المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخاتمة: بدأت هذا المبحث مستعيًا بالله سبحانه وتعالى مستلهما منه الهدى، - الشبهات وأثرها في العقوبة الجنائية في الفقه الإسلامي مقارنا بالقانون

[منصور الحفناوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: كلمة عامة عن الجريمة في الفقه الإسلامي المقارن

- ‌المبحث الأول: الجريمة والجناية

- ‌أولا: تعريف الجريمة

- ‌ثانيًا: تعريف الجناية

- ‌المبحث الثاني: أقسام الجريمة

- ‌المطلب الأول: أقسام الجريمة باعتبار ما تفع عليه

- ‌المطلب الثاني: أقسام الجريمة باعتبار العقوبة المستحقة

- ‌المطلب الثالث: أقسام الجريمة باعتبار الحق المعتدى عليه

- ‌المطلب الرابع: أقسام الجريمة من حيث القصد وعدمه

- ‌المبحث الثالث: أركان الجريمة

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الركن الشرعي للجريمة

- ‌المطلب الثاني: الركن المادي للجريمة

- ‌المطلب الثالث: الركن الأدبي للجريمة

- ‌الفصل الثاني: العقوبة وبعض الجوانب المتعلقة بها

- ‌المبحث الأول: العقوبة وأقسامها

- ‌المطلب الأول: معنى العقوبة

- ‌المطلب الثاني: أقسام العقوبة

- ‌المبحث الثاني: بعض سمات التشريع العقابي في كل من الشريعة والقانون

- ‌المطلب الأول: أهداف التشريع العقابي ورعايته ظروف الجاني

- ‌المطلب الثاني: موقف التشريعيين على الجريمة منذ نشأة فكرتها

- ‌المطلب الثالث: بين التشريعين في مجال التنظيم العقابي

- ‌الباب الأول: الشبهات

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف الشبهة وأُثرها في الحدود

- ‌المبحث الأول: المراد بالشبهات

- ‌أولا: عند علماء اللغة

- ‌ثانيًا: عند فقهاء الشريعة

- ‌المبحث الثاني: أثر الشبهة في الحد

- ‌مدخل

- ‌أولًا: أدلة من يدرأ الحد بالشبهة

- ‌ثانيًا: أدلة من لم يقل بدرء الحد بالشبهة

- ‌الفصل الثاني: الشبهات التي تعتري أركان الجريمة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الشبهات التي تعتري الركن الشرعي

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: شبهة الدليل

- ‌المطلب الثاني: شبهة الحق

- ‌المطلب الثالث: شبهة الملك

- ‌المبحث الثاني: الشبهات التي تعتري القصد الجنائي

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الجهل

- ‌المطلب الثاني: الإرادة

- ‌الفصل الثالث: الإثبات

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الإقرار

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: شروط في المقر

- ‌المطلب الثاني: شروط في الإقرار

- ‌المبحث الثاني: الشهادة

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: شروط في الشاهد

- ‌المطلب الثاني: شروط في الشهادة

- ‌المبحث الثالث: القرائن: معناها، وأعمالها في إثبات الحدود

- ‌معنى القرائن:

- ‌أعمالها في الإثبات:

- ‌الباب الثاني: الجرائم الحدية الشبهات التي تعتريها ومالها من أثر في عقوبتها

- ‌الفصل الأول: جريمة الزنا

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الوطء المحرم الذي لا يوجب العقوبة الحدية لقيام شبهة في الركن الشرعي

- ‌مدخل

- ‌الوطء بعد النكاح الباطل

- ‌ الوطء بعد النكاح الفاسد:

- ‌ وطء الميتة:

- ‌ وطء المرأة المستأجرة:

- ‌ إذا كان أحد طرفي جريمة الزنا غير مكلف:

- ‌ وطء الرجل معتدته البائن:

- ‌ وطء البهائم:

