءة بِهَذَا القبس عرف أَنهم نادمون فِيمَا هم عَلَيْهِ من الْحصْر قادمون فَعَاد عَن هَذَا الْبَذْل وردهم إِلَى سنَن الْعدْل
وَقيل كَانَ يكْتب إِلَى الْأَفْضَل إِن الْأَمر انْفَصل مَعَ الظَّاهِر وانه يعاملك مُعَاملَة المسر لَا المجاهر فَخذ لنَفسك وأبدل معي وحشتك بأنسك وَيكْتب أَيْضا إِلَى الظَّاهِر إِن الْأَفْضَل قد صالحني وعَلى الرِّضَا صَافَحَنِي وَإنَّك تحصل على المضاغنة وستفضي بك المباينة إِلَى المعاينة
وَقيل إِنَّه كَانَ يكْتب فِي كل يَوْم أجوبة كتب قوم لم يكاتبوه ويجيبهم عَمَّا فِيهِ لم يخاطبوه وخبزت تِلْكَ الملطفات فِي عجين ثمَّ تفرق على من يقْصد الْعَسْكَر من الْمَسَاكِين فَإِذا فتشوا عثر على تِلْكَ الملطفات فبغت من كتب إِلَيْهِ وَلَا علم لَهُ بالآفات وعدوا من المخامرين فَصَارَ أَكثر الْعَسْكَر من المتهمين
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس مئة
وهم على ذَلِك والشتاء قد هجم وكل بأَمْره مهتم
ودهمهم أَيْضا خبر وُصُول الْملك الْكَامِل من الشرق وَخرج من دمشق جمَاعَة يظهرون أَنهم من الناصحين وترددوا إِلَيْهِم وَمِنْهُم غادين ورائحين وأبرقوا وأرعدوا وَقَالُوا غَدا يكون قدوم الْملك الْكَامِل فِي الجحفل الحافل وَمَعَهُ من المَال الصَّامِت إِلَى أَبِيه الْعَادِل فيستظهر بولده وَالْمَال وَالرِّجَال فَلَا يقْعد عَن النهوض إِلَى الْقِتَال وَالصَّوَاب أَن نتأخر قَلِيلا
فرحلوا إِلَى سفح جبل الْعقبَة وَبقيت أسواقهم مَمْلُوءَة وَبَاتُوا تِلْكَ اللَّيْلَة وهم لكل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ عادمون وعَلى مَا فرط مِنْهُم نادمون وَفقدُوا حَتَّى المَاء للشُّرْب وَكَانَت تِلْكَ الْحَالة كسرة قبل الْحَرْب فاضطربوا للمحل الْمُحِيل واضطروا إِلَى رَاحَة الرحيل
وَوصل الْكَامِل تَاسِع عشر صفر وَقد جمع التركمان واستصحب جند الرها وحران وَنزل فِي جوسق أَبِيه فَاسْتَبْشَرَ السُّلْطَان برحيلهم وقدوم ابْنه وقضت خشيَة الله بأمنه وَأقَام الْكَامِل حَتَّى توجه أَبوهُ إِلَى مصر فَخرج مَعَه أَيَّامًا ثمَّ عَاد وَلم يُؤثر مقَاما وانتقل إِلَى حران والرها واستقام بِهِ أمرهَا وَذَلِكَ حادي عشر ربيع الأول
وَأما المحاصرون فَإِنَّهُم انتقلوا من الْكسْوَة إِلَى مرج الصفر وسير الْملكَانِ الظَّاهِر والمجاهد بعض الأثقال إِلَى بانياس وأصحبا
بَقِيَّة أحمال الْملك الْأَفْضَل إِلَى مصر وودعاه وَكِلَاهُمَا سَار جَرِيدَة إِلَى مقره وَاسْتمرّ بعد ذَلِك على إمرار أمره
وَكلما رَحل الْقَوْم عَن منزل أحرقوا مَا لم يظفروا لَهُ بمحمل واستقلوا من مرج الصفر وَلم يلووا على أحد وَلم يعرجوا على بلد
