الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
السحر تعليمه وتعلمه:
من الأمور التي اختلف الفقهاء في وقوع الردة بها تعلم السحر وتعليمه1، هذا التعلم والتعليم، اللذان اتفق جمهور الفقهاء على تحريمها، وإن اعتقاد إباحتهما كفر.
وجاءت رواية عن الإمام أحمد في الساحر، الذي يعلم السحر تفيد عدم الحكم بكفره، وإنما هو في حكم المرتد تجب استثابته، بقول ابن قدامة بعد أن عرض للسحر: إذا ثبت هذا فإن تعلم السحر، وتعليمه حرام لا نعلم فيها خلافًا بين أهل العلم، قال أصحابنا: ويكفر الساحر بتعلمه، وفعله سواء اعتقد تحريمه، أو إباحته، وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكفر، فإن حنبلا روى عنه قال: قال عمر في العراف والكاهن والساحر: أرى أن يستتاب من هذه الأفاعيل كلها، فإنه عندي في معنى المرتد، فإن تاب ورجع يخلى سبيله، قلت له: يقتل؟ قال: لا، يحبس لعله يرجع، قلت: لم لا يقتل؟ قال: إذا كان يصلي لعله يتوب ويرجع، وهذا يدل على أنه لم يكفره؛ لأنه لو كفره لقتله، وقوله في معنى المرتد يعني في الاستتابة"2، وذهب فقهاء الشافعية إلى أن تعلم
1 السحر قبل أصله التمويه بالحيل والتخاييل، وهو أن يفعل الساحر أشياء، ومعاني فيخيل للمسحور أنها بخلاف ما هي به، كالذي يرى السراب من بعيد، وكراكب السفنية السائرة سيرًا حقيقيا، يخيل إليه أن ما يرى من الأشجار، والجبال سائرة معه، تفسير القرطبي ج1 ص434، والمغني ج8 ص150.
2 المرجع السابق ص151، 152، نيل الأوطار ج7 ص200.
السحر حرام، ولا يكفر بتعليمه إلا من اعتقد إباحته مع العلم بتحريمه، ومن اعتقد ذلك يقتل، كما هو شأن المرتد.
أما من علمه، أو تعلمه مع اعتقاده تحريمه، فإنه لا يكفر بذلك؛ لأن من يتعلم الكفر لا يكفر بتعلمه، فمن باب أولى لا يكفر بتعليم السحر.
يقول الشيرازي بعد أن ذكر أدلة تحريمه: ذم الله الشياطين على تعليمه؛ ولأن تعلمه يدعو إلى فعله، وفعله حرام، فحرم ما يدعو إليه، فإن علم أو تعلم واعتقد تحريمه لم يكفر؛ لأنه إذا لم يكفر بتعلم الكفر، فلأن لا يكفر بتعلم السحر أولى، وإن اعتقد إباحته مع العلم بتحريمه فقد كفر؛ لأنه كذب الله تعالى في خبره، ويقتل كما يقتل المرتد"1.
ولا يعد الإمام الشافعي الساحر كافرًا، إلا إذا وقع منه ما يكفر به من قول، أو فعل كان يشرك بالله تعالى، ويسجد لصنم مثلًا، أو شمس أو قمر، أو يستحل ما حرم الله سبحانه وتعالى، فإن لم يقع من الساحر شيء مما اتفق على الكفر به، فلا يعد كافرًا، وإنما هو مسلم عاص2.
وهذا ما ذهب إليه ابن حزم أيضًا، إذ يقول: إن كان الكلام الذي يسحر به كفرًا فالساحر مرتد، وإن كان ليس بكفر فلا يقتل؛ لأنه ليس كافرًا.
ويقول: وصح أن السحر ليس كفرًا، وإذا لم يكن كفرًا، فلا يحل قتل فاعله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنى بعد إحصان، ونفس بنفس"3.
ويرى فقهاء الأحناف أن الساحر إذا اعتقد أن الشياطين تفعل له
1 المهذب ج2 ص224.
2 أسنى المطالب ج4 ص117.
3 المحلى ج13 ص468، 480.
ما يشاء فهو كافر قتل حدا لا ردة ولا تجب استتابته؛ لأن للحدود لا استتابة فيها، إلا حيث يوجد نص، بذلك كما أنهم يرون قتل المرأة الساحرة، مع أنهم لا يرون قتل المرأة المرتدة1.
وذهب الإمام مالك إلى أن الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب، ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله2.
أما فقهاء الشيعة، فإنهم يرون أن الساحر مرتد، وإن حده القتل بعد الاستتابة إن لم يتب3، واستدل القائلون بقتل الساحر، بما روي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حد الساحر ضربة السيف"، رواه الترمذي والدارقطني، وضعف الترمذي إسناده.
وبما روي أن جارية للسيدة حفصة، أم المؤمنين سحرتها، واعترفت -الجارية بذلك فقتلتها حفصة- أمرت بها فقتلت، فأنكر ذلك عليها عثمان -رضي الله تعالى عنه، فقال له ابن عمر: ما تنكر على أم المؤمنين امرأة سحرت، واعترفت؟ فسكت عثمان.
واستدلوا أيضًا بما جاء في قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} 5، "فيعلمون" بدل من "كفرا"، فتعليم السحر كفر.
1 فتح القدير ج4 ص408، رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين، وبهامشه تنوير الأبصار، ج3 ص399، مطبعة عثمان سنة 1324هـ.
2 حاشية الدسوقي ج4 ص306، الخرشي ج8 ص68، نيل الأوطار ج7 ص200.
3 شرح الأزهار ج4 ص379.
4 نيل الأوطار ج7 ص199.
5 من الآية 102 من سورة البقرة.
وما ذهب إليه القائلون بأن الساحر يستتاب قبل قتله، هو ما أميل إليه، وتؤيده الروايات الصحيحة.
أما ما ورد من حديث: "حد الساحر ضربة السيف"، "فحديث ضعيف، قال عنه ابن حزم حديث في غاية السقوط؛ لأنه لا يدري رواية ممن سمعه".
وأما ما روي من حديث السيدة حفصة، فهو يعارض ما جاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها، من أنها أعتقت جارية لها عن دبر، وأنها سحرتها واعترفت بذلك، وقالت: أحببت العتق، فأمرت بها عائشة -رضي الله تعالى عنها- ابن أخيها أن يبيعها من الأعراب من يسيء ملكيتها، وقالت: ابتع بثمنها رقبة فاعتقها1.
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل لبيد بن الأعصم، وكان قد سحر النبي -صلى الله عليه وسلم2.
كما أن الشرك أعظم من السحر، ولا يقتل من أشرك بعد إيمانه، إلا بعد أن يستتاب.
أما الآية الكريمة، فيرد بها بيان ما كان في شريعة سليمان، وهي لا تلزمنا أو أن كلمة "كفروا" بها القصة، ثم ابتدئ بكلمة "يعلمون"، قصة أخرى، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، ولحقته الشبهة والحدود لا تلزم بدليل تلحقه شبهة، كما أن الخلاف يورث شبهة أيضًا تسقط الحد عن الساحر، الذي لم يقع منه ما يكفر به.
1 المحلى ج13 ص471-475.
2 المغني ج8 ص155.