الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيرِهِ، ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلًا، عَتَقَ الْجَنِينُ، وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ. وَعَنْهُ، تَصِيرُ.
ــ
3044 - مسألة: (وإن أصابها في مِلْكِ غيرِه بنِكاحٍ أو غيرِه، ثم مَلَكَها حَامِلًا، عَتَقَ الجَنِينُ، ولم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ)
له (وعنه، تَصِيرُ) وسَواءٌ مَلَكَها حامِلًا فوَلَدَت في مِلْكِه، أو مَلَكَها بعدَ ولادَتِها. وبه قال الشافعيُّ؛ لأنَّها عَلِقَت منه بمَمْلوكٍ، فلم يثْبُتْ لها حكمُ الاسْتِيلادِ، كما لو زَنَى بها ثم اشْتَراها؛ لأنَّ الأصْلَ (1) الرِّقُّ، وإنَّما خولِفَ هذا الأصْلُ فيما إذا حَمَلَت منه في مِلْكِه، بقولِ الصَّحابَةِ، رضي الله عنهم، ففيما عَداهُ يَبْقَى على الأصْلِ. ونَقَلَ ابنُ أبي موسى عن أحمدَ، أنَّها تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ في الحالين. وهو قولُ الحسنِ، وأبي حنيفةَ؛ لأنَّها أُمُّ وَلَدِه، وهو مالِكٌ لها، فيثْبُتُ لها حُكْمُ الاسْتِيلادِ، كما لو حَمَلَتْ في مِلْكِه. قال شيخُنا (2): ولم أجِدْ هذه الرِّوايةَ عن أحمدَ فيما إذا مَلَكَها بعدَ ولادَتِها، إنَّما نُقِلَ عنه التَّوقُّف عنها، في رِوايةِ مُهَنَّا، فقال: لا أقُولُ فيها شيئًا.
(1) بعده في م: «بقاء» .
(2)
في: المغني 14/ 589.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وصَرَّحَ في رِوايَةِ سِواه بجَوازِ بَيعِها، فقال: لا أرَى بَأْسًا أن يبِيعَها، إنَّما الحسنُ وَحْدَه قال: إنَّها أُمُّ وَلَدٍ. وقال: أكثرُ ما سَمِعْنا فيه مِن التَّابِعين يقولون: إنَّها لا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ حتى تَلِدَ عندَه وهو يَمْلِكُها. كان عَبِيدَةُ السَّلْمانِيُّ يقولُ ببَيعِها، وشُرَيحٌ، وإبراهيمُ، والشَّعْبِيُّ (1). أمَّا إذا مَلَكَها حامِلًا، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّها تصِيرُ أُمَّ ولدٍ. وهو مذهبُ مالكٍ؛ لأنَّها وَلَدَت منه في مِلْكِه، فأشْبَهَ ما لو أحْبَلَها في مِلْكِه. وقد صَرَّحَ أحمدُ في رِوايَةِ إسْحاقَ بنِ منصورٍ، أنَّها لا تكونُ أُمَّ ولدٍ حتى تُحْدِث عندَه حَمْلًا. وروَى عنه ابنُه صالحٌ، قال: سألتُ أبي عن الرجلِ يَنْكِحُ الأمَةَ فتَلِدُ منه، ثم يَبْتاعُها. قال: لا تكونُ أُمَّ ولدٍ له. قُلْتُ: فإنِ اشْتَراها وهي حامِلٌ منه. قال: إذا كان الوَطْءُ يَزِيدُ في الولدِ، وكان يَطَؤُها بعد ما اشْتَرَاها وهي حامِلٌ، كانتْ أُمَّ ولدٍ له. قال ابنُ حامِدٍ: إنْ وطِئَها في ابْتداءِ حَمْلِها أو بواسِطَةٍ، صارت له بذلك أُمَّ ولدٍ؛ لأنَّ الماءَ يَزِيدُ في سَمْعِ
