الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: الشبهات التي تعتري أركان الجريمة
مدخل
…
الفصل الثاني: الشبهات التي تعتري أركان الجريمة
تقديم:
اهتم الفقهاء القدامى بالحديث عن الشبهات المسقطة للحدود، وبيان أنواعها واختلافها بحسب ما تتعلق به، وذكروا أن منها ما يتعلق بالفاعل، ومنها ما يتعلق بالفعل أو بالمحل، ومنها ما يتعلق بالإثبات إلى غير ذلك مما ذكروه عنها، مع تفاوت بيان ذلك من مذهب إلى آخر، كل حسب عنايته واهتمامه، ولكنهم مع هذا الجهد المشكور لم يعنوا بتصنيف ما ذكروه من الشبهات، بالقدر الذي عنوا به ببيان أفراد هذه الشبهات، وإن كان فقهاء الأحناف قد اهتموا بتصنيف الشبهات تصنيفًا محددًا، وتبعهم في ذلك أيضًا فقهاء الشافعية، أما فقهاء المالكية، والحنابلة، فقد اكتفوا ببيان أنواع الشبهات في مواضع متفرقة عند حديثهم عن الحدود تارة، وعند بيان كل جناية من الجنايات الحدية تارة أخرى، وثالثة عند بيانهم طرق الإثبات.
الأمر الذي ترتب عليه محاولة جمع ما كتبوه في هذه المواضع المتناثرة، وتصنيفه وعرضه، والتأليف بينه بقدر المستطاع، واستخلاص تصورهم للشبهات بصفة عامة.
وعلى أيه حال، فهذا هو المنهج الغالب على ما كتبه الفقهاء جميعًا في بداية نشأة المذاهب، وقيام المدراس الفقهية.
إذ أنهم قد أولوا اهتمامهم كله ببيان الأحكام الشرعية لما عرض من مسائل فقهية، تتطلب بيان رأي المشرع فيها، وتحديد أحكامها.
الأمر الذي شغل به الأقدمون أكثر من اشتغالهم بتأصيل المسائل، والتأليف بين المتناظر منها.
وقد ذكر البعض أن ذلك يرجع إلى أن فكرة الشبهة فكرة نسبية، وأن المرجع فيها في أغلب الأحيان إلى اجتهاد الحاكم، فهي تختلف باختلاف الحدود والزمان والأحوال، وبذلك انصرف الفقهاء عن تقسيمها، وبيان أنواعها واكتفوا بالتصدي لها واحدة بعد الأخرى، كلما اقتضى الأمر1.
وقد رد على هذا العليل، بأن المتأمل في الشبهات التي عددها الفقهاء، لا يتردد في رفض دعوى نسبيتها، فهي ليست أمور قلقة متغيرة، ولا هي أحاد شاردة تفتقر إلى ما يربط بينها، بل إنها -أيا ما كان الرأي في بعضها قابلة للتصنيف والتقسيم2، كما أنه قد خفي على من ادعى نسبية الشبهات، أن أحكام الشريعة في مسائل الحدود أحكام ثابتة لا تقبل هذه الدعوى بالنسبية، ومثلها في ثباتها هذا كل ما اتصل بها، وإذا كان المدعي للنسبية بنى دعواه هذه في إرجاعه والشبهة إلى اجتهاد الحاكم، على ما وقع من مسائل، وقضايا في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، كما حدث في عام المجاعة، وما ماثل ذلك.
فإن الفرق واضح بين كل ما كان من عمر رضي الله عنه، وبين ما تحتمله هذه النسبية التي يتحدث عنها، وما قد تنطوي عليه، فعمر -رضي الله تعالى عنه، وضع مبدأ وطبقه على الجميع، وتوخى فيه إرضاء الله، والعمل بروح الشريعة، ولم تستهدف من ذلك إرضاء أحد، أو مجاملة فرد، أو إسقاط الحد عن قريب، أو شريف أو صاحب جاه، أو سلطان
1 السرقة في الشريعة الإسلامية والقانون للدكتور أحمد الكبيس ص312.
2 نظرية الشبهة في الفقه الشرعي للأستاذ الدكتور عوض محمد عوض بحث منشور بالمجلة للدفاع الاجتماعي. ص27 العدد التاسع مارس سنة 1979م.
تمسكا بما أرساه الرسول صلى الله عليه وسلم في قضايا الحدود وعموميتها، ورفض النسبية فيها، ورده للشفاعة فيما حكم فيه، كما أن الفقهاء القدامى قد ضبطوا ما تحدثوا عنه من أنواع الشبهات بضوابط ثابتة، بما ذكروه من أمثلة لها بصفة عامة عند جميع الفقهاء، وبما حاول بعضهم تصنيفه، وجمع مسائله تحت مسميات محدودة.
وقد قسم فقهاسء الأحناف الشبهة، وتبعهم في ذلك فقهاء الشافعية مع اختلاف في التسمية والتبويب، وسيتضح ذلك من خلال ما سأبينه في المبحثين الآتيين: