الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ بَيعُ الْمُكَاتَبِ. وَمُشْتَرِيهِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُكَاتِبِ.
ــ
ولم يُحْبِلْها. وأمَّا الثاني، فإن كان مُوسِرًا قُوِّمَ عليه نَصِيبُ شَرِيكِه عندَ العَجْزِ، فإن فَسَخا الكِتابَةَ قَوَّمْناها عليه، وصارَت أمَّ وَلَدٍ له، وإن رَضِيَ الثاني بالمُقامِ على الكِتابَةِ، قَوَّمْنا عليه نَصِيبَ الأوَّلِ، وصارَتْ كُلُّها أُمَّ وَلَدٍ له، ونِصْفُها مُكاتَبٌ، ويَرْجِعُ الأوَّلُ على الثاني بنِصْفِ المَهْرِ ونِصْفِ قِيمَةِ الولَدِ، على إحدى الرِّوايَتَين. ويرجعُ الثاني على الأوَّلِ بنصْفِ المَهْرِ، فيتَقاصَّان به، إن كان باقِيًا عليهما، وإن كان الثاني مُعْسِرًا، فالحُكْمُ فيهكما لو ولَدَتْ مِن الأوَّلِ وكان مُعْسِرًا، لا فَضْلَ بينَ المسْألَتَين.
القِسمُ الثالثُ، أمْكَنَ أن يكونَ الولدُ مِن كلِّ واحدٍ منهما، فيُرَى القافةَ معهما، فيُلْحَقُ بمَن ألْحَقُوه به [منهما، فمَن أُلْحِقَ به](1)، فحكمُه حكمُ ما لو عَرَف أنَّه منه بغير قافةٍ.
3013 - مسألة: (ويَجُوزُ بَيعُ المُكاتَبِ. ومُشْتَرِيه يَقُومُ مَقامَ المُكاتِبِ)
ومِمَّن قال بجوازِ بَيعِ المُكاتبِ، عطاءٌ، والنَّخَعِي، واللَّيثُ، وابنُ المُنْذِرِ، وهو قَدِيمُ قَولَي الشافعيِّ. قال: ولا وَجْهَ لقولِ مَن قال:
(1) سقط من: الأصل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يجوزُ. وحكى أبو الخَطَّابِ رِوَايةً أخْرَى عن أحمدَ، أنَّه لا يجوزُ بَيعُه. وهو قولُ مالكٍ، وأصحابِ الرَّأي، والجَديدُ مِن قَوْلَي الشافعيِّ؛ لأنَّه عَقْدٌ يَمْنَعُ اسْتِحْقاقَ كَسْبِه، فمَنَعَ بَيعَه، كبَيعِه لأجْنَبِي، وعِتْقِه. وقال الزُّهْرِيُّ، وأبو الزِّناد: يجوزُ بَيعُه برِضاهُ، ولا يجوزُ بغيرِه. وحُكِيَ ذلك عن أبي يوسف؛ لأنَّ بَرِيرَةَ إنَّما بِيعَت برِضاها وطَلَبِها (1)، ولأنَّ لسيدِه اسْتيفاءَ مَنافِعِه برِضاه، ولا يجوزُ بغيرِ رِضاه، كذلك بَيعُه. ولَنا، ما روَى عُرْوَةُ عن عائشةَ، أنَّها قالت: جاءت بَرِيرَةُ إليَّ، فقالت: يا عائشة، إنِّي كاتَبْتُ أهْلِي على تِسْعِ أواقٍ، في كُلِّ عام أوقِيَّةٌ، فأعِينيني. ولم تَكُنْ قَضَتْ مِن كتابتِها شَيئًا، فقالت لها عائشةُ، ونَفِسَت (2) فيها: ارْجِعِي إلى أهْلِكِ، إن أحَبُّوا أن أعْطِيَهم ذلك جميعًا فَعَلْتُ. فذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلى أهْلِها، فعَرَضَتْ عليهم ذلك، فأبَوْا، وقالُوا: إن شاءت أن تَحْتَسِبَ عليكِ فلتَفْعَلْ، ويكونُ ولاؤكِ لنا. فذَكَرَتْ ذلك عائشةُ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:«لا يَمْنَعُكِ ذلِكَ مِنْهَا، ابْتاعِي وأعْتِقِي، إنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ» . فقام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الناسِ، فحمِدَ الله وأثْنَى عليه، ثم قال: «أمَّا بَعْدُ، فما بَالُ نَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا ليسَتْ في كِتَابِ اللهِ، مَنِ
(1) تقدم تخريجه في 11/ 234، 235.
