الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا وَلَدَتِ الْمُدَبَّرَةُ بَعْدَ تَدْبِيرِهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا، وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا مِنْ قَبْلِ التَّدْبِيرِ.
ــ
وهذا مذهبُ الشافعيِّ، إلَّا أنَّ عَوْدَ الصِّفَةِ بعدَ الشِّراءِ له فيه قولان. والصَّحِيحُ أنَّ الصِّفَةَ تَعُودُ بِعَوْدِه إلى مِلْكِه؛ لأنَّ التَّدْبِيرَ وُجِدَ فيه التَّعْلِيقُ بصِفَةٍ (1)، فلا يَزُولُ حُكْمُ التَّعْلِيقِ بوُجُودِ مَعْنى الوَصِيِّةِ فيه، بل هو جامِعٌ للأمْرَين (2)، وغيرُ مُمْتَنِعٍ وُجُودُ الحُكْمِ بسَبَبَين، فيَثْبُتُ حُكْمُهما فيه.
2967 - مسألة: (ومَا ولدتِ المُدَبَّرَةُ بعدَ تَدْبيرِها فهو بمَنْزِلَتِها، ولا يَتْبَعُها وَلَدُها مِن قبلِ التَّدْبِيرِ)
وجملةُ ذلك، أنَّ الولدَ الحادِثَ مِن المُدَبَّرَةِ بعدَ تَدْبِيرِها لا يَخْلُو مِن حالينِ؛ أحَدُهما، أن يكونَ مَوْجودًا حال تَدْبِيرِها، ويُعْلَمُ ذلك بأن تَأتِيَ به لأقَلَّ مِن سِتَّةِ أشْهرٍ مِن حينِ
(1) في الأصل: «نصفه» .
(2)
في م: «لأمرين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّدْبِيرِ، فهذا يَدْخُلُ معها في التَّدْبيرِ بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّه كعُضْوٍ مِن أعْضَائِها، فإن بَطَلَ التَّدْبِيرُ في الأَمِّ لِبَيعٍ أو مَوْتٍ، أو رُجُوعٍ بالقولِ، لم يَبْطُلْ في الوَلَدِ؛ لأنَّه ثَبَتَ أصْلًا. الحالُ الثاني، أن تَحْمِلَ به بعدَ التَّدْبِيرِ، فهذا يَتْبَعُ أمَّهُ في التَّدْبِيرِ، ويكونُ حُكْمُه حُكْمَها في العِتْقِ بمَوتِ سَيِّدِها، في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ. رُوِيَ ذلك عن ابنِ مسعودٍ (1)، وابنِ عمرَ. وبه قال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والحسنُ، والقاسمُ، ومجاهدٌ، والشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ، وعمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، والزُّهْرِيُّ، ومالكٌ، والثَّوْرِيُّ، والحسنُ بنُ صالحٍ، وأصحابُ الرَّأي. وذكَرَ القاضي أنَّ حَنْبَلًا نَقَلَ عن أحمدَ، أنَّ وَلدَ المُدَبَّرَةِ عبدٌ إذا لم يَشْرُطِ المَوْلَى. قال: فظاهِرُ هذا أنَّه لا يَتْبَعُها، ولا يَعْتِقُ بمَوتِ سَيدِها. وهذا قولُ جابرِ بنِ زيدٍ، وعطاءٍ. وللشافعيِّ قوْلان كالمَذْهَبَين؛ أحَدُهما، لا يَتْبَعُها. وهو اخْتِيارُ المُزَنِيِّ؛ لأنَّ عِتْقَها مُعَلَّقٌ بصِفَةٍ، ثَبَتَ بقولِ المُعْتِقِ وَحْدَه، فأشْبَهَتْ مَن عُلِّقَ عِتْقُها بدُخولِ الدارِ. قال جابرُ بنُ زيدٍ: إنَّما هو بمَنْزِلةِ الحائطِ تَصَدَّقْتَ به إذا مِتَّ، فإنَّ ثَمَرَتَه لك ما عِشْتَ. ولأنَّ التدبيرَ
