الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: الشهادة بالزنا إذا جرح الشهود، أو أحدهم
ذهب فقهاء الأحناف، والشافعية إلى أن الشهود باعتبار تحملهم الشهادة، وآدائها أنواع، فمنهم من هو أهل لتحمل الشهادة، وأدائها فيعتد بقوله وتقبل شهادته، وتثبت بها الجرائم، وقد سبق بيان هؤلاء عند الحديث عن شروط في الشاهد.
ومن الشهود من له تحملها -ولكنه تحمل- لا يعتد به في إلزام المشهود عليه العقوبة الحدية؟ وذلك راجع لقصور في الشهود لتهمتهم، وما يتصل بهذا الموضوع هو شهادة الفساق على شخص بالزنا.
والشهادة هذه إذ أداها أربعة منهم، لا يلزم المشهود عليه بالعقوبة الحدية لفسق الشهود، كما أن هؤلاء الشهود لا يلزمهم حد القذف بشهادتهم هذه التي لم يثبت بها الزنا الموجب الحد، وعدم إلزام حد الزنا بشهادتهم، لا يترتب عليه إلزامهم حد القذف؛ لأن الحد يحتاط فيه، فيسقط عن المشهود عليه لعدم الثبوت، وعن الشهود لثبوت شبهة الثبوت، وقد جاء عن فقهاء الأحناف عند حديثهم عن ذلك، أنه لو شهد أربعة على شخص بالزنا، وهم فساق أو ظهر أنهم فساق لم يحد المشهود عليه، ولم يحد الشهود؛ لأن الفاسق من أهل الأداء والتحمل، وإن كان في أدائه نوع من القصور لتهمة الفسق، ولهذا لو قضى القاضي بشهادة -في غير الحدود- نفذ، ويثبت بشهادتهم شبهة الزنا، وباعتبار قصور في الأداء لتهمة الفسق، يثبت شبهة عدم الزنا، فلهذا امتنع الحدان1.
1 الهداية مع فتح القدير ج5 ص289.
ويقول الشربيني الشافعي: "لو شهد أربعة بالزنا، وردت شهادتهم بفسق ولو مقطوعًا به كالزنا، وشر ب الخمر لم يحدوا، وفارق ما مر في نقص العدد بأن نقص العدد متيقن، وفسقهم إنما يعرف بالن والاجتهاد، والحد يدرأ بالشبهة"1.
وذهب الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه- إلى أن جريمة القذف تقوم في حق الشهود، الذين ترد شهادتهم لقيام حرج بهم؛ لأن شهادتهم لم تثبت بها جريمة الزنا الحدية، وعليه فهم قذفة يلزمهم حد القذف، فقد جاء في المدونة:"وقت أرأيت أن جرح واحد من الشهود، وقد شهدوا عليه بالزنا، وهم أربعة أيحد جميعهم حد الفرية في قول مالك"، قال: نعم في رأيي؛ لأن مالكًا قال: إذا كان أحدهم مسخوطًا جلد، وحد الثلاثة معه"2، وذكر ابن قدامة أن الشهود على الزنا إذا كملوا أربعة غير مرضيين، أو واحد منهم كالعبيد والفساق، والعميان ففيهم ثلاث روايات، إحداهن عليهم الحد، وهو قول مالك: قال القاضي هذا الصحيح؛ لأنها شهادة لم تكمل فوجب الحد على الشهود، كما لو كانوا ثلاثة.
والثانية: لا حد عليهم، وهو قول الحسن والشعبي وأبي حنيفة ومحمد....
والثالثة أن كانوا عميانًا، أو بعضهم جلدوا، وإن كانوا عبيدًا أو فساقا، فلا حد عليهم، وهو قول النووي وإسحاق
…
لجواز صدقهم3.
وما ذهب إليه القائلون بعدم الحد عليهم، هو الراجح لتردد الأمر بين الصدق والكذب، ومثل ذلك يورث شبهة والحدود تدرأ بالشبهات.
1 مغني المحتاج ج4 ص157.
2 المدونة ج16 ص59.
3 المغني ج8 ص203.