- ‌المبحث الثاني: الوطء المحرم الذي لا يوجب العقوبة الحدية لقيام شبهة ترتب عليها انتقاء القصد الجنائي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الوطء الذي لا تجب به العقوبة الحدية نظرًا لجهل الفاعل بالحكم الشرعي لما وقع منه من أفعال، جهلًا يعتد به

- ‌ثانيًا: الوطء الذي لا تجب به العقوبة الحدية لقيام شبهة جهل الفاعل، بمن وقع عليه الفعل وشاركه فيه

- ‌ثالثا: الوطء الذي لا تجب به العقوبة الحدية نظرا لانتقاء القصد الجنائي نتيجة اكراه الفاعل

- ‌المبحث الثالث: الوطء المحرم الذي لا تجب به العقوبة الحدية لقيام شبهة في إثباته

- ‌أولا: إذا كان إثباتها عن طريق الإقرار

- ‌ثانيًا: إذا كان إثبات جريمة الزنا عن طريق شهادة الشهود

- ‌الفصل الثاني: جريمة السرقة

- ‌المبحث الأول: جريمة السرقة الصغرى

- ‌المطلب الأول: تعريف السرقة

- ‌المطلب الثاني: سرقات اختلف في وجوب الحد بها؛ لقيام شبهة في الركن الشرعي

- ‌المبحث الثاني: جريمة السرقة الكبرى "الحرابة

- ‌المطلب الأول: الحرابة

- ‌المطلب الثاني: "سرقات اختلف في وجوب حد الحرابة بها

- ‌الفصل الثالث: جريمة شرب الخمر

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الشبهات التي تعتري الركن الشرعي

- ‌مدخل

- ‌ شرب قليل الأنبذة:

- ‌ وصول الخمر إلى الجوف عن غير طريق الفم:

- ‌المبجث الثاني: شرب الخمر الذي لا يوجب الحد، لقيام شبهة في القصد الجنائي

- ‌المبحث الثالث: الشبهات التي تعتري إثبات شرب الخمر

- ‌أولا: إثباتها بالإقرار وما يعتريه من شبهات

- ‌ثانيًا: إثبات جريمة الشرب بالبينة، وما يعتريه من شبهات

- ‌ثالثًا: إثبات جريمة الشرب بالقرائن

- ‌الفصل الرابع: جريمة القذف وما يتعلق بها من شبهات

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الشبهات التي تعتري الركن الشرعي

- ‌أولا: القذف بطريق الكتابة أو التعريض

- ‌ثانيًا: الشهادة بالزنا إذا جرح الشهود، أو أحدهم

- ‌المبحث الثاني: شروط في المقذوف

- ‌أولا: البلوغ والعقل

- ‌ثانيًا: إسلام المقذوف

- ‌ثالثًا: عفة المقذوف

- ‌الفصل الخامس: جريمة الردة وما يتعلق بها من شبهات

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الشبهات التي تعتري الركن الشرعي

- ‌ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأن الكافر إذا قال

- ‌ إسلام السكران:

- ‌ إسلام المكره:

- ‌ السحر تعليمه وتعلمه:

- ‌المبحث الثاني: الشبهات التي تعتري القصد الجنائي

- ‌الخاتمة:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ ‌الخاتمة: بدأت هذا المبحث مستعيًا بالله سبحانه وتعالى مستلهما منه الهدى،

‌الخاتمة:

بدأت هذا المبحث مستعيًا بالله سبحانه وتعالى مستلهما منه الهدى، والرشاد طلبًا منه التوفيق والسداد:{وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} ، وفي خاتمة هذا البحث أحب أن أبرز بعض الحقائق الموضوعية، المتمثلة فيما وفقني الله سبحانه وتعالى إلى الوصول إليه من نتائج.

1-

امتازت الشريعة الإسلامية من غيرها في كل مناحي التشريع، ومثالًا لذلك ما امتازت به تشريعاتها في مجال التجريم، والعقاب من سمو يتمثل في رعاية الإنسان، وما تستقيم به حياته من أمور ضرورية، وحاجية وتحسينية.

