الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا قال لعَبْدِه: إن لم أضْرِبْك عَشَرَةَ أسْواطٍ فأنت حُرٌّ. ولم يَنْو وَقْتًا بعَينِه، لم يَعْتِقْ حتى يموت، وإن باعَه قبلَ ذلك صَحَّ بَيعُه، ولم يُفْسَخْ، في قولِ أكْثرِ أهلِ العِلْمِ. وقال مالكٌ: ليس له بَيعُهُ، فإن باعَهُ فُسِخ البَيعُ. ولَنا، أنَّه باعَه قبلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، فلم يُفسَخْ، كما لو قال: إن دَخَلْتَ الدّارَ فأنت حُرٌّ. وباعَه قبلَ دُخولِها.
2933 - مسألة: وإذا عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِه بشَرْطٍ، كقَوْلِه: إن أدَّيتَ إليَّ ألْفًا فأنت حرٌّ. أو: إن دَخَلْتَ الدّارَ فأنت حُرٌّ. فهي صِفَةٌ لازِمَةٌ، ألْزَمَها نَفْسَه (ولا يَمْلِكُ إبْطالها بالقَوْلِ)
قِياسًا على النَّذْرِ، ولذلك إنِ اتَّفَقَ السَّيِّدُ والعَبْدُ على إبْطالِها لم تَبْطُلُ؛ لذلك. ولو أبْرَأَهُ السَّيِّدُ مِن الألْفِ لم يَعْتِقْ بذلك، ولم يَبْطُلَ التَّعْلِيقُ؛ لأنَّه لا حَقَّ له في ذِمَّتِه يُبْرِئه منه.
فصل: ولا يَعْتِقُ قبلَ وُجُودِ الصِّفَةِ بكَمالِها، [كالجُعْلِ في الجَعالةِ](1)، فلو قال لعَبْدِه: إذا أدَّيتَ إليَّ ألْفًا فأنت حُرٌّ. لم يَعْتِقْ حتى يُؤَدِّيَ الألْفَ جَميعَها. وذَكَرَ القاضي أنَّ مِن أصْلِنا أنَّ العِتْقَ المُعَلَّقَ بصِفَةٍ يوجَدُ بوُجُودِ بَعْضِها، كما لو قال: أنت حُرٌّ إن أكَلْتَ رَغيفًا. فأكَلَ نِصْفَه. ولا يَصِحُّ ذلك لوُجُوهٍ؛ أحَدُها، أنَّ أداءَ الألفِ شَرْطُ العِتْقِ، وشُرُوطُ الأحْكامِ يُعْتَبَرُ وُجُودُها بكمالِها لثُبُوتِ الأحْكامِ، وتَنْتَفِي بانْتِفائِها، كسائِرِ شرُوطِ الأحْكامِ. الثاني، أنَّه إذا عَلَّقَه عَلى
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَصْفٍ ذِي عَدَدٍ، فالعَدَدُ وَصْفٌ في الشَّرْطِ، ومَن عَلَّقَ الحُكْمَ علِى شرطٍ ذي وَصْفٍ، لم يَثْبُتْ ما لم تُوجَدِ الصِّفَةُ، كقَوْلِه لعَبْدِه: إن خرَجْتَ عارِيًا فأنت حُرٌّ. فخَرَجَ لابِسًا، لم يَعْتِقْ، فكذلك العَدَدُ. الثّالِثُ، أنَّه متى كان في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ على الكُلّ، لم يَحْنَثْ بفِعْلِ البَعْضِ، كما لو حَلَف: لا صَلَّيتُ صلاةً. أو: لا صُمْتُ صِيامًا. لم يَحْنَثْ حتىِ يَفرَغَ ممّا يُسَمَّى صلاةً ويَصُومَ يومًا. ولو قال لامْرَأتِه: إن حِضْتِ حَيضَةً فأنتِ طالِقٌ. لم تَطْلُقْ حتى تَطْهُرَ مِن الحَيضَةِ. وذِكْرُ الألْفِ ههُنا يَدُلُّ على أنَّه أرادَ ألْفًا كامِلَةً. الرّابعُ، أنَّ الأصْلَ الذي ذَكَرَه، فيما إذا قال: إذا أكَلْتَ رَغِيفًا فأنت حُرٌّ. أنَّه يَعْتِقُ بأكْلِ بَعْضِه، مَمْنُوعٌ. وإنَّما إذا حَلَف لا يَفْعَلُ شَيئًا، فَفَعَلَ بَعْضَه، يَحْنَثُ، في رِوايَةٍ، في مَوْضِعٍ يَحْتَمِلُ إرادَةَ البَعْضِ ويَتناوَلُه اللَّفْظُ، كَمن حَلَف لا يصَلِّي، فشَرَعَ في الصَّلاةِ، أو لا يَصُومُ، فشَرَعَ في الصَّومِ، أو لا يَشْرَبُ مَاءَ هذا الإِناءِ، فشَرِبَ بَعْضَه. ونحوَ هذا؛ لأنَّ الشّارِعَ في الصلاةِ والصيامِ قد صَلَّى وصامَ ذلك الجُزْءَ الذي شَرَع فيه، والقَدْرَ الذي شَرِبَه مِن الإِناءِ هو ماءُ الإِناءِ، وقَرِينَةُ حالِه تَقْتَضِي المَنْعَ مِن الكُلِّ، فتَقْتَضِي الامْتِناعَ مِن الكُلِّ، ومتى فَعَل البَعْضَ فما امْتَنَعَ مِن الكُلِّ، فحنِثَ؛ لذلك. ولو حَلَف على فِعْلِ شيءٍ لم يَبَرَّ إلَّا بفِعْلِ الجَمِيعِ. وفي مَسْألَتِنا، تَعْلِيقُ الحُرِّيَّةِ على أداءِ الألْفِ يَقْتَضِي وُجُودَ أدائِها، فلا يَثْبُتُ الحُكْمُ المُعَلَّقُ عليها دُونَ أدائِها، كمَن حَلَف ليُؤَدِّيَنَّ ألْفًا، لا يَبَرُّ حتى يؤُدِّيَها. الخامِسُ، أنَّ موضوعَ الشَّرْطِ في الكِتابِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والسُّنَّةِ وأحْكامِ الشريعَةِ، على أنَّه لا يَثْبُتُ المَشْرُوطُ بدُونِ شَرْطِه، كقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَال: لَا إِلَهَ إلا اللهُ. دَخَلَ الْجَنَّةَ» (1). فَلَو قال بعضَها لم يَسْتَحِقَّ إلَّا العُقُوبَةَ. وقَوْلِه: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيتَةً فَهِيَ لَهُ» (2). لا تكونُ له بشُرُوعِه في الإِحْياءِ. ولو قال في المُسابَقَةِ: مَن سَبَق إلى خَمْسِ إصاباتٍ فهو سابِقٌ. لم يَكُنْ سابقًا إذا سَبَق إلى أرْبَعٍ. ولو قال: مَن رَدَّ ضالَّتِي فله دِينَارٌ. لم يَسْتَحِقَّه بالشُّرُوعِ في رَدِّها. فكيف يخالِفُ موضوعاتِ الشَّرْعِ واللُّغَةِ بغيرِ دَلِيلٍ؟ وإنَّما الرِّوايَةُ التي جاءت عن أحمدَ في الأيمانِ، في مَن حَلَف أن لا يَفْعَلَ شيئًا، ففَعَلَ بَعْضَه، يَحْنَثُ؛ لأنَّ اليَمِينَ على التَّرْكِ يُقْصَدُ بها المَنْعُ، فنُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ النَّهْي، والنَّهْيُ عن فِعْلِ شَيءٍ يَقْتَضِي المَنْعَ مِن بَعْضِه، بخِلافِ تَعْلِيقِ المَشْرُوط (3) على الشَّرْطِ.
فصل: وما يَكْتَسِبُه العَبْدُ قبلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فهو لسَيِّدِه، لأنَّه لم يُوجَدْ عَقْدٌ يَمْنَعُ كَوْنَ كَسْبِه لسَيِّدِه، إلَّا أنَّه إذا عَلَّقَ عِتْقَه على أداءِ مالٍ معلومٍ،
(1) أخرجه البخاري، في: باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله، من كتاب الجنائز، وفي: باب الثياب البيض، من كتاب اللباس، وفي: باب من أجاب بلبيك وسعديك، من كتاب الاستئذان، وفي: باب المكثرون هم المقلون، وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«ما أحب أن في مثل أحد ذهبا» ، من كتاب الرقاق، وفي: باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري 2/ 89، 90، 7/ 193، 192، 8/ 75، 117، 118، 9/ 174. ومسلم، في: باب من مات لا يشرك. . . .، من كتاب الإيمان، وفي: باب الترغيب في الصدقة، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 1/ 94، 95، 2/ 688، 689. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 152، 159، 161، 166.
(2)
تقدم تخريجه في 16/ 75.
(3)
في الأصل: «الشروط» .