المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: "سرقات اختلف في وجوب حد الحرابة بها - الشبهات وأثرها في العقوبة الجنائية في الفقه الإسلامي مقارنا بالقانون

[منصور الحفناوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: كلمة عامة عن الجريمة في الفقه الإسلامي المقارن

- ‌المبحث الأول: الجريمة والجناية

- ‌أولا: تعريف الجريمة

- ‌ثانيًا: تعريف الجناية

- ‌المبحث الثاني: أقسام الجريمة

- ‌المطلب الأول: أقسام الجريمة باعتبار ما تفع عليه

- ‌المطلب الثاني: أقسام الجريمة باعتبار العقوبة المستحقة

- ‌المطلب الثالث: أقسام الجريمة باعتبار الحق المعتدى عليه

- ‌المطلب الرابع: أقسام الجريمة من حيث القصد وعدمه

- ‌المبحث الثالث: أركان الجريمة

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الركن الشرعي للجريمة

- ‌المطلب الثاني: الركن المادي للجريمة

- ‌المطلب الثالث: الركن الأدبي للجريمة

- ‌الفصل الثاني: العقوبة وبعض الجوانب المتعلقة بها

- ‌المبحث الأول: العقوبة وأقسامها

- ‌المطلب الأول: معنى العقوبة

- ‌المطلب الثاني: أقسام العقوبة

- ‌المبحث الثاني: بعض سمات التشريع العقابي في كل من الشريعة والقانون

- ‌المطلب الأول: أهداف التشريع العقابي ورعايته ظروف الجاني

- ‌المطلب الثاني: موقف التشريعيين على الجريمة منذ نشأة فكرتها

- ‌المطلب الثالث: بين التشريعين في مجال التنظيم العقابي

- ‌الباب الأول: الشبهات

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف الشبهة وأُثرها في الحدود

- ‌المبحث الأول: المراد بالشبهات

- ‌أولا: عند علماء اللغة

- ‌ثانيًا: عند فقهاء الشريعة

- ‌المبحث الثاني: أثر الشبهة في الحد

- ‌مدخل

- ‌أولًا: أدلة من يدرأ الحد بالشبهة

- ‌ثانيًا: أدلة من لم يقل بدرء الحد بالشبهة

- ‌الفصل الثاني: الشبهات التي تعتري أركان الجريمة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الشبهات التي تعتري الركن الشرعي

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: شبهة الدليل

- ‌المطلب الثاني: شبهة الحق

- ‌المطلب الثالث: شبهة الملك

- ‌المبحث الثاني: الشبهات التي تعتري القصد الجنائي

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الجهل

- ‌المطلب الثاني: الإرادة

- ‌الفصل الثالث: الإثبات

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الإقرار

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: شروط في المقر

- ‌المطلب الثاني: شروط في الإقرار

- ‌المبحث الثاني: الشهادة

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: شروط في الشاهد

- ‌المطلب الثاني: شروط في الشهادة

- ‌المبحث الثالث: القرائن: معناها، وأعمالها في إثبات الحدود

- ‌معنى القرائن:

- ‌أعمالها في الإثبات:

- ‌الباب الثاني: الجرائم الحدية الشبهات التي تعتريها ومالها من أثر في عقوبتها

- ‌الفصل الأول: جريمة الزنا

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الوطء المحرم الذي لا يوجب العقوبة الحدية لقيام شبهة في الركن الشرعي

- ‌مدخل

- ‌الوطء بعد النكاح الباطل

- ‌ الوطء بعد النكاح الفاسد:

- ‌ وطء الميتة:

- ‌ وطء المرأة المستأجرة:

- ‌ إذا كان أحد طرفي جريمة الزنا غير مكلف:

- ‌ وطء الرجل معتدته البائن:

- ‌ وطء البهائم:

- ‌المبحث الثاني: الوطء المحرم الذي لا يوجب العقوبة الحدية لقيام شبهة ترتب عليها انتقاء القصد الجنائي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الوطء الذي لا تجب به العقوبة الحدية نظرًا لجهل الفاعل بالحكم الشرعي لما وقع منه من أفعال، جهلًا يعتد به

- ‌ثانيًا: الوطء الذي لا تجب به العقوبة الحدية لقيام شبهة جهل الفاعل، بمن وقع عليه الفعل وشاركه فيه

- ‌ثالثا: الوطء الذي لا تجب به العقوبة الحدية نظرا لانتقاء القصد الجنائي نتيجة اكراه الفاعل

- ‌المبحث الثالث: الوطء المحرم الذي لا تجب به العقوبة الحدية لقيام شبهة في إثباته