(1) في الأصل: «وعامر والشعبي» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الولدِ وبَصَرِه. وقال القاضي: إن مَلَكَها حامِلًا، فلم يَطَأْها حتى وَضَعَت، لم تَصِرْ أُمَّ ولدٍ، وإن وَطِئَها حال حَمْلِها، نَظَرْنا؛ فإن كان بعدَ أن كَمَلَ الولَدُ، وصارَ له خَمْسَةُ أشْهُرٍ، لم تَصِرْ بذلك أُمَّ ولدٍ، وإن وَطِئَها قبلَ ذلك، صارَت له بذلك أُمَّ ولدٍ؛ لأنَّ عمرَ قال: أبعدَ ما اخْتَلَطَتْ دِماؤُكم ودماؤُهُنَّ، ولُحومُكُم ولُحومُهنَّ، بِعْتُمُوهُنَّ (1)! فعلَّلَ بالمُخالطَةِ، والمُخالطَةُ ههُنا حاصِلَةٌ؛ لأنَّ الماءَ يَزِيدُ في الولدِ، ولأن لحُريَّةِ البَعْضِ أثَرًا في تَحْرِيرِ الجميعِ، بدليلِ ما لو أعْتَقَ أحَدُ الشَّرِيكَين نَصِيبَه مِن العبدِ. وقال أبو الخَطَّابِ: إن وَطِئَها بعدَ الشِّراءِ فهي أُمُّ وَلَدٍ. وكلامُ الخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أن لا تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ، إلَّا أن تَحْبَلَ منه في مِلْكِه. وهو الذي رَواه إسحاقُ بنُ منصورٍ عن أحمدَ. وهو ظاهِرُ المذهبِ؛ لأنَّها لم تَعْلَقْ منه (2) بحُرٍّ، فلم يثْبُت له حكمُ الاسْتِيلادِ، كما لو زَنَى بها ثم اشْتَراها، ولأنَّ حَمْلَها منه إذا لم يُفِدِ الحُرِّيةَ لوَلَدِها، فلَأن لا يُفِيدَها الحُرِّيةَ أوْلَى. ويفارِقُ هذا ما إذا حَمَلَت منه في مِلْكِه، فإنَّ الولدَ حُرٌّ،
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 7/ 296، 297. وسعيد بن منصور، في: سننه 2/ 61.
(2)
في الأصل: «به» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَتتَحَرَّرُ (1) بتَحْرِيرِه. وما ذَكَرُوه مِن أنَّ الوَلَدَ يَزِيدُ فيه الوَطْءُ، غيرُ مُسْتَيقَنٍ، فلا يثْبُتُ الحكمُ بالشَّكِّ، ولو ثَبَتَ أنَّه زاد، لم يثْبُتِ الحكمُ بهذه الزِّيادَةِ، بدليلِ ما لو مَلَكَها وهي حامِلٌ منه مِن زِنَى أو مِن غيرِه، فوَطِئَها، لم تَصِرْ أُمَّ وَلدٍ وإن زادَ الولَدُ به. ولأنَّ حُكْمَ الاسْتِيلادِ إنَّما ثَبَتَ بالإِجْماعِ في حَقِّ مَن حَمَلَتْ منه في مِلْكِه، وما عَداه ليس في مَعْناه، وليس فيه نَصٌّ ولا إجْماعٌ، فوجَبَ أن لا يثْبُتَ هذا الحكمُ. ولأنَّ الأصْلَ الرِّقُّ، فتَبْقَى على ما كانت عليه.
فصل: قال أحمدُ، في مَن اشْتَرَى جارِيَةً حامِلًا مِن غيرِه، فوَطِئَها قبلَ وَضْعِها: فإنَّ الولدَ لا يَلْحَقُ بالمُشْتَرِي، ولا يَبِيعُه، لكنْ يُعْتِقُه، لأنَّه قد شَرِكَ فيه؛ لأنَّ الماءَ يَزِيدُ في الولدِ. وقد رُوِيَ عن أبي الدَّرْداءِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه مَرَّ بامرأةٍ مُجِحٍّ (2) على بابِ فُسْطاطٍ، فقال:«لَعَلَّهُ يُرِيدُ أن يُلِمَّ بهَا؟» . قالوا: نَعَم. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ ألْعَنَه لَعْنًا يَدْخُل مَعَهُ قَبْرَه، كَيفَ يُوَرِّثُه وهو لا يَحِلُّ له؟ أمْ كَيفَ يَسْتَخْدِمُه وَهُوَ لا يَحِلُّ له؟» . رَواه أبو داودَ (3). يعني أنَّه إنِ
(1) في م: «فتحرر» .
(2)
المجح: في الحامل التي عظم بطنها، قريبة الولادة.
(3)
في: باب وطء السبايا، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 497.كما أخرجه مسلم، في: باب تحريم وطء الحامل المسبية، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1065، 1066. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 446.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسْتَلْحَقَه وشَرِكَه في مِيرَاثِه لم يَحِلَّ لهِ؛ لأنَّه ليس بولدِه، وإنِ اتَّخَذَه مَمْلُوكًا يَسْتَخْدِمُه لم يَحِلَّ له؛ لأنَّه قد شَرِكَ فيه؛ لكَوْنِ الماءِ يَزِيدُ في الولدِ.
