الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} 1.
ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بإنزال عقوبة الحرابة بهؤلاء، الذين جاءوا معلنين إسلامهم، ثم ارتدوا بعد قليل، وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن هؤلاء قد أعلنوا إسلامهم لما كان ما نزل بهم من عقاب بالصورة، التي سبق الحديث عنها عند بيان عقوبة الردة؛ لأنه لم يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نكل بأحد مثل ما فعل بهؤلاء2.
1 الآيات 14-16 من سورة البقرة.
2 يراجع نيل الأوطار ج7 ص171-177.
2-
إسلام السكران:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية والحنابلة، والشيعة إلى القول بأن الراجح صحة إسلام السكران، سواء أكان كافرًا أصليًا، أو مرتدًا، ويعني ذلك عندهم أنه إذا ضحت ردة السكران، وهي محض مضرة، وقول باطل، فلأن يصح إسلامه الذي هو قول حق محض، ومصلحة خالصة أولى:
وعلى هذا لو رجع عن إسلامه، وقال: لم أرد ما قلت لم يلتفت إلى مقالته، وجبر على الإسلام، ولا يقبل منه غيره، فإن أسلم وسلك طريقة الإسلام وتعاليمه، والتزم بأوامره كان له ما للمسلمين، وإلا قتل لاعتباره مرتدًا، وراجعًا عن الإسلام بعد أن دخل فيه1.
وذكر الشربيني الخطيب أن من نطق بكلمة الإسلام، وهو سكران إذا أفاق عرضنا عليه الإسلام، فإن وصفه كان مسلمًا من حين وصف الإسلام، وإن وصف الكفر كان كافرًا من الآن؛ لأن إسلامه صح، فإن لم يتب قتل2.
1 المغني ج8 ص148.
2 مغني المحتاج ج4 ص137، 138، ويراجع نهاية المحتاج ج7 ص397، المغني ج8 ص148، مواهب الجليل ج4 ص34، شرح الأزهار ج4 ص575.
والقول المرجوح عند الجمهور أن إسلامه، وردته لا تصح كالطفل والمعتوه؛ لأنه لا يعي ما يقول نظرًا؛ لأن الخمر قد أذهبت عقله.
هذا ما ذهب إليه ابن حزم1، وحسنه الإمام أبو حنيفة، وإن كان القياس عنده أن السكران كالصاحي في اعتبار أقواله وأفعاله، فقد ذكر السرخسي: أن السكران إذا ارتد تبين منه امرأته في القياس؛ لأن السكران كالصاحي في اعتبار أقواله وأفعاله، حتى لو طلق امرأته بانت منه، ولو بلغ أو أقر بشيء كان صحيحًا منه، ولكنه استحسن، وقال: لا تبين منه امرأته؛ لأن الردة تنبني على الاعتقاد، ونحن نعلم أن السكران غير معتقذ لما يقول؛ ولأنه لا ينجو السكران من التكلم بكلمة الكفر في حاله سكره عادة، والأصل فيها ما روي أن واحدًا من كبار الصحابة رضي الله عنهم، سكر حين كان الشرب حلالًا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أنتم إلا عبيدي، وعبيد آبائي ولم يجعل ذلك منه كفرًا.
وقرأ سكران سورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} في صلاة المغرب، فترك اللا آت فيه، فنزل قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} ، فهو دليل على أنه لا يحكم بدونه في حال سكره، كما لا يحكم به في حال جنونه"2.
وقد ذهب فقهاء الشافعية إلى التفريق بين حكم المتعدي بسكره، وغير المتعدي، فحكموا بردة المتعدي دون غيره لقيام الشبهة في حق غير المتعدي3.
وما أرجحه من ذلك، هو ما ذهب إليه فقهاء الأحناف من القول باستحسان عدم الاعتداد، بما يصدر من السكران حين سكره، سواء أكان إسلامًا، أم ردة؛ لأن السكران لا يعي ما يقول، وعقله وإن لم يذهب تمامًا كالمجنون، إلا أنه غير مكتمل تمامًا حتى يلزم بقوله أو فعله،
1 المحلى ج7 ص322 وما بعدها، ج10 ص108، 110.
2 المبسوط ج10 ص123.
3 مغني المحتاج ج4 ص137.