المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في وفاة القاضي الفاضل رحمه الله - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ٤

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي دُخُول السُّلْطَان رحمه الله السَّاحِل الآخر وَفتح مَا يسر الله تَعَالَى من بِلَاده

- ‌فصل فِي فتح أنطرطوس

- ‌فصل فِي فتح جبلة وَغَيرهَا

- ‌فصل فِي فتح اللاذقية

- ‌فصل فِي فتح صهيون وَغَيرهَا

- ‌فصل فِي فتح بكاس والشغر وسرمانية

- ‌فصل فِي فتح حصن برزيه

- ‌فصل فِي فتح حصن دربساك

- ‌فصل فِي فتح بغراس

- ‌فصل فِي عقد الْهُدْنَة مَعَ صَاحب أنطاكية وعود السُّلْطَان

- ‌فصل فِي فتح الكرك وحصونه

- ‌فصل فِي فتح صفد

- ‌فصل فِي فتح حصن كَوْكَب

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح شقيف أرنون

- ‌فصل

- ‌فصل فِي نزُول الفرنج - خذلهم الله - على عكا

- ‌فصل فِي المصاف الْأَعْظَم على عكا وَهِي الْوَقْعَة الْكُبْرَى الَّتِي بدأت بالسوأى وختمت بِالْحُسْنَى

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة بمرج عكا وَغَيره

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وُرُود خبر خُرُوج ملك الألمان

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي قدوم الْمُلُوك وحريق الأبراج

- ‌فصل فِيمَا كَانَ من أَمر ملك الألمان

- ‌فصل فِي الْوَقْعَة العادلية على عكا ظهر يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي إِدْخَال البطس إِلَى عكا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي إحراق مَا حوصر بِهِ برج الذبان وتحريق الْكَبْش

- ‌فصل فِي حوادث أخر مُتَفَرِّقَة فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي نُسْخَة الْكتاب إِلَى ملك الْمغرب والهدية

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذكر خُرُوج الفرنج - خذلهم الله - على عزم اللِّقَاء ووصولهم إِلَى رَأس المَاء

- ‌فصل فِي وقْعَة الكمين وَغَيرهَا وَدخُول الْبَدَل إِلَى عكا

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي مضايقة الْعَدو - خذله الله - لعكا - يسر الله فتحهَا - واستيلائهم عَلَيْهَا

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد انْفِصَال أَمر عكا

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد خراب عسقلان

- ‌فصل فِي بقايا حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي عزم الفرنج على قصد الْقُدس وَسَببه

- ‌فصل فِي تردد رسل الإنكلتير فِي معنى الصُّلْح وَمَا جرى فِي أثْنَاء ذَلِك إِلَى أَن تمّ وَللَّه الْحَمد

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد الْهُدْنَة

- ‌فصل فِي مسير السُّلْطَان رحمه الله من الْقُدس إِلَى دمشق

- ‌فصل فِي ذكر أُمُور جرت فِي هَذِه السّنة من وفيات وَغَيرهَا

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي مرض السُّلْطَان ووفاته أحله الله بحبوحة جناته

- ‌فصل فِي تَرِكَة السُّلْطَان وَوصف أخلاقه رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل فِي انقسام ممالكه بَين أَوْلَاده وَإِخْوَته وَبَعض مَا جرى بعد وَفَاته

- ‌فصل فِي وَفَاة صَاحب الْموصل وتتمة أَخْبَار هَذِه الْفِتْنَة بِبِلَاد الشرق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة أَربع وَتِسْعين وَخمْس مئة

- ‌وَدخلت سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس مئة

- ‌فَصل

- ‌فصل فِي وَفَاة جمَاعَة من الْأَعْيَان فِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة سِتّ وَتِسْعين

- ‌فصل فِي وَفَاة القَاضِي الْفَاضِل رحمه الله

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس مئة

الفصل: ‌فصل في وفاة القاضي الفاضل رحمه الله

مخدومك وخرجته وعَلى مَرَاتِب أخلاقك دَرَجَته وَقَالَ للفاضل أَنا خلصتك فِي أَيَّام شاور مرَّتَيْنِ ودافعت عَنْك دفعتين وَهَذِه قصائدك فِي مدحي ومقاصدك لمنحي وَكَانَ يعرف لتقادم عَهده وانتقاله فِي الْحَالَات مبادئ أَرْبَاب المناصب فِي الغايات فكرهه النواب ودحضوه ولمعارض النوائب عرضوه