- ‌أولا: إذا كان إثباتها عن طريق الإقرار

- ‌ثانيًا: إذا كان إثبات جريمة الزنا عن طريق شهادة الشهود

- ‌الفصل الثاني: جريمة السرقة

- ‌المبحث الأول: جريمة السرقة الصغرى

- ‌المطلب الأول: تعريف السرقة

- ‌المطلب الثاني: سرقات اختلف في وجوب الحد بها؛ لقيام شبهة في الركن الشرعي

- ‌المبحث الثاني: جريمة السرقة الكبرى "الحرابة

- ‌المطلب الأول: الحرابة

- ‌المطلب الثاني: "سرقات اختلف في وجوب حد الحرابة بها

- ‌الفصل الثالث: جريمة شرب الخمر

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الشبهات التي تعتري الركن الشرعي

- ‌مدخل

- ‌ شرب قليل الأنبذة:

- ‌ وصول الخمر إلى الجوف عن غير طريق الفم:

- ‌المبجث الثاني: شرب الخمر الذي لا يوجب الحد، لقيام شبهة في القصد الجنائي

- ‌المبحث الثالث: الشبهات التي تعتري إثبات شرب الخمر

- ‌أولا: إثباتها بالإقرار وما يعتريه من شبهات

- ‌ثانيًا: إثبات جريمة الشرب بالبينة، وما يعتريه من شبهات

- ‌ثالثًا: إثبات جريمة الشرب بالقرائن

- ‌الفصل الرابع: جريمة القذف وما يتعلق بها من شبهات

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الشبهات التي تعتري الركن الشرعي

- ‌أولا: القذف بطريق الكتابة أو التعريض

- ‌ثانيًا: الشهادة بالزنا إذا جرح الشهود، أو أحدهم

- ‌المبحث الثاني: شروط في المقذوف

- ‌أولا: البلوغ والعقل

- ‌ثانيًا: إسلام المقذوف

- ‌ثالثًا: عفة المقذوف

- ‌الفصل الخامس: جريمة الردة وما يتعلق بها من شبهات

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الشبهات التي تعتري الركن الشرعي

- ‌ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأن الكافر إذا قال

- ‌ إسلام السكران:

- ‌ إسلام المكره:

- ‌ السحر تعليمه وتعلمه:

- ‌المبحث الثاني: الشبهات التي تعتري القصد الجنائي

- ‌الخاتمة:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌المطلب الثاني: "سرقات اختلف في وجوب حد الحرابة بها

لا يعاقب بهذه العقوبة إذا وقع الإكراه بقصد هتك العرض، ثم ارتكبت السرقة عرضًا؛ لأنه يشترط أن يقع الإأكراه وسيلة لاتمام غرض السرقة.

ولا يخفى أن الفقه الإسلامي لا يرى ذلك، بل إن ابن حزم قد نص على أنه كل من حار المار، وأخاف السبيل بقتل نفس، أو أخذ مال ولجراحة، أو لانتهاك فرج، فهو محارب1.

هذه الاختلافات الجوهرية، وغيرها بين كل من التشريعيين، وإن برزت واضحة، إلا أنه لا يخفى أن الفقه الوضعي قد فرق بين نوعين من السرقات، وبين عقوبة كل منهما، محاولًا اقتفاء أثر الفقه الإسلامي في تفرقته بين جريمتي السرقة الكبرى، والصغري، وعقوبتيهما، وإن اختلف المنهج من حيث الشكل والموضوع.

1 المحلى ج13 ص320.

ص: 599

‌المطلب الثاني: "سرقات اختلف في وجوب حد الحرابة بها

"

1-

إذا قام بالحرابة جماعة، ولم يبلغ نصيب الفرد منهم نصابًا اختلفت الفقهاء في وجوب القطع، فذهب الأحناف، والشافعي وابن المنذر إلى أنه لا يجب القطع على المحاربين، إذا لم يبلغ نصيب كل فرد ممن اشترط في الحرابة نصابًا، إذ أنهم يرون أن إقامة الحد على كل واحد من المحاربين، ناتج عما أصاب من المال، فلا بد أن يكون خطيرًا في نفسه، وما دون النصاب حقير تافه، وإذا كان نصيب كل واحد منهم تافهًا، لا يقام عليهم الحد، كما لو كان المأخوذ في نفسه تافهًا، وأصحاب هذا الرأي، وإن رأوا درء الحد عن المحاربين هنا، إلا أنهم أوجبوا عليهم ضمان المال ورده1.

1 يراجع: المبسوط ج9 ص200، فتح القدير ج5 ص423، مغني المحتاج ج4 ص181، نهاية المحتاج ج8 ص5، المغني ج8 ص293.

ص: 599

وذهب فقهاء الحنابلة إلى أنهم إن أخذوا ما يبلغ في جملته نصابًا قطعوا، سواء أبلغ نصيب كل منهم نصابًا أم لا، قياسًا على قولهم في وجوب الحد في السرقة الصغرى1.

