الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 – لا يحقرن من الصدقة شيئاً
، ولو شق تمرة، ولو فرسن شاة، وجاء في ذلك أحاديث، منها ما يأتي:
الحديث الأول: حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربُّهُ، ليس بينه وبينه ترجمان [ولا حجاب يحجبه] فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة [ولو بكلمة طيبة])) (1).
وفي لفظ: ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النار، فأعرض، [وأشاح بوجهه] ثم قال:((اتقوا النار))، ثم أعرض وأشاح [بوجهه] حتى ظننا أنه كأنما ينظر إليها، ثم قال:((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)). وفي لفظ للبخاري: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النار، فتعوذ منها وأشاح بوجهه، ثم ذكر النار، فتعوذ منها وأشاح بوجهه [ثلاثاً] ثم قال:((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة)) (2).
وذكر النووي رحمه الله: أن شق تمرة: نصفها، وجانبها، وفيه الحث على الصدقة، وأنه لا يُمتنع منها لقلتها، وأن قليلها سبب للنجاة من النار، وأن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار، وهي الكلمة التي فيها تطييب قلب
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب: اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة، برقم 1413، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار، برقم 1016.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 1413، 1417، 3595، 6023، 6539، 6540، 6563، 7443، 7512، ومسلم، برقم 68 1016) وتقدم تخريجه في الذي قبله.
الإنسان إذا كانت مباحة أو طاعة (1)(2).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفيه الحث على الصدقة، وقبول الصدقة، ولو قلَّت، وقد قُيِّدَت في الحديث بالكسب الطيب، وفيه إشارة إلى ترك احتقار القليل من الصدقة وغيرها)) (3).
الحديث الثاني: حديث أم بجيد رضي الله عنها، وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: يا رسول الله! صلى الله عليك، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئاً أعطيه إيَّاه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن لم تجدي له شيئاً تعطينه إيَّاه إلا ظلفاً (4) محرقاً فادفعيه إليه في يده)) (5).
الحديث الثالث: حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ)) (6).
(1) انظر: شرح النووي، 7/ 106.
(2)
وقوله: ((أشاح بوجهه)) قيل نحاه وعدل به، وصد وانكمش، وصرف وجهه كالخائف أن تناله، وقال الأكثرون: المشيح: الحذر، والجاد في الأمر، وقيل: المقبل، وقيل: الهارب، وقيل: المقبل إليك، المانع لما وراء ظهره، فأشاح هنا يحتمل هذه المعاني: أي حذر النار كأنه يراها، أو جد في الإيضاح بإيقانها، أو أقبل إليك خطاباً، أو أعرض كالهارب. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 106، وفتح الباري، 11/ 405.
(3)
فتح الباري، لابن حجر، 11/ 405.
(4)
((ظلفاً)) الظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس، والبغل، والخف للبعير، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/ 159.
(5)
أبو داود، كتاب الزكاة، باب حق السائل، برقم 1667، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في حق السائل، برقم 665، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 464، وفي صحيح سنن الترمذي، 1/ 359.
(6)
مسلم، كتاب البر والصلة، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، برقم 2626.
الحديث الرابع: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((يا نساء المسلمات! لا تحقرن جارةٌ لجارتها ولو فِرسِنِ (1) شاةٍ)) (2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير، وقبوله، لا إلى حقيقة الفرسن؛ لأنه لم تجرِ العادة بإهدائه، أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها؛ لاستقلاله، بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر، وإن كان قليلاً، وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير؛ لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت)) (3).
الحديث الخامس: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لو دعيت إلى كُراعٍ لأجبت، ولو أُهدي إليَّ كُراعٌ لقبلت)) (4).
الحديث السادس: حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) فرسن: عظم أو عُظيم قليل اللحم، وهو خفُّ البعير، كالحافر للدابة، وقد يستعار للشاة، فيقال: فرسن شاةٍ، والذي للشاة: هو الظلف، والنون زائدة، وقيل: أصلية. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 3/ 429.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الهبة، باب الهبة وفضلها والتحريض عليها، برقم 2566، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بالقليل، ولا تمنع من القليل لاحتقاره، برقم 1030.
(3)
فتح الباري، لابن حجر، 5/ 198.
(4)
البخاري، كتاب النكاح، باب من أجاب إلى كُراع، برقم 5178، ولفظه في كتاب الهبة، برقم 2568:((لو دعيت إلى ذراع أو كُراع لأجبت، ولو أهدي إليَّ ذراع أو كراع لقبلت)) وخص الذراع بالذكر، ليجمع بين الحقير والخطير؛ لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها، والكراع لا قيمة له، وفي المثل:((أعط العبد كراعاً يطلب منك ذراعاً)) فتح الباري، لابن حجر، 5/ 200.
فقال: ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار)) (1).
الحديث السابع: حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاء قومٌ حفاةٌ، عراةٌ مجتابي النمار (2) أو العباءَ، متقلدي السيوف، عامتهم من مُضَر، فتمعَّر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما رأى ما بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلى ثم خطب فقال:(({يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخر الآية: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا})) (3).
والآية التي في سورة الحشر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (4). تصدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاعِ بُرِّه، من صاع تمره، حتى قال:((ولو بشق تمرة)) قال فجاء رجل من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّهُ تعجزُ عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كَوْمين من طعام، وثياب، حتى رأيت وجْهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّلُ كأنهُ مُذْهَبَةٌ (5)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنةً فله أجرُهَا، وأجرُ من عمل بها بعده، من غير أن يَنْقُصَ من
(1) مسلم، برقم 2630، وتقدم في فضل الصدقة مع حديثها الآخر في التمرتين المتفق على صحته، البخاري، رقم 1418، ومسلم، برقم 2629.
(2)
مجتابي النمار أو القباء: النَّمار جمع نمرة، وهي ثياب صوف فيها تنمير، والعَباء جمع عباءة وعباية لغتان، ومجتابي: أي خرقوها وقوروا وسطها، وتمعَّر: تغير. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 107.
(3)
سورة النساء، الآية:1.
(4)
سورة الحشر، الآية:18.
(5)
قوله: ((يتهلل)): أي يستنير فرحاً وسروراً، وقوله:((مذهبة)) معناه: فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه، وإشراقه، وقيل غير ذلك. شرح النووي، 7/ 108.
أجورهم شيءٌ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ من عَمِلَ بها من بعده، من غير أن ينقُصَ من أوزارهِمْ شيء)) (1).
وفيه من الفوائد: جمع الناس للأمور المهمة، ووعظهم، وحثهم على مصالحهم، وتحذيرهم من القبائح، وفيه سرور النبي صلى الله عليه وسلم بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى، وبذل أموالهم لله، وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين، وشفقة المسلمين بعضهم على بعض، وتعاونهم على البر والتقوى، وفيه الحث على الابتداء بالخيرات، وسن السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات، وسبب هذا الكلام في آخر الحديث أنه قال في أوله: فجاء رجل بصرة كادت يده أن تعجز عنها، فتتابع الناس وكان الفضل العظيم للبادئ بهذا الخير، والفاتح لباب هذا الإحسان (2).
الحديث الثامن: حديث أبي مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت آية الصدقات كنا نُحامِلُ، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مرائي، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، فنزلت:
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} (3). وفي رواية: ((لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل (4) فجاء أبو عقيل [فتصدق] بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه فقال
(1) مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار، برقم 1017.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 107 – 109.
(3)
سورة التوبة، الآية:79.
(4)
نحامل: وفي الرواية الثانية: كنا نحامل على ظهورنا، معناه نحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة، أو نتصدق بها كلها، [شرح النووي على صحيح مسلم]، 7/ 110.