ففي مبادئ التشريع الإسلامي -العامة والخاصة- في المجال الجنائي كل الحلول القادرة، والحاسمة في مواجهة أي سلوك انحرافي أيا كان سبه ومبعثه، يتتبعه في كل مراحله، ونواحيه حتى يستأصله من النفس، ويصل بها إلى أن تكون نفسا، تراقب خالقها في كل شيء، حتى فيما يخالجها ويدور بخلدها.

إلى هذا الحد الذي لم ولن يصل إليه أي تشريع جنائي آخر من هذه التشريعات، التي وضعها البشر، وصاغها بكل ألوانها المختلفة المصطبغ منها بالقسوة، والعنف أو المتسم منها باللين والرقة، المنحازة إلى جانب الدولة والمجتمع، أو المراعية حق الفرد ورغباته المطلقة عنان الحرية الفردية.

فالتشريع الإسلامي قد بذ ذلك كله، وسما عليه سمو من وضعه، وشرعه على من وضع هذه التقنيات الوضعية وشرعها.

2-

وعلى سبيل المثال أشير إلى ما تميز به التشريعات الجنائية الإسلامية.

ص: 678

أ- ساوت التشريعات الإسلامية بين الناس في الثواب والعقاب، ولا سلطة لأحد في أن يغير من ذلك شيئًا.

أما التشريعات الوضعية، فمع أنها نصت على العقوبات بصورة موضوعية، إلا أنها جعلت تحديدها للعقوبة مرنًا، يخضع لكثير من الاعتبارات التي يراها القاضي، موضوعية كانت أم لا، والتي نص عليها القانون ذاته، بالإضافة إلى أن التشريعات الوضعية تخضع لسلطان التغيير، والتبديل والإلغاء، وهذا أمن له دلالاته.

ب- ساوت التشريعات الإسلامية أيضًا في مجال التجريم، والعقاب بين الجريمة وعقوبتها في جرائم الاعتداء على النفس كما سبق، وليس بخاف ما يحققه ذلك من شفاء صدر المجني عليه، هو وذويه الأمر، والذي يقضي نهائيًا على مصدر خطير من مصادر إشاعة الجريمة، ويحقق الناس أمنهم وأمانهم، ويحفظ عليهم حياتهم، وصدق الله العظيم الذي بين ذلك بقوله:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1.

ج لم تهمل الشريعة الإسلامية المحاسبة، والمعاقبة على أي تصرف مؤثم، إيجابًا كان هذا التصرف أو سلبًا، خصوصًا ما يمس الضروريات الإنسانية، فوضعت الضوابط والمعايير المحكمة دون إسراف أو تضييع، تحقيقًا للعدل وصونًا للفرد والمجتمع، بيد أن القوانين الوضعية كثيرًا ما تغفل الحفاظ على هذه الضروريات الإنسانية، وتترك الاعتداء عليا دون عقاب، بدعوى الحضارة والحرية، إذ العقاب في التشريعات الوضعية، رهن باعتبار السلوك جريمة قد نص عليها المشرع، فما لم يجرمه المشرع لا عقاب عليه، وإن أصاب الأمة في كيانها، وأتلف حرثها ونسلها، وضيع فيها موازين العفاف والشرف.

1 الآية 179 من سورة البقرة.

ص: 679

بل إن هناك أفعالًا حرمها المشرع أجهد القضاءة أنفسهم لإيجاد مخرج للجاني ففلت من العقاب، وضيعت القيم والأخلاقيات على مرأى من القانون1.

د- زعم البعض أن الشريعة الإسلامية لم تراع فيما وضعتها من نظام عقابي نفسية الجاني وظروفه، ولم تهدف إصلاحه، وهؤلاء لم يلمسوا ما وضعتها الشريعة الإسلامية في نظامها العقابي من اهتمام بالجاني، وصل إلى حد تلمسها التخفيف عنه، ودرئها العقوبة الحدية عنه، هذا الأمر الذي وضح من خلال هذا البحث، ولا يخفى أن الشريعة لم تجند عيونها تتلمس الذلل للخلائق، وتتصيد لهم الأخطاء، وتنصب لهم الشراك، ثم تعاقبهم متشفية كما هو حال كثير من النظم الوضعية.

