الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَعْتِقُ بِالأدَاءِ إِلَى سَيِّدِهِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ وَغَيرِهِمْ.
ــ
3022 - مسألة: (ويَعْتِقُ بالأداءِ إلى سيدِه، [وإلى مَن يَقُومُ مَقامَه مِن الوَرَثَةِ وغيرِهم)
ولا خلافَ في أنَّه يَعْتِق بالأداءِ إلى سيدِه] (1)، وقد ذَكَرْنا ذلك. وبالأداءِ إلى الوَرَثَةِ؛ لأنَّه انْتَقَلَ إليهم مع بقاءِ الكِتابةِ، فهو كالأداءِ إلى مَوْرُوثِهم، ويكونُ مَقْسُومًا بينَهم على قَدْرِ موارِيثهم، كسائِرِ دُيُونِه، فإذا كان له أولادٌ ذكورٌ وإناثٌ، فللذَّكَرِ مِثْلُ حَظ الأنْثَيَين. ولا يَعْتِق حتى يُؤَدِّيَ إلى كلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّه. فإن أدَّى إلى بعضِهم دُونَ بعضٍ لم يَعْتِقْ، كما لو كان بينَ شُرَكَاءَ، فأدَّى إلى بعضِهم، فإن كان بعضُهم غائِبًا، [وله وَكِيلٌ، دَفعَ نَصِيبَه إلى وكِيله، وإن لم يكُنْ له وكيلٌ، دَفَعَ نَصِيبَه إلى الحاكمِ، وعَتَقَ. وإن كان مُوَلَّيًا عليه](2)، دَفَعَ إلى وَلِيِّه؛ إمَّا أبيه أو وَصِيِّه أو الحاكِمِ أو أمِينه، فإن كان له وَصِيَّان، لم يَبْرَأ إلَّا بالدَّفْعِ إليهما معًا. وإن كان الوارِثُ رَشِيدًا قَبَضَ لنَفْسِه، ولا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ [إلى غيرِه](1) ليَقْبِضَ له؛ لأنَّ الرَّشِيدَ وَلِيُّ نَفْسِه، وإن كان بعضُهم رَشِيدًا وبعضُهم مُوَلَّيًا عليه، فحكمُ كلِّ واحدٍ منهم حُكْمُه لو انْفَرَدَ. فإن أذِنَ بعضُهم في الأداءِ إلى الآخَرِ، وكان الذي أذِنَ رَشِيدًا، فأدَّى إلى الآخَرِ
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جَمِيعَ حَقِّه، عَتَقَ نَصِيبُه، ولا يَسْرِي إلى نَصِيبِ شَرِيكِه إن كان مُعْسِرًا، ويَسْرِي إليه إن كان مُوسِرًا، ويُقَوَّمُ (1) عليه نَصِيبُ شَرِيكِه كلُّه، كما لو كان بينَ شَرِيكَين فأعْتَقَ أحَدُهما نَصِيبَه. وهذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. وهو أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ. وقال القاضي: لا يَسْرِي عِتْقُه وإن كان مُوسِرًا. وهو القولُ الثاني للشافعي. وقال أبو حنيفةَ: لا يَعْتِقُ إلَّا بأداءِ جَمِيعِ مالِ الكِتابةِ؛ لأنَّه أدَّى بعضَ مالِ الكِتابةِ، فأشبَهَ ما لو أدَّاه إلى السيدِ. فإن أبرءوه من مال الكتابة برئَ منه وعَتَقَ، وإن أبرَأه بعضُهم عَتَقَ نَصيبُه، وكذلك إن أعتَقَ نَصِيبَه منه عَتَقَ. والخِلافُ في هذا كلِّه كالخِلافِ فيما إذا أدَّى إلى بعضِهم بإذْنِ الآخَرِ. ولَنا على أنَّه يَعْتِقُ نَصيبُ مَن أبرَأ مِن حَقَه عليه أو اسْتَوْفَى نَصيبَه بإذْن شُرَكائه، أنَّه أبرَأه من جَميع ما لَه عليه، فوَجَبَ أن يَلْحَقَه العِتْقُ، كما لو أبرَأه سيدُه مِن جميعِ مالِ الكتابةِ، وفارَقَ ما إذا أبرَأه سيدُه مِن بعض مالِ الكِتابةِ؛ لأنَّه ما أبرأه مِن جميع حَقه. ولَنا على سِرايةِ عِتْقِه، أنَّه إعْتاقٌ لبعضِ العبدِ الذي يجوزُ إعْتاقُه مِن مُوسِرٍ جائِزِ التَّصَرُّفِ غيرِ مَحْجُورٍ عليه، فوَجَبَ أن يَسْرِيَ عِتْقُه، كما لو كان قِنًّا، ولأنَّه عِتْق حَصَلَ بفِعْلِه واخْتِيارِه، فسَرَى، كمحَل الوفاقِ. فإن قيل: في السِّرايَةِ إضْرَارٌ بالشُّرَكاءِ؛ لأنَّه قد يَعْجِزُ فيُرَدُّ إلى
(1) في الأصل: «يقدم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرِّق. قُلْنا: إذا كان العِتْقُ في مَحَلِّ الوفاقِ [يُزِيلُ الرِّقَّ المُتَمَكِّنَ الذي لا كِتابَةَ فيه، فَلأن يُزِيل عَرَضِيَّةَ ذلك بطريقِ الأوْلَى.
فصل: وإذا عَتَق بالأداءِ] (1) إلى الوَرَثَةِ، فوَلاؤُه لسيدِه في إحدَى الرِّوايَتَين. وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ. يَختَصُّ به عَصَباتُه دُونَ أصْحابِ الفُروضِ. وهذا قولُ أكثرِ الفُقهاءِ. واختاره أبو بكر. ونقله (2) إسحاقُ بنُ مَنْصورٍ عن أحمدَ، وإسحاقَ. وروَى حَنْبَل، وصالحُ بن أحمدَ، عن أبِيه، يأتي: اخْتَلَفَ النَّاسُ في المُكاتَبِ يَمُوتُ سيدُه وعليه بَقِيَّة مِن كِتابتِه؛ قال بعضُ الناسِ: الوَلاءُ للرِّجَالِ والنِّساءِ. وقال بعضُهم: لا وَلاءَ للنِّساءِ؛ لأنَّ هذا إنَّما هو دَينٌ على المُكاتَبِ، ولا يَرِثُ النِّساءُ من الولاء إلَّا ما كاتَبْنَ أو أعْتَقْنَ. والذي يَغْلِبُ عليَّ أنَّهُنَّ يَرِثْنَ؛ [وذلك لأنَّ المُكاتَبَ لو عَجَزَ](3) بعدَ وَفاةِ السيدِ رُدَّ رَقِيقًا. وهذا قولُ طاوس، والزُّهْرِيِّ؛ لأنَّ المُكاتَبَ انْتَقَلَ إلى الوَرَثَةِ بموتِ المكاتِبِ (4)، بدليلِ أنَّهم لو أعْتَقُوه نَفَذ (5) عِتْقُهم، فكان ولاؤه لهم، كما لو انْتَقَلَ بالشِّراءِ، ولأنَّه يُؤَدِّي إلى الوَرَثَةِ، فكان وَلاؤه لهم، كما لو أدَّى إلى المُشْتَرِي. ووَجْهُ الأوَّلِ أنَّ السيدَ هو المُنْعِمُ بالعِتْقِ، فكان الولاءُ له، كما لو أدَّى إليه، ولأنَّ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «فقبله» .
(3)
في م: «ولو عجز المكاتب» .
(4)
في م: «السيد» .
(5)
في م: «بعد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوَرَثَةَ إنَّما يَنْتَقِلُ إليهم ما بَقِيَ للسيدِ، وإنَّما بَقِيَ له دَينٌ في ذِمَّةِ المكاتَبِ، والفَرْقُ بينَ المِيراثِ والشِّراءِ، أنَّ السيدَ نَقَل حَقَّه في البَيعِ باخْتِيارِه، فلم يَبْقَ له فيه حَقٌّ مِن وَجْهٍ، والوارِثُ يَخْلُف المَوْرُوث ويَقُومُ مَقَامَه، [ويَبْنِي على ما فَعَلَه](1) مَوْرُوثُه، [ولا](2) يَنْتَقِلُ إليه شَيءٌ أمْكَنَ بَقاؤه لمَورُوثِه، والولاءُ ممَّا أمْكَنَ بقاؤه للمَوْرُوثِ، فوَجَبَ أن لا يَنْتَقِلَ عنه. وقد ذَكَرْنا ذلك في بابِ الوَلاءِ.
