الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا بَأَسَ أن يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ، وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ.
ــ
فصل: إذا كاتَبَه على جِنْسٍ لم يَلْزَمْه قَبْضُ غيرِه، فلو كاتَبَه على دَنانِيرَ لم يَلْزَمْه قَبْضُ دَراهِمَ ولا عَرْض. وإن كاتَبَ (1) على عَرْضٍ مَوْصُوفٍ لم يَلْزَمْه قَبْضُ غيرِه. وإن كاتبه (1) على نَقْدٍ، فأعْطاه مِن جِنْسِه خَيرًا منه، وكان يُنْفَقُ فيما يُنْفَقُ فيه الَّذي كاتَبَه عليه، لَزِمَه أخْذُه؛ لأنَّه زاده خيرًا، وإن كان لا يُنْفَقُ في بَعْضِ البُلْدانِ التي يُنْفَقُ فيها ما كاتَبَه عليه لم يَلْزَمْه قَبُولُه، لأنَّ عليه في ضَرَرًا.
2989 - مسألة: (ولا بَأْسَ أن يُعَجِّلَ المُكاتَبُ لسيدِه، ويَضَعَ عنه بَعْضَ كتابَتِه)
مثلَ أن يُكاتِبَه على ألفٍ في نَجْمَين إلى سنةٍ، ثم قال: عَجِّلْ لي خَمْسَمائةٍ حتَّى أضَعَ عنك الباقِي. أو: حتَّى أُبْرِئَك مِن الباقِي. أو قال: صَالِحْنِي منه على خَمْسِمائَةٍ مُعَجَّلَةٍ. جاز ذلك. يقول طاوسٌ، والزُّهْرِيُّ، والنَّخَعِيُّ، وأبو حنيفةَ. وكَرِهَهُ الحسنُ، وابنُ
(1) في م: «كانت» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سِيرِينَ، والشَّعْبِيُّ. وقال الشافعيُّ: لا يجوزُ؛ لأنَّ هذا بَيعُ ألفٍ بخَمْسِمائَةٍ، وهو رِبا الجاهليةِ؛ وهو أن يَزِيدَ في الدَّينِ لأجْلِ الأجَلِ، وهذا أيضًا هِبَةٌ. و (1) لأنَّ هذا لا يجوزُ بينَ الأجَانِبِ، والرِّبَا يَجْرِي بينَ المُكاتَبِ وسيدِه، فلم يَجُزْ هذا بينَهما، كالأجانِبِ. ولَنا، أنَّ مال الكِتابةِ غيرُ مُسْتَقِرٍ، ولا هو [دَين صَحِيحٌ](2)، بدليلِ أنَّه لا يُجْبَرُ على أدائه، وله أن يَمْتَنِعَ مِن أدَائِه، ولا تَصِحُّ الكَفالةُ به، وما (3) يُؤَدِّيه إلى سيدِه كسْبُ عبدِه، وإنَّما جَعَل الشَّرْعُ هذا العَقْدَ وَسِيلَةً إلى العِتْقِ، وأوْجَبَ فيه التَّأْجِيلَ مُبالغةً في تَحْصِيلِ العِتْقِ، وتَخْفِيفًا على المُكاتَبِ. فإذا أمْكَنَه التَّعْجيلُ على وَجْهٍ يُسْقِطُ عنه بعضَ ما عليه، كان أبلَغَ في حُصُولِ العِتْقِ، وأخَفَّ على العَبْدِ، ويَحْصُلُ مِن السيدِ إسْقَاطُ بعضِ مالِه على عبدِه، ومِن اللهِ تعالى إسْقاطُ بعضِ (4) ما أوْجَبَه عليه مِن الأجَلِ لمصْلَحَتِه. ويُفارِقُ سائرَ الدُّيُونِ بما ذَكَرنا، ويُفارِقُ الأجَانِبَ، مِن حيث إنَّ هذا عبدُه، فهو أشْبَهُ بعَبدِه القِنِّ. وأمَّا قولُهم: إنَّ الرِّبا يَجْرِي بينَهما.
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «دينًا صحيحًا» .
(3)
في الأصل: «لا» .