فصل: إذا وَطِئَ الرَّجُلُ جارِيَةَ وَلَدِه، فإن كان قد تَمَلَّكَها وقَبَضَها، ولم يكُنِ الولدُ وَطِئَها، ولا تَعَلَّقَتْ بها حاجَتُه، فقد ملَكَها الأبُ بذلك وصارَتْ جاريَتَه، والحكمُ فيها كما لو اشْتَرَاها. وإنْ وَطِئَها قبلَ تَمَلُّكِها، فقد فَعَلَ مُحَرَّمًا؛ لقولِ اللهِ تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (1). وهذه ليست زَوْجَتَه ولا مِلْكَ يَمِينِه. فإن قيلَ: فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ ومَالُكَ لأبِيكَ» (2). فأضافَ مال الابنِ إلى أبِيه بلام المِلْكِ والاسْتِحْقاقِ، فيَدُلُّ على أنَّه مِلْكُه. قُلْنا: لم يُرِدِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حَقيقَةَ المِلْكِ، بدليلِ أنَّه أضاف إليه الولدَ، وليس بمَمْلُوكٍ، وأضافَ إليه ماله في حالِ إضافَتِه إلى الولدِ، ولا يكونُ الشيءُ مِلْكًا لمالِكَين حَقِيقَةً، بدليلِ أنَّه يَحِلّ له وَطْءُ إمائِه،
(1) سورة المؤمنون 5 - 7، والمعارج 29 - 31.
(2)
تقدم تخريجه في 7/ 94، 17/ 106.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والتَّصَرُّفُ في مالِه، وصِحَّةُ بَيعِه وهِبَتِه وعِتْقِه، ولأنَّ الولَد لو مات لم يَرِثْ أبُوه منه إلَّا ما قُدِّرَ له، ولو كان ماله لاخْتَصَّ به، ولو مات الأبُ لم يَرِثْ ورَثتُه مال ابْنِه (1)، ولا يجبُ على الأبِ حَجٌّ ولا زَكاةٌ ولا جِهادٌ بيَسارِ ابنِه، فعُلِمَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما أراد التَّجَوُّزَ بتَشبِيهِه بمالِه في بعضِ أحْكامِه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه لا حَدَّ على الأبِ؛ للشُّبْهَةِ؛ لأنَّه إذا لم يَثْبُتْ له حقيقةُ المِلْكِ، فلا أقَلَّ مِن أن يكونَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الحَدَّ، فإنَّ الحَدَّ يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، ولكن يُعَزَّرُ؛ لأنَّه وَطِيء وَطْئًا مُحَرَّمًا، فأشْبَهَ وَطْءَ الجارِيَةِ المُشْتَرَكَةِ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه لا يُعَزَّرُ؛ لأنَّ مال ولَدِه كما لِه. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ ماله مُباحٌ له، غيرُ مَلُوم عليه، بخِلافِ وَطْءِ الأبِ، فإنَّه عادٍ فيه مَلُومٌ عليه. فإن عَلِقَتْ منه، فالولدُ حُرٌّ؛ لأنَّه مِن وَطْءٍ دُرِئَ فيه الحَدُّ لِشُبْهَةِ المِلْكِ، فكان حُرًّا، كولدِ الجارِيَةِ المُشْتَرَكَةِ، ولا تَلْزَمُه قِيمَتُه؛ لأنَّ الجارِيَةَ تَصِيرُ مِلْكًا له بالوَطْءِ، فيَحْصُلُ عُلوقُها بالولدِ وهي مِلْكُه، وتَصِيرُ أُمَّ ولدٍ له، تَعْتِقُ بمَوْتِه وتَنْتَقِلُ إلى مِلْكِه، فيَحِلُّ له وَطْؤُها بعدَ ذلك. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ، في أحَدِ قولَيه. وقال في الآخَرِ: لا تَصِيرُ أُمَّ ولَدٍ له،