وَكَانَ بِالْقَاهِرَةِ جاري وَبَاب دَاره مُقَابل بَاب دَاري وَأَنا أعينه فِي الْأَيَّام الصلاحية بأصلح إِعَانَة وأصونه بأرجح صِيَانة

‌فصل فِي وَفَاة القَاضِي الْفَاضِل رحمه الله

قَالَ الْعِمَاد وتمت فِي هَذِه السّنة الرزية الْكُبْرَى والبلية الْعُظْمَى وفجيعة أهل الْفضل بِالدّينِ وَالدُّنْيَا وَذَلِكَ بانتقال القَاضِي الْفَاضِل من دَار الفناء إِلَى دَار الْبَقَاء فِي دَاره بالقاهره سادس ربيع الآخر يَوْم الثُّلَاثَاء وَكَانَ يَعْنِي ذَلِك الْيَوْم بمصاف الْأَفْضَل يَوْم الكسرة وبمصاب الْفَاضِل يَوْم الْحَسْرَة

وَذكر أَنه لَيْلَة الثُّلَاثَاء فِي مدرسته صلى الْعشَاء وَجلسَ مَعَ

ص: 472

الْفَقِيه ابْن سَلامَة مدرسها وتحدث مَعَه مَا شَاءَ وشوهد من كل لَيْلَة أبش وأبسم وأهش وَقد طابت المحاضرة وطالت المسامرة

فانفصل إِلَى منزله صَحِيح الْبدن فصيح اللسن وَقَالَ لغلامه رتب حوائج الْحمام وعرفني حِين أَقْْضِي منى الْمَنَام فوافاه سحرًا للإعلام فَمَا اكترث بِصَوْت الْغُلَام وَلم يدر أَن كلم الْحمام حمى من الْكَلَام وَأَن وثوقه بِطَهَارَتِهِ من الْكَوْثَر أغناه عَن الْحمام

فبادر إِلَيْهِ وَلَده فألفاه وَهُوَ سَاكِت باهت فَعرف أَن الْقدر لَهُ باغت فَلبث يَوْمه لَا يسمع لَهُ إِلَّا أَنِين خَفِي علم مِنْهُ أَنه بِعَهْد الله وَفِي

ثمَّ قضى سعيدا وَمضى شَهِيدا حميدا فوقاه الله تَعَالَى الْوَصِيَّة فَكَانَت لَهُ بِسَيِّد الْأَوَّلين والآخرين أُسْوَة وَإِن يعرى عَن رِدَاء الْعُمر فَلهُ من حلل الْبَقَاء فِي عليين كسْوَة ولانه لم يبْق فِي مُدَّة حَيَاته عملا صَالحا إِلَّا وَقدمه وَلَا عهدا فِي الْجنَّة إِلَّا أحكمه وَلَا عقدا فِي الْبر إِلَّا أبرمه فَإِن صنائعه فِي الرّقاب وأوقافه على سَبِيل الْخيرَات متجاوزة عَن الْحساب لَا سِيمَا أوقافه لفكاك أُسَارَى الْمُسلمين إِلَى يَوْم الْحساب

وأعان طلبة الْعلم الشَّافِعِيَّة والمالكية عِنْد دَاره بِالْمَدْرَسَةِ والأيتام بِالْكتاب والخيرات الدارة على الْأَيَّام فَكَانَت حَيَاة لَهُ ثَانِيَة إِلَى يَوْم الْبَعْث وإعادة حَيَاة الْأَنَام

وَكَانَ رحمه الله للحقوق قَاضِيا وَفِي الْحَقَائِق مَاضِيا سُلْطَانه مُطَاع وَالسُّلْطَان لَهُ مُطِيع وفضله جَامع وَشَمل الْفضل بِهِ جَمِيع وَهُوَ وَاحِد الزَّمَان وَصَاحب الْقُرْآن قد خصّه الله بالمكانة ولامكان وَالسُّلْطَان رحمه الله من مفتتحات فتوحه ومختتماتها ومبادي أُمُور دولته وغاياتها مَا افْتتح الأقاليم إِلَّا بأقاليد آرابه وآرائه ومقاليد غناهُ وغنائه

