الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد رأى ابن حزم أن الحدود لا يجوز أن تقام بشبهة، ولا أن تدرء بشبهة.
وهو في الشق الأول من قوله هذا، قد وافق عليه ما عليه الفقهاء جميعًا موافقة صريحة لا يختلف عليها أحد.
وفي الشق الثاني من مقالته هذه، وإن لم يوافق ما عليه جمهور الفقهاء موافقة صريحة، إلا أن الشق الأول من مقالته ما يفيد أن الحدود تدرء بالشبهات؛ لأنها ما دامت لا تقام بشبهة، فإنها لا بد من أن تقام على أساس من اليقين الذي لا يشوبه شك، فإذا تطرق الشك لم يبق هذا اليقين، وحلت الشبهة محله، وبذا تنتفي العقوبة الحدية، ويتحقق ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من انتفاء الحد بوجود الشبهة.
وفيما يأتي عرض لأدلة من يعمل هذه القاعدة، ولأدلة من ينفيها ولا يأخذ بها، يبين منه الرأي الذي انتهى إليه البحث وأقره.
أولًا: أدلة من يدرأ الحد بالشبهة
يعمل جمهور الفقهاء قاعدة درء الحد بالشبهة أخذًا منهم بما ورد في ذلك من آثار، وجريا منهم من قاعدة عدم إزالة اليقين إلا بيقين مماثل له؛ لأن الأصل البراءة.
وقد استدل الجمهور بأدلة نقلية، وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعملها صحابته الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين، قد رأوا العقوبة الحدية بمقتضاها لوجود الشبهة.
كما استدل الجمهور أيضًا لأعمال الشبهة بأدلة عقلية مستقاة من مبادئ الشريعة الحكمية.
أ- الأدلة النقلية:
اروي عن الصديقة بنت الصديق -رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجًا فأخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة"، رواه الترمذي وذكر أنه قد روي موقوفًا، وأن الوقف أصح1.
2 روي عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه: "ادراءوا الحدود ما استطتعتم، فإنكم إن تخطئوا في العفو، خير من أن تخطئوا في العقوبة، وإذا وجدتم لمسلم مخرجًا، فادرءوا عنه الحد"2.
3 ما رواه ابن مسعود موقوفًا بإسناد حسن، قال:"ادرءوا الحدود بالشبهات، وأقيلا ذوي الكرام عثراتهم، إلا في حد من حدود الله تعالى"3.
1 سنن الدارقطني ج2 ص324، مسند أبي حنيفة ص32، التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ج3 ص138 ط عيسى الحلبي، المستدرك ج4 ص384، نيل الأوطار للشوكاني ج7 ص118، سبل السلام ج4 ص15 سنن الترمذي ج2 ص238، مطبعة المدني بمصر، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي ج2 ص318، مختصر صحيح الترمذي ج10 ص104 ط مصطفى الحلبي سنة 1932م.
2 السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص238 ابن مسعود، هو عبد الله بن مسعود بن غافل، أحد كبار الصحابة من جهر بقراءة القرآن الكريم، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفيقه في حله وترحاله. ت سنة 32 هـ، الأعلام للزركلي ج4 ص28 الإصابة ج2 ص368-369.
3 قال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير ج1 ص228 "ط المكتبة التجارية الكبرى سنة 1457هـ" في نهاية شرحه لهذا الحديث، "وقال ابن حجر في شرح المختصر": هو موقف حسن الإسناد، وبه يرد قول السخاوي: طرقه كلها ضعيفة.. وأشار السيوطي إلى هذا الحديث في الجامع الصغير بأنه حديث حسن
4 روي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"ادرءوا الحدود بالشبهات"1.
5 روى البيهقي، عن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود، ولا ينبغي للإمام أن يعطل الحدود"2.
6 روى أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"ادفعوا الحدود عن عباد الله، ما وجدتم لها مدفعًا"3.
1 أخرجه أبو حنيفة في مسنده ص32. ابن عباس، هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولد وبنو هاشم بالشعب قبل الهجرة بثلاث، كان نعم ترجمان القرآن، قال عنه ابن عمر: لقد أوتى ابن عباس علمًا صدقًا، روى عنه كثير من الصحابة والتابعين، الإصابة في تمييز الصحابة ج2 ص330-334.