إن رسول هذه الشريعة الرحيمة قد أعرض مرات عمن جاءه يعترف بما ارتكبه، فلما أصر الرجل، وكرر اعترافه قال له الرسول الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم:"ليس عليك من وزر"، ولم يسأله مستفسرًا عن فعلته التي فعلها مع أن المقر قد ذكر أنه ارتكب حدًا من الحدود"2.

كما قال صلى الله عليه وسلم معلمًا أصحابه، ومن أرسل إليهم:"من ستر مسلمًا في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة".

1 حكم أحد القضاة ببراءة شخصين غريبين عن بعضهما أخذا، وهما يأتيان فعلًا فاضحًا من الأفعال، التي يعاقب عليها القانون، وكانا في سيارة خاصة تقف في عرض الطريق، مسببًا هذا القاضي حكمه بالبراءة على أساس أن ما أتياه من فعل أصبح من الأفعال المألوفة، التي يراها الناس من خلال أجهزة الإعلام، وعليه فلم تعد في رأيه هو فعلًا فاضحًا على قارعة الطريق.

2 نيل الأوطار ج7 ص113 وما بعدها.

ص: 680

ورد ابن الخطاب -رضي الله تعالى عنه على رجل جاءه يسأله: يا أمير المؤمنين إن لي بنتا أسلمت، وأصابت حدًا من حدود الله، فعمدت إلى الشفرة لتذبح نفسها فأدركتها، ثم أقبلت بتوبة حسنة فهي تخطب إلي، أفأخبر من شأنها الذي كان؟

فقال له عمر: أتعهد إلى ما ستره الله فتبديه؟ والله لأن أخبرت بشأنها أحدًا من الناس لأجعلنك نكالًا لأهل الأمصار، بل أنكحها بنكاح المسلمة العفيفة.

هذه هي الشريعة الإسلامية، ونظمها العقابية أرحم في منطوقها، وحقيقتها من الوالدة بولدها، ولا يخفى أنها مع اهتمامها بالجاني والظروف المحيطة به، وإصلاحه لم تمهل المجني عليه، بل تعهدته بالرعاية والعناية، وشفت صدروه من كل ما ينؤ به من إتقان فالتقى الناس على محجتها وتحت لوائها إخوة متحابين.

أين عناية التقنيات الوضعية، وعلاجها من ذكل كله من يوم أن خط مشرع وضعي قلم حتى اليوم الذي نحياه.

3-

التشريع الجنائي الإسلامي شق من الشريعة ذاتها، فسلطة التجريم أو الإباحة أم يعطيها الشارع أحدًا من الخلق:{وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .

هذا بالنسبة للأحكام القطعية، أما الأحكام الظنية، وهي التي لم يرد فيها نص قطعي ولا إجماع، فإن لولي الأمر سلطة التصرف في تقنينها بما يحقق مصالح الناس على أساس ما وضع المشرع، ولقد أنتج هذا الإحكام التشريعي استقرارًا تشريعيًا، نظرًا؛ لأن القواعد الحاكمة للسلوك قواعد موضوعية، تؤثر في السلوك ولا تتأثر به.

ص: 681

وهذا ما تفتقده، وتفتقر إليه التشريعات الوضعية؛ لأن هذه التشريعات إن وجدت فيها قواعد موضوعية تحكم السلوك، إلا أنها قواعد غير ملزمة أو ثابته، إذا أنها نتاج تناقض مذهبي، وفكري للمدارس التشريعية الوضعية، مع أن الاستقرار القانوني مطلب ملح من مطالب وأهداف القانون، بل ويعلو على مبدأ تحقيق العدالة ذاتها عند الوضعيين أنفسهم1.