وَكنت من حَسَنَاته محسوبا وَإِلَى مُنَاسِب آلائه مَنْسُوبا أعرف صناعته وَيعرف صناعتي وأعارض بضاعته الثمينة بمزجاة بضاعتي وَلم يزل يجذب بضبعي ويجلب نفعي وَمَا أوسع ذرعه للخطاب فِي شغلي إِذا ضَاقَ بالخطب الشاغل ذرعي

وَكَانَت كِتَابَته النَّصْر ويراعته رائعه الدَّهْر وبراعته بَارِية للبر وَعبارَته فِي عقد السحر وَكَانَت بلاغته للدولة مجملة وللمملكة مكملة وللعصر الصلاحي على سَائِر الْأَعْصَار مفضلة ومفتتحاته فِي الفتوحات البديعة بديعة ومخترعاته فِي الصَّنَائِع المخترعة صَنِيعَة وَإِنَّمَا نسجت على منواله ومزجت من جرياله وَرويت بزلاله

وَهُوَ الَّذِي نسخ أساليب القدماء بِمَا أقدمه من الأساليب وأغربه من الابداع وأبدعه من الْغَرِيب وَمَا ألفيته كرر ذكره فِي مُكَاتبَة وَلَا ردد لفظا فِي مُخَاطبَة بل تَأتي فصوله مبتكرة مبتدهة مبتدهة لَا مفتكرة بِالْعرْفِ والعرفان معرفَة لَا نكرَة

ص: 473

وَكَانَ رحمه الله للحقوق قَاضِيا وَفِي الْحَقَائِق مَاضِيا سُلْطَانه مُطَاع وَالسُّلْطَان لَهُ مُطِيع وفضله جَامع وَشَمل الْفضل بِهِ جَمِيع وَهُوَ وَاحِد الزَّمَان وَصَاحب الْقُرْآن قد خصّه الله بالمكانة والامكان وَالسُّلْطَان رحمه الله من مفتتحات فتوحه ومختتماتها ومبادي أُمُور دولته وغاياتها مَا افْتتح الأقاليم إِلَّا بأقاليد آرابه وآرائه ومقاليد غناهُ وغنائه

وَكنت من حَسَنَاته محسوبا وَإِلَى مُنَاسِب آلائه مَنْسُوبا أعرف صناعته وَيعرف صناعتي وأعارض بضاعته الثمينة بمزجاة بضاعتي وَلم يزل يجذب بضبعي ويجلب نفعي وَمَا أوسع ذرعه للخطاب فِي شغلي إِذا ضَاقَ بالخطب الشاغل ذرعي

وَكَانَت كِتَابَته كتائب النَّصْر ويراعته رائعة الدَّهْر وبراعته بَارِية للبر وَعبارَته فِي نافثة عقد السحر وَكَانَت بلاغته للدولة مجملة وللمملكة مكملة وللعصر الصلاحي على سَائِر الْأَعْصَار مفضلة ومفتتحاته فِي الفتوحات البديعة بديعة ومخترعاته فِي الصَّنَائِع المخترعة صَنِيعَة وَإِنَّمَا نسجت على منواله ومزجت من جرياله وَرويت بزلاله

وَهُوَ الَّذِي نسخ أساليب القدماء بِمَا أقدمه من الأساليب وأغربه من الابداع وأبدعه من الْغَرِيب وَمَا ألفيته كرر دُعَاء ذكره فِي مُكَاتبَة وَلَا ردد لفظا فِي مُخَاطبَة بل تَأتي فصوله مبتكرة مبتدعة مبتدهة لَا مفتكرة بِالْعرْفِ والعرفان معرفَة لَا نكرَة

ص: 474

وَكَانَت الدولة بادالته تدال والزلة بازالته تزَال والكرام فِي ظله يقيلون وَمن عثرات النوائب بفضله يستقيلون وبعز حمى حمايته يعزون ولهز عطف عطفه يهتزون فالى من الْوِفَادَة بعده وَمِمَّنْ الافادة وفيمن السِّيَادَة وَلمن السَّعَادَة وَالْحَمْد لله الَّذِي لَهُ الْغَيْب وَالشَّهَادَة و {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} ولأمره منقادون