وذهب فقهاء المالكية، والشيعة إلى عدم اشتراط النصاب مطلقًا لوجوب القطع، لإطلاق الأدلة، فيقول ابن العربي2 -في رده على الإمام الشافعي، ومن وافقه ومقررًا ما ذهب إليه الإمام: "أنصف من نفسك أبا عبد الله، ووف شيخك حقه لله

أن ربنا تبارك وتعالى قال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فاقتضى هذا قطعه في حقه، وقال في المحاربة:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، فاقتضى بذلك توفية الجزاء لهم على المحاربة عن حقه، فبين النبي صلى الله عليه وسلم في السارق أن قطعه في نصاب، وهو ربع دينار، وبقيت المحاربة على عمومها، فإن أردت أن ترد المحاربة إليها كنت محلقًا الأعلى بالأدنى، وخافضا الأرفع إلى الأسفل، وذلك عكس القياس، وكيف يصح أن يقاس المحارب، وهو يطلب النفس أن رقي المال بهما على السارق، إذا دخل بالسلاح يطلب المال، فإن منع منه أو صيح عليه، فهو محارب يحكم عليه بحكم المحارب"3.

1 المغني ج8 ص293-294.

2 ابن العربي، هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد، المعروف بابن العربي الأندلسي الشيباني، رحل إلى الشرق، ودخل الشتام وبغداد، والحجاز ثم مصر، ثم عاد إلى الأندلس، ولد بأشبيلية سنة 468هـ، وتوفي سنة 543هـ، بالعدرة ودفن بمدينة فاس، وفيات الأعيان ج1 ص489.

3 أحكام القرآن ج1 ص249، ويراجع المدونة ج16 ص100، شرح الزرقاني ج8 ص108، مباني تكملة المنهاج ج1 ص320.

ص: 600

والذي أميل، وأرجحه هو عدم القطع عليهم، إذا لم يبلغ نصيب كل منهم نصابًا؛ لأن الآية الكريمة قد عددت عقوبات المحاربين، فجعلتها القتل أو التصليب، أو أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض، فناسب أن يجعل القتل عقوبة من قتل، والقطع على من أخذ المال المعنبر في السرقة، على من لم يأخذ هذا المال، المذكور.

ولا يقدح في اشتراط النصاب كون الجناية هنا مغلظة؛ لأن التغليظ ناسبه تغليظ العقوبة بقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف، فبقي اشتراط بلوغ النصاب على ما هو عليه خصوصًا، وإن عدم بلوغ النصاب لكل فرد لن يعفيهم من جنس العقاب، وإنما عليهم عقوبة النفي، وإلا فمتى يعاقبون بالنفي فقط إن أوجبنا عليهم القطع، ولو لم يبلغ نصيب كل فرد منهم، مما أخذوه نصابًا؛ لأنهم والحالة هذه في حكم من لم يأخذ شيئًا، ولا يخفى أن عدم بلوغ نصيب كل منهم

نصابًا، إن لم يترتب عليه إسقاط القطع صراحة، فلا أقل من أن يورث شبهة في وجوبه، والحدود تدرأ بالشبهات، ولم يخالف في ذلك فقهاء المالكية أو الشيعة.

2-

أخذ المال على سبيل المغالبة من مكان آهل بالسكان:

ذهب فقهاء الأحناف عدا أبي يوسف إلى أن قطع الطريق لا يكون إلا في الصحراء؛ لأن سبب وجوب الحد ما يضاف إليه، فإذا وقع ذلك في مصر من الأمصار، أو بين بلدين من البلاد، فلا يلزم به حد قطع الطريق.

وعليه فإنه أخذوا مالًا طولبوا برده، وعزرهم الإمام، فإن قتلوا أو جرحوا، فأمر ذلك مفوض إلى أولياء الدم.

1 المبسوط ج9 ص201، 202، فتح القدير ج5 ص431، 432، البحر الرائق ج5 ص72.

ص: 601

وحجة الأحناف في ذلك: أن سبب وجوب الحد ما يضاف إليه، وهو قطع الطريق، وإنما ينقطع بفعلهم ذلك في المفازة لا في جوف المصر، ولا فيما بين القرى، فالناس لا يمتنعون من التطرق في ذلك الموضع بد فعلهم، وبدون السبب لا يثبت الحكم؛ ولأن السبب محاربة الله ورسوله، وذلك إنما يتحقق في المفازة؛ لأن المسافر في المفازة لا يلحقه الغوث عادة، وإنما يسير في حفظ الله تعالى معتمدًا على ذلك، فمن يتعرض له يكون محاربًا لله تعالى، فأما في المصر وفيما بين للقرى يلحقه الغوث من السلطان والناس عادة، وهو يعتمد ذلك بالتطرق في هذه المواضع، فيتمكن باعتباره معنى النقصان في فعل من يتعرض له من حيث محاربة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يقام عليه الحد، وقاسوا ذلك بالنقصان في السرقة، إذا جاهر بأخذ المال فيها.

