الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَذَا قَالَ صَلِيب الصلبوت وَقد نَص الْعِمَاد فِي (الْبَرْق) على أَنه الصَّلِيب الَّذِي كَانَ فَوق الصَّخْرَة وَهَذَا غير ذَلِك وَالله أعلم
ثمَّ إِن الْخَلِيفَة النَّاصِر اعتقل ابْنه هَذَا بعد مُدَّة فِي سنة إِحْدَى وست مئة وأراده على خلع نَفسه من ولَايَة الْعَهْد فَفعل وَأشْهد على نَفسه بذلك ثمَّ قضى الله سُبْحَانَهُ أَن أعَاد إِلَيْهِ ولَايَة الْعَهْد فِي أَوَاخِر عمره فَخَطب لَهُ بذلك وَنقش اسْمه على الدِّينَار وَالدِّرْهَم إِلَى أَن توفّي النَّاصِر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتَوَلَّى بعده فَأَقَامَ نَحْو تِسْعَة أشهر ولقب بِالظَّاهِرِ ثمَّ توفّي وَولي ابْنه الْمُسْتَنْصر الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الْمدرسَة بِبَغْدَاد ثمَّ توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَولي ابْنه المستعصم بِاللَّه وَهُوَ الْخَلِيفَة الْآن
قَالَ الْمُؤلف ثمَّ أهلكه التتار عَام استولوا على بَغْدَاد فِي أول سنة سِتّ وَخمسين وست مئة وَالله الْمُسْتَعَان
فصل فِي فتح شقيف أرنون
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَهُوَ مَوضِع حُصَيْن قريب من بانياس خرج السُّلْطَان من دمشق بعد صَلَاة الْجُمُعَة فِي الثَّالِث من ربيع الأول فَسَار حَتَّى نزل فِي مرج فلوس وَنزل من الْغَد يَوْم
السبت فِي مرج برغوث فَأَقَامَ بِهِ والعساكرتتتابع إِلَى حادي عشره ورحل إِلَى بانياس وَمِنْهَا إِلَى مرج عُيُون فخيم بِهِ وَهُوَ قريب من شقيف أرنون بِحَيْثُ يركب كل يَوْم يشارفه وَيعود والعساكر تَجْتَمِع وتطلبه من كل صوب
فَأَقَمْنَا أَيَّامًا نشرف كل يَوْم على الشقيف والعساكر الإسلاميه فِي كل يَوْم تصبح متزايدة الْعدَد وَالْعدَد وَصَاحب الشقيف يرى مَا يتَيَقَّن مَعَه عدم السَّلامَة فَرَأى أَن إصْلَاح حَاله مَعَه قد تعين طَرِيقا إِلَى سَلَامَته فَنزل بِنَفسِهِ وَمَا أحسسنا بِهِ إِلَّا وَهُوَ قَائِم على بَاب خيمة السُّلْطَان فَأذن لَهُ فَدخل فاحترمه وأكرمه وَكَانَ من كبار الفرنجية وعقلائها وَكَانَ يعرف بِالْعَرَبِيَّةِ وَعِنْده اطلَاع على شَيْء من التواريخ وَالْأَحَادِيث
قَالَ وَبَلغنِي أَنه كَانَ عِنْده مُسلم يقْرَأ لَهُ ويفهمه وَكَانَ عِنْده تأت فَحَضَرَ بَين يَدي السُّلْطَان وَأكل مَعَه الطَّعَام ثمَّ خلا بِهِ وَذكر أَنه مَمْلُوكه وَتَحْت طَاعَته وَأَنه يسلم الْمَكَان إِلَيْهِ من غير تَعب وَاشْترط أَن يعْطى موضعا يسكنهُ بِدِمَشْق فَإِنَّهُ لَا يقدر بعد ذَلِك على مساكنة الفرنج وإقطاعا بِدِمَشْق يقوم بِهِ وبأهله وَأَنه يُمكن من الاقامة بموضعه وَهُوَ يتَرَدَّد إِلَى الْخدمَة ثَلَاثَة أشهر من تَارِيخ الْيَوْم الَّذِي كَانَ فِيهِ حَتَّى يتَمَكَّن من تَخْلِيص أَهله وجماعته من صور وَيَأْخُذ مغل هَذِه السّنة فَأُجِيب إِلَى ذَلِك كُله وَأقَام يتَرَدَّد إِلَى خدمَة السُّلْطَان فِي كل وَقت ويناظرنا فِي دينه ونناظره فِي بُطْلَانه وَكَانَ حسن المحاورة متأدبا فِي كَلَامه
