الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: جريمة السرقة الكبرى "الحرابة
"
المطلب الأول: الحرابة
…
"المبحث الثاني": جريمة السرقة الكبرى "الحرابة"
ويتناول الحديث عنها مطلبين.
المطلب الأول: تعريفها:
المطلب الثاني: سرقات اختلف في وجوب حد الحرابة بها.
المطلب الأول: الحرابة
الحرابة بكسر الحاء مصدر حرب، حرب الرجل حربًا مثل طلبه يطلبه طلبًا، أي سلبه ماله وتركه بلا شيء.
وحرب ماله بالبناء للمجهول أي سلبه، فهو محروب وحريب1.
وعبر عنها فقهاء الأحناف بقطع الطريق، وعرفوه بأنه:"الخروج على المارة لأخذ المال على سبيل المغالب على وجه يمنع المارة من المرور، وينقطع الطريق"2.
1 لسان العرب، مختار الصحاح، المنجد ص124 بيروت الطبعة 19.
2 بدائع الصنائع ج7 ص90، وجاء في حاشية سعد حلبي، مع فتح القدير ج5 ص422، أعلم أن قطع الطريق يسمى سرقة كبرى، أما تسميتها سرقة؛ فلأن قاطع الطريق يأخذ سرا ممن إليه حفظ الطريق، وهو الإمام الأعظم كما أن السارق يأخذ المال سرًا ممن؟؟ حفظ المكان المأخوذ منه، وهو المالك أو من يقوم مقامه، وأما تسميتها كبرى؛ فلأن ضرر قطع الطريق على أصحاب الأموال، وعلى عامة المسلمين بانقطاع الطريق، وضرر السرقة الصغرى يخص الملاك بأخذ مالهم، وهتك حرزهم، ولهذا غلظ الحد في حق قطاع الطريق يراجع البحر الرائق ج5 ص72.
وعرف فقهاء المالكية الحرابة بأنها:"الخروج لإخافة السبيل لأخذ مال محترم بمكابرة قتال أو خوفه، أو ذهاب عقل أو قتل خفية، أو لمجرد قطع الطريق، لا لامرة ولا نائرة، ولا عداوة"1.
وذكروا أن المحارب هو من أخاف الطريق لأجل أن يمنع الناس من سلوكها، أي من أخاف الناس في الطريق؛ لأجل أن يمنعهم من السلوك فيها، والانتفاع بالمرور فيها، وإن لم يقصد أخذ مال من السالكين، بل قصد مجرد منع الانتفاع بالمرور فيها، سواء أكان الممنوع من الانتفاع بالمرور فيها خاصًا كفلان، أم كان كل مصري، أو عامًا كما إذا منع كل أحد يمر فيها إلى الشام مثلًا"2.
وقال فقهاء الشافعية: "قطع الطريق هو البروز لأخذ مال، أو لقتل، أو إرعاب مكابرة اعتمادًا على الشوكة، مع البعد عن الغوث"3.
قال فقهاء الحنابلة: "المحاربون الذين يعرضون للقوم بالسلاح في الصحراء، فيغصبونهم المال مجاهرة".
1 الخرشي ج8 ص103، 104، شرح الزرقاني ج8 ص108.
2 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج4 ص348.
3 مغني المحتاج ج4 ص180، حاشية الشرقاوي على التحرير ج2 ص437.
وضع فقهاء الحنابلة شروطًا ثلاثة في المحاربين، رآها جمهور فقهائهم:
الأول: أن يكون ذلك منهم في الصحراء.
الثاني: أن يكون معهم سلاح.
الثالث: أن يأتوا مجاهرة، ويأخذوا المال قهرًا1.
وعرف ابن حرم المحارب: بأنه "المكابر المخيف لأهل الطريق المفسد في سبيل الأرض سواء بسلاح، أو بلا سلاح أصلًا، سواء ليلًا أو نهارًا، في مصر أو في فلاة أو في قصر الخليفة، أو الجامع سواء أقدموا على أنفسهم إمامًا، أو لم يقدموا سوى الخليفة نفسه فعل ذلك بجنده أو غيره، منقطعين في الصحراء، أو أهل قرية سكانًا في دورهم، أو أهل حصن كذلك، أو أهل مدينة عظيمة، أو غير عظيمة كذلك، واحدًا كان أو أكثر، كل من حارب المار، وأخاف السبيل بقتل نفس، أو أخذ مال، أو لجراحة، أو لانتهاك فرج، فهو محارب2.
وذهب فقهاء الشيعة إلى أن كل من شهر السلاح في مصر من الأمصار، سواء ضرب، أو عقل، أو قتل لأخذ مال، أو لإخافه فهو محارب3.
وتعريفات فقهاء الشريعة لقطع الطريق تعريفات متقاربة، بل وتكاد تكون متفقة، ومجمعة على أن كل من أزعج الآمنين وأخافهم، مجاهرًا بذلك معتمدًا على البطش، والقوة، فهو محارب سواء أأخذ مالًا أم لا.
غير أن بعض الفقهاء يرى أن قطع الطريق، لا يكون إلا في صحراء
1 المغني ج8 ص287، 288.
2 المحلى ج13 ص320.
3 مباني تكملة المنهاج ج1 ص318، 319.
والبعض الآخر لا يشترط ذلك، بل يرى أن قطع الطريق كما يكون في الصحراء، يكون أيضًا في البلاد الآهلة بالسكان.
وقد ترتب على هذا، وغيره قيام شبهات لدى بعض الفقهاء، رتبوا عليها درء عقوبة القطع الحدية، ولم يوافقهم الباقون على ذلك، وفي المطلب الثاني بيان لأقوال الفقهاء، ما يترتب عليها فيما سأعرضه من وقائع.
هذا هو تحديد الفقه الإسلامي لجريمة الحرابة، ومن يقوم بها، أما الفقه الوضعي، وإن كان قد ذكر بعض الوقائع التي تتم فيها السرقة تحت ظروف معينة، وحدد عقوبات لها تزيد عن عقوبة السرقة العادية، إلا أن نظرة الفقه الإسلامي، عالجت الأمر علاجًا شاملًا، وشافيًا لم تصل إليه بعد التشريعات الوضعية.
فالتشريعات الوضعية قد نصت على أنه يعاقب بالإعدام، كل من ألف عصابة هاجمت طائفة من السكان، وهي بذلك لا ترى نفس العقوبة على من ألف عصابة، وهاجم بها فردًا، كما أنها تطبق العقوبة، ولو لم تسفر مهاجم هذه العصابة عن قتل أحد من المهاجمين، أو أخذ ماله.
كما فرقت التشريعات الوضعية بين عقوبة من تزعم هذه العصابة، أو تولي فيها قيادة ما، وبين من انضم إلى هذه العصابة، واشترك في تأليفها، ولكنه لم يتقلد فيها قيادة ما، فعاقبت الأول بالإعدام أما الثاني، فبالأشغال الشاقة المؤبدة، أو المؤقتة1.
والفقه الإسلامي لا يرى هذه التفرقة في العقوبة بين فرد، وآخر ممن اشتركوا في واقعة حرابة معينة، كما لا يخفى أن الفقه الوضعي
1 المادة 89 من قانون العقوبات، ويراجع في ذلك أ. د: محمود مصطفى القسم العام ص497-510، جرائم أمن الدولة، دكتور يوسف الشال ص83-90.