الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الركن المادي للجريمة
هو مظهر الجريمة المجسد الناتج عما دار في فؤاد مرتكب الجريمة قبل وقوعها، وقيامه بسلوك تسبب في وقوع الجريمة، وتحققها.
فالركن المادي هو الذي توجد بتحققه الجريمة، وتتخطى مرحلة التفكير، والإعداد إلى حيز الوجود والإعلان، وبذا يمكن إثبات ما كان خفيًا من تفكير وتدبير؛ لأنه لا يمكن إثبات ذلك إلا بقيام الأثر في الخارج.
وهذا الأثر هو مزاج بين التفكير والسلوك، ما هو إلا المحصلة النهائية لكل ما قام به الفاعل، متجسدًا في النتيجة المجرمة، ويتكون الركن المادي مما يأتي:
أولًا: السلوك غير المشروع الذي يقوم به الجاني.
ثانيًا: النتيجة التي تنجم عن هذا السلوك، وتتحصل بسببه سواء قصدها الفاعل أو لم يقصدها.
ثالثًا: الصلة التي تربط بين السلوك، والنتيجة بصورة تجعلها ناتجة عنه واقعة بسببه1.
هذه مكونات الركن المادي التي إذا وجدت تحقق وجوده الذي هو تجسيد للجريمة الكاملة.
أما إذا لم تكتمل هذه المكونات بسبب قيام مانع خارج عن إرادة الجاني، فإن ما يقع يعد شروعًا في جناية، إلا إذا كان ما وجد يشكل في حد ذاته جناية كاملة من الجنايات، وإن نقصت عن التي كان يريد الجاني تحقيقها.
هذا ما ذهب إليه فقهاء القانون؛ لأنهم قد عرفوا الشروع بأنه:
البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية، أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها2.
وذلك كمن يصوب مقذوفًا لعدوه، يقصد قتله، فيطيش المقذوف، وتنعدم النتيجة تمامًا.
أو تتحقق النتيجة غير أن علاقة السببية بينها، وبين الفعل قد
1 الجريمة للشيخ أبو زهرة ص384 "العودة للجريمة" د. محمود نجيب حسني ص316، شرح قانون العقوبات د. أحمد الألفي ص253. د. سمير الجنزوري ص270 "المدخل الإسلامي للفقه الإسلامي د. سلام مدكور ص727.
2 المادة 45 من قانون العقوبات.
شرح قانون العقوبات القسم العام د. محمود نجيب حسني ص353.
شرح قانون العقوبات العام د. أحمد الألفي ص287، 288 شرح قانون العقوبات القسم العام د. محمود مصطفى ص308.
انعدمت كما إذا أصاب المقذوف من صوب إليه إصابة يسيرة، وفي أثناء ذلك حدثت غارة جوية، فمات من صوب إليه المقذوف بسبب حدوث الغارة الجوية، وليس بسبب الإصابة اليسيرة الناتجة عن المقذوف.
ففي كلتا الحالتين توافر الفعل الجاني كل عناصر الجريمة التامة، غير أنه لم يحقق الأثر الذي أراده الجاني، ولا علاقة للمقذوف بما وقع من نتيجة لذا، فإن فعل الجاني هنا يعد شروعًا، ويعاقب عليه بعقوبة الشروع، وليس بعقوبة الجريمة الكاملة، فإذا كان عدم اكتمال الجريمة راجعًا إلى إرادة الفاعل نتيجة عدولة الاختياري عن إتمامها، ومحاولته تجنب النتيجة التي كان يبغي تحقيقها بحيث لم تتم هذه النتيجة، فإن الشروع ينعدم حينئذ، وترغيبًا في العدول الاختياري، والحث عليه يرى فقهاء القانون عدم المعاقبة، حنيئذ عما تم قبل هذا العدول الاختياري، وهذا أسلوب من أساليب السياسة الجنائية، يهدف إلى مكافحة الجريمة.
ويعتبر العدول اختياريًا إذا كان نابغا من داخل الجاني نفسه، كأن راجع نفسه، أو أشفق على المجني عليه، أو خاف أن يلحقه عار أو عقاب.
هذا ما قاله فقهاء القانون1.
أما فقهاء الشريعة، فإنهم لم ينظروا لما سبق على أساس أنه جريمة ناقصة، فلم يسموه شروعًا، وإنما عالجوه على أساس أنه جريمة لها عقابها الخاص بها، سواء أكان عقابًا محددًا من قبل المشرع، أم من قبل ولي الأمر2.
وقد يظن أن فقهاء الشريعة لم يعرفوا الشروع الذي تحدث عنه
1 المراجع السابقة.
