الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: الإثبات
مدخل
…
الفصل الثالث: الإثبات
تمهيد:
مرت البشرية عبر تاريخها بمراحل متعددة، اختلفت نظم الإثبات فيها تبعًا لاختلاف البيئة الاجتماعية، التي تحكم سير حياة الفرد والمجتمع.
ثم أنزل الله سبحانه وتعالى على محمد صلى الله عليه وسلم الشريعة الإسلامية، فحددت طرق الإثبات وبينت نظمه، وألزمت القاضي بذلك، أو حثته على العدل، وقعد الفقهاء ذلك كله في قواعد فقهية، أكدوا فيها على براءة المتهم حتى يثبت إدانته بالدليل القاطع اليقيني، وعلى الأخص في جرائم الحدود.
وبين فقهاء الشريعة طرق الإثبات بصورة بدأ العالم المعاصر يعرف لها حقها، ويستحث خطى مقننية بغية الوصول إليها، والأخذ بها:
ابتغاء إحقاق الحق، وطلبا لإقرار العدل، ويراد بالإثبات عند اللغويين:
إقامة الحجة الواضحة والبينة القوية، والبرهان الساطع ووضوح الحق، واستجلاء الدليل1، ويراد بالإثبات إقامة الدليل الشرعي أمام القاضي في مجلس قضائه على حق، أو واقعة من الوقائع، ويطلق الإثبات على الوسائل التي تؤدي إلى الكشف عن الحقيقة، والتي يؤسس
1 جاء في لسان العرب ج8 ص323-324 "ط الدار المصرية للتأليف والترجمة مادة "ثبت" أن أثبت مصدره إثبات، وأثبت حجته: أقامها وأوضحها. وقول ثابت أي صحيح، والثبت بالتحريك: الحجة والبينة وثابتة وأثبته: عرفه حق المعرفة.
ويراجع المنجد مادة "ثبت".
القاضي حكمه عليها، ومن هذه الوسائل الإقرار، والشهادة وغيرهما من كتابه وقرائن ومعانيه، وخبره وما إلى ذلك.
ويطلق الإثبات أيضًا على النتيجة التي تم التوصل إليها عن طريق الوسائل المذكورة، سواء أكانت مجتمعة، أو عن طريق بعضها فقط.
والنتيجة التي يتم التوصل إليها عن طريق وسائل الإثبات، هي ركيزة القاضي فيما يحكم به من وقوع الجريمة، أو عدم وقوعها، ومن أن من أقيمت عليه الدعوى هو الجاني أم أنه بريء، وإن كان هو الجاني فما مدى قصده الجنائي؟. وهل اكتملت أركان الجريمة أم لا؟ وهل له عذرًا أو شبهة يعتد بها في دفع العقوبة عنه، وما مدى حظه من أسباب الإباحة، أو موانع المسئولية إلى آخر ذلك مما يقف عليه القاضي، ويعرفه معرفة دقيقة حتى يكون حكمه للواقعة عادلًا لا جور فيه، ولا تقصير1.
ومما هو معروف أن الشريعة الإسلامية قد حددت طرق الإثبات في الجرائم الحدية، وألزمت القاضي هذه الطرق.
كما أنها قد أباحت للقاضي حرية الاقتناع في حكمه للجرائم التعزيرية، ولا تكاد تخرج نظم الإثبات عند القانونيين عن ذلك2.
1 الإثبات في المواد الجنائية للأستاذ الدكتور محمود مصطفى ج1 ص3 "ط أولى سنة 1978".
2 نظم الإثبات التي يعرفها القانون هي: نظام الإثبات القانوني، أو المقيد بمعنى أن القانون قد حدد الأدلة التي يمكن الإستناد إليها في الحكم ثانيًا: نظام الإثبات المعنوي أو المطلق، بمعنى أن القانون يبيح للقاضي في أن يقتنع بأي دليل يمكنه أن يبني عليه عقيدته، ولا سلطان عليه في ذلك إلا ضميره.
ثالثًا: النظام المختلط: هو وسط بين النظامين، أو يجمع بينهما. المرجع السابق ص7-11، ويراجع الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص3 وما بعدها، ص282 وما بعدها، المدخل للفقه الإسلامي ص736 وما بعدها.
ونظرًا؛ لأن هذا البحث يتناول الجرائم الحدية، والشبهات التي تعتري أحد أركان جريمة من هذه الجرائم أو دليل إثباتها، كان لزامًا أن يقتصر الحديث هنا على طرق الإثبات التي يمكن على أساسها الحكم بالعقوبة الحدية، وبيان ما يعتري كل طريق منها من شبهات يترتب عليها درء العقوبة الحدية، سواء أنتج ذلك تبرئة المتهم، أو إلزامه بعقوبة تعزيرية تختلف، وعقوبة الجريمة التي لم يكتمل إثباتها عليه نظرًا لقصور في هذه الإثبات، أو لما لحقت به من شبهات.
وطرق الإثبات التي سيعرض البحث لها البيان هي:
أولًا: الإقرار وما يعتريه من شبهات تدفع الأخذ به في إثبات الجناية الحدية على المقر.
ثانيًا: الشهادة، وما يعتريها من شبهات تدفع الأخذ بها، وتنتج إسقاط العقوبة الحدية عن المدعى عليه، بل ويترتب على ذلك أحيانًا إلزام الشهود العقوبة الحدية، أو غيرها من العقوبات التعزيرية.
ثالثًا: القرائن، من حيث الاعتداد بها كدليل مستقل يمكن على أساسه إلزام المدعى عليه العقوبة الحدية، أم عدها من الأدلة المصاحبة، التي لا يتم عن طريقها وحدها الإلزام بالعقوبة الحدية.
وسيكون الحديث عن كل طريق من طرق الإثبات حديثا عامًا يتناول ما يشترط فيه كدليل إثبات، ثم أذكر ما يجب أن يتوافر فيه من الشروط الخاصة، بإثبات بعض الجرائم الحدية عند الحديث عن كل جريمة من هذه الجرائم.