وقال أبو يوسف: إذا اعتمد فطاع الطريق في محاربتهم في الأمصار، أو بين القرى على السلاح، لزمهم حد قطع الطريق، وإن اعتمدوا في ذلك على الأحجار، والأخشاب فإن كان ذلك بالنهار، فلا يقام عليهم الحد، وإن كان بالليل يقام عليهم ذلك، وعلل ذلك بأن الفتك في استعمال السلاح أسرع منه في استعمال غيره، وإن الغوث يلحقهم بالنهار في المصر، قبل أن يأتوا على المجني عليه، أما في الليل فإن الغوث يبطئ، فلهذا يثبت حكم قطع الطريق.

ووافق الخرقي والثوري، وإسحاق أبا حنيفة، فيما ذهب إليه1، أما جمهور الفقهاء فقد رأوا زيادة على ما ذهب إليه أبو يوسف أن الحرابة تقع في المصر، كما تقع في الصحراء ليلًا، أو نهارًا سواء أكان ما معهم سلاحًا، أم كان خشبًا وحجارة، والمعول عليه عدم وصول الغوث لهم.

هذا ما ذهب إليه الأوزاعي، والليث، والشافعي، وأبو ثور وجمهور

1 المغني ج8 ص287.

ص: 602

الحنابلة، وقد جاء عن الشربيني الخطيب:"حيث يلحق غوث فلبسوا"، بقطاع بن منتبهون لإمكان الاستغاثه، وفقد الغوث يكون للعبد عن العمران، وعساكر السلطان، أو للقريب لكن لضعف في السلطان، واستحسن إطلاق الضعف لشمله ما لو دخل جماعة دارًا ليلًا، وشهروا السلاح، ومنعوا أهل الدار من الاستغاثة، فهم قطاع على الصحيح مع قوة السلطان، وحضوره وذو الشوكة قد يغلبون، والحالة هذه أي ضعف السلطان، أو بعده أو بعد أعوانه، وإن كانوا في بلد لم يخرجوا منها إلى طرفها، ولا إلى الصحراء فهم قطاع لوجود الشرط فيهم؛ ولأنهم إذا وجب عليهم هذا الحد في الصحراء، وهي موضع الخوف، فلأن يجب في البلد، وهي موضع الأمن أولى لعظم جراءتهم1.

وزاد المالكية على ذلك عدهم المتسلطين ممن يعينهم الحاكم للجباية، وجمع الضرائب من المحاربين، إذا لم يمكن الاستعانة عليهم أورد ظلمهم، فيقول فقهاء المالكية عند حديثهم عمن يتسملهم لفظ المحاربين، "فيشمل جبابرة أمراء مصر ونحوهم يسلبون أموال المسلمين، ويمنعونهم أرزاقهم، ويعيرون على بلادهم، ولا تتيسر استغاثة منهم بعلماء، ولا بغيرهم، فهم محاربون لا غصاب"، ويقول القرافي: إن من أحد وظيفة أحد لا جنحة فيه بتقرير سلطان، فهو محارب؛ لأنه يتعذر العوث منه ما دام معه تقرير السلطان"2.

أما ابن حزم، فإنه قد وضع ضابطًا للمحارب بأنه كل من كابر لا حافة الطريقة، أو للإفساد في الأرض، سواء أكانت مكابرته هذه بسلاح، أو بلا سلاح ليلًا، أو نهارًا في صحراء، أم في مصر بل أكثر من ذلك قال بأن الحرابة تقع في المسجد، وفي قصر الخليفة نفسه3، ولا يخفى أن

1 مغني المحتاج ج4 ص181، المغني ج8 ص287، 288.

2 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج4 ص348.

3 المحلى ج3 ص320.

ص: 603

قصر الخليفة، لا يخلو كل مكان من فيه من الحراس، والجنود بأسلحتهم ودروعهم، ومن استغاث بهم يلحقه الغوث بل من حاول الدخول إلى قصر الخليفة لن يعدم عينا تراقبه، وترصد حركته، ولا يحتاج فيه مع ذلك إلى الاستغاثة، وما ذهب إليه جمهور الفقهاء أولى بالاعتماد والتطبيق.

لأن الحرابة في المكان الآهل بالسكان أشد، وأنكى وأعظم جرمًا بما تحدثه من عظم فساد وهلع، إذ أن كل من كان في المكان الآهل بالسكان غالب حاله، عدم أخذ الحذر من مثل هذه الأخطار، أما من كان بصحراء، فإنه لا شك قد أخذ حذره، وأعد سلاحه لاحتمال مواجهة من يتعرض له.

