الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَصِحُّ عَلَى مَالٍ وَخِدْمَةٍ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَتِ الْخِدْمَةُ أَوْ تَأْخَّرَتْ.
ــ
أن يكونَ عِوَضًا في الكِتابةِ، كالثَّوْبِ المُطْلَقِ، ويُفَارِقُ العَقْلَ؛ لأنَّه بَدَلُ مُتْلَفٍ مْقَدَّرٌ في الشَّرْعِ، وههُنا عِوَضٌ في عَقْدٍ، أشْبَه البَيعَ. ولأنَّ الحيوانَ الواجبَ في العَقْلِ ليسَ بحيوانٍ مُطْلَقٍ، بل هو مُقَيَّدٌ بجِنْسِه وسِنِّه، فلم يَصِحَّ الإِلْحاقُ به، ولأنَّ الحيوانَ المُطْلَقَ لا تجوزُ الكِتابةُ عليه بغيرِ خِلافٍ عَلمْناه، وإنَّما الخِلاف في العبدِ المُطْلَقِ، ولم يَرِدِ الشَّرْعُ به بَدَلًا في مَوْضِع عَلِمْناه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ مَن صَحَّح (1) الكِتابةَ به أوْجَبَ له عَبْدًا وسطًا، وهو السِّنْدِيُّ، ويكونُ وَسَطًا مِن السِّنْديِّين في قِيمَتِه، كقَوْلِنا في الصَّدَاقِ.
ولا تصِحُّ الكِتابةُ على حيوانٍ مُطْلَقٍ غيرِ العبدِ، فيما عَلِمْنا، ولا على ثَوْبٍ، ولا دارٍ. ولذلك لا تجوز على ثَوْبٍ مِن ثِيابِه، ولا عِمامةٍ مِن عَمائِمه، ولا غيرِ ذلك مِن المَجْهُولاتِ. وممَّن اخْتارَ الكِتابَةَ على العبدِ، الحسَنُ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، والنَّخَعِيُّ، والزُّهْرِيُّ، وابن سيرينَ. ورُوِيَ عن أبي بَرْزَةَ، وحَفْصَةَ، رضي الله عنهما.
2984 - مسألة: (وتَصِحُّ على مالٍ وخِدْمةٍ، سواءٌ تَقَدَّمَتِ الخِدْمَةُ أو تَأَخَّرَتْ)
تجوز الكِتابةُ على المنافِعِ المُباحَةِ؛ لأنَّها
(1) في الأصل: «صحة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحَدُ العِوَضَين في الإِجَارَةِ، فجاز أن تكونَ عِوَضًا في الكتابةِ، كالأثْمانِ. ويُشْتَرَط العِلْمُ بها كما يُشْتَرَطُ في الإِجَارَةِ؛ فإن كاتَبَه على خِدْمة. شَهْرٍ ودِينارٍ، صَحَّ، ولا يَحْتاجُ إلى ذِكْرِ الشهرِ وكَونِه عَقِيبَ العَقْدِ؛ لأنَّ الإِجارَةَ تَقْتَضِيه. فإن عَيَّنَ الشَّهْرَ بوقتٍ لا يَتَّصِل بالعَقْدِ، مثلَ أن يُكاتِبَه في المُحَرَّمِ على خِدْمَتِه في رَجَبٍ ودِينارٍ، صَحَّ أيضًا، كما يجوزُ أن يُؤْجِرَه دارَه شَهرَ رَجَبٍ في المُحَرَّمِ. وقال أصحابُ الشافعيِّ: لا يجوزُ على شَهْرٍ لا يَتَّصِلُ بالعَقْدِ. ويَشْتَرِطونَ ذِكْرَ ذلك، ولا يُجَوِّزُونَ إطْلاقَه، بناءً على قَوْلِهم في الإِجَارَةِ. وقد سَبَقَ الكلامُ فيه، والخِلافُ في باب الإِجَارَةِ (1). ويُشْتَرَطُ كونُ الدِّينارِ المذْكُورِ مُؤَجَّلًا؛ لأنَّ الأجَلَ شَرْطٌ في عَقْدِ الكتابةِ. فإن جعَل مَحِلِّ الدِّينارِ بعدَ الشَّهْرِ بيومٍ أو أَكْثَرَ، صَحَّ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. وإن جَعَلَ محِلَّه في الشَّهْرِ أو بعدَ انْقِضائِه، صَحَّ أيضًا. وهذا قولُ بعضِ أصحابِ الشافعيِّ. وقال القاضي: لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يكونُ نَجمًا واحدًا. وهذا لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الخِدْمَةَ كُلَّها لا تكونُ في وَقْتِ مَحِلِّ الدِّينارِ، وإنَّما يُوجَدُ جُزْءٌ منها يَسِير مُقارِبًا له، وسائِرُها فيما سِواه، ولأنَّ الخِدْمَةَ بمَنْزِلَةِ العِوَضِ الحاصِلِ في ابْتِداءِ مُدَّتِها، ولهذا يَسْتَحِقُّ عِوَضَها
(1) انظر ما تقدم في 14/ 354.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جميعَه، ويكونُ مَحِلُّها غير مَحِلِّ الدِّينارِ، وإنَّما جازَتْ (1) حالَّةً؛ لأنَّ المَنْعَ مِن الحُلولِ في غيرِها؛ لأجْلِ العَجْزِ عنه في الحالِ، وهذا غيرُ مَوْجُودٍ في الخِدْمَةِ، فجازَتْ حالَّةً. وإن جَعَلَ مَحلَّ الدِّينارِ قبلَ الخِدْمَةِ، وكانتِ الخِدْمَةُ غيرَ مُتَّصِلةٍ بالعَقْدِ، بحيثُ يكونُ الدِّينارُ مُؤَجَّلًا والخِدْمَةُ بعدَه، جازَ. وإن كانتِ الخِدْمَةُ مُتّصِلةً بالعَقْدِ، لم يُتَصَوَّرْ كونُ الدِّينارِ قبلَه، ولم يَجُزْ في أوَّلِه؛ لأنَّه يكونُ حالًا. ومن شَرْطِه (2) التّأجِيلُ.