4-

عقوبات التشريع الجنائي الإسلامي، ذات الصفة الحدية عقوبات زاجرة قوية في غير ظلم، رادعة دون جور، وقد أحاطها الشارع الحكيم بمعايير وضوابط، وحد بجرائمها شكليه خاصة، ورسم لإثباتها صورة واضحة وجعل له من الشروط المفصلة ما يقض بوصوله حد اليقين، فإذا لم تكتمل صورة الجريمة، كما حددها المشروع، وبين دقائقها لم يترتب عليها ما وضعه الشارع من عقوبة محددة، وكذا إذا انثلم إثباتها، فإذا تم ذلك كله ثم ظهرت شبهة من الشبهات، خالطت أي مرحلة من مراحل الجريمة، أو جزئية من جزئياتها، أو دليل الإثبات، فإن المشرع يدرأ العقوبة بسبب وجود تلك الشبهة، سواء تترتب على ذلك درء جنس العقوبة، أو نوعها فقط، حتى المخالفين لإعمال هذا المبدأ في ظاهره.

5-

لا خلاف إذا على أن اليقين لا يزال بالشك، ومن أن الأصل براءة الذمة، وعليه فلا بد للحكم بالعقوبة الحدية من تيقن لزومها، تيقنًا لا يعتريه أدنى شك.

والقوانين الوضعية قد نصت في دساتيرها على ذلك أيضًا، وقررت قوانين الإجراءات الجنائية فيها أن الشك يسر لصالح المتهم، وأن الأصل افتراض البراءة، وقضت محكمة النقض المصرية بأن الأحكام أعملوه في جوهره ومؤداه، وهذا ما وضح من مناقشة ابن حزم.

1 أ. د: محمود مصطفى شرح قانون العقوبات القسم العام فقرة 6.

ص: 682

الجنائية يجب أن تبنى على الحزم واليقين، لا على الظن والاحتمال، وإن الاحكام الصادرة بالإدانة، يجب ألا تبنى إلا على حجج قطعية الثبوت، تفيد الجزم واليقين.

ولا يخفى أن إعمال الفقه الإسلامي لذلك أشمل من أعمال الفقه الوضعي له، إذ أن الفقه الإسلامي يعمل ذلك في كل أحكامه، وقضاياه بينما أعمال الفقه الوضعي له لا يزال قاصرًا على المجال الجنائي، بالإضافة إلى سبق إعمال الفقه الإسلامي -لهذه القواعد- بما يزيد على أربعة عشرة قرنًا.

6-

لم نقدم كله أوجه دعوة لكل مسلم، ومسلمة حاكم ومحكوم أن يعودوا إلى ما ارتضاه ربهم دستورًا لهم، وأن يحكموه فيما بينهم، وأن يسيروا على هديه منهجه، فلا تخيفهم الدعاوي الباطلة؛ لأن الصورة واضحة ومشرفة، سجلها التاريخ للمجتمع الإسلامي، يوم طبق هذه الأحكام، والتزم بتلك التعاليم.

فإن لم يقبلوا واستمروا على؟؟ للعرب وتقنياته، فلن يجنوا ثمار ذلك إلا خسرانا وهوانًا، فحكم من الحكام، وتسلطًا من السلطة وهتكًا للحرمات، ونهبا وتضييعا للأنس والدماء، والأعراض.

لا تعرنهم فاسقات الغرب التائة، الذي يبحث في وضح النهار، وصفار الشمس وإشراقها، يبحث عن شعاع ضوء غير ما أنعم الله به عليه، فمن أين له ذلك.

إن من طلب الهدى في غير ما أنزل الله وشرع ضل وتاه، ومن رام الشفاء في غير ما أعطاه الله الطبيب العليم الخبير نهشه المريض، وأتى على أخضره ويابسه.

أما من تمسك بحبل الله، وعراه الوثيقة القوية، وطبق شرعه الحكيم

ص: 683

فهو أمن في حمى الله من كل شيء، فمن يهديه الله يشرح صدره للإسلام، فهو على نور من ربه.