فصل: فإن أعْتَقَه الوَرَثةُ صَحَّ عِتْقُهم؛ لأنَّه مِلْكٌ لهم، فصَحَّ عِتْقُهم له، ولأنَّ السيدَ لو أعْتَقَه نَفَذَ عِتْقُه، وهم يقُومونَ مَقامَ مَوْرُوثِهم. ووَلاؤُه لهم، لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ» (3). وإن أعْتَقَ بَعْضُهم نَصِيبَه فعَتَقَ عليه كلُّه بالسِّرايَةِ، قُوِّمَ عليه نَصِيبُ شُرَكائِه، و (4) كان وَلاؤه له، وإن لم يَسْرِ لكَوْنِه مُعْسِرًا أو لغيرِ ذلك، فله وَلاءُ ما أعْتَقَه؛ للخَبَرِ، ولأنَّه مُنْعِمٌ عليه، فكان الوَلاءُ له، كغيرِ المُكاتَبِ. وقال القاضي: إن أعْتَقُوه كُلّهم قبلَ عَجْزِه، كان الوَلاءُ للسيدِ، وإن أعْتَقَ بعضُهم لم يَسْرِ عِتْقُه، ثم يُنْظرُ، فإن أدَّى إلى الباقِين عَتَقَ كلّه،
(1) في م: «ويلي على» .
(2)
في الأصل: «لأنه» .
(3)
تقدم تخريجه في 11/ 234، 235.
(4)
في الأصل: «وإن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكان وَلاؤه للسيدِ، وإن عَجَزَ فرَدُّوه إلى الرِّقِّ، كان وَلاءُ نَصِيبِ المُعْتِقِ له؛ لأنَّه لولا إعْتاقُه لعاد سَهْمُه رَقِيقًا كسِهامِ سائِرِ الوَرَثَةِ، فلمَّا أعْتَقَه كان هو المُنْعِمَ عليه، فكان الوَلاءُ له دُونَهم. فأمَّا إن أبرأه الوَرَثَةُ كلُّهم عَتَقَ، وكان وَلاؤه على الرِّوايَتَين اللَّتَين ذَكَرْناهما فيما إذا أدَّى إليهم؛ لأنَّ الإِبراءَ جَرَى مَجْرَى أداء ما عليه. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ الوَلاءُ لهم؛ لأنَّهم أنْعَمُوا عليه بما عَتَقَ به، أشبَهَ ما لو أعْتَقُوه، وإن أبرأه بعضُهم مِن نَصِيبِه، كان في وَلائِه ما ذَكَرْناه مِن الخِلافِ.
فصل: إذا باع الوَرَثَةُ المُكاتَبَ أو وَهَبُوه، صَحَّ بَيعُهم وهِبَتُهم؛ لأنَّهم يَقُومُونَ مَقامَ مَوْرُوثِهم، وهو يَمْلِكُ بَيعَه وهِبَتَه، كذلك وَرَثته، ويكونُ عندَ المُشْتَرِي والمَوْهُوبِ له مُبْقًى على ما بَقِيَ مِن كِتابتِه، إن عَجَزَ فعَجَّزَه، عاد رَقِيقًا له، وإن أدَّى [وعَتَقَ، كان](1) وَلاؤه لمَن يُؤَدَّى إليه، على الرِّوايةِ التي تقولُ: إنَّ وَلاءَه للوَرَثَةِ إذا أدَّى إليهم. وأمَّا على الرِّوايَةِ الأخْرَى، فيَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ بَيعُه ولا هِبَتُه؛ لأنَّ ذلك يَقْتَضِي إبْطال سَبَبِ ثُبُوتِ الوَلاءِ للسيدِ الذي كاتَبَه، وليس ذلك [للوَرَثَةِ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ، ويكونَ الوَلاءُ للسيدِ إن أُعْتِقَ بالكِتابَةِ؛ لأنَّ السيدَ عَقَدَها، فعَتَقَ بها، فكان وَلاؤه](2) له، ويُفارِقُ ما باعَه السيدُ؛ لأنَّ السيدَ ببَيعِه أبطَلَ حَقَّ نَفْسِه، وله ذلك، بخِلافِ الوَرَثَةِ، فإنَّهم لا يَمْلِكُونَ إبْطال حَقِّ مَوْرُوثِهم.