(2)
في م: «نقست» . ونفست: رغبت.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اشْتَرطَ شَرْطًا لَيسَ في كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِل، وإن كان مائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أحَقُّ، وشَرْطُهُ أوْثَقُ، وإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ». مُتَّفَق عليه. قال ابنُ المُنْذِرِ: بيعَتْ بَرِيرَةُ بعِلْمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهي مُكاتَبَةٌ، لم يُنْكِرْ ذلك، ففي ذلك أبيَنُ البَيانِ أنَّ بَيعَه جائِز، ولا أعْلَمُ خَبَرًا يُعارِضُه، ولا أعلمُ في شيءٍ مِن الأخْبارِ دليلًا على عَجْزِها. وتأوَّلَه الشافعيُّ على أنَّها كانت قد عَجَزَتْ، وكان بَيعُها فَسْخًا لكتابَتِها. وهذا التَّاويلُ بعيدٌ يَحْتاجُ إلى دليلٍ في غايةِ القُوَّةِ، وليس في الخبرِ ما يدُلُّ عليه (1)، بل قَوْلُها: أعِينيني على كِتابَتِي. دليلٌ على بَقائِها على الكتابةِ، ولأنَّها أخْبَرَتْها أنَّ نجومَها في كُلِّ (2) عامٍ أُوقِيَّةٌ، فالعَجْزُ إنَّما يكونُ بمُضِيِّ عامَين عندَ مَن لا يَرَى العَجْزَ إلَّا بحُلولِ نَجْمَين، أو بمُضِيِّ عام عندَ الآخَرِين، والظَّاهِرُ أنَّ شِراءَ عائشةَ لها كان في أوَّلِ كِتابَتِها، ولا يَصِحُّ قِياسُه على أمِّ الوَلَدِ؛ لأنَّ سَبَبَ حرِّيَّتِها مُسْتَقِرٌّ (2) على وَجْهٍ لا يُمْكِنُ فسْخُه بحالٍ، فأشْبَهَ الوَقْفَ، والمُكاتَبُ يَجُوزُ رَدُّه إلى الرِّقِّ وفَسْخُ كِتابَتِه إذا عَجَزَ، فافْتَرَقا. قال ابنُ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «استقر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبي موسى: هل للسيدِ أن يبيعَ المُكاتَبَ بأكثرَ ممَّا كاتَبَ (1) عليه؟ على رِوايَتَين. ولأنَّ المُكاتَبَ عَبْدٌ مملوكٌ لسيدِه لم يتَحَتَّمْ عِتْقُه، فجازَ بَيعُه، كالمُعلَّقِ عِتْقُه بصِفَةٍ، والدليلُ على أنَّه مَمْلوكٌ قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:[«المُكاتَبُ عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ» (2). ولأنَّ مَوْلاتَه لا يَلْزَمُها أن تحْتجِبَ منه إذا لم يَمْلِك ما يُؤَدِّي؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم](3): «إِذَا كَانَ لإحْدَاكُنَّ مُكاتَبٌ فمَلَكَ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» (4). يدُلّ بمفهومِه على أنَّها لا تَحْتَجِبُ منه قبل ذلك، وإنَّما سَقَطَ الحِجابُ عنه؛ لكَونِه مَمْلوكَها، ولأنَّه يصِحُّ عِتْقُه، ولا يصِحُّ عِتْقُ مَن ليس بمَمْلوكٍ، ولأنَّه يَرْجِعُ عندَ العَجْزِ إلى كَونِه قِنًّا، ولو صارَ حُرًّا ما عاد إلى الرِّقِّ، ويُفارقُ إعْتاقَه؛ لأنَّه يُزِيلُ الرِّقَّ بالكُليَّةِ، وليس بعَقْدٍ، إنَّما هو إسْقاطٌ للمِلْكِ فيه، وأمَّا بَيعُه، فلا يُمْنَعُ المُشْتَرِي بَيعَه، وأمَّا البائِعُ، فلم يَبْقَ له فيه مِلْكٌ، بخِلافِ مَسألَتِنا.
فصل: وتجوزُ هِبَتُه، والوَصِيَّةُ به. وقد رُوِيَ عن أحمدَ، أنَّه مَنَعَ هِبَتَه؛ لأنَّ الشَّرْعَ إنَّما وَرَدَ ببَيعِه. والصَّحِيحُ جَوازُها؛ لأنَّ ما كان في مَعْنَى المَنْصُوصِ عليه ثَبَت الحكمُ فيه.
فصل: ومُشْتَرِيه يَقُومُ فيه مَقامَ المُكاتِبِ. وجملةُ (5) ذلك، أنَّ
(1) في م: «كان» .
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 300.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
تقدم تخريجه في 18/ 380.
(5)
سقط من: الأصل.