الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: نصيب الفقراء من الزكاة:
يُعطى الفقير من الزكاة ما يُكَمِّلُ له كفايته من النفقة حولاً كاملاً، والمعتبر: كفايته وكفاية من يمونه: من الأكل، والشرب، والسكن، والكسوة، والإعفاف بالزواج إن لم يستطع الزواج إلا بأخذه من الزكاة؛ فإنه يعطى ما يكفيه للمهر ولو كان كثيراً، من غير إسرافٍ ولا تقتير (1).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((فيأخذ منها - أي الزكاة - كل حول: ما يكفيه إلى مثله - أي إلى الحول الثاني - ويعتبر وجود الكفاية له، ولعائلته، ومن يمونه؛ لأن كل واحد منهم مقصودٌ دفع حاجاته، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد)) وقال: ((
…
وهذا؛ لأن الدفع إنما هو إلى العيال، وهذا نائب عنهم في الأخذ)) (2).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((الفقراء والمساكين: وهم الذين لا يجدون كفايتهم، وكفاية عائلاتهم: لا من نقود حاضرةٍ، ولا من رواتب ثابتة، ولا من صناعة قائمة، ولا من غلةٍ كافية، ولا من نفقاتٍ على غيرهم واجبة، فهم في حاجة إلى مواساةٍ ومعونةٍ، قال العلماء: فيعطون من الزكاة ما يكفيهم وعائلاتهم لمدة سنة كاملة، حتى يأتي حول الزكاة مرة ثانية، ويُعطى الفقير لزواجٍ يحتاج إليه ما يكفي لزواجه، [ويعطى] طالب العلم [الشرعي] الفقير؛ لشراء كتبٍ يحتاجها، ويعطى من له راتب لا يكفيه وعائلته من الزكاة ما يكمل كفايتهم؛ لأنه ذو حاجة، وأما من كان له كفاية فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة وإن سألها، بل
(1) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 220.
(2)
المغني، لابن قدامة، 4/ 123.
الواجب نصحه وتحذيره من سؤال ما لا يحلُّ له
…
)) (1)(2).
(1) مجالس شهر رمضان، للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، ص81 - 82، وانظر: الشرح الممتع له، 4/ 219 - 223.
(2)
اختلف العلماء رحمهم الله في المقدار الذي يعطى للفقير والمسكين من الزكاة على النحو الآتي:
القول الأول: يعطى الفقير كفايته، وكفاية من يعولهم سنة كاملة، وبه قال الحنابلة، والمالكية، وأحد قولي الشافعي. [وتقدم تفصيل ذلك في متن هذه الرسالة].
القول الثاني: يُعطى كلٌّ من الفقير والمسكين كفاية العمر، وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام. وبه قال الشافعية في الأصح عندهم، وبه قال بعض الحنابلة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وذكر النووي أنه مذهب الشافعي.
القول الثالث: لا يجوز أن يُعطى الرجل من الزكاة أكثر من خمسين درهماً، وكذلك يعطى كل من تحت نفقته كل واحد مثل ذلك، ولا يتجاوز ما يعطى كل واحد منهم خمسين درهماً. وهو رواية عن أحمد، ولكن رُدَّ بأن حديث ابن مسعود في هذه المسألة ضعيف.
القول الرابع: لا تجوز الزيادة في العطاء على نصاب النقود: أي ما يساوي مائتي درهمٍ، فاضلاً عما يحتاج إليه من مسكن، وخادم، وأثاث، وفرس، وإذا كان له من يعوله فيأخذ كل واحد منهم مقدار النصاب، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
والصواب القول الأول: هو أن الفقير أو المسكين يُعطى ما يكفيه ويكفي من ينفق عليهم سنة كاملة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((حبس لأهله قوت سنة)) [متفق عليه: البخاري، كتاب النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، برقم 5357، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، برقم 1756، ولفظ مسلم هنا: ((كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيلٍ ولا ركابٍ، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة [أي يعزل لهم نفقة سنة، ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة في وجوه الخير] وما بقي يجعله في الكراع [أي الدواب التي تصلح للحرب] والسلاح وعدة في سبيل الله [انظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 117 - 130، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 205 - 222، ومصارف الزكاة وتمليكها، ص168 - 185، والموسوعة الفقهية الكويتية، 23/ 316 - 317، وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 297 - 330، والكافي لابن قدامة، 2/ 195، والشرح الممتع، 6/ 320 - 322، ومنتهى الإرادات، 1/ 515، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، 2/ 442 - 450، وحاشية الروض المربع، للأساتذة بإشراف الطيار، 4/ 213، والمجموع للنووي، 6/ 203، و 6/ 199].