وَأخذُوا فِي السّير والسرى وَذَهَبت آسادهم تروم معاودة الشرى وتبعهم الصلاحية ينزلون بعدهمْ فِي مَنَازِلهمْ ويخلفونهم فِي مناهلهم وَكَانَ الْقَوْم ظنُّوا أَنهم يقدرُونَ بمرج الصفر على الْإِقَامَة فَلَقوا من الْبرد مَا حضهم على النجَاة والسلامة وَهَذَا المرج بِقرب جبل الثَّلج فِي تموز لايقيم بِهِ إِلَّا لابس فَرْوَة فَكيف فِي كانون وَقد عرفُوا أَنهم الجانون حَيْثُ لم يلزموا القانون
وَأرْسلت الصلاحية إِلَى الْملك الْعَادِل يستعجلونه ويحثونه وَلَا يمهلونه فَخرج يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ربيع الأول وودع أَعْيَان الْبَلَد وَسَار وتلا من تقدمه إِلَى تل العجول وَأقَام حَتَّى اجْتمع أَتْبَاعه وَأرْسل إِلَى الْأَفْضَل الْعدْل النجيب أَبَا مُحَمَّد وَكَانَ صَلَاح الدّين رحمه الله يعْتَقد فِي صَلَاح دينه ويمكنه من خَواص حاجاته ويرسله فِي مهام الرسائل وَكَانَ مَدْلُول الرسَالَة ارْفُقْ فِي السّير وَوَافَقَ على الْخَيْر فَمَا عنْدك الْيَوْم من يصدقك وَأَنا لَك كالوالد وأبلغك مقصودك وأحالفك وَلَا أخالفك وأوافقك وَلَا أُفَارِقك
فَأَشَارَ على الْأَفْضَل جماعته بِأَن يرد جَوَاب الرسَالَة إِن
مقاربتي لَك بمباعدتك للصلاحية منوطة وموافقتي بمخالفتهم مَشْرُوطَة
فَلَمَّا سمع ذَلِك الصلاحية استشاطوا ونفروا وَاسْتَدَلُّوا بِهِ على أَنهم ظفروا وجد جدهم واحتد حَدهمْ فطووا المراحل إِلَى السانح وَكَانَ الْأَفْضَل على بلبيس وَقد تفرق مُعظم أَصْحَابه إِلَى أخبارهم وَجَمَاعَة مِنْهُم مَعَ الْعَادِل فِي الْبَاطِن كاتبوه وعَلى الابطاء عاتبوه
فَسَار الْجَمْعَانِ بَعضهم إِلَى بعض والتقوا فانكسر أَصْحَاب الْأَفْضَل وانهزموا فَدَخَلُوا الْقَاهِرَة وَأَغْلقُوا الْأَبْوَاب للمحاصرة وانْتهى الى الْأَفْضَل ان جمَاعَة مِنْهُم أرْسلُوا إِلَى الْعَادِل فِي اصلاح أَحْوَالهم وإنجاح آمالهم فَقَالَ سيف الدّين يازكوج للأفضل لكل زمَان عمل وَلكُل أَوَان أمل فَأصْلح الْأَمر كَيفَ تهيا فَلَا ملام على اللبيب بِأَيّ زِيّ تزيا فشرع الْأَفْضَل فِي إصْلَاح الْأَمر مَعَ عَمه وراسله على أَن يكون بِحكمِهِ ثمَّ سلم الْأَمر وَمر سالما وَحصل لَهُ من التجربة مَا عَاد بِهِ للعواقب عَالما
قَالَ وخيم الْعَادِل بِالْبركَةِ واستبد بِملك مصر آمنا من الشّركَة وَنفذ المقطعين إِلَى إقطاعهم وَنظر للصلاحية فِي صَلَاح ضياعهم وَأرْسل إِلَى الْأَفْضَل إِن وافقتني على مَا أُعْطِيك وَقبلت سعدت فَهَؤُلَاءِ الَّذين عنْدك مَا مِنْهُم إِلَّا من كتب إِلَيّ وتقرب وانتظر يومي وترقب وَهَذِه إضبارة كتبهمْ فتأملها وَإِن لم تصدقني فسلها وَاعْلَم أَنهم غروك وضروك وساؤوك بِمَا سروك