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيَمْنَعُه (1) ما ذَكَرَه ابنُ أبي موسى (2)، وإن سَلَّمْنا، فإنَّ هذا مُفارِقٌ لسائِرِ (3) الرِّبا بما ذَكَرْناه، وهو يُخالِفُ رِبا الجاهِلِيَّةِ؛ فإنَّه إسْقاطٌ لبعضِ. الدَّينِ، ورِبَا الجاهِليَّةِ زِيادَة في الدَّينِ تُفْضِي إلى نَفادِ مالِ المَدِينِ وتَحَمُّلِه ما يَعْجِزُ عن أدائِه (4) مِن الدَّينِ، فيُحْبَسُ مِن أجْلِه، وهذا يُفْضِي إلى تَعْجِيلِ عِتْقِ المُكاتَبِ وخَلاصِه مِن الرِّقِّ والتَّخْفِيفِ عنه، فافْتَرَقا.
فصل: فإنِ اتَّفَقا على الزِّيادَةِ في الأجَلِ والدَّينِ، مثلَ أن يُكاتِبَه على ألْفٍ في نَجْمَين إلى سنَةٍ يُؤَدِّي خَمسَمائةٍ في نِصْفِها والباقِيَ في (5) آخِرِها، فيَجْعَلانِها إلى سَنَتَين بألْفٍ ومائَتَين، في كلِّ سَنَةٍ سِتُّمائةٍ، أو مثلَ أن يَحِلَّ عليه نَجمٌ، فيقولَ: أخِّرْنِي إلى كذا وأزِيدُك كذا. فلا يجوزُ؛ لأنَّ الدَّينَ (5) المُؤَجَّلَ إلى وَقْتٍ لا يَتَأْخرُ أجَلُه عن وَقْتِه باتفاقِهما عليه، ولا يَتَغَيَّرُ أجَلُه بتَغْييرِه، وإذا لم يَتأخَّرْ عن وَقْتِه لم تَصِحَّ الزِّيادَةُ التي في
(1) بعده في الأصل: «على» .
(2)
يأتي قوله في ذلك في صفحة 232.
(3)
في الأصل: «كسائر» .
(4)
في م: «وفائه» .
(5)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُقابَلَتِه، ولأنَّ هذا يُشْبِهُ رِبَا الجاهِليَّةِ المُحَرَّمَ، وهو الزِّيادَةُ في الدَّين للزِّيادَةِ في الأجَلِ. ويُفارِقُ المسألَةَ الأُولَى مِن هذين الوَجْهَين. فإن قِيلَ: فكما أنَّ الأجَلَ لا يَتَأخَّرُ، فكذلك لا يَتَعَجَّلُ، ولا يَصِيرُ المُؤَجَّلُ حالًا، فلِمَ جاز في المسألَةِ الأُولَى؟ قُلْنا: إنَّما جاز في المسألةِ الأُولَى بالتَّعْجِيلِ فِعْلًا، فإنَّه إذا دَفَعَ إليه الدَّينَ المُؤَجَّلَ قبلَ مَحِلِّه جازَ، وجاز للسيدِ إسقاطُ باقِي حَقِّه عليه، وفي هذه المسألةِ يأْخُذُ أكْثَرَ ممَّا وَقَعَ عليه العَقْدُ، فهو ضِدُّ المسألةِ الأُولَى. وهو مُمْتَنِعٌ مِن وَجْهٍ آخَرَ، لأنَّ في ضِمْنِ الكتابةِ إنَّكَ متى أدَّيتَ إلَيَّ كذا فأنتَ حُرٌّ. فإذا أدَّى إليه ذلك فيَنْبَغِي أن يَعْتِقَ. فإن قِيلَ (1): فإذا غُيِّرَ الأجَلُ والعِوَضُ، فكأنَّهما فَسَخا الكِتابَةَ الأُولَى وجَعَلا كتابةً ثانِيةً. قُلْنا: لم يَجْرِ (2) بينَهما فَسْخٌ؛ وإنَّما قَصَدا تَغْيِيرَ العِوَضِ والأجَلِ على وَجْهٍ لا يَصِحُّ، فبَطَلَ التَّغْيِيرُ وبَقِيَ العَقْدُ بحالِه. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ ذلك، كما في المسألَةِ الأُولَى. فعلى هذا، لو اتَّفَقَا على ذلك ثم رَجَعَ أحَدُهما قبلَ التَّعْجِيلِ، فله الرُّجُوعُ؛ لِما ذَكَرْنا مِن أنَّ الدَّينَ المُؤَجَّلَ (3) لا يَتَأخَّرُ عن أجَلِه، ولا يَتَقَدَّمُ، وإنَّما له أن يُؤَدِّيَه قبلَ مَحِلِّه. ولمَن له الدَّينُ تَرْكُ قَبْضِه في مَحِلِّه، وذلك إلى اخْتِيارِه. فإذا وَعَد به ثم رَجَع قبلَ الفِعلِ فله ذلك.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «يجز» .
(3)
في م: «المتأخر» .