(1) في م: «عتق وكان» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا وصَّى السيدُ بمالِ الكِتابَةِ صَحَّ. فإن سَلَّمَ مال الكِتابَةِ إلى المُوصَى له، أو وَكِيله، أو وَلِيِّه إن كان مَحْجُورًا عليه، بَرِئ منه، وعَتَقَ، ووَلاؤُه لسيدِه الذي كاتَبَه؛ لأنَّه المُنْعِمُ عليه، وإن أبرأه مِن المالِ، عَتَقَ؛ لأنَّه بَرِئ مِن مالِ الكِتابَةِ، فأشْبَهَ ما لو أدَّى، وإن أعْتَقَه، لم يَعْتِقْ؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ رَقَبَتَه، وإنَّما وَصَّى له بالمالِ الذي عليه، وإن عَجَزَ ورُدَّ في الرِّق، صارَ عَبْدًا للوَرَثَةِ، وما قَبَضَه المُوصَى له مِن المالِ فهو له؛ لأنَّه قَبَضَه بحُكْمِ الوَصِيَّةِ الصَّحيحَةِ، والأمْرُ في تَعْجِيزِه إلى الوَرَثَةِ؛ لأنَّ الحَقَّ يَثْبُتُ لهم بتَعْجِيزِه ويَصِيرُ عبدًا لهم، فكانت الخِيَرَةُ في ذلك إليهم، وتَبْطُلُ وَصِيَّة المُوصَى له بتَعْجِيزِه. وإن وَصَّى بمالِ الكِتابةِ للمساكِينِ، ووَصَّى إلى مَن يقْبضُه ويُفَرِّقُه بينَهم، صَحَّ، ومتى سَلَّمَ المال إلى الوصِيِّ بَرِيء وعَتَقَ. وإن أبرَأه منه لم يَبْرأ؛ لأنَّ الحَقَّ لغيرِه. فإن دَفَعَه المُكاتَبُ إلى المساكِينِ لم يَبْرأ منه ولم يَعْتِقْ؛ لأنَّ التَّعْيِينَ إلى الوَصِيِّ دُونَه. وإن وَصَّى بدَفْعِ المالِ إلى غُرَمائِه، تَعَيَّنَ القَضَاءُ منه، كما لو وَصَّى به عَطيَّةً لهم، فإن كان إنَّما وَصَّى بقَضاءِ دُيُونِه مُطْلَقًا، كان على المُكاتَب أن يَجْمَعَ بينَ الوَرَثَةِ والوَصِيِّ بقَضَاءِ الدَّينِ، ويدْفَعَه إليهم بحَضْرَتِه؛ لأَنَّ المال للوَرَثَةِ، ولهم قَضاءُ الدَّينِ منه ومِن غيرِه، وللوَصِيِّ في قَضَاءِ الدَّينِ حَقٌّ؛ لأن له مَنْعَهم مِن التَّصرُّفِ في التَّرِكَةِ قبلَ قَضاءِ الدَّينِ.