وما ذهب إليه جمهور فقهاء الأحناف من إسقاط حد الحرابة، عمن وقع ذلك منه في المكان الآهل بالسكان لشبهة إمكان الغوث، يرده ما يشاهد من أحداث سطو، وحرابة في قلب المدينة الكبيرة الممتلئة بالجنود، والحراس ومع ذلك يقف كل هؤلاء عاجزين عن تخليص من وقعت عليهم الحرابة من أيدي المحاربين.

وقد اتجهت التشريعات الوضعية حديثًا إلى وضع نصوص تشدد العقوبة في مثل هذه الحالات، علاجًا لما انتشر في الآونة الأخيرة، ووقفت تشريعاتهم السابقة عاجزة عن وضع حد له، وما ذلك إلا رجوعًا منهم عما قننوه مسبقًا، واتجاهًا إلى الإقرار بفساد ما وضعوه من علاج طلبًا للقضاء على الداء، وتحقيق الأمن.

3-

من تقع منهم، أو عليهم جريمة الحرابة:

اتفق الفقهاء على أن جريمة الحرابة، إذا قام بها مسلم أو زمي، ورفعت من أي منهما على مسلم، أو زمي لزم من قام بالحرابة ما حدده الشارع من عقوبة، طبقًا لما يحكم من قواعد.

ص: 604

أما إذا وقعت الحرابة من مستأمن، أو معاهد أو عليهما، فإن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية، والحنابلة والظاهرية، وأبو يوسف من فقهاء الأحناف، يرون عدم التفريق بين أحد من هؤلاء، وبين المسلمين أو الذميين، وعليه فإن عقوبة الحرابة يلزم بها كل من قام بهذه الجريمة، ممن يقيمون بالبلاد الإسلامية، إقامة دائمة، أو مؤقتة ما دامت الجريمة قد وقعت في حدود سلطان الدولة الإسلامية، سواء وقعت هذه الجريمة من مسلم، أو زمي أو معاهد، أو مستأمن أو على أي منهما، أيا كان القائم بها مسلمًا كان، أو ذميًا أو معاهد، أو مستأمنا1، وذهب الشافعي إلى أن المعاهد إذا فعل ما فيه إضرار بالمسلمين، كأن يفتن مسلمًا عن دينه، أو يقطع عليه الطريق، فإن لم يشترط الكف عن ذلك في العقد لم ينتقض عهده لبقاء ما يتقضى العقد من التزام أحكام المسلمين، ولزمته عقوبة أفعاله؛ لأن عقوبة هذه الأفعال تستوفي عليه من غير شرط.

وجاء عن فقهاء الشافعية رأي آخر، يقتضي أن عقد المعاهد ينتهي بإتيان المعاهد فعلًا من هذه الأفعال، واستدل لذلك بما روي من أن نصرانيا استكره امرأة مسلمة على الزنا، فرفع إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقال: ما على هذا صالحناكم، وضرب عنقه2، هذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، إذا وقعت الحرابة من مسلم، أو ذمي أو معاهد، أو مستأمن أو على أي منهم أخذ بعموم الأدلة؛ ولأن المسلم إذا كان ملتزمًا بأحكام الإسلام بمقتضى إسلامه، فإن الذمي ملتزم أيضًا بأحكام الإسلام بمقتضي عقد الذمة، الذي يضمن له الأمان الدائم، والمعاهد والمستأمن

1 جرجع في ذلك الخرشي ج8 ص104، حاشية الدسوقي ج4 ص348، مواهب الجليل ج3 ص165، 355 مغني المحتاج ج4 ص180، المهذب ج2 ص256، المغني مع الشرح الكبير ج9 ص383 المحلى ج13 ص332، نيل الأوطار ج7 ص171.

2 المهذب ج2 ص257.

ص: 605

كلاهما ملتزم بمقتضى عقد الأمان، والعهد الذي خوله الإقامة في دار الإسلام، فصار حكمه حكم الذمي.

وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن المعاهد، أو المستأمن لا تلزم العقوبة من قطع عليه الطريق، كما لا تلزم العقوبة المعاهد، أو المستأمن إذا قام أحدهما بقطع الطريق على مسلم، أو ذمي.