2 الأحكام السلطانية للماوردي ص206، 207 ط مطبعة السعادة التشريع الجنائي للأستاذ عبد القادر عودة ج1 ص 345ط دار التراث. الجريمة للشيخ أبو زهرة ص393.
القانونيون لكن حقيقة الأمر هي أن فقهاء الشريعة عالجوا ما أسماه رجال القانون شروعا، عالجوه على أساس أنه جرائم لها عقوباتها الخاصة بها.
فإذا جاء رجال القانون، وأطلقوا على هذا النوع من الجرائم مسميات خاصة بها، فإن ذلك يكون من باب الجرائم المعروفة مسميات عصرية، ولا يعني ذلك اكتشاف ما لم يعرف.
والجريمة في كل مراحلها قد يقوم بها شخص واحد، وقد يشاركه آخرون عمله، أو مرحلة من مراحله، لذا لزم بيان المساهمة الجنائية في كلمة موجزه لما لها من صلة بما نحن فيه.
المساهمة الجنائية:
وتعني قيام عدد من الأشخاص بأعمال تقضي في مجموعها إلى قيام جريمة، بحيث يسهم عمل كل شخص منهم في احداث هذه الجريمة، مع قيام رابطة معنوية بينهم جميعًا.
وعلى هذا يمكن تمييز الجريمة التي تقع نتيجة المساهمة الجنائية عن غيرها من تلك الجرائم التي يرتكبها فاعل واحد بمفرده، مهما تعددت وتغايرت، وأيضًا بين تعدد الجناة، وتعدد جرائمهم، مثلما يحدث عند التجمهر من وقوع حوادث متعددة، من إحراق وتدمير وغير ذلك، دون أن يكون من المتجمهرين اتفاق على إحداث تلك الجرائم.
ولذا فإن كل من يرتكب جريمة يسأل عنه فقد دون غيرها، مما ارتكبه الآخرون، وإن كان هناك توافق بين الإدارات المتعددة إلا أن هذا التوافق، وتوارد الخواطر لا يرقيان إلى مرتبة الاتفاق، وبذا يخرج عن حيز المساهمة الجنائية؛ لأن إرادة كل منهم صادرة عن باعث خاص به، إذا تصادف أن كان لغيره باعث يسير في نفس الاتجاه، فإنه لا يمكن
أن يترتب عليه مسئولية تضمانية بينهم مع أن عدوانهم قد يقع على شخص واحد1.
وهذا ما ذهب إليه فقهاء الشريعة، إذ فرقوا بين التوافق والتمالؤ، وحاسبوا من توافقت إرادتهم، فقاموا بارتكاب جرائم، حاسبوهم على أساس مسئولية كل فرد عما قام به من أفعال فقط.
لأن توافقهم جاء نتجية توارد الخواطر، وليس ناتجًا عن إتفاق سبق أما التمالؤ، فإنه يقضي وجود اتفاق مسبق بين الشركاء، وعزمهم على ارتكاب جريمتهم مجتمعين مستهدفين غرضًا واحد.
لذا فإن كلا من المتماثلين يعتبر فاعلًا أصليًا، ويسأل عن الجريمة كاملة، وإن كان الإمام أبو حنيفة لا يفرق بين التوافق والتمالؤ، فحكمها واحد عنده، ويسأل كل فاعل في الحالتين عما جناه فقط2.
أركان المساهمة الجنائية:
تقوم المساهمة الجنائية على ركنين أساسيين وضحًا مما سبق وهما:
الركن الأول: تعدد الجناة، فلو لم يتعدد الجناة لم تكن هناك مساهمة جنائية، وإنما جناية ارتكبها شخص واحد.
الركن الثاني: وحدة الجريمة، ويراد بها أن تؤدي أفعال عدد من
1 شرح قانون العقوبات لكل من د. محمود مصطفى ص325، 334 د. محمود نجيب حسني ص398، د. أحمد الألفي ص304، 306 د. سمير الجنزوري ص353، د. رمسيس بهنام ص391.
2 الإقناع لشرف الدين موسى الحجاوي ج7 ص261 ص263 ط الحلبي الشرح الكبير للدردير ج4 ص217، 218 ط الأميرية تبيين الحقائق ج6 ص114 ط الأميرية، البحر الرائق ج8 ص310 ط أولى.
الأشخاص إلى أحداث جريمة واحدة، نشأت بسبب أفعالهم مجتمعة، في وحدتها المادية والمعنوية.
