الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: الجرائم الحدية الشبهات التي تعتريها ومالها من أثر في عقوبتها
الفصل الأول: جريمة الزنا
مدخل
…
الباب الثاني: الجرائم الحدية الشبهات التي تعتريها ومالها من أثر في عقوبتها
الفصل الأول: جريمة الزنا
تقديم:
عرف فقهاء الأحناف الزنا بأنه: "اسم الوطء الحرام في المرأة الحية عن حقيقة الملك وعن شبهته، وعن حق الملك، وعن حقيقة النكاح وعن شبهة الاشتباه في موضع الاشتباه في الملك، والنكاح جميعًا"1.
وعرفه فقهاء المالكية بأنه: "الوطء المحرم شرعًا في غير ملك أو شبهة الملك، سواء كان في قبل، أو دبر في ذكر، أو أنثى"2.
1 تعريف فقهاء الأحناف للزنى، يخرج عن دائرة هذه الجريمة الحدية ما يأتي:
أ- الوطء في الدبر بصفة عامة سواء أكان دبر رجل، أو امرأة.
ب- وطء الميتة.
ج- المكرهة بالنسبة لها -أما بالنسبة لمن وقع عليها، فإن كان مكرهًا هو الآخر، فليس بزنا كما سيأتي الخلاف فيه.
د- الوطء في دار الحرب.
هـ- الوطء في دار الإسلام من غير المسلم، وسيأتي بيان القول في ذلك كله، البدئاع ج9 ص4150 "ط الإمام" المبسوط ج9 ص38، فتح القدير ج5 ص248.
2 أحكام القرآن لابن العربي ج2 ص83 "ط دار إحياء الكتب العربية" سنة1378هـ سنة 1958م بداية المجتهد لابن رشد ج2 ص467، الزخيرة للقرافي ج8 ص114 الخرشي ج8 ص75.
وعرفه فقهاء الشافعية: بأنه "تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره في أحد الفرجين من قبل، أو دبر ممن لا عصمة بينهما ولا شبهة"1.
وعرفه فقهاء الحنابلة: بأنه "فعل الفاحشة في قبل أو دبر"، وعرف ابن قدامة الزاني بأنه:"من وطئ امرأة في قبلها حرامًا لا شبهة له في وطئها"، ثم يقول:"والوطء في الدبر مثله في كونه زنا؛ لأنه وطء في فرج امرأة لا ملك له فيها، ولا شبه ملك فكان زنا"2.
وعرفه فقهاء الشيعة: بأنه "إيلاج الإنسان فرجه في فرج امرأة من غير عقد، ولا ملك، ويتحقق بغيبوبة الحشفة قبلًا أو دبرًا"3.
وعرفه ابن حزم بأنه: "وطء من لا يحل النظر إلى مجردها مع العلم بالتحريم"، أو بأنه "وطء محرمة العين"4.
من هذا يبين أن فقهاء الأحناف قد قصروا إطلاق الزنا على الوطء المحرم في القبل فقط بين الرجل، والمرأة في دار العدل ممن التزم أحكام الإسلام، وهي امرأة لا توجد بينه وبينها علاقة تبيح ذلك الفعل.
وهم بذلك قد أخرجوا ما عدا الوطء في القبل من دائرة التجريم الخاصة بالزنا، وجعلوا له عقوبة أخرى سواء أكان بين رجل وامرأة، أم كان بين رجلين.
1 المهذب ج2 ص266، مغني المحتاج ج4 ص143-144.
2 المغني ج8 ص181، الإقناع ج4 ص250.
3 المختصر النافع للحلى ص291، مباني تكملة المنهاج ج1 ص166 شرح الأزهار ج4 ص366.
4 المحلى ج13 ص188-189.
أما جمهور الفقهاء، فإنهم قد أطلقوا الزنا على كل وطء في قبل المرأة، أو دبرها إذا لم توجد علاقة تبيح ذلك الفعل.
كما أدخلوا اللوط أيضًا تحت ما يسمى من الوطء زنا.
وقد اعتمد جمهور الفقهاء في ذلك على ما جاء به القرآن الكريم، الذي سوى بين الزنا واللواط في التسمية، إذا سماها الله سبحانه وتعالى بالفاحشة في قوله سبحانه:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} 1، وقوله تعالى:{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} 2.
كما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا اللواط زنا في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان"3.
وفقهاء الشريعة، وإن تفاوت آراؤهم، واختلفت نوعية العقوبات عندهم نتيجة اعتبار اللواط زنا أم لا، إلا أنهم متفقون على إطلاق كلمة الزنا على الوطء -المحرم بين الرجل والمرأة اللذين لا يجمعهما زواج صحيح، ويوبجبون عليهما عقوبة فعلهما.
أما فقهاء القانون، فلم يعتبرا وطء الرجل المرأة الأجنبية زنا يوجب العقوبة المقدرة عندهم لهذا الفعل، وإنما قصروا العقوبة على ما يقع من ذلك الفعل بين رجل وامرأة متزوجين، فالعقاب عندهم على انتهاك حرمة الزوجية، لا على الفعل في حد ذاته.
1 من الآية 15 من سورة النساء.
2 الآيتان 54، 55 من سورة النمل.
3 نيل الأوطار ج7 ص131-132.
كما أن العقاب عندهم مشروط بأن يقوم المجني عليه بتحريك الدعوى، ويفرق فقهاء القانون بين جريمة زنا الزوج، وبين جريمة زنا الزوجة، من وجوه عدة إذ -لا نقوم هذه الجريمة في حق الزوج إلا إذا وقعت في منزل الزوجية، بخلاف المرأة المتزوجة؛ لأن هذه الجريمة تقوم في حقها إذا وقع منها ذلك الفعل في أي مكان.
كما يفرق القانون بين عقوبتيهما، إذ يعاقب الزوجة بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين، بينما يعاقب الزوج بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور.
ويجعل القانون للزوج الحق في العفو عن زوجته حتى بعد صدور الحكم النهائي عليها، أما الزوجة فليس لها حق التنازل بعد صدور الحكم النهائي عليه.
هذا ما يأخذ به القانونيون في مصر، وهو أحسن حالًا مما عليه كثير من القانونيين في بلاد أخرى، والتي لا تعاقب على الزنا، ولو وقع من زوج، أو زوجة1.
1 شرح قانون العقوبات القسم الخاص أ. د: محمود مصطفى ص334-342 "ط سنة 1975م".