الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: الوطء الذي لا تجب به العقوبة الحدية نظرًا لجهل الفاعل بالحكم الشرعي لما وقع منه من أفعال، جهلًا يعتد به
ويعتبر الفقهاء جهل الفاعل بالحكم الشرعي مسقطًا للعقوبة الحدية، إذا كان من أتى الوطء مقيمًا بعيدا عن البلاد الإسلامية، ولم يتيسر له معرفة الأحكام الشرعية بسبب خارج عن إرادته، بحيث تصبح معرفة الأحكام بالنسبة له أمرًا معتذرًا، كمن يقيم بجزيرة نائية، وليس لديه من سبل المعرفة ما يمكنه من الوقوف على الأحكام الشرعية، وكان قد صادق من حدثه عن الإسلام حديثًا موجزًا، فاقتنع به وأمن، ولم يفسر على أحكام تجريم الزنا مثلًا، لضيق وقت من علمه مبادئ الإسلام عن أن يحدثه عن ذلك، ولم يتيسر له معرفة بقية الأحكام، فلو أن هذا الشخص وقع منه الوطء المحرم المعاقب عليه بالعقوبة الحدية، فإنه لا تلزمه هذه العقوبة؛ لأنها تندرئ عنه لجهله بالحكم الشرعي.
ومثله من أسلم حديثًا، ولم يتعلم أحكام الإسلام، وكانت النظم العقابية التي يحتكم إليها قبل إسلامه لا تجرم الزنا، وغيره من العلاقات غير المشروعه في الإسلام بين الرجل، والمرأة فواقع امرأة أجنبية عنه، فإنه لا تجب عليه العقوبة الحدية بفعله هذا لوجود شبهة جهلة بالحكم الشرعي، وهي الشبهة التي يترتب عليها درء العقوبة الحدية، لانتفاء القصد الجنائي، ومثل هذا أيضًا من كان مجنونًا، منذ أن كان طفلًا لا يدرك، ثم ظل على جنونه حتى بلغ ثم أفاق من جنونه، وقبل أن يعلم شيئًا من أحكام الإسلام، واقع امرأة أجنبية، فإن لفعله هذا وإن كان زنا، إلا أنه لا يوجب العقوبة الحدية عليه، لجهله بالحكم الشرعي.
يقول الشيرازي مبينا ذلك: "ولا يجب -الحد- على من لا يعلم تحريم الزنا، لما روى سعيد بن المسيب قال: ذكرنا الزنا بالشام، فقال رجل: زنيت البارحة. فقالوا: ما تقول، قال: ما علمت أن الله
عز وجل حرمه، فكتب، يعني عمر، إن كان يعلم أن الله حرمه فخذوه، وإن لم يكن قد علم فعلموه، فإن عاد فارجعوه، وروي أن جارية سوداء رفعت إلى عمر -رضي الله تعالى عنه، وقيل: إنها زنت فخفقها بالدرة خفقات، وقال: أي لكاع، زنيت. فقالت: من غواش بدرهمين، تخبر بصاحبها الذي زنى بها، ومهرها الذي أعطاها، فقال عمر رضي الله عنه: ماذا ترون، وعنده علي وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال علي -رضي الله تعالى عنه: أرى أن ترجمها، وقال عبد الرحمن: أرى مثل ما رأى أخوك، فقال لعثمان: ما تقول؟ قال: أراها تستهل بالذي صنعت، لا ترى به بأسا، وإنما حد الله على من علم أمر الله عز وجل، فقال: صدقت، ويعلق الشيرازي على ذلك بقوله: فإن زنى رجل بامرأة وادعى أنه لم يعلم بتحريمه، فإن كان قد نشأ بين المسلمين لم يقبل قوله: لأنا نعلم كذبه.
وإن كان قريب عهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة من المسلمين، أو كان مجنونًا، فأفاق وزنى قبل أن يعلم الأحكام قبل قوله: لأنه يحتمل ما يدعيه، فلم يجب الحد1.
ويقبل أيضًا القول بجهل حكم من الأحكام التي تحتاج إلى أعمال الفكر، وإمعان النظر، إذا كان المدعي الجهل من العامة الذين يمكن أن يخفى عليه معرفة ذلك، وينهض ذلك شبهة تدرأ الحد.
وقد ذكر جانبًا من ذلك الخرش في قوله: "ومن طلق زوجته قبل
1 يراجع في ذلك، المهذب ج2 ص267-268، مغني المحتاج ج4 ص145 فتح القدير ج5 ص257، مباني تكملة المنتاج ج1 ص167، 168 المحلى ج13 ص118-119، المغني ج8 ص185، ج الجرش ج8 ص77.