2 السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص238ط الهند سنة 1344هـ البيهقي، هو الإمام الحافظ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ت سنة 458هـ، سنن الدارقطني ج2 ص324، نيل الأوطار للشوكاني ج7 ص35، قال المناوي في فيض القدير ج1 ص228، وضعفه البيهقي، وقال السخاوي: فيه المختار بن نافع، قال البخاري: منكر الحديث، نعم هو حديث حسن بشواهده، وعليه يحمل رمز المؤلف لحسنه.
3 أبو هريرة اختلف اسمه، فقال أهل النسب: اسمه عمير بن =
7 روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "لأن أعطل الحدود بالشبهات، أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات"1، كما روي عنه أنه قال:"إذا حضرتمونا، فاسألوا في العفو جهدكم، فإني إن أخطئ في العفو أحب إلي من أن أخطئ في العقوبة"2.
8 روي عن معاذ، 3 وعبد الله بن مسعود، وعقبة بن عامر
= عامر وروي أن اسمه كان في الجاهلية عبد شمس بن صخر، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن أبا هريرة لزم النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أكثر رواة الحديث، توفي بالمدينة سنة 59هـ، الأعلام ج4 ص80/ 81، الإصابة لابن حجر ج4 ص202-211 "ط المثنى ببغداد"، وقد جاء هذا الحديث في سنن ابن ماجه ج2 ص850 "ط دار إحياء الكتاب سنة 1372هـ"، مبوب له يقول ابن ماجه: باب الستر على المؤمن، ودفع الحدود بالشبهات، وذكر نقلًا عن الزوائد أن في إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي وقد ضعفه أحمد، وابن معين والبخاري وغيرهم، وقال المناوي في فيض القدير ج1 ص229: قال ابن حجر في تخريج أحاديث المختصر: فيه إبراهيم بن الفضل، وهو مدني ضعيف، وقد خرجه ابن عدي، وقال: هذا رجل اتهمه سفيان الثوري. وانتهى، وبه يعرف سقوط رمز الصنف -رحمه الله تعالى- لحنه، إلا أن يراد أن ما مر يعضده نيل الأوطار ج7 ص104-105.
1 نصب الراية ج3 ص333.
2 السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص238.
3 معاذ بن جبل بن عمرو بن أوسى بن عابدين بن عدي، إمام مقدم في علم الحلال والحرام، شهد المشاهد كلها، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه ابن عباس وغيره كثيرون، ت سنة 17 هـ بالشام الإصابة في تمييز الصحابة ج3 ص426-427ط مكتبة المثنى ببغداد
رضي الله تعالى عنهم أنهم قالوا1: "إذا اشتبه عليك الحد، فادرأ ما استطعت"2.
9 روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "ادرءوا الجلد والقتل عن المسلمين ما استطعتم"3.
10 كما روي عن سعيد بن المسيب4 أنه قال: "ذكرنا الزنا بالشام، فقال رجل: زنيت البارحة، فقالوا: ما تقول؟ قال: ما علمت أن الله عز وجل حرمه، فكتبوا بذلك لعمر بن الخطاب، فكتب إليهم: إن كان عالمًا فحدوه، وإن لم يكن قد علم فعلموه، فإن عاد فحدوه"5.
11 روي عن علي -رضي الله تعالى عنه أنه أتى بامرأة مع رجل
1 عقبة بن عامر بن عباس بن عمر بن عدي الصحابي المشهور، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، منهم ابن عباس كان قارئًا عالمًا بالفرائض والفقه، مات في خلافه معاوية، الإصابة في تمييز الصاحبة ج2 ص489.
2 السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص238، سبنن الدارقطني ج2 ص324، المغني مع الشرح الكبير ج3 ص194.
3 السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص238، مجمع الزوائد للطبراني ج6 ص248.
4 هو، سعيد بن المسيب بن حزم بن أبي وهب، جمع بين الحديث والفقه، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر، وتوفي بالمدينة سنة 93هـ على الراجح.
5 مصنف عبد الرزاق ج7 ص703، المهذب للشيرازي ج2 ص267 "ط عيسى الحلبي".
فجر بها، فقالت: استكرهني والله يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحد1.
12 كما روي أن عليًا -رضي الله تعالى عنه قال في امرأة أقرت على نفسها: أنه استكرهها رجل على نفسه، قال: هي السائبة، لا تملك نفسها فلو شاء لقتلها، فليس عليها جلد ولا نفي ولا رجم2.