وَقد وَصفه الْعِمَاد أَيْضا فِي كتاب الخريدة فِي الْقسم الرَّابِع فِي ذكر محَاسِن فضلاء مصر وأعمالها فَقَالَ وَقبل شروعي فِي ذكر أَعْيَان مصر وأحاسنها ومزايا فضلائها ومزاينها أقدم ذكر من جَمِيع أفاضل الدَّهْر وأماثل الْعَصْر كالقطرة فِي تيار بحره بل كالذرة فِي أنوار فجره وَهُوَ الْمولى القَاضِي الْأَجَل الْفَاضِل الأسعد أَبُو عَليّ عبد الرَّحِيم بن القَاضِي الْأَشْرَف أَبى الْمجد عَليّ بن الْحسن البيساني صَاحب الْقُرْآن العديم الأقران وَوَاحِد الزَّمَان الْعَظِيم الشان رب الْقَلَم وَالْبَيَان واللسن وَاللِّسَان والقريحة الوقادة والبصيرة النقادة والبديهة المعجزة والبديعة المطرزة وَالْفضل الَّذِي مَا سمع فِي الْأَوَائِل مِمَّن لَو عَاشَ فِي زَمَانه لتَعلق بغباره أَو جرى فِي مضماره فَهُوَ كالشريعة المحمدية الَّتِي نسخت الشَّرَائِع ورسخت بهَا الصَّنَائِع يخترع الأفكار ويفترع الْأَبْكَار ويطلع الْأَنْوَار ويبدع الأزهار

وَهُوَ ضَابِط الْملك بآرائه ورابط السلك بآلائه إِن شَاءَ أنشأ

ص: 475

فِي يَوْم وَاحِد بل فِي سَاعَة مَا لَو دون لَكَانَ لأهل الصِّنَاعَة خير بضَاعَة أَيْن قس عِنْد فَصَاحَته وَأَيْنَ قيس فِي مقَام حصافته وَمن حَاتِم وَعَمْرو فِي سماحته ومماسته

فَضله بالافضال حَال وَنجم قبُوله فِي أفق الاقبال عَال لَا من فِي فعله وَلَا مين فِي قَوْله وَلَا خلف فِي وعده وَلَا بطء فِي رفده

الصَّادِق الشيم السَّابِق بِالْكَرمِ ذُو الْوَفَاء والمروة والصفاء والفتوة والتقى وَالصَّلَاح والندى والسماح

منشر رفات الْعلم وناشر راياته وجالي غيابات الْفضل وتالي آيَاته وَهُوَ من أَوْلِيَاء الله الَّذين خصوا بكرامته وَأَخْلصُوا لولايته وَقد وَفقه الله للخير كُله وَفضل هَذَا الْعَصْر على الْأَعْصَار السالفة بفضله ونبله فَهُوَ مَعَ مَا يَتَوَلَّاهُ من أشغال المملكة الشاغلة ومهماته المستغرقة فِي العاجلة لَا يغْفل عَن الآجلة وَلَا يفتر عَن الْمُوَاظبَة على نوافل صلَاته ونوافل صلَاته وَحفظ أوراده ووظائفه وَبث أصفاده وعوارفه وَيخْتم كل يَوْم من الْقُرْآن الْمجِيد ويضيف إِلَيْهِ مَا شَاءَ الله من الْمَزِيد

وَأَنا أوثر أَن أفرد لنظمه ونثره كتابا فانني أغار من ذكره مَعَ الَّذين هم كالسها فِي فلك شمسه وذكائه وكالثرى عِنْد ثريا علمه

ص: 476

وذكائه فَإِنَّمَا تبدو النُّجُوم إِذا لم تبرز الشَّمْس حاجبها ويحجب نور الغزالة عِنْد إشراقها كواكبها ولانه لَا يُؤثر أَيْضا إِثْبَات ذَلِك فَأَنا ممتثل لأَمره المطاع مُلْتَزم لَهُ قانون الِاتِّبَاع وَاضع أُذُنِي لإذنه قَابض يَمِيني على يمنه راكن بأملي إِلَى رُكْنه قاطن برجائي فِي ظلّ أَمنه أفترض رِضَاهُ وَلَا أعترض على مَا يحكم بِهِ وَيَرَاهُ وَلَا أقوم إِلَّا حَيْثُ يقيمني وَلَا أسوم إِلَّا مَا يسومني ولاأعرف يدا ملكتني غير يَده وَلَا أتصدى إِلَّا لما جعلني بصدده وأسأل الله التَّوْفِيق للثبات على هَذِه السّنَن وانتهاج جدده

