الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: جريمة القذف وما يتعلق بها من شبهات
مدخل
…
الفصل الرابع: جريمة القذف وما يتعلق بها من شبهات
تقديم:
القذف في اللغة: الرمي، وقذف المحصنة أي سبها، ورماها بالزنا أو ما كان في معناه، ويطلق أيضًا على السب والشتم، ومن ذلك ما جاء من حديث السيدة عائشة -رضي الله تعالى عنها:".... وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت به الأنصار يوم بعاث"، أي تشاتمت في أشعارها وأراجيزها"1.
وعرفه الجمهور الفقهاء بأنه الرمي بالزنا2، وهذا التعريف للقذف قد جاء تعريفًا عامًا، ولذا فإن بعض الفقهاء قد أورد للقذف الموجب للحد تعريفًا، ذكر فيه بعض القيود والشروط، فيقول البابرتي: القذف في اصطلاح الفقهاء نسبة من أحصن إلى الزنا صريحًا أو دلالة، عند انعدام الشبهة3.
وذكر الشربيني أن المراد بالقذف الموجب للحد، هو الرمي بالزنا في معرض التعبير، ليخرج الشهادة بالزنا، فلا حد فيها إلا أن يشهد به دون أربعة4.
وجاء عن فقهاء المالكية أن القذف الأعم: نسبة آدمي غيره لزنا، أو قطع نسب مسلم، والأخص لإيجاب الحد: نسبة آدمي مكلف غيره حرا عفيفًا مسلمًا بالغًا، أو صغيرة تطيق الوطء لزنا، أو قطع نسب مسلم5.
1 لسان العرب ج11 ص184 مادة "قذف".
2 فتح القدير ج5 ص316، البحر الرائق ج5 ص31، المغني ج8 ص215، المحلى ج13 ص249، مباني تكملة المنهاج ج1 ص252.
3 شرح العناية مع فتح القدير ج5 ص316.
4 مغني المحتاج ج4 ص155.
5 الخرشي ج8 ص86، حاشية الدسوقي ج4 ص324، 325.
وما ذكرته هذه التعريفات من قيود، وشروط هو ما سأعرض له بالحديث؛ لأنه قد ينشأ عنها شبهات، نظرًا لاختلاف الفقهاء، بعضهم البعض في القول بذلك.
أما فقهاء القانون، فإنهم لم يشترطوا أن يكون القذف بالزنا، وإنما أطلقوه على كل ما يمس سمعة المقذوف، حتى ولو كان اختلاسه لمال في عهدته، وفرقوا بين القذف، والسبب، فجعلوا القذف قاصرًا على إسناد واقعة وقائع معينة للمقذوف في حقه، كان ينسب لموظف أنه اختلس مالًا في عهدته، أو أنه ارتشى في عملية، أو أن شخصا حملته أمه سفاحًا، أو أن طالبًا غش في الامتحان، أما السب فهو يخلو من إسناد واقعة معينة، ولكنه يتضمن خدشًا للشرف والاعتبار، كأن يقال لشخص: إنه لص.
ولا تستخلص التفرقة بين القذف، والسب من صيغة العبارة وحدها، وإنما من مجموع ما يحيط بها من ظروف، فقد تجري على الألسن بعض العبارات على أساس أنها من قبيل السب، ولكن هذه العبارات قد يريد بها الجاني أمر محددًا، وعندئذ تعد قذفًا، فمن يقل لآخر: إنه ابن حرام، فقد تؤخذ على أنها سب، وقد تعتبر قذفًا إذا ثبت أن الجاني كان يقصد أن أم المجني عليه حملتها سفاحًا1.
كما أن فقهاء القانون يرون أن جريمة القذف، لا تنتفي إذا كانت الوقائع المسندة للمقذوف صحيحة، وهذا يغاير ما عليه فقهاء الشريعة، الذين لا يرون حدا على من قذف شخصًا بوقائع صحيحة وثابتة.
والمقذوف في حقه عند فقهاء القانون، قد يكون شخصًا طبيعيًا،
1 يراجع شرح قانون العقوبات القسم الخاص أ. د: محمود مصطفى ص344-364، أ. د. أحمد الألفي ص250 وما بعدها.
وهذا هو المتعارف عليه عند فقهاء الشريعة، وقد يكون شخصًا معنويًا، ويلزمون القاذف بالعقوبة، وهذا ما لا نعده الشريعة من جرائم القذف الحدية، وإن ألزمت به عقوبة تعزيرية، وعمومًا فالتفرقة لا طائل تحتها؛ لأن العقوبة عند القانونيين عقوبة تعزيرية في كل وقائع القذف.
ويبقى شرط جوهري عند فقهاء القانون، ويتمثل في أنه لا تقوم هذه الجريمة إذا لم يعلم بها أحد، فمن قذف آخر، ولم يسمعه أحد غير المقذوف لا يلزم بالعقوبة، التي حددها القانون أما الشريعة، فإنها تعد ذلك قذفًا، وتلزم به العقوبة الحدية، حتى ولو لم يسمعه أحد غير المقذوف إذا أقر القاذف به.
ويقتضي ما ذكرته هنا بيان الوسائل التي تؤدي بها الركن المادي لهذه الجريمة، وما يشوبها من شبهات أيضًا، بالإضافة إلى ما ترتب على ما ذكره بعض الفقهاء من شبهات أنتجت درء العقوبة الحدية.