13 روي أن جارية سوداء رفعت إلى عمر -رضي الله تعالى عنه، وقيل: إنها زنت، فخفقها بالدرة خفقات، وقال: أي لكاع زنيت، فقالت: من غواش بدرهمين، تخبر بصاحبها الذي زنى به، ومهرها الذي أعطاها، فقال عمر -رضي
الله تعالى عنه: ما ترون؟ وعنده علي وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف3.
فقال رضي الله عنه: أرى أن ترجمها، وقال عبد الرحمن: أرى مثل ما رأى أخوك. فقال: ما تقول؟ قال: أراها تستهل بالذي صنعت لا ترى بأسا، وإنما حد الله على من علم أمر الله عز وجل، فقال: صدقت4.
من كل ما ذكر من الأحاديث النبوية الشريفة، وما روي عن الصحابة رضوان الله عليهم يتضح ما استدل به جمهور فقهاء الشريعة، على أن الحدود تدرأ بالشبهات، والأحاديث السابقة، وإن كان في بعض
1 مباني تكملة المنهاج لأبي القاسم الموسوي ج1 ص170 ط مطبعة الآداب بالنجف الأشرف.
2 المرجع السابق.
3 عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحرث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهوي، ولد بعد الفيل بعشرة سنين، أسلم قبل دخول دار الأرقم وشهد المشاهد كلها، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى كريم سخي، أنفق الكثير توفي عام 31هـ أو 32هـ.
الإصابة في تمييز الصحابة ج2 ص416-417.
4 المهذب للشيرازي ج2 ص267-268 "ط عيسى الحلبي".
رواتها مقال، إلا أنها أحاديث كثيرة قد وردت من طريق عدة يعضد بعضها بعضا ويقويه1، كما أنها تتوافق وما تهدف إليه شريعة الله العادلة الرحيمة، إذ المتبصر فيها يجد أنها بقدر ما تشددت في العقوبة، التي وضعتها للجرائم الحدية، فهي بالقدر نفسه قد حرصت، وتوخت دفع هذه العقوبة عن المسلم، ويتضح هذا فيما وضعته من شروط لإقامة هذه العقوبة، وتلمس درئها عمن وجبت عليه.
هذا ما عليه إجماع جمهور الفقهاء2؛ لأنهم يرون أن الحد إذا ثبت، فإن إقامته تصبح واجبة، فإذا ما روي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، والتابعين إسقاط هذا الواجب بشبهة، فإن مثل هذه الرواية تصبح في قوة الرواية المرفوعة؛ لأنها أسقطت ما وجب حدًا3
1 يقول الصنعاني: وأحاديث درء الحدود بالشبهات، وإن كان في إسنادها مقال، إلا أنها يعض بعضها بعضًا، كما أن الروايات الموقوفة في ذلك تعاضد المرفوع.
سبل السلام شرح بلوغ المرام لمحمد بن إسماعيل الصنعاني ج4 ص15 ط، سنة 1182هـ.
2 يقول ابن الهمام: "في إجماع فقهاء الأمصار على أن الحدود تدرأ بالشبهات كفاية، شرح فتح القدير ج5 ص249 ط الحلبي.
وقد ذكر ابن قدامة مثل ذلك، وحكي عن ابن المنذر قوله: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهات. المغني ج10 ص154 ط الأميرية.
3 يقول ابن الهمام: والموقوف في هذا الباب له حكم المرفوع؛ لأن إسقاط الواجب بعد ثبوته بشبهة خلاف مقتضى العقل، بل مقتضاه أن بعد تحقق الثبوت لا يرتفع بشبهة، فحيف ذكره صاحبي حمل على الرفع، شرح فتح القدير ج5 ص 248-249ط مصطفى الحلبي.
ب- الأدلة العقلية:
1-
لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجيء ماعز مقرًا بما ارتكبه، ولكنه استفهمه وراجعه، إلى الحد الذي وصل استفهامه إياه إلى نطق صلى الله عليه وسلم بكلمة ما كان لينطق بها، لولا ما في الموقف من ضرورة التأكد، وإزالة الشك باليقين، ولم تسمع منه صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة، إلا في هذا الموطن الذي لم يكتف فيه، إلا بما يصور الواقعة تصويرًا حسيًا1.
