الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 - الصدقة دواء للأمراض
(1).
ثالثاً: أفضل صدقات التطوع على النحو الآتي:
1 - من أفضل الصدقات التصدق بسقي الماء
؛ لحديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال:((نعم)). قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: ((سقي الماء)) فتلك سقاية سعدٍ بالمدينة)). وفي لفظ لأبي داود: ((فحفر بئراً وقال: هذه لأم سعدٍ)) (2). ولكن يتحرَّى المتصدق حاجة الناس فيتصدق بما تدعو إليه الحاجة، سواء كانت في الماء أو في غيره (3).
2 - الصدقة على ذي الرحم الذي يضمر العداوة في باطنه من أفضل الصدقات
؛ لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصدقات أيُّها أفضل؟ قال:((على ذي الرحم الكاشِح)) (4)(5). وعن أم كلثوم
(1) جاء في ذلك خبر مرسل من مراسيل أبي داود، وحسنه الألباني لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب، [1/ 458]، برقم 744، وفي صحيح الجامع، 3/ 140، برقم 3358.
(2)
النسائي، كتاب الوصايا، باب ذكر الاختلاف على سفيان، برقم 3663، 3664، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في فضل سقي الماء، برقم 1681، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب صدقة الماء، برقم 3684، وأحمد، 5/ 285، وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 560، وفي صحيح سنن أبي داود، 1/ 466.
(3)
هذا ما رجحه شيخنا ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على حديث سعد في فضل سقي الماء، في سنن النسائي، برقم 3665، وضعف الحديث رحمه الله، ولكن الألباني حسنه كما تقدم.
(4)
الكاشِحُ: هو الذي يظهر عداوته في كشحه: وهو خصره، يعني أن أفضل الصدقة على ذي الرحم القاطع المضمر العداوة في باطنه، [المنذري في الترغيب والترهيب، 1/ 682]، وقيل:((الكاشح: العدو الذي يضمر عداوته ويطوي عليها كَشْحَهُ: أي باطنه، والكشح: الخصر، أو الذي يطوي عنك كشحه ولا يألفك، وفي حديث سعد: إن أميركم هذا لأهضم الكشحين: أي دقيق الخصرين)) النهاية لابن الأثير، 4/ 176.
(5)
أحمد 3/ 402، والنسخة المحققة، برقم 15320، 24/ 36، وله شواهد، وطرق، ولهذا قال محققو المسند:((حديث صحيح)).وقال الألباني في إرواء الغليل 3/ 404،برقم 892:(صحيح)).
بنت عقبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح)) (1).
3 -
أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، فيغتنم حياته قبل موته، وصحته قبل مرضه، فينفق ولا يبخل، قال الله تعالى:{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَال} (2)، ومعنى ((خلال)) لا خلة ولا صداقة (3).
قال العلامة السعدي رحمه الله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} أي لا ينفع فيه شيء، ولا سبيل إلى استدراك ما فات، لا بمعاوضة ببيع وشراء، ولا بهبة خليل وصديق، فكل امرئ له شأن يغنيه، فليقدِّم العبد لنفسه، ولينظر ما قدمه لغدٍ؛ وليتفقَّد أعماله، ويحاسب نفسه قبل الحساب الأكبر)) (4).
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ
(1) الحاكم، 1/ 406، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 405:((وهو كما قال)).
(2)
سورة إبراهيم، الآية:31.
(3)
تفسير البغوي 3/ 35.
(4)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 426.
الظَّالِمُونَ} (1). وهذا من فضل الله ولطفه بعباده أن أمرهم بتقديم شيء مما رزقهم؛ ليكون لهم ذخراً وأجراً في يوم يحتاج فيه العاملون إلى مثقال ذرة من الخير، فلا بيع فيه، ولو افتدى الإنسان نفسه بملء الأرض ذهباً ليفتدي به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منه، ولم ينفعه خليل ولا صديق: لا بوجاهة، ولا بشفاعة (2).
وقال سبحانه وتعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: ((أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلانٍ كذا، ولفلانٍ كذا، وقد كان لفلان)) (4).