أما عدم إلزامه عقوبة قطع الطريق، فوجهه عند أبي حنيفة ومحمد، أن المستأمن لما لم يدخل للقرار بل لحاجه يقضيها، ويرجع وعلينا أن نمكنه من الرجوع بشرطه، لم يكن بالاستئمان ملزمًا جميع أحكامنا في المعاملات، بل ما يرجع منها إلى تحصيل مقصده، وهو حقوق العباد، غير أنه لا بد من اعتباره ملتزمًا الأنصاف وكف الأذى قد التزمنا له بأمانة مثل ذلك، والقصاص وحد القذف من حقوقهم فلزماه، أما حد الزنا فخاص له، وكذلك المغلب في السرقة حقه تعالى، فلم يلتزم، وصاحبه تعالى منعنا من استيفائه عند إعطاء أمانة1، وأما عدم إلزام المسلم، أو الذمي عقوبة قطع الطريق، إذا قام أحدهما بقطعها على المستأمن أو المعاهد، فقد بينه السرخسي بقوله:"وإذا قطعوا الطريق على قوم من أهل الحرب مستأمنين في دار الإسلام لم يلزمهم الحد لما بينا أن السبب المبيح في مال المستأمن قائم، وهو كون مالكه حربيًا، وإن تأخر ذلك إلى رجوعه إلى دار الحرب، ولكنهم يضمنون المال ودية القتلى، إبقاء الشبهة في دم المستأمن بكونه متمكنًا من الرجوع إلى دار الحرب، وهذا مسقطا للعقوبة، ولكنه غير مانع من وجوب الضمان، الذي يثبت مع الشبهة لقيام العصمة في الحال، ولكن يوجبون عقوبة لتخويفهم الناس بقطع الطريق، كما إذا لم يصيبوا مالًا ولا نفساء "ومثل ذلك إذا وقعت الحرابة من مسلم، أو ذمي على قافلة فيها

1 فتح القدير ج5 ص269، 270 بدائع الصنائع ج7 ص134.

ص: 606

مسلمون ومستأمنون، ووقع القتل، وأخذ المال على المستأمنين فقط، أما إذا وقع القتل، وأخذ المال أو أحدهما على ما بالقافلة من المسلمين والمستأمنين، أقيم الحد على قطع الطريق كما لو لم يكن أهل الحرب من المستأمنين في القافلة1.

وما ذهب إليه جمهور الفقهاء أولى بالاتباع؛ لأن التفرقة بين المقيمين في البلاد الإسلامية إقامة دائمة، وبين غيرهم من المعاهدين، أو المستأمنين من حيث إيجاب الحد لهم، أو عليهم تفرقة لا تقوم على أساس قوي، بل قد تجر كثيرًا من الفوضى، وإهدار حقوق المسلمين أنفسهم، وكم عادت البلاد الإسلامية مما كان للأجانب من امتيازات ترتب عليها إطلاق أيديهم لتعبث وتطبش2.

كما أن القول بأن المعاهد، والمستأمن حربيان، وإن تأخر رجوعهما إلى دار الحرب، وهذا ينتج شبهة في مالهما يترتب عليها إسقاط الحد عمن أخذه، قول لا يقوى على مواجهة عموم الآيات الكريمة، وحتى لو سلمنا بأن ذلك ينتج شبهة لا أنها شبهة ضعيفة لا تقوى على درء الحد؛ لأن هؤلاء قد أمنهم الحاكم على نفوسهم، وأموالهم وأعطاهم عهدًا بذلك ألزمهم بمقتضاه بالمحافظة على نفوس المقيمن إقامة دائمة بالبلاد الإسلامية، وعلى أموالهم، وما كانت الدولة الإسلامية بعد أن عاهدت بغادرة، أو متهاونة في حق من الحقوق بها أو عليها.

وما ذكر من أن ما وجب حقا للعبد ألزموا به أما ما وجب حقا لله، فإنه لا يجب إلزامهم به قول مردود؛ لأنه غير مبني على دليل، بل إن الدليل على إلزامهم الحد لواجب حقا لله تعالى، قد أورده الجمهور حين استدلوا بما كان من أبي عبيدة بن الجراح، مع النصراني الذي استكره

1 المبسوط ج9 ص205، بدائع الصنائع ج7 ص134.

2 التشريع الجنائي الإسلامي ج1 ص285.

ص: 607

مسلمة على الزنا، حين ضرب عنقه، ورد على كل ما يمكن أن يثار بقوله:"ما على هذا صالحناكم".

4-

الحرابة التي تقع بمشاركة الصبي أو المجنون:

ذهب فقهاء الأحناف عدا أبي يوسف إلى أن الصبي، أو المجنون إذا شارك أحدهما غيره في جريمة قطع الطريق، فإن الحد يتدرئ عن الجميع، حتى ولو قام المكلفون بمباشرة القتل، أو أخذ المال ووفت الصي، أو المجنون ردءا لهم، ووجهة أبي حنيفة، ومن وافقه في القول بذلك، أن قطع الطريق جناية واحدة؛ لأن الموجود من الكل يسمى جناية قطع الطريق غير أنها لا تتحقق في الغالب إلا بجماعة، فكان الصادر من الكثير جناية واحدة، قامت بالكل، فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبًا للحد لشبهة أو عدم تكليف، لا يوجب في حق الباقين؛ لأن فعل الباقين حينئذ بعض العلة، وبعض العلة لا يثبت الحكم، وصار كالخاطئ مع العامة إذا اجتمعا في قتل معصوم الدم سقط القصاص عن العامة.