فصل: إذا مات رجلٌ وخَلَّفَ ابْنَين وعَبْدًا، فادَّعَى العبدُ أنَّ سَيدَه كاتَبَه، فصَدَّقاه، ثَبَتتِ الكِتابَةُ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما. وإن أنْكَراه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكانت له بَيَنةٌ، ثَبَتَتِ الكِتابَةُ، وعَتَقَ بالأداءِ إليهما. وإن عَجَزَ، فلهما رَدُّه إلى الرِّقِّ. وإن لم يُعَجِّزاه، وصَبَرا عليه، لم يَمْلِكِ الفَسْخَ. وإن عَجَّزَه أحَدُهما، وأبى الآخَرُ تَعْجِيزَه، بَقِيَ نِصْفُه على الكِتابةِ، ورَقَّ النِّصْفُ الآخَرُ. فإن لم تكُنْ له بَيَنة، فالقولُ قولُهما مع أيمانِهما؛ لأنَّ الأصْلَ بَقاءُ الرِّق وعَدَمُ الكِتابَةِ، وتكونُ أيمانُهما على نَفْي العِلْمِ؛ لأنَّها يَمِينٌ على نَفْي فِعْلِ الغيرِ، فإن حَلَفا ثَبَتَ رِقُّه، وإن نَكَلَا قُضِيَ عليهما، أو رُدَّتِ اليَمِينُ عليه عندَ مَنِ يَرَى رَدَّها، فيَحْلِفُ العبدُ وتَثْبُتُ الكِتابَة. وإن حَلَفَ أحَدُهما ونَكَلَ الآخرُ، قُضِيَ برِقِّ نِصْفِه وكِتابةِ نِصْفِه. وإن صَدَّقَه أحَدُهما وكَذَّبَه الآخرُ، ثَبَتَتِ الكِتابَةُ في نِصْفِه، وعليه البَينةُ في نِصْفِه الآخَرِ، فإن لم تكُنْ بَيَنةٌ، وحَلَفَ المُنْكِرُ، صارَ نِصْفُه مُكاتَبًا ونِصْفُه رَقيقًا قِنًّا. فإن شَهِدَ المُقِرُّ على أخِيه، قُبِلَتْ شَهادَتُه؛ لأنَّه لا يَجُرُّ إلى نَفْسِه نَفْعًا، ولا يَدْفَعُ عنها ضَرَرًا، فإن كان معه شاهِدٌ آخَرُ، كَمَلَتِ الشَّهادَةُ، وثَبَتَتِ الكِتابَةُ في جَمِيعِه. وإن لم يَشْهَدْ غَيرُه، فهل يَحْلِفُ العبدُ معه؟ على رِوايَتَين. وإن لم يكُنْ عَدْلًا، أو لم يَحْلِفِ العَبْدُ معه، وحَلَف المُنْكِرُ، كان نِصْفُه مُكاتبًا ونِصْفُه رَقِيقًا، ويكونُ كَسْبُه بينَه وبينَ المُنْكِرِ نِصْفَين، ونَفَقَتُه مِن كَسْبِه؛ لأنَّها على نَفْسِه وعلى مالكِ نِصْفِه، فإنْ لم يَكُنْ له كَسْبٌ، كان على المُنْكِرِ نِصْفُ نفقتِه، ثم إنِ اتَّفَقَ هو ومالِكُ نِصْفِه على المُهايأةِ مياوَمَةً (1)، أو مُشَاهَرَةً، أو كيفَما كان، جاز، فإن طَلَبَ
(1) في الأصل: «موايمة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحَدُهما ذلك وامْتَنَعَ الآخَرُ، أُجْبِرَ عليها، في ظاهِرِ كلام أحمدَ. وهو قولُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّ المَنافِعَ مُشْتَرَكَةٌ بينَهما، فإذا أراد أحَدُهما حِيازَةَ نَصِيبِه مِن غيرِ ضَرَرٍ لَزِمَ الآخَرَ إجَابَتُه، كالأعْيانِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يُجْبَرَ. وهو قولُ الشافعيِّ؛ لأنَّ المُهايأةَ تَأخِيرُ حَقِّهِ الحالِّ، لكونِ المَنافِع في هذا اليومِ مُشْتَرَكَةً بينَهما، فلا تَجِبُ الإِجابةُ إليه، كتَأخِيرِ دَينه الحال. فإنِ اقْتَسَما الكَسْبَ مُناصَفَةً أو مُهايأة، جازَ، فإن لم يَفِ بأداءِ نُجُومِه، فللمُقِرِّ رَدُّه في الرِّقِّ، وما في