ويراد بالوحدة المادية: أن تكون نتيجة أفعالهم جميعًا واحدة مترتبة على ما قاموا به، متصلة بكل فعل من أفعالهم اتصال المسبب بالسبب.
وليس معنى ذلك إنه إذا تخلف فعل واحد من هذه الأفعال تخلفت النتيجة تمامًا وإنما اختلفت النتيجة، سواء انعدمت، أو اتخذت شكلًا آخر.
ويراد بالوحدة المعنوية أن يكون هناك قصد، وإرادة ترتبط بينهم تستهدف تحقيق النتيجة، ويتجسد بذلك القصد وحده الركن المعنوي للجريمة1.
المساهمة الجنائية، والجرائم المحددة العقوبة:
تنقسم الجرائم المحددة العقوبة في الفقه الإسلامي، من حيث قبولها للمساهمة الجنائية، وإمكان وقوعها بالمشاركة من عدمه إلى ما يأتي:
أولًا: جرائم لا تقع بالمساهمة والاشتراك، ويندر وقوعها من فرد واحد، وهي جرائم الحرابة، إذ إنها عمل يستلزم اشتراك عدد من الأفراد، واتفاقهم على العدوان، وتعاونهم على الإثم.
فالاتفاق ركن من أركان هذه الجريمة، ولا يتصور إلا بين عدد من الأفراد.
1 شرح قانون العقوبات د. محمود نجيب حسني ص400.
ثانيًا: جرائم شخصية لا يتصور وقوعها بالاشتراك، أو إمكان وجود المساهمة الجنائية في قيام ركنها المادي، إذ هي جرائم فردية بحته.
وذلك مثل جرائم القذف وشرب الخمر، والزنا؛ لأن من يقارف هذه الجرائم، ويدلي بدلوه فيها لا يعد شريكًا، وإنما هو فاعل أصلي.
وإذا أمكن تصور قيام جماعة بجريمة من هذه الجرائم، فإن كلا منهم يعاقب على أساس أنه فاعل أصلي، ارتكب جريمة بمفرده.
ثالثًا: جرائم يمكن أن تتأنى من فرد أو من جماعة، أي أن إمكان قيام المساهمة الجنائية فيها متوافر، حتى في إيجاد الركن المادي لكل جريمة من هذه الجرائم، وذلك كما في جرائم السرقة، فإنه يمكن أن يساهم في قيامها أكثر من فرد. كما يمكن أن يقوم بها فرد واحد، وإن كان جمهور الفقهاء قد اشترطوا لمعاقبة المساهمين في قيامها أن يكون كل منهم قد سرق نصابًا، أو سيناله ما قيمته ذلك من المسروق1، ومثل ذلك أيضًا جرائم القصاص، فإنه يمكن أن يقوم بها فرد واحد يمكن أن يقوم بها عدة أفراد، وإن كان الإمام أبو حنيفة لم يعتبر الاشتراك في هذه الجريمة موجبًا للعقوبة الأصلية لها، إلا في حالة ما إذا قتل جماعة فردًا واحدًا، وإن كان ذلك عنده على خلاف القياس2.
أنواع المساهمة الجنائية:
المساهمة الجنائية باقتضائها قيام عدد من الأشخاص مشتركين بأحداث جناية واحدة، تكون قد شملت نوعين من المساهمة.
1 حاشية الدسوقي ج4 ص235 الخرشي ج81 ص95 الموطأ بشرح الرفاني ج5 ص115، المغني ج8 ص282 مباني المنهاج ج1 ص289 المبسوط ح9 ص147.
2 البحر الرائق ح8 ص354.
لأن المساهمة قد تكون نتيجة لارتكاب بعض الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة، وهذه هي السياسة الأصلية.
وقد تكون المساهمة نتيجة للقيام بعمل غير رئيسي في تنفيذ الجريمة بعيدًا عن الأعمال المكونة للركن المادي لها، وهذه هن المساهمة التبعية.
وأساس هذه التفرقة: أن الأول يباشر تنفيذ الركن المادي للجريمة، فهو إذا شريك في المباشرة.
أما الثاني: فإنه يتسبب في الجريمة، باتفاقه أو تحريضه أو بذله العون، ولكنه لا يباشر تنفيذ ركن الجريمة المادي، فهو إذا شريك بالتسبب1.
المساهمة الأصلية:
وهي الحالة التي يكفي لوجودها أن يقوم الفاعل باتيان عمل هو في حد ذاته كاف لاعتباره بادئًا في تنفيذ الجريمة، حتى ولو كان هذا العمل خارجًا عن الركن المادي لها.
وذلك كمن يوقف عربة بها شخص يقصد قتله، ثم يقوم زميل من أوقف العربة بقتل الشخص الذي بداخلها.
وكمن يكسر بابا ليمكن آخر من الدخول للسرقة، وتتم السرقة.
فموقف العربة، وكاسر الباب في هاتين الحالتين قد ساهما مساهمة أصلية في قيام الجريمة، وإن كان فعل كل منهما قد خرج عن حيز الركن المادي للجريمة نظرًا؛ لأن كلا منهما قد توافرت لديه نية من نوع
1 شرح الزرقاني على مختصر خليل ج8 ص10 ط مطبعة محمد مصطفى.
خاص -ولذا اعتبر فاعلين أصليين، ولم يعتبرا شريكين1.
وما ذهب إليه فقهاء القانون، يوافق ما ذهب إليه الفقه المالكي الذي يسوي بين المباشرة للقتل والإعانة عليه، وحضوره فالمباشرة عند فقهاء الماليكة تصدق على الفاعل، والمعين على الفعل والحاضر وقت وقوع الجريمة، إذا قبل قيامها، واشترط لاعتبار من أعان، أو من حضر مساويين للمباشرة أن يكونوا بحيث لو استعان بهم أعانوه، أو إذا لم يقم المباشر بالقتل قام به الباقون2.
وقد خالف هذا جمهور الفقهاء من الأحناف، والشافعية والحنابلة والظاهرية، وقالوا: إن القصاص على من قام بالقتل فقط، وليس على من شارك بعمل يخرج عن حيز الركن المادي قصاص، حتى وإن توافرت لديه نية القتل3.
جاء في كتاب الأم: ما ذكر عن أبي حنيفة رضي الله عنه في الرجل يمسك للرجل، فيضربه بسلاح فيموت مكانه، إنه لا قود على الممسك والقود على القاتل، ولكن الممسك يوجع عقوبة، ويستودع في السجن.
وقال أهل المدينة: إن أمسكه وهو يرى أن يرد قتله قتلا به جميعًا قال الشافعي -رحمه الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} ، وقال:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} ، فكان معروفًا عند من
1 شرح قانون العقوبات لكل من أحمد نجيب حسني ص406 د. محمود مصطفى ص331، سنة 1977م الأسس العامة لقانون العقوبات د. سمير الجنزوري ص365 ط سنة 1977م.
2 مواهب الجليل ج6 ص242، الشرح الكبير ج4 ص218.
3 البحري الرائق ج8 ص354 برائع الصنائع ج4 ص180 المغني ج9 ص580-581 المحلي ج13 ص564.
خوطب بهذه الآية أن السلطان لولي المقتول على القتال نفسه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من اعتبط مسلمًا بقتل فهو قويده، وقال تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} . ولم أجد أحدًا من خلق الله تعالى يقتدي به حد أحدًا قط على فعل غير فعل نفسه.. فلو أن رجلًا حبس رجلًا لرجل، فقتله قتل به القاتل وعوقب الحابس، ولا جوز في حكم الله تعالى إذا قتلت القاتبل بالقتل أن أقتل الحابس بالحبس، والحبس غير القتل وروى علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- أنه قال في رجل قتل رجلًا متعمدًا، وأمسكه آخر.
يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت1.
وما ذهب إليه الجمهور أولى بالاتباع لتوافقه مع ما تقضي به الأدلة، ويراه العقل.
المساهمة التبعية:
وهي الحالة التي يقوم فيها الجاني بعمل ثانوي بحيث لا يعد نشاطه جزءا رئيسيًا في قيام الركن المادي، وإنما هو من عمل تحضيري لا يكفي أن يعتبر فاعله شارعًا في الجريمة بافتراض عدم تمامها.
ولقد حدد القانون ما يمكن أن تتم به المساهمة التبعية، وجعلها التحريض والاتفاق، والمساعدة التي لا ترقى إلى تتميم الجريمة أو تسهيلها، ولا تكون معاصرة لتنفيذ الجريمة، وتسمى الأعمال التحضيرية للجريمة.
وهي في الأصل أعمال مشروعية في نظر القانون، أي ليس معاقبًا عليها ابتداء، والذي جعلها تدخل في حيز الأعمال غير المشروعة، علاقتها بالأفعال التنفيذية للجريمة.
1 الأم: للإمام الشافعي ج7 ص300-301.
والمساهمة التبعية في الجريمة يقرر القانون لها عقوبة الجريمة المساهم فيها، شأنها في ذلك شأن المساهمة الأصلية، إذ يحكمها نص واحد من حيث تطبيق العقوبة عليهما، إلا في بعض حالات مستثناه جعل المشرع فيها للمساهمة التبعية عقوبة أقل من عقوبة الجريمة المساهم فيها1.