2 جيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلص، وقد اعترف بجريمته لكنه لم يوجد معه المتاع الذي سرق، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للص المعترف:"ما أخالك سرقت، فقال: بلى يا رسول الله، فأعادها عليه الصلاة والسلام مرتنين أو ثلاثًا"2.
فما فائدة سؤال اللص والاستفسار منه، وإعادة ذلك عليه مرتين أو ثلاثًا؟ إن لم يكن في ذلك فائدة، فهو لغو "والرسول صلى الله عليه وسلم حاشاه أن يقول لغوا".
3 يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 3 هذه هي علة الخلق وسببه، فالإبقاء على حياة الإنسان إذا مصلحة عظمى تتحقق بها علة الخلق، وإقامة الحدود قد تكون مهلكة يترتب عليها فناء بعض من تقام عليه، كما إذا كانت رجمًا لمحصن، لذا
1 صحيح البخاري بهامش فتح الباري ج12 ص101 سنن أبي داود ج2 ص247، صحيح مسلم ج2 ص49.
2 سنن أبي داود ج2 ص247 ط مصطفى الحلبي.
3 الآية 56 من سورة الذاريات.
وجب التثبت والتيقن من وجوبها، ولا يتحقق مع وجود الشبهة لذا فهى تدرء الحد.
يقول صاحب قواعد الأحكام: "وإنما غلب درء الحد مع تحقق الشبهه؛ لأن المصلحة العظمى في استيفاء الإنسان لعبادة الديان، والحدود محظرة فلا تثبت إلا عند كمال المفسدة وتمحضها1.
ويقول أبو القاسم الموسوي: والأولى التمسك بعصمة الدم إلا في موضوع اليقين عملًا بالنص المتواتر بدفع الحد بالشبهات2.
4 الشريعة الإسلامية -وهي العدل والرحمة- تقرر أن العقوبة إن لم تكن مساوية بالجناية من حيث اكتمالها، فلا يجوز أن تزيد عنها بحال من الأحوال.
فإذا ما شابت الجناية شبهة، فالعقاب عليها بالعقوبة المقررة للجناية الكاملة حيث وجور، يأباهما عدل الإسلام وإنصافه، يقول الكاساني: "إن الحد عقوبة متكاملة، فتستدعى جناية متكاملة.. والنكاح لا تتكامل جنايته إلا عند انقضاء الشبهة، فإذا كانت هناك شبهة كانت الجناية غير متكاملة3.
5 الشريعة الإسلامية تهدف إزالة الضرر، وتبغي اليسر ودفع المفاسد الذي هو مقدم على جلب المصالح، وإقامة الحدود وإن كان فيها مصلحة، إلا أن الضرر الذي يقع بسببها على من تقام عليه ضرر فادح
1 قواعد الأحكام في مصالح الأنام لشيخ الإسلام العز بن عبد السلام ت سنة 660هـ ج2 ط الاستقامة بمصر.
2 مباني تكملة المنهاج ج1 ص168 ط مطبعة الآداب -النجف الأشرف سنة 1975.
3 بدائع الصنائع للكسائي ج9 ص415 ط المطبوعات العلمية
فلا يجوز إلا بحقه؛ لأن الضرر بدون تأكد موجبه ظلم، والله لا يحب الظالمين.
يقول الشوكاني: "إن أقامة الحد إضرار بمن لا يجوز الإضرار به، والإضرار قبح عقلًا وشرعًا، فلا يجوز منه إلا ما أجازه الشارع كالحدود بعد حصول اليقين، ولا يقين مع قيام الشبهة"1.
وبعد عرض هذه الأدلة العقلية التي استدل بها جمهور الفقهاء لأعمال قاعدة ردء الحدود بالشبهات، يبين ما يهدفون إليه من حرصهم على إحقاق الحق وتوخي العدل، وإبقاء ما هو متيقن حتى يثبت يقينًا عكسه، عندئذ يقام الحد.
فإن لم يتيقن وجوب الحد على من قدم للمحاكمة، أو جاء بنفسه مقرًا درئ الحد إعمالًا لقاعدة درء الحدود بالشبهات، استنادًا لما ذكره.
1 نيل الأوطار ج2 ص110 للشوكاني محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني الصنعاني، ولد في إحدى القرى القريبة من صنعاء في آخر ذي القعدة سنة 1172هـ، حفظ القرآن وبرع في الفقه، وعلوم اللغة والحديث، وألف في ذلك كله، تتلمذ عليه كثيرون آخر جمادى الآخر سنة 1250هـ.