ثمَّ استفاض بَين النَّاس أَن صَاحب الشقيف فعل مَا فعله من المهلة غيلَة لَا أَنه صَادِق فِي ذَلِك وَإِنَّمَا قصد بِهِ تدفيع الزَّمَان وَظَهَرت لذَلِك مخايل كَثِيرَة من الْخَوْض فِي تَحْصِيل الْميرَة وإتقان الْأَبْوَاب فَرَأى السُّلْطَان أَن يصعد إِلَى سطح الْجَبَل ليقرب من الْمَكَان وَيمْنَع من دُخُول نجدة وميرة إِلَيْهِ وَأظْهر أَن سَبَب ذَلِك شدَّة حمو الزَّمَان والفرار من وخم المرج فَنزل صَاحبه وَسَأَلَ أَن يُمْهل تَمام سنة فماطله السُّلْطَان وَمَا آيسه وَقَالَ نفكر فِي ذَلِك ونجمع الْجَمَاعَة ونأخذ رَأْيهمْ ثمَّ وكل بِهِ من حَيْثُ لَا يشْعر إِلَى أَن كَانَ من أمره مَا سنذكر
قَالَ وَفِي أثْنَاء ربيع الأول وصل الْخَبَر بِتَسْلِيم الشوبك وَكَانَ قد أَقَامَ السُّلْطَان عَلَيْهِ جمعا عَظِيما يحاصرونه مُدَّة سنة حَتَّى فرغت أَزْوَادهم وسلموه بالأمان
وَقَالَ الْعِمَاد كَانَ الشقيف فِي يَد صَاحب صيدا أرناط وَقد أكمل فِي حفظه الِاحْتِيَاط فَنزل إِلَى خدمَة السُّلْطَان وَسَأَلَ أَن يُمْهل ثَلَاثَة أشهر يتَمَكَّن فِيهَا من نقل من بصور من أَهله وَأظْهر أَنه مُحْتَرز من علم المركيس - لَعنه الله - بِحَالهِ فَلَا يسلم من جَهله وَحِينَئِذٍ يسلم الْموضع بِمَا فِيهِ وَيدخل فِي طَاعَة السُّلْطَان ومراضيه ويخدمه على إقطاع يُغْنِيه وَعَن حب أهل دينه يسليه فَأكْرمه وقربه وَقضى أربه وأجابه إِلَى مَا سَأَلَهُ وَقبل مِنْهُ عَزِيزًا مَا بذله
بذله واقتنع بقوله وَلم يَأْخُذ رهينة وَوجد إِلَيْهِ سكونا وسكينة فشرع أرناط فِي إذالة حصنه وَإِزَالَة وهنه وترميم مستهدمه وتوفير غلاله وتدبير أَحْوَاله وَنحن فِي غرَّة من تحفظه وَفِي سنة من تيقظه
وَكَانَ يبْتَاع من عسكرنا الْميرَة وَيكثر فِيهِ الذَّخِيرَة وَقد أضمر الْغدر وَظن أَن لَهُ النَّصْر وَالسُّلْطَان حسن الظَّن بِهِ يحمل صدق الواشي بِهِ على كذبه وَكَانَ انْتِهَاء الْمدَّة يَوْم الْأَحَد ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَأقَام السُّلْطَان بالمرج ينْتَظر انسلاخ الْهُدْنَة وَتَسْلِيم الْحصن وَخَافَ إِن فَارقه أَن تَجِيء أَمْدَاد الفرنج إِلَيْهِ وَكَانَ مشفقا أَيْضا من جَانب أنطاكية لانْتِهَاء أشهر هدنتها فَكتب إِلَى تَقِيّ الدّين بالْمقَام فِي تِلْكَ الخطة وسير بذلك الْفَقِيه عِيسَى الهكاري وَلم يستدع إِلَّا صَاحب آمد قطب الدّين سكمان بن قرا أرسلان فجَاء فِي أمداده وأعداده ولازم السُّلْطَان فَلَمَّا قرب انْتِهَاء مُدَّة صَاحب الشقيف أحضرهُ السُّلْطَان فتضرع وَقَالَ إِن قومِي إِلَى الْآن لم يخلصوا من صور وَقد أَنْعَمت فأتمم وَسَأَلَ أَن تكون المهلة سنة فَعرف السُّلْطَان من فحوى الْخطاب أَمَارَات الارتياب فَكَلمهُ بإيناس وَمَا رده بياس فَأرْخى طوله وأرجى أمله