وَقيل لم يبْق من الْأُمَرَاء من لم يكْتب إِلَيْهِ وَلم يخَامر إِلَّا أَرْبَعَة أخلصهم سيف الدّين يازكوج فَلَمَّا عرف الْأَفْضَل صدق عَمه سلم الْمَسْأَلَة وَسَأَلَ المعدلة فقرر للأفضل فِي ديار بكر ميافارقين وأعمالها وجبل جور وحاني وجملين والمعاقل والحصون المحسوبة من ميافارقين فَرضِي بهَا مكْرها وَخرج إِلَى الشَّام مُتَوَجها لَيْلَة السبت سَابِع عشر ربيع الآخر فِي اللَّيْلَة الَّتِي دخل الْعَادِل فِي بكرتها الْقَاهِرَة فاستقر بدار السلطنة وَقدم سيف الدّين يازكوج وَحكمه واستبقى رضَا الناصرية بابقاء الْخطْبَة لِابْنِ الْعَزِيز وَلم ينافسهم مَعَ حُصُول الْمَعْنى لَهُ فِي التَّفْضِيل والتمييز وَأقَام وَهُوَ كل يَوْم فِي ارْتِفَاع وسيادة وقوته فِي نمو وَزِيَادَة
قَالَ ورد الْقَضَاء إِلَى القَاضِي صدر الدّين عبد الْملك بن درباس الْكرْدِي وَلم يزل قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية من الْأَيَّام الناصرية وَكَانَ نَائِبه القَاضِي زين الدّين عَليّ بن يُوسُف الدِّمَشْقِي وتعصب الْأُمَرَاء المتغلبون على الْملك الْعَزِيز فِي مراتبه بِصَرْف صدر الدّين وتوليه نَائِبه
وَلم يزل صدر الدّين مصروفا تاره بمحيي الدّين بن أبي عصرون وَتارَة بزين الدّين حَتَّى تعصب الْعَادِل لَهُ وَبعث الْعَزِيز على رده فَلَمَّا انْقَضتْ أَيَّام الْعَزِيز وَجَاء الْأَفْضَل كَانَ أول ماحمل عَلَيْهِ أَن صدر الدّين يعْزل وتولي زين الدّين للْقَضَاء
فَلَمَّا جَاءَت نوبَة الْعَادِل فِي هَذِه السّنة رد صدر الدّين إِلَى منصبه ورد التدريس بِالْمَدْرَسَةِ الشَّافِعِيَّة فِي التربة المقدسة وبالمشهد الشريف الْحُسَيْنِي الَّذِي أجري عَلَيْهِ حكم الْمدرسَة إِلَى شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين ابْن حمويه وَكتب إِلَيْهِ وَهُوَ بِدِمَشْق فاستدعاه وَقد كَانَ قبل ذَلِك ولاه فِي ممالكه الجزريه أُمُور المناصب الشَّرْعِيَّة والأمور الدِّينِيَّة ومدارس الشَّافِعِيَّة وربط الصُّوفِيَّة وَهُوَ قَاضِي قضاتها ووالي هداتها وهادي ولاتها وَله فِي مناصبه نواب وَفِي مراتبه أَصْحَاب
قَالَ وَلما دخل الْعَادِل الْقَاهِرَة استشعر أَصْحَاب الدَّوَاوِين مهابة الْوَزير صفي الدّين بن شكر الظَّاهِرَة وَنزل فِي الدَّار السُّلْطَانِيَّة فِي الْحُجْرَة الْفَاضِلِيَّةِ وتصدر فِي مَكَان مكانته وَشهر من قلمه عضب شهامته وَسيف صرامته وقمع المتجبرين وَوضع المتكبرين وَأخذ قَوس الوزارة باريها وأجرى الله الْأُمُور بِهِ أحسن مجاريها
قَالَ وَندب الْعَادِل من الأَسدِية والصلاحية أميرين كبيرين إِلَى الشَّام لاصلاح ذَات الْبَين بحمص وحماة وحلب وَغَيرهمَا وهما سراسنقر وكرجي