وَهُوَ أَحَق ممدوحي بمدحي وأقضاهم لحقه وأسماهم فِي أفقه وأولاهم بصدقه وأهداهم إِلَى طرقه ولي فِيهِ مدائح منظومة ومنثورة ومقاصد معاهدها بفضله معمورة وقصائد قلائدها على مجده موفورة

ص: 477

ثمَّ ذكر مِنْهَا بعض مَا تقدم ذكره فِي مَوَاضِع من هَذَا الْكتاب وَله فِيهِ من قصيدة أَولهَا

(بحياتكم مَا عنْدكُمْ بعدِي

فسوى الأسى مَا بعدكم عِنْدِي)

(مَا للأحبة لَا عدمتهم

رَغِبُوا عَن الاسعاد فِي الزّهْد)

(إِن لم يفوا فَلَقَد وفى كرما

عبد الرَّحِيم بِذِمَّة الْمجد)

(ذُو الرُّتْبَة الشماء والشرف العالي

السنا والسؤدد الْعد)

(النَّاس كلهم لَهُ تبع

فِي فَضله والدهر كَالْعَبْدِ)

(كم غاص بَحر بنانه فغدا

در الْبَيَان يساق فِي العقد)

(إِن سود الْبَيْضَاء بيض من

ثوب اللَّيَالِي كل مسود)

(قلم أقاليم الْبِلَاد بِهِ

وثغورها للضبط والسد)

(ملك كتيبته كِتَابَته

فَرد بِجَيْش النَّصْر فِي جند)

(الأسمر الخطي تَابعه

فِي حكمه والأبيض الْهِنْدِيّ)

(والنائبات بحده أبدا

مثلومة مفلولة الْحَد)

وَهِي طَوِيلَة

ثمَّ قَالَ وَلَو أوردت من كَلَامه طرفا لظهر عجز الأفاضل

ص: 478

وَاعْتَرَفت بالقصور ذَوُو الْفَضَائِل فَلَا يحسن ذكر الْبَحْر فِي الجداول وَلَا الْعَرْش فِي الْمنَازل فَأَنا أوثر أَن أفرده بقسم لَا يمتزج بسواه وَلَا يتبهرج بِهِ من فِي جملَته أوردناه وَلَعَلَّه يَأْذَن لي فِي ذَلِك فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا نَفاذ للتَّصَرُّف إِلَّا بعد الفكاك من رَهنه

قلت وَقد قَالَت الشُّعَرَاء فِيهِ فَأَكْثرُوا وَقد تقدم لأبي الْحسن بن الذروي فِيهِ أَبْيَات حَسَنَة عَامي حجه

وللتاج أبي الْفَتْح البلطي فِيهِ

(لله عبد رَحِيم

يدعى بِعَبْد الرَّحِيم)

(على صِرَاط سوي

من الْهدى مُسْتَقِيم)

(ينمى إِلَى شرف فِي

ذرى الْمَعَالِي صميم)

ص: 479

(مهذب حَاز مَا شِئْت

من تقى وعلوم)

(نسك ابْن مَرْيَم عِيسَى

وهدي مُوسَى الكليم)

(يرى التَّهَجُّد أنسا

فِي جنح ليل بهيم)

(مسهد الطّرف يَتْلُو

آي الْقُرْآن الْعَظِيم)

وللقاضي السعيد هبة الله بن سناء الْملك فِيهِ من قصيدة

(عبد الرَّحِيم على الْبَريَّة رَحْمَة

أمنت بصحبتها حُلُول عقابها)

(يَا سَائِلًا عَنهُ وَعَن أَسبَابه

نَالَ السَّمَاء فسله عَن أَسبَابهَا)

(والدهر يعلم أَن فيصل خطبه

بخطى يراعته وَفصل خطابها)

(وَلَقَد علت رتب الْأَجَل على الورى

بسمو منصبها وَطيب نصابها)

(واتته خاطبة إِلَيْهِ وزارة

ولطالما أعيت على خطابها)