وذهب أبو يوسف، وابن قدامة إلى أن الصبي، أو المجنون إذا وقعت درءا، ولم يباشر الفعل، وقام المكلفون بمباشرة جريمة الحرابة، وأخذ المال والقتل، أو هما معا ألزم هؤلاء المكلفون المباشرون للحرابة العقوبة المقررة لجريمتهم، ولم يلزم الشركاء الصبية، أو المجانين حد الجريمة، ولا يؤثر وجود الصبية، أو المجانين مع هؤلاء العقلاء الذين باشروا الجريمة: "أما إن قام الصبي أو المجنون بمباشرة الجريمة ووقف، الشركاء من العقلاء، رداءا لم يلزم هؤلاء الشركاء عقوبة الحرابة التي قام بها شركاؤهم من الصبية، أو المجانين؛ لأن المباشر الأصلي للجريمة غير مكلف، ولا يلزم بعقوبة جريمته، وعدم إلزام المباشر الأصلي عقوبة جريمته التي ارتكبها، ينهض شبهة في حق التبع له من

ص: 608

المكلفين، فيندرئ حد الجريمة عنهم، فالإمام أبو حنيفة، ومن وافقه يدرأ الحد عن العقلاء من الشركاء بصرف النظر عمن باشر فعل جريمة الحرابة الصبي، أو المجنون أو يأتي الشركاء، لشبهه عدم إيجاب الحد على بعض من شارك في الجريمة، أما أبو يوسف، فإنه فصل الأمر وفرق بين قيام الصبي، والمجنون بالجريمة والعقلاء ردءا، وبين العكس.

فأسقط الحد عن العقلاء إذا كانوا ردءا؛ لأن عدم إيجابه على الفاعل الأصلي ينتج عنه عدم الإيجاب على التابع.

أما إن قام العقلاء بالجريمة، وكان الصبي أو المجنون ردءا، فإن الحد إذا اندرأ عن الصبي، أو المجنون لأمر خاص بهما، فإن ذلك لا يؤثر بالنسبة لمن قام بالجريمة، ولم يتوفر فيه هذا الأمر1، وذهب جمهور الفقهاء إلى القول بوجوب الحد على المكلف؛ لأن الحد وإن لم يلزم الصبي أو المجنون، فإن ذلك ناتج عن كونهما غير مكلفين، وتلزمهما عقوبة تعزيرية مع ضمان ما تلقوه من نفوس أو مال، ولا يشاركهما في عدم إلزام الحد غيرها؛ لأن الأمر بالنسبة لعدم التكليف خاص بهما، فلا يشاركهما فيها غيرهما، ولا يلزم عن ذلك شبهة في حق الباقين2.

وذهب فقهاء الشافعية إلى القول بوجوب الحد على من باشر القتل، أو أخذ المال، فأما من حضر ردءا لما أوعينا، فلا يلزمه الحد.

واستدلوا لذلك بما روي من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق"، وقالوا بوجوب التعزير على من لم تجب عليه العقوبة الحدية؛ لأنه أعان على معصية.

1 فتح القدير ج5 ص429، 430، المبسوط ج9 ص197، 198، البحر الرائق ج5 ص74، المغني ج8 ص297، 298.

2 مواهب الجليل ج2 ص316، المدونة ج16 ص102 المغني ج8 ص297.

ص: 609

وقالوا أيضًا: لا يجب الحد بالمستوى على الشركاء، وإنما يجب القتل على من قتل، والقطع على من أخذ المال؛ لأن واحد منهم انفرد بسبب حد، فاختص به1.

وما ذهب إليه الجمهور من القول بوجوب حد الحرابة على العقلاء، ولو شاركهم صبي، أو مجنون فعلهم هو ما أميل إليه وأرجحه؛ لأن القول بدرء الحد عن العقلاء بمشاركة الصبي، أو المجنون أو بدرء الحد عن الردء إذا باشر الصبي، أو المجنون الحرابة أمر بفتح باب الجريمة على مصراعيه، ولن يعدم المحترفون صبيًا يشاركهم جريمتهم، أو يدربونه ويقفون له ردًا عينا، كما أن عموم الأدلة أولى بالاتباع من غيره، ما دام يحقق الإصلاح.

5-

حرابة القرابة المحرمية:

ذهب فقهاء الأحناف إلى أن حد الحرابة لا يلزم ذا القرابة المحرمية، إذا قطع الطريق على من تربط به هذه القرابة، فإذا كان له شركاء في جريمة قطع الطريق، نتجت في حقهم شبهة بسبب سقوط حد الحرابة عنه، وترتب على هذه الشبهة إسقاط الحد عنهم أيضًا، يقول السرخسي:"وإن كان في المقطوع عليهم الطريق ذو رحم محرم من القطاع، أو شريك له مفاوض لم يلزمهم حكم القطع؛ لأنه امتنع وجوب القطع على ذي الرحم المحرم للشبهة، فيمتنع وجوبه عن الباقين للشركة.... ولأن مال جميع القافلة في حق قطاع الطريق، كشيء واحد، فإنهم قصدوا أخذ ذلك كله بفعل واحد، فإذا تمكنت الشبهة في بعض ذلك المال في حقهم، فقد تمكنت الشبهة في جميعه"2.