يَدِه له خاصَّةً؛ لأنَّ المُنْكِرَ قد أخَذَ حَقَّه مِن الكَسْبِ. وإنِ اخْتَلَفَ المُنْكِرُ والمُقِرُّ فيما في يَدِ المُكاتَبِ، فقال المُنكرُ: هذا كان في يَدِه قبلَ دَعْوَى الكِتابَةِ -أو- كَسَبَه في حياةِ أبِينا. وأنْكر ذلك المُقِرُّ، فالقولُ قولُه مع يَمينه؛ لأنَّ المُدَّعِيَ يَدَّعِي كَسْبَه في وَقْتٍ الأصْلُ عَدَمُه فيه، ولأنَّه لو اخْتَلَفَ هو والمُكاتَبُ في ذلك، كان القَوْلُ قول المُكاتَبِ، فكذلك مَنِ يقومُ مَقامَه. وإن أدَّى الكِتابَةَ، عَتَقَ نَصِيبُ المُقِرِّ خاصَّةً، ولم يَسْرِ إلى نصِيبِ شَرِيكِه؛ لأنَّه (1) لم يُباشِرِ العِتْقَ، ولم يُنْسَبْ إليه، وإنَّما كان السَّبَبُ (2) من أبِيه، وهذا حَاكٍ (3) عن أبِيه مُقِرٌّ بفِعْلِه، فهو كالشاهدِ، ولأنَّ المُقِرَّ يَزْعُمُ أنَّ نَصِيبَ أخِيه حُرٌّ أيضًا؛ لأنَّه قَد قَبَضَ مِن العَبْدِ مثلَ ما قَبَضَ، فقد حَصَلَ أداءُ مالِ الكِتابَةِ
(1) بعده في الأصل: «له» .
(2)
في الأصل: «النسب» .
(3)
في الأصل: «خال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إليهما جميعًا (1)، فعَتَقَ كلُّه بذلك، ووَلاءُ النِّصْفِ للمُقِرِّ؛ لأنَّ أخاه لا يَدَّعِيه، والمُقِرُّ يَدَّعِي أنَّه كلُّه عَتَقَ بالكِتابَةِ وهذا الوَلاءُ الذي على هذا النِّصْفِ نصِيبِي (2) مِن الوَلاءِ. وقال أصحابُ الشافعي: في ذلك وَجْهانِ. أحدُهما، كقَوْلِنا. والثاني، أنَّ الوَلاءَ بينَ الابْنَين؛ لأنَّه يَثْبُتُ لمَوْرُوثِهما، فكان لهما بالمِيرَاثِ. قال شيخُنا (3): والصَّحيحُ ما قُلْناه؛ لما ذَكَرْنا، ولا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الوَلاءِ للأب واخْتِصاصُ أحَدِ الابنَين به، كما لو ادَّعَى أحَدُهما دَينًا لأبِيه على إنْسانٍ، وأَنْكَرَه الآخَرُ، فإنَّ المُدَّعِيَ يَأخذ نَصِيبَه مِن الدَّينِ ويَخْتَصُّ به دُونَ أخِيه، وإن كان يَرِثُه عن الأبِ، وكذلك (4) لو ادَّعَياه مَعًا، وأقاما به شاهِدًا واحدًا، فحلَفَ أحَدُهما مع الشاهِدِ، وأبَى الآخَرُ. فإن أعْتَقَ أحَدُهما حِصَّتَه، عَتَقَ، وسَرَى إلى باقِيه إن كان مُوسِرًا. هذا قولُ الخِرَقِيِّ؛ لقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أعْتَقَ شِرْكًا لَهُ في عَبْدٍ، وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ العَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيهِ قِيمَةَ العَدْلِ، وأعْطى شُرَكَاءَه حِصَصَهُمْ» (5). ولأنَّه مُوسِرٌ عَتَقَ نَصِيبُه مِن عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، فسَرَى إلى باقِيه، كغيرِ المُكاتَبِ. وقال أبو بكر، والقاضي: لا يَعْتِقُ إلَّا حِصتُه؛ لأنَّه إنْ كان المُعْتِقُ المُقِرَّ، فهو مُنَفِّذٌ، وإن كان
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «من نصيبي» .
(3)
في: المغني 14/ 475.
(4)
في م: «لذلك» .
(5)
تقدم تخريجه في 15/ 259.