الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
الوطء بعد النكاح الفاسد:
والنكاح الفاسد هو: ما كان عقده صحيحًا بأصله دون وصفه بمعنى أن عقده استوفى أركانه، وشروط انعقاده، لكنه فقد شرطا من شروط الصحة.
ومثل ذلك النكاح بلا ولي، أو بلا شهود، وزواج الأخت في عدة أختها، وزواج خامسة في عدة، الرابعة، وكل نكاح فيه كنكاح المتعة، والشغار والتحليل.
فإذا حدث دخول في ظل عقد من هذه العقود الفاسدة، فإن جمهور الفقهاء يرى درء الحد لقيام شبهة ترتبت على وجود العقد الفاسد، وهم وإن قالوا بذلك إلا أن كلا منهم قد أطلق على هذه الشبهة مسميات غير الآخر، فقد أطلق عليها فقهاء الحنفية، شبهة العقد، إذا قد جاء عن ابن الهمام: "وذكر في شبهة العقد أن يطأ التي تزوجها بغير شهود، أو بغير إذن مولاها وهي أمة، أو طئ العبد من تزوجها بغير إذن مولاه.
وذكر ابن الهمام أن أبا حنيفة يرى القول بإسقاط الحد بالنسبة لمن تزوج أمه على حرة، أو مجوسية، أو خمسًا في عقد، نظرًا لوجود شبهة العقد، وإن كان أبو يوسف، ومحمد قد أوجبا الحد
إذا حدث دخول بالأمة التي تزوجها على الحرة، أو بالمجوسية، أو بالخمس اللاتي تزوجهن في عقد واحد، إذا علم أن ذلك حرام1.
وأطلق عليها المالكية شبهة العقد في قول الخرش: "تحد المرأة لذا مكنت مملوكها من نفسها إذا وطئها عن غير عقد، لا أن كان بعقد للشبهة، وإن كان غير صحيح.
كما يقول: إذا عقد على معتدة من غيره ووطئها عالمًا، فإنه لا حد عليه وهو المشهور، مع أن حد الزنا صدق عليه.
كما أطلقوا عليها أيضًا: شبهة الخلاف في قول الخوشئ "وإن تزوج أم امرأته، فإن دخل بالابنة حد، وإن لم يدخل بها لم يحد للخلاف"2.
كما يقول الخرشي: "وخرج بقوله: باتقاق، النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي، فإن الوطء فيه لا يسمى زنا شرعًا إذ لا حد فيه، فالمراد بالاتفاق اتفاق العلماء لا الاتفاق المذهبي"3.
ويطلق فقهاء الشافعية على هذه الشبهة شبهة الجهة، أو الطرق فيقول الشربيني الخطيب في معرض حديثه، عما لا يجب به الحد من الزنا:"واحترز عن شبهة الطريق التي تضمنها قوله: "وكذا كل جهه أباحها"، أي قال بالوطء بها عالم "كنكاح بلا شهود" فقط، كما قال به مالك، أو بلا ولي فقط كما قال به أبو حنيفة، أو بولي وشهود،
1 فتح القدير ج5 253، أحكام الأسرة في الإسلام ج1 215-221.
2 الخرشي ج8 ص76-78.
3 الخرش ج8 ص76، وجاء مثل ذلك أيضًا في حاشية الدسوقي ج4 ص313.
ولكنه مؤقت، وهو نكاح المتعة كما قال به ابن عباس -رضي الله تعالى عنهم: لا حد بالوطء فيه على الصحيح، وإن اعتقد تجريمه لشبهة الخلاف1.
ويقول ابن قدامة: "ولا يجب الحد بالوطء في نكاح مختلف فيه كنكاح المتعة والشغار، والتحليل، والنكاح بلا ولي، ولا شهود ونكاح الأخت في عدة أختها البائن، ونكاح الخامسة في عدة الرابعة البائن، ونكاح الخامسة في عدة الرابعة البائن، ونكاح المجوسية، وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لأن الاختلاف في إباحة الوطء فيه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات2.
وجاء عن فقهاء الشيعة إجازة العقد بلا شهود؛ لأن الشهود عندهم من باب تزويج السنة، ولإثبات الولدة فقط، فقد أورد الحلي: "لا بأس بالتزويج ألبته بغير شهود فيما بينه وبين الله تعالى، وإنما جعل الشهود من تزويج السنة3.
أما ابن حزم، فإنه يرى في الدخول في ظل العقد الفاسد وجوب الحد، إلا إذا وقع ذلك ممن يجهل الحكم، فقد ورد عنه: "وأما العالم بفساد عقد النكاح، أو عقد الملك، فهو عاهر عليه الحد، فلا يلحق به الولد، كما ورد عنه في نكاح الشغار: ومن يدخل في ظله، أن كان عالمًا فعليه الحد كاملًا، ويلحق به الولد، وإن كان جاهلًا، فلا حد عليه4، وجاء عن فقهاء الشافعية قول بوجوب
1 مغني المحتاج ج4 ص145، والمهذب ج2 ص35، 40.
2 المغني ج8 ص183-184.
3 كما جاء في تذكرة الفقهاء يستحب الإعلان، والإظهار في النكاح الدائم، والإشهاد، وليس الإشهاد شرطًا في صحة العقد عند علمائنا أجمع المختصر النافع للحلي ص194، يراجع المهذب ج2 ص40.
4 المحلى ج11 ص131-741.
الحد على من وطئ في ظل عقد فاسد، وإن اعتقد الإباحة، ويجب الحد أيضًا في نكاح المتعة؛ لأنه ثبت نسخه، وابن عباس رجع عنه كما رواه البيهقي.
واشترطوا في الشبهة التي تدرأ هنا أن تكون شبهة قوية المدرك، لا لمجرد عين الخلاف1.
واشتراط الشافعية ذلك له وجاهته، حتى لا يصبح الحكم عرضة لبعث الأهوء، والرغبات.
وما أرجحه هو أن من دخل في ظل عقد فاسد، وهو يعلم ذلك، ولا عدل له لزمته عقوبة تعزيرية موجعة ورادعة له ولأمثاله؛ لأن حدود الله يجب أن تصان عن العبث.
1 أي يجب أن يكون الخلاف الذي تقوم به الشبهة الدارئة للحد -خلافا ناشئا عن دليل، لا مجرد قول بالرأي العاري عن الدليل، مغني المحتاج جـ4 ص145.