7-

كما أرجو من القائمين على شأن الجهات المختصة بالبحوث في مجال الفقه الإسلام، والتعريف بالشريعة الإسلامية كوزارة الأوقاف بأجهزتها المختلفة، والأزهر الشريف بقنواته العلمية، وكل من له صلة بالفقه الإسلامي وعلومه، أن يولوا التعريف بالتقنين الإسلامي بصفة عامة، وما يختص منه بالتشريع الجنائي بصفة خاصة، عناية مركزة، ومكثفة حتى ييسروا لمن أراد المعرفة الحقة بهذا التشريع سبل الوصول، وأن ينشروا كنوز هذا النظام الجنائي، وقواعده وأصوله، ففي ذلك حث للأمة الإسلامية وغيرها على العمل، والتمسك بهذا النظام المتكامل، الذي للإنسان إنسانيته كاملة، وحقوقه غير منقوصة، ويحفظ عليه نفسه ودينه، وعرضه وماله وما يلزم حماية حياته كإنسان، وأن تعيد هذه الجهات نشر هذا التراث الإسلامي العظيم في مجالاته المختلفة، وتشريعاته الجنائية بصفة خاصة، بأسلوب يتفق والصياغة التقنينية، فتخرج ذلك في ثوب يليق به، وتيسر الحصول عليه لكل من يريد.

إن أصحاب الرسالات، أو الدعوات يبحثون دائمًا عمن يدعونه، ويذهبون إليه حيث هو، ويعرفونه بمطبوعاتهم، ويحيطونه بمناهجهم، ويجزلون له العطاء ليقرأها، ويقف على ما فيها.

فما بالنا نحن وكثيرًا من يجد الباحثون عن تراثنا الإسلامي، وعلومه عثرات وعثرات، يجهدون أنفسهم في محاولة تخطيها، وتضيع جهودهم في تذليلها، حتى يصلوا إلى بعض ما يبحثون عنه من كتب هذا التراث الإسلامي الزاخر.

8-

ولا يخفى ما يقابله الباحثون بخاصة، هؤلاء الذين عشقوا العلم، فوجهوا وجوههم وجهته، فأعنتهم نظام دور الكتب، وما تعانيه

ص: 684

من نقص ونظم بالية عقيمة، وموظفون يضنون على عشاق المعرفة باللقاء، الأمر لا يحتاج إلا إقامة مكتبات على النظام المفتوح الذي يطبق في بلادنا في كثير من دور الكتب الأجنبية، إذ يدخل الباحث، ويحضر لنفسه ما شاء من مراجع، دون إضاعة وقت، أو تثاقل موظف.

9-

كما أهيب بالجامعات، التي أنشئت حديثًا أن تسرع في إنشاء مكتباتها المزودة بالمراجع العلمية المتخصصة، فهذه المكتبات هي عماد الدراسات الجامعية والمتخصصة، ففيها يتضح عداء العقل، وبدونها تضعف بنية أبناء هذه الجامعات العلمية، وتعدو هذه المنشآت كالطبل الأجوف، أو كشجر السرو، له رواء وما له ثمر.

10-

كما أرجو من القائمين على شأن الجامعات المصرية بصفة عامة، وكليات الحقوق، بصفة خاصة أن يولوا دراسة الشريعة الإسلامية في مختلف مجلات التقنين عناية خاصة، فلقد خلت الدراسة حتى في كليات الحقوق من دراسة الفقه الإسلامي، إلا في مجالات محددة، أرجو أن تستكمل، حتى يعطي الطلاب قدرًا كافيًا من معرفة الفقه الإسلامي، والتقنيات الشرعية في مختلف مجالات المعرفة القانونية.

على ذلك يكون فاتحة خير، وحث على تطبيق الشريعة الإسلامية في شتى المجالات: تطبيقا حقيقيًا، فلقد بحث الأصوات مطالبة..

وما توفيقي إلى بالله عليه توكلت، وإليه أنيب.

ص: 685