الشح عام غالب في حال الصحة، فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره، بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة، ورأى مصير المال لغيره؛ فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة والشح رجاء البقاء وخوف الفقر، وهو يطمع في الغنى (5)،
(1) سورة البقرة، الآية:254.
(2)
انظر: تفسير السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 110.
(3)
سورة المنافقون، الآية:10.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب فضل صدقة الصحيح الشحيح، برقم 1419، وكتاب الوصايا، باب الصدقة عند الموت، برقم 2748، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، برقم 1032.
(5)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 129 – 130.
وهو في حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالباً؛ لما يخوفه به الشيطان، ويُزيِّن له من إمكان طول العمر والحاجة إلى المال؛ ولهذا قال بعض السلف عن بعض أهل الترف: يعصون الله في أموالهم مرتين: يبخلون بها وهي في أيديهم - يعني في الحياة - ويسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم - يعني بعد الموت (1).
وذُكِرَ في الخبر عن أبي الدرداء مرفوعاً: ((مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما يشبع)) (2). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول عن الصدقة في حال الصحة والشح: ((وهذا يدل على أن الصدقة في حال الصحة والشح أفضل، وهذا يدل على قوة الرغبة فيما عند الله، أما المريض فإنه يجود في حال مرضه؛ لأنه أيس من حياته، وصدقته مقبولة، لكن الأفضل أن تكون في حال الصحة)) (3).
4 -
ومن أفضل الصدقة جهد المقل الذي هو قدر ما يحتمله حال قليل المال، فيكون من أفضل الصدقات؛ لحديث عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان لا شك فيه،
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 5/ 374.
(2)
النسائي، كتاب الوصايا، باب الكراهية في تأخير الوصية، برقم 3615، والترمذي، كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت، برقم 2123، وأبو داود، في كتاب العتق، برقم 3968، والحاكم، 2/ 213، وصححه ووافقه الذهبي. والبيهقي، 4/ 190، وقال الترمذي:((هذا حديث حسن صحيح)). وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح، 5/ 374، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، ص 206؛ لأن في إسناده أبا حبيبة الطائي، لم يوثقه غير ابن حبان، ولا يعرف إلا بهذا الحديث. وقد صحح حديثه: الترمذي، والحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في الفتح، 5/ 374، كما تقدم.
(3)
سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 2748.
وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة)). قيل: فأيُّ الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القنوت)). قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقلِّ)) (1). قيل: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: ((من هجر ما حرم الله عز وجل)). قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: ((من جاهد المشركين بماله ونفسه)). قيل: فأيُّ القتل أشرف؟ قال: ((من أهريق دمه وعُقِر جواده)) (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبق درهم مائة ألف [درهم])) قالوا: يا رسول الله وكيف؟ قال: ((رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به، ورجل له مالٌ كثير فأخذ من عُرضِ ماله مائة ألف [درهم] فتصدق بها)) (3). وظاهر الأحاديث أن الأجر على قدر حال المعطي لا على قدر المال المُعْطَى، فصاحب الدرهمين أعطى نصف ماله، في حال لا يعطي فيها إلا الأقوياء، يكون أجره على قدر همته بخلاف الغني؛ فإنه ما أعطى نصف ماله، ولا في حال لا يعطي فيها عادة)) (4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله! أيُّ الصدقة أفضل؟ قال: ((جُهْدُ المقلِّ، وابدأ بمن تعول)) (5).
(1) جهد المقل: هو قدر ما يحتمله حال قليل المال، [النهاية في غريب الحديث، 1/ 320] ، والمراد ما يعطيه المقل على قدر طاقته، ولا ينافيه حديث:((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى))؛ لعموم الغنى القلبي، وغنى اليد. [حاشية السندي على سنن النسائي، 5/ 58].
(2)
النسائي، الزكاة، باب جهد المقل، برقم 2525، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 203.
(3)
النسائي، كتاب الزكاة، باب جهد المقل، برقم 2526، 2527، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 203.
(4)
حاشية السندي على سنن النسائي، 5/ 58.
(5)
أبو داود، كتاب الزكاة، بابٌ في الرخصة في ذلك، برقم 1677، وأحمد، 2/ 358، وصححه ابن خزيمة، برقم 2444، وابن حبان، برقم 3335، والحاكم، 1/ 414، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 465.