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وإذا كان للمرأة الفقيرة زوج موسر ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة إليها؛ لأن الكفاية حاصلةٌ لها بما يصلها من النفقة الواجبة، فأشبهت من له عقار يستغني بأجرته، وإن لم ينفق عليها وتعذر ذلك جاز الدفع إليها، كما لو تعطلت منفعة العقار، وقد نصَّ أحمد على هذا)) (1).
وقد يملك الإنسان نصاباً من أي نوع من أنواع المال - ولكن هذا المال لا يقوم بكفايته؛ لكثرة عياله، أو لغلاء السعر - فهو غني من حيث إنه يملك نصاباً فتجب الزكاة في ماله، وفقير من حيث إن ما يملكه لا يقوم بكفايته، فيُعطى من الزكاة كالفقير - ما يكمِّل له كفايته.
مثال ذلك: رجل عنده عشرون ألف ريال، ولكن له أربع زوجات، وله من كل زوجة عشرة أولاد، وله أب وأم تحت رعايته ينفق على الجميع، والسكن بالإيجار، وهذا المبلغ لا يقوم بكفايته سنة كاملة، فله أن يأخذ ما يكمل كفايته لمدة عام.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((قال الميموني: ذاكرت أبا عبد الله - أحمد بن حنبل - فقلت: قد يكون للرجل: الإبل، والغنم، تجب فيها الزكاة، وهو فقير، ويكون له أربعون شاة، وتكون له الضيعة - المزرعة - لا تكفيه، فَيُعطى من الزكاة؟ قال: ((نعم)). وذكر قول عمر: أعطوهم وإن راحت عليهم الإبل كذا وكذا)) (2)
…
وقال في رواية محمد بن الحكم: إذا كان له
(1) المغني، لابن قدامة، 4/ 123، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 286. وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 299، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 269 - 270.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة، كتاب الزكاة، باب من قال ترد الصدقة في الفقراء، 3/ 205.
عقار يستغله، أو ضيعة تساوي عشرة آلاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة، وهذا قول الشافعي (1)؛ لأنه لا يملك ما يغنيه، ولا يقدر على كسب ما يكفيه، فجاز له الأخذ من الزكاة، كما لو كان ما يملكه لا تجب فيه الزكاة؛ لأن الفقر عبارة عن الحاجة، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى الله} (2) أي المحتاجون إليه)) (3)، والله تعالى أعلم (4).
(1) وقال أصحاب الرأي: ليس له أن يأخذ منها إذا ملك نصاباً زكوياً؛ لأنه تجب عليه الزكاة فلم تجب له، للخبر [المغني لابن قدامة، 4/ 122].
(2)
سورة فاطر، الآية:15.
(3)
المغني لابن قدامة، 4/ 121 - 122.
(4)
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حدِّ الغنى المانع من أخذ الزكاة على أقوال:
القول الأول: قول الجمهور: من المالكية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد: أن الغنى ما تحصل به الكفاية، فإذا لم يكن محتاجاً حرمت عليه الصدقة، وإن لم يملك شيئاً، وإن كان محتاجاً حلَّت له الصدقة وإن كان يملك نصاباً أو نُصُباً، والأثمان وغيرها في هذا سواء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لقبيصة: ((لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش [مسلم، برقم 1044] فمدَّ إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد؛ لأن الحاجة هي الفقر، والغنى ضدها.
القول الثاني: رواية عن الإمام أحمد وهي الظاهر من مذهبه: أن من ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب، أو وجد ما تحصل به الكفاية على الدوام: من كسب، أو تجارة أو عقار، أو نحو ذلك، فهو غني لا يحل دفع الزكاة إليه. أما إذا ملك من العروض، أو السائمة، أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيًّا، حتى ولو ملك نصباً، ففي هذه الرواية: التفريق بين الأثمان وغيرها.
القول الثالث: قول الحسن، وأبي عبيد: الغِنى ملك أوقية، وهي: أربعون درهماً.
القول الرابع: قول أبي حنيفة: الغنى الموجب للزكاة هو المانع من أخذها، فمن ملك نصاباً من أي أنواع المال فهو غني لا تدفع إليه الزكاة حتى ولو كان لا يكفيه.
والصواب إن شاء الله: القول الأول، والله أعلم.
[المغني لابن قدامة، 4/ 118 - 121، والموسوعة الفقهية الكويتية، 23/ 313، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 216 - 221، ومصارف الزكاة، ص166 - 191.