1 المهذب ج2 ص285، أسنى المطالب ج4 ص152، مغني المحتاج ج4 ص182.

2 المبسوط ج9 ص203، فتح القدير ج5 ص430، 431، البحر الرائق ج5 ص74، 75.

ص: 610

وذهب فقهاء الشافعية، والحنابلة إلى القول بإسقاط حد الحرابة عن الأصول والفروع فقط، أما من شاركهم حرابتهم، فإنه عليه حدها الواجب بما قام به من أفعال.

لأن إسقاط الحد من الأصول والفروع ناتج لما لهم في مال بعضهم من حقوق، ترتبت عليها شبهات أنتجت إسقاط الحد، أما غيرهم ممن شاركهم حرابتهم، فليست لهم هذه الحقوق، ولا شبهة لهم فيما أخذوه1.

أما فقهاء المالكية، فقد قصروا إسقاط الحد عن الأب، أو الابن فقط إذا قام أحدهم بقطع الطريق على الآخر، وتوسع بعض فقهاء المالكية، فأسقط الحد عن الجد أيضًا نظرًا؛ لأنه يطلق عليه أب؛ ولأنه ممن تغلظ عليه الدية2.

أما ابن حزم، فإنه لم يسقط الحد بسبب القرابة المحرمية، وألزم كل من قام بالحرابة على قريبه المحرمي بالحد المقرر لذلك، حتى ولو كان أبا قطع الطريق على ابنه3.

وما ذهب إليه فقهاء الشافعية، والحنابلة هو ما أرجحه؛ لأن ما بين الأصول والفرع من قرابة، وعلاقة قد أوجدت لكل منهما حقا في مال صاحبه، كما أن في إلزام كل منهم الحد تسبب حرابته قريبة أصله، أو فرعه ما يورث العداوة والبغضاء بين الأب، وابنه أو الابن، وأبيه الذي أن حنق عليه ساعة بكاه باقي يومه، والعلاقة بينهما حض الشارع على رعايتها وحمايتها، ولا يتحقق ذلك بإلزام من قطع الطريق منهم على

1 شرح التحرير بهامش حاشية الشرقاوي ج2 ص437، المغني ج8 ص297.

2 حاشية الدسوقي ج4 ص337، الخرشي ج8 ص96.

3 المحلى ج13 ص380-386.

ص: 611

أصله، أو فرعه حد قطع الطريق، ويكفي أن يلزم الأصل، أو الفرع برد المال والعقوبة التعزيرية المناسبة، فإن في ذلك ما يردعه ويزجره، ولا يأتي على ما بينه وبين أصله، وفرعه من علاقات.

أما أن يسقط الحد عمن شارك الأصل، أو الفرع أو ذي الرحم المحرم حرابة، فهذا قول بعيد وشبهة لا نقوى على رد عموم الأدلة، كما أن قيام سبب في بعض الشركاء خاص به، لا يترتب عليه أن يتعداه إلى غيره.

أما بالنسبة للمرأة إذا شاركت في قطع الطريق، فقد ذهب الكرخي إلى أنه لا حد على النساء بقطع الطريق، ووافقه أبو حنيفة، لكون المرأة ليست محاربة بأصل خلقتها، وزاد أبو حنيفة القول بإسقاط الحد عمن شاركها حرابتها من الرجال، مثلها في ذلك مثل الصبي والمجنون، وأبو يوسف يرى إيجاب الحد على شركائها من الرجال1، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن المرأة مثلها مثل الرجل في جريمة الحرابة، فيلزمها الحد كما يلزمه2.

أما إذا كانت زوجة المقطوع عليه، ففي ذلك التفضيل الذي مر في سرقتها من مال زوجها.

وما ذهب إليه الجمهور أولى بالقبول، خصوصًا وأن جريمة الحرابة قد تقع في الأماكن الآهلة بالسكان، وقد تسهم المرأة وتقوم بدور رئيسي، ولدعوى بأن طبيعتها، أو أنها في أصل خلقها ليست بمحاربة يكذبه الواقع، فقد شاركت المرأة الجيوش المحاربة.

1 المبسوط ج9 ص197، 198.

2 مواهب الجليل ج6 ص314، مغني المحتاج ج4 ص181، المغني ج8 ص298، المحلى ج13، ص380-386.

ص: 612