الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: شروط في المقذوف
أولا: البلوغ والعقل
…
المبحث الثاني: شروط في المقذوف
ذكر بعض الفقهاء شروطًا، لا بد من توافرها في المقذوف لإيجاب الحد على قاذفه، والذين ذكروا هذه الشروط منهم من توسع فيها، ومنهم من اقتصر على بعضها إلى حد أن من الفقهاء من حكم بحد القذف في وقائع، لم ير فيها الآخرون، وفيما يلي بيان لذلك، وما ينشأ عنه من شبهات.
أولًا: البلوغ والعقل
ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأن غير البالغ العاقل، لا يلحقه عار بقذفه ونسبته إلى الزنا، وعلى هذا فلا يلزم قاذف الحد، فقد جاء عند فقهاء الأحناف:"والعامة يمنعون كون الصبي، والمجنون يلحقهما عار بنسبتهما إلى الزنا، بل ربما يضحك من القائل لصبي، أو مجنون يا زاني إما لعدم صحة قصده، وإما لعدم خطابهما بالحرمات، ولو فرض لحقوق عار لمراهق، فليس إلحقًا على الكمال فيندرئ، وهذا أولى من التعليل بعدم تحقق فعل الزنا منهما؛ لأنه مؤول بأن المراد بالزنا المؤثم، وإلا فهو يتحقق منهما، إذ يتحقق منهما الوطء في غير الملك "كن القذف إنما يوجب الحد إذا كان بزنا يؤثم صاحبه"1.
كما ذكر فقهاء الشافعية: أن من قذف صغيرًا، أو مجنونًا لم يجب عليه الحد؛ لأن ما يرمى به الصغير والمجنون لو تحقق لم يجب به الحد، فلم يجد الحد على قاذفه، كما لو قذف بالغًا عاقلًا بما دون الوطء2، كما ذكر فقهاء الشيعة أن قاذف الصبية لا حد
1 فتح القدير ج5 ص319، 320.
2 المهذب ج2 ص272.
عليه حتى تبلغ، وذكر بعضهم أن الرجل يقذف الجارية الصغيرة، فأجيب بأنه لا يجلد إلا أن تكون أدركت أو قاربت، والظاهر أن المراد بالإدراك هنا هو رؤية الحيض، وبالقرب من ذلك أكملها تسع سنين، فالنتيجة أن تكون بالغة"1.
وذكر فقهاء الحنابلة أن في اشتراط بلوغ المقذوف، وكونه عاقلًا رأيين، أولهما أن ذلك شرط؛ لأن ذلك من شروط التكليف: ولأن زناها لا يوجب حدًا، فلا يجب الحد بالقذف به.
والثاني: لا يشترط البلوغ والعقل، نظرًا لكونهما يعيران بهذا القول الممكن، فأشبها الكبير العاقل2.
وذهب فقهاء المالكية إلى أن اشتراط البلوغ إنما هو في الذكر الفاعل، وأما المفعول فلا يشترط بلوغه ذكرًا كان أو أنثى، فمتى كان مطيقًا للزنا حد قاذفه3.
وذهب ابن حزم إلى القول بوجوب الحد على قاذف الصغير، والمجنون؛ لأن الصغار محصونون بمنع الله تعالى لهم من الزنى، ويمنع أهليهم، وكذلك المجانين -وكذا المجبوب والرتقاء والقرناء، والعينين وإسقاط الحد عن قاذف هؤلاء خطأ محض لا إشكال فيه.
وذكر ابن حزم أن القذف لا يخلو من أحد أوجه ثلاثة، لا رابع لها إما أن يكون صادقًا، وقد صح صدقه، فلا خلاف في أنه لا حد عليه.
1 مباني تكملة المنهاج ج1 ص255.
2 المغني ج8 ص216.
3 المدونة ج16 ص54-55، حاشية العدوي مع الخرشي ج7 ص86، حاشية الدسوقي ج4 ص325.