فصل: إذا كاتَبَ السيدُ عبدَه على خِدْمَةٍ مُفْرَدَةٍ في مُدَّةٍ واحدِةٍ، مثلَ أن يُكاتِبَه على خِدْمَةِ شَهْرٍ بعَينِه، أو سَنَةٍ مُعَيَّنَةَ، فحُكْمُه حُكْمُ الكِتابةِ على نَجْمٍ واحدٍ، على ما مَضَى مِن القولِ فيه (3). ويَحْتَمِلُ أن يكونَ كالكِتابةِ على أنْجُمٍ؛ لأنَّ الخِدْمَةَ تُسْتَوْفَى في أوقاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ (4)، بخِلافِ المالِ. وإن جَعَلَه على شَهْرٍ بعدَ شَهْرٍ، كأن كاتَبَه في أوَّلِ المُحرَّمِ على خِدْمَتِه فيه وفي رَجَبٍ، صَحَّ؛ لأنَّه على نجْمَين. وإن كاتَبَه على مَنْفَعَةٍ في الذِّمَّةِ مَعْلُومَةٍ، كخِياطَةِ ثَوْبٍ عَيَّنَه، أو بناءِ حائِطٍ وَصَفَه، صَحَّ أيضًا، إذا كانت على نَجْمَينِ. وإن قال: كاتَبْتُكَ على أن تَخْدُمَنِي هذا الشَّهْرَ، وخِيَاطَةِ كذا (5) عَقِيبَ الشَّهْرِ. صَحَّ في قولِ الجَميعِ. وإن قال: على
(1) بعده في م: «له» .
(2)
في الأصل: «شرط» .
(3)
تقدم الكلام عليه في صفحة 205.
(4)
في م: «مفرقة» .
(5)
بعده في م: «على» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن تَخْدِمَنِي شَهْرًا مِن وَقْتِي هذا، وشهرًا عَقِيبَ هذا الشهرِ. صَحَّ أيضًا. وعندَ الشافعيِّ، لا يَصِحُّ. ولَنا. أنَّه كاتَبَه على نَجْمَين، فصَحَّ، كالتي قبلَها.
فصل: وإذا كاتَبَ العبدَ وله مالٌ، فمالُه لسَيدِه؛ إلَّا أن يَشْتَرِطَه المُكاتَبُ. [فإن كان](1) له سُرِّيَّةٌ أو وَلَدٌ، فهو لسيدِه. وبهذا قال الثوْرِيُّ، والحسنُ بنُ صالِحٍ، وأبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ، والشافعيُّ. وقال الحسنُ، وعطاءٌ، والنَّخَعِيُّ، وسُليمانُ بنُ موسى، وعمرُو بنُ دينارٍ، ومالكٌ، وابنُ أبي لَيلَى، في المكاتَبُ: مالُه له. ووافَقَنا (2) عَطاءٌ، وسليمانُ بنُ موسى، والنَّخَعِيُّ، وعمرُو بنُ دينارٍ، ومالكٌ، في الوَلَدِ، واحْتُجّ لهم بما روَى ابنُ عمرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«مَن أعْتَقَ عَبْدًا ولَهُ مالٌ، فالمالُ للِعَبْدِ» (3). ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَاعَ عَبْدًا وله مالٌ، فَمَالهُ للبَائِعِ، إلَّا أن يَشْتَرِطَه المُبْتَاعُ» مُتَّفَقٌ عليه (4)، والكِتابةُ بَيعٌ. ولأنَّه باعة نفْسَه، فلم يَدْخُلْ معه غيرُه، كوَلَدِه و (5) أقارِبِه، ولأنَّه هو ومالُه كانا لسيدِه، فإذا وَقعَ العَقْدُ على أحَدِهما بَقِيَ
(1) في الأصل: «وإن كاتب» .
(2)
في الأصل: «ووافقا» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 39.
(4)
تقدم تخريجه في 6/ 303.
(5)
في الأصل: «أو» .