(1) أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب في ولد المدبرة. . . .، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف 6/ 165.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَصِيَّةٌ، وولدُ المُوصَى بها قبلَ الموتِ لسيدِها. ولَنا، ما رُوِيَ عن عمرَ، وابنِ عمرَ، وجابرٍ (1)، أنَّهم قالوا: ولَدُ المُدَبَّرَةِ بمَنْزِلَتِها. ولم نَعْرِفْ لهم في الصحابةِ مُخَالفًا، فكان إجْماعًا، ولأنَّ الأمَّ اسْتَحَقَّتِ الحُرِّيةَ بموتِ سَيدِها، فيَتْبَعُها ولَدُها، كأُمِّ الولدِ. ويُفارِقُ التَّعْلِيقَ بصِفَةٍ في الحياةِ، والوَصِيَّةَ؛ لأنَّ التَّدْبِيرَ آكَدُ مِن كلِّ واحدٍ منهما؛ لأنَّه اجْتَمَعَ فيه الأمرانِ (2)، وما وُجِدَ فيه سببان آكَدُ ممَّا وُجِدَ فيه أحَدُهما، ولذلك لا يَبْطُلُ بالمَوْتِ، ولا بالرُّجُوعِ عنه. فعلى هذا، إن بَطَلَ التَّدْبِيرُ في الأُمِّ لمعنًى اخْتَصَّ بها مِن بَيعٍ، أو مَوْتٍ، أو رُجُوعٍ، لم يَبْطُلْ في وَلَدِها، ويَعْتِقُ بمَوتِ سَيدِها، كما لو كانت أمُّه باقِيَةً على التَّدْبِيرِ. فإن لم يَتَّسِع الثُّلُثُ لهما جميعًا أُقْرِعَ بينَهما، فأيُّهما خَرَجَتِ القُرْعَةُ له عَتَق إنِ احْتَمَلَه الثُّلُثُ، وإلَّا عَتَقَ منه بقَدْرِ الثُّلُثِ. وإن فَضَلَ مِن الثُّلُثِ بعدَ عِتْقِه شيءٌ كُمِّلَ مِن الآخَرِ، كما لو دَبَّرَ عَبْدًا و (3) أمَةً معًا.
(1) أخرجه عن جابر وابن عمر، البيهقي، في: باب ما جاء في ولد المدبرة. . . .، من كتاب المدبر. السنن الكبرى 10/ 315. وعن ابن عمر، عبد الرزاق، في: باب أولاد المدبرة، من كتاب المدبر. المصنف 9/ 144.
(2)
في م: «الأحرار» .
(3)
في م: «أو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأمَّا الولدُ الذي وُجِدَ قبلَ التَّدْبِيرِ، فلا يَتْبَعُها؛ لأنَّه لا يَتْبَعُ في العِتْقِ المُنْجَزِ، ولا في حُكْمِ الاسْتِيلادِ، ولا في الكِتابةِ، فلأنْ (1) لا يَتْبَعَ في التَّدْبيرِ أوْلى، فإنَّ المَيمُونِيَّ قال: قلتُ لأحمدَ: ما كان مِن ولَدِ المُدَبَّرَةِ قبلَ أَن تُدَبَّرَ. [قال: لا](2) يَتْبَعُها مِن ولَدِها ما كان قبلَ ذلك، إنَّما يَتْبَعُها
(1) في م: «فأن» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما كان بعدَ ما دُبِّرَتْ. وذَكَر أبو الخَطَّابِ رِوايةً أُخْرَى، أنَّه يَتْبَعُها في التَّدْبِيرِ، كالموْلودِ (1) بعدَه؛ لأنَّ حَنْبَلًا قال: سَمِعْت عَمِّي يقولُ في الرجلِ يُدَبِّرُ الجارِيَةَ ولها ولَدٌ، قال: ولَدُها معها. قال شيخُنا (2): وهذا بَعِيدٌ، والظاهِرُ أنَّ أحمدَ إنَّما أراد وَلَدَها بعدَ التَّدْبِيرِ، على ما صَرَّحَ به في غيرِ هذه الرِّوايةِ، فإنَّ ولدَها لا يَتْبَعُها في شيءٍ مِن (3) الأسْبابِ التي تَنْقُلُ المِلْكَ في الرِّقَبَةِ، مِن البَيعِ، والهِبَةِ، والوَقْفِ، ولا يَتْبَعُها في الاسْتِيلادِ الذي هو آكَدُ مِن التَّدْبِيرِ، فلأنْ (4) لا يَتْبَعَها في التَّدْبِيرِ أوْلَى.
فصل: فأمّا ولَدُ المُدَبَّرِ، فحُكْمُه حُكْمُ أمِّه، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه. وهو قولُ ابنِ عمرَ، وعطاءٍ، والزُّهْرِيِّ، والأوْزاعِيِّ، واللَّيثِ؛ لأنَّ الولَدَ يَتْبَعُ الأمَّ في الرِّقِّ والحُرِّيةِ. فإن تَسَرَّى المُدَبَّرُ بإذنِ سَيِّدِه فوُلدَ له،
(1) في م: «كالموجود» .