(مَا لقبوه بهَا لَان يَعْلُو بهَا

أسماؤه أغنته عَن ألقابها)

(قَالَ الزَّمَان لغيره إِذْ رامها

تربت يَمِينك لست من أترابها)

(اذْهَبْ طريقك لست من أَرْبَابهَا

وارجع وَرَاءَك لست من أَصْحَابهَا)

(وبعز سيدنَا وَسيد عزنا

ذلت من الْأَيَّام شمس صعابها)

(وَأَتَتْ سعادته إِلَى أبوابه

لَا كَالَّذي يسْعَى إِلَى أَبْوَابهَا)

(تعنو الْمُلُوك لوجهه بوجوهها

لَا بل تساق لبابه برقابها)

ص: 480

(شغل الْمُلُوك بِمَا يَقُول وَنَفسه

مَشْغُولَة بِالذكر فِي مِحْرَابهَا)

(فِي الصَّوْم والصلوات أتعب نَفسه

وَضَمان رَاحَته على إتعابها)

(وتعجل الاقلاع عَن لذاته

ثِقَة بِحسن مآلها ومآبها)

(فلتفخر الدُّنْيَا بسائس ملكهَا

مِنْهُ ودارس علمهَا وكتابها)

(صوامها قوامها علامها

عمالها بذالها وهابها)

وَله فِيهِ أَيْضا من أُخْرَى

(وَسَأَلت من أَي الْمَعَادِن ثغرها

فَوجدت من عبد الرَّحِيم المعدنا)

(أَبْصرت جَوْهَر ثغرها وَكَلَامه

فَعلمت حَقًا أَن هَذَا من هُنَا)

(ذَاك الْكَلَام من الْكَمَال بمنزل

لَا يدْرك السَّاعِي إِلَيْهِ سوى العنا)

(يدنو من الأفهام إِلَّا أَنه

يلقاه أبعد مَا يكون إِذا دنا)

قلت كَانَ وَالِده تولى الْقَضَاء بعسقلان وأنفذ وَلَده الْفَاضِل إِلَى مصر فاتصل بِكِتَاب الدولة المصرية أبي الْفَتْح ابْن قادوس وَغَيره وَفتح الله عَلَيْهِ فِي هَذِه الصِّنَاعَة ففاق فِيهَا أهل عصره مُضَافا إِلَى مَا منحه الله تَعَالَى من علو قدره

وَقد سبق من ترسلاته مَا يشْهد لعَظيم أمره وقرأت من نظمه

ص: 481

(وَسيف عَتيق للعلاء فَإِن يقل

رَأَيْت أَبَا بكر فَقل وعتيق)

(فزر بَابه فَهُوَ الطَّرِيق إِلَى الندى

ودع كل بَاب مَا إِلَيْهِ طَرِيق)

وَله أَيْضا

(سبقتم بإسداء الْجَمِيل تكرما

وَمَا مثلكُمْ فِيمَن تحدث أَو حكى)

(وَقد كَانَ ظَنِّي أَن أسابقكم بِهِ

وَلَكِن بَكت قبلي فهيج إِلَى البكا)

وَدفن رحمه الله بمقبرته بالقرافة

وقرأت فِي تَارِيخ أبي عَليّ حسن بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل القليوبي الَّذِي ذيله على تَارِيخ أبي الْقَاسِم السمناني قَالَ حَدثنِي الْملك المحسن أَحْمد ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين أَن يَوْم مَاتَ الْفَاضِل اتّفق دُخُول السُّلْطَان الْملك الْعَادِل إِلَى مصر وَأَخذهَا من ابْن أَخِيه الْأَفْضَل قَالَ دخل الْعَادِل من بَاب وَخَرجْنَا نسرع بالجنازة من بَاب آخر

قَالَ وَأكْثر أهل مصر يذكرُونَ أَن كتبه الَّتِي جمعهَا مِقْدَار مئة ألف مُجَلد وَكَانَ يجمعها من سَائِر الْبِلَاد

قَالَ وَسمعت قَاضِي الْقُضَاة ضِيَاء الدّين الْقَاسِم بن يحيى الشهرزوري بِبَغْدَاد أَيَّام ولَايَته يحدث أَن القَاضِي الْفَاضِل لما سمع

ص: 482