كما أن هناك حالات يغلظ المشرع فيها العقوبة على المساهمة أكثر من العقوبة على الجريمة نفسها2.
أما عند فقهاء الشريعة الإسلامية، فالأمر مختلف عما ذهب إليه فقهاء القانون.
إذ إن الإمام أبا حنيفة لا يسوى بين عقوبة الفاعل الأصلي والشريك، إلا إذا كان الشريك قد أكره الفاعل الأصلي، أو أمره أن يقتل، أمرًا بلغ درجة الإكراه3.
أما الأئمة مالك، والشافعي وأحمد، فإنهم لا يسوون بين الفاعل الأصلي والشريك، إلا إذا كان الفاعل الأصلي غير مميز، وكان كالآلة في يد الشريك يحركها كيفما يشاء.
وإن كان الإمام ملك يرى معاقبة الشريك بعقوبة الفاعل الأصلى
1 المادة 235 من قانون العقوبات تقرر أن للشريك في القتل العمد المعاقب عليه بالإعدام، عقوبة الإعدام، أو الأشغال الشاقة المؤبدة.
2 المواد 138، 140، 142 من قانون العقوبات تقرر لمن يساعد مقبوضًا عليه على الهرب عقوبة أشد من العقوبة التي يقررها لقانون الجريمة الهارب نفسه، وتزاد العقوبة شدة إذا كان من يساعد على الهرب هو المكلف بالحراسة شرح قانون العقوبات د. محمود نجيب حسنى ص411.
3 بدائع الصنائع للكاساني ج4 ص180 ط أولى مطبعة الجمالية.
إذا كان حاضرًا وقوع الجريمة، وفي وضع من ينفذها ما لم ينفذها الفاعل الأصلي1.
ويبين مما سبق أن الفقه الوضعي يعاقب من ساهم في جناية، إما بعقوبة الفاعل الأصلي، أو بعقوبة أشد منها، أو بعقوبة أقل، ومعاقبة الشريك بعقوبة مساوية لعقوبة الفاعل الأصلي، أو أقل منها لا تخرج عما رآه فقهاء الشريعة من حيث مقدار العقوبة مع اختلاف في التفصيل بالنسبة للشريك، أما معاقبة الشريك بعقوبة أشد من عقوبة الفاعل الأصلي، فهي التي تحتاج إلى وقفة، إذ هي حالة غير واردة بالنسبة لجرائم القتل.
ومما هو معلوم أن كل عقوبات الفقه الوضعي -غير عقوبة الإعدام- عقوبات تعزيرية، يد المشرع في اختيارها حرة، كما أن للقاضي حرية اختيار أحد حدي العقوبة المقررة للجريمة أو ما بينهما، طبقًا لما يراه مناسبا للحالة التي يحكم فيها.
والقاضي حين يحكم على من قام بالمساهمة بعقوبة أشد بما حكم بها على الفاعل الأصلي، فإنه يراعى ما وقع فيه المساهم من خروج عما يمليه عليه واجب العمل المكلف به بالإضافة إلى المُساهمة في الجريمة التي ارتكبها الفاعل الأصلي.
أما بالنسبة لما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية من تسوية بين عقوبة من أسهم في قتل إنسان، وبين عقوبة الفاعل الأصلي، أو عدم التسوية بين عقوبة كل منهما، فإن المقياس الذي أراه مناسبًا لاعتبار كل منهما فاعلًا أصليًا يجب معاقبته بعقوبة مساوية لعقوبة من
1 النرديري: الشرح الكبير ج4 ص216، 218.
الشيرازي: المهذب ج2 ص189 ابن قدامه المغني ج9 ص131.
قام بتنفيذ الجريمة، هو وجود رابطة السببية بين فعل كل من الفاعل الأصلي والمساهم، وبين النتيجة التي تحققت ثمرة لما قاما به.
فإذا وجدت رابطة السببية بين الفعل الذي قام به الفاعل الأصلي، والفعل الذي قام به المساهم، وبين النتيجة التي تحققت، فإن كلا من الفاعل الأصلي والمُساهم تلزمه عقوبة الجريمة التي وقعت، أما إذا لم توجد رابطة السببية هذه بين فعل المُساهم وبين النتيجة، فإن عقوبة الجريمة التي وقعت تلزم الفاعل الأصلي فقط.
وإن جاز للقاضي أن يُعاقب المُساهم في هذه الحالة بعقوبة تعزيرية مُناسبة لما وقع منه من فعل.