(2)
في: المغني 14/ 426.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
في م: «فأن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فرُوِي عن أحمدَ، أنَّهم يَتْبَعُونَه في التَّدْبِيرِ. ورُوِيَ ذلك عن مالكٍ. وهو أحدُ الوَجْهَين لأصْحاب الشافعيِّ؛ لأنَّ إباحةَ التَّسَرِّي تَنْبَني على ثُبوتِ المِلْكِ، ووَلَدُ الحُرِّ مِن أَمَتِه يَتْبَعُه في الحُرِّيةِ دُونَ أُمَّه، كذلك ولدُ المُدَبَّرِ مِن (1) أمَتِه يَتْبَعُه دُونَها، ولأنَّه وَلَدُ مَن يَسْتَحِقُّ الحُرِّيَّةَ مِن أمَتِه، فيَتْبَعُه في ذلك، كولدِ المُكاتَبِ مِن أمَتِه.
فصل: وإذا وَلَدَتِ المُدَبَّرَةُ، فرَجَعَ في تَدْبِيرِها، وقُلْنا بصِحَّةِ الرُّجُوعِ، لم يَتْبَعْها ولدُها؛ لأنَّ الولدَ المُنْفَصِلَ لا يَتْبَعُ في الحُرِّيةِ ولا في التَّدْبِيرِ، ففي الرُّجوعِ أوْلَى. وإن رَجَع في [تدبيرِه وحدَه جاز؛ لأنَّه إذا جاز الرُّجُوعُ في الأمِّ المباشَرةِ بالتَّدْبِيرِ، ففي غيرِها أوْلَى. فإن رجَع في](2) تدبيرِهما، جاز، كما لو دَبَّرَها وابنَها (3) المُنْفَصِلَ. وإن دَبَّرَها حامِلًا، ثم رَجَع في تَدْبِيرِها حال حَمْلِها، لم يَتْبَعْها الولَدُ في الرُّجُوعِ؛ لأنَّ التَّدْبِيرَ إعْتاقٌ، والإعْتاقُ مَبْنِيٌّ على التَّغْلِيبِ والسِّرايةِ، والرُّجُوعُ عنه
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «ابنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعَكْس ذلك، فلم يَتْبَعْ الولَدُ فيه. وهذا كما لو وُلِدَ له تَوْأمان، فأقَرَّ بأحَدِهما، لحِقاه جميعًا، وإن نَفَى (1) أحَدَهُما، لم يَنْتَفِ الآخَرُ، وإن رَجَعَ في أحدِهما دُونَ الآخَرِ، جاز. وإن دَبَّرَ الولَدَ دُونَ أمِّه، أو الأمَّ دُونَ ولدِها، جاز؛ لأنَّه يجوزُ أن يُعْتِقَ كلَّ واحدٍ منهما دُونَ صاحِبِه، فجَوازُ أن يُدَبِّرَ أحَدَهما دُونَ صاحِبِه أوْلَى، ولأنَّه تَعْلِيقٌ للعِتْقِ بصِفَةٍ، فجاز في أحَدِهما دُونَ الآخَرِ، كالتَّعْلِيقِ بدُخُولِ الدارِ. وإن دَبَّرَ أمَتَه ثم قال: إن دَخَلْتِ الدارَ فقد رَجَعْتُ في تَدْبيرِي. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ الرجوعَ لا يَصِحُّ تَعْلِيقُه بصِفَةٍ (2). وإن قال: كلَّما ولَدْتِ وَلَدًا فقد رَجَعْتُ في تدبِيرِه. لم يَصِحَّ؛ لذلك.
فصل: إذا اخْتَلَفتِ المدَبَّرَةُ ووَرَثَةُ سيدِها في ولَدِها، فقالت: ولَدْتُهم بعدَ تَدْبِيرِي، فعَتَقُوا مَعِي. وقال الوَرَثَةُ: بل ولدتِيهم (3) قبلَ تَدْبِيرِكِ، فهم مَمْلُوكُون لنا. فالقولُ قولُ الوَرَثَةِ مع أْيمانِهم؛ لأنَّ الأصْلَ بقاءُ رِقِّهم
(1) في الأصل: «بقى» .
(2)
في الأصل: «نصفه» .
(3)
في م: «ولدتهم» .