(1) في الأصل: «أبيه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يَمْلِكُها؛ لأنَّه اسْتَوْلَدَها في غيرِ مِلْكِه، فأشْبَهَ الأجْنَبِيَّ، ولأنَّ ثُبوتَ أحْكامِ الاسْتِيلادِ إنَّما كان بالإِجْماعِ فيما إذا اسْتَوْلَدَ مَمْلُوكَتَه، وهذه ليستْ [مَمْلوكةً له](1)، ولا في مَعْنَى مَمْلوكَتِه؛ لأنَّها مُحَرَّمَةٌ عليه، فوجَبَ أن لا يثْبُتَ لها هذا الحكمُ؛ لأنَّ الأصْلَ الرِّقُّ، فيَبْقَى على الأصلِ، ولأنَّ الوَطْءَ المُحَرَّمَ لا يَنْبَغِي أن يكونَ سَبَبًا للمِلْكِ الذي هو نِعْمَةٌ وكَرَامَةٌ؛ لأنَّه يُفْضِي إلى تَعاطِي المُحَرَّماتِ. ولَنا، أنَّها عَلِقَتْ منه بحُرٍّ لأجْلِ المِلْكِ، فصارَتْ أُمَّ ولدٍ له، كالجارِيَةِ المُشْتَرَكَةِ، وبهذا فارَقَ وَطْءَ الأجْنَبِيِّ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه لا يَلْزَمُه مَهْرُها ولا قِيمَتُها. وقال أبو حنيفةَ: لا يَلْزَمُه مهرُها، وتَلْزَمُه قِيمَتُها؛ لأنَّه أخْرَجَها عنِ مِلْكِ سيدِها بفِعْلٍ مُحَرَّم، أشْبَهَ ما لو قَتَلَها، وإنَّما لم يَلْزَمْه مَهْرُها؛ لأنه إذا ضَمِنَها فقد دَخَلَتْ قِيمةُ البُضْعِ في ضَمانِها، فلم يَضْمَنْه ثانيًا، كما لو قَطَعَ يَدَها فسَرَى القَطْعُ إلى نَفْسِها فإنَّه يضْمَنُ قِيمةَ النَّفْسِ دُونَ قِيمَةِ اليَدِ. وقال الشافعيُّ: يَلْزَمُه مَهْرُها؛ لأنَّه وَطِئَ جارِيَةَ غيرِه وَطْئًا مُحَرَّمًا، فلَزِمَه مَهْرُها، كالأجْنَبِيِّ، وتَلْزَمُه قِيمَتُها، على القولِ بكَونِها أمَّ ولدٍ، كما يَلْزَمُ
(1) في م: «مملوكته» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحَدَ الشَّرِيكَين قيمةُ (1) نَصِيبِ شَرِيكِه إذا اسْتَوْلَدَ الجاريَةَ المُشْتَرَكَةَ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أنْتَ ومَالُكَ لأبِيكَ» . ولأنَّه لا يَلْزَمُه قِيمَةُ ولدِها، فلم يَلْزَمْه مَهْرُها ولا قِيمَتُها، كمَمْلُوكَتِه، ولأنَّه وَطْءٌ صارتْ به المَوْطُوءَةُ أُمَّ ولدٍ لأمْرٍ لا يَخْتَصُّ ببَعْضِها، فأشْبَهَ اسْتِيلادَ مَمْلُوكَتِه.
فصل: فإن كان الابنُ قد وَطِئَ جارِيَتَه، ثم وَطِئَها أبوه فأوْلَدَها؛ فقد رُوِيَ عن أحمدَ في مَن وَقَعَ على جارِيَةِ ابنِه: إن كان الأبُ قَابِضًا لها، ولم يكُنْ الابنُ وَطِئها، فهي أُمُّ ولَدِه، فليس للابنِ فيها شيءٌ. قال القاضي: فظاهِرُ هذا، أنَّ الابنَ إن كان قَدْ وَطِئَها، لم تَصِرْ أمَّ ولدٍ للأبِ باسْتِيلادِها؛ لأنَّها تَحْرُمُ عليه تحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بوَطْءِ ابْنِه لها (1)، ولا تَحِلُّ له بحالٍ، فأشْبَهَ وَطْءَ الأجْنَبِيِّ. فعلى هذا القولِ، لا يَمْلِكُها، ولا تَعْتِق
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمَوْتِه. فأمَّا ولدُها، فيَعْتِقُ على أخِيه؛ لأنَّه ذو رَحِمِه. [ويَحْتَمِلُ أن يَثْبُتَ لها حُكْمُ الاستيلادِ مِن غيرِ أن تَحِلَّ له](1)، كما لو اسْتَوْلَدَ مَمْلُوكَتَه التي وَطِئَها ابنُه، فإنَّها تَصِيرُ أُمَّ ولدٍ له مع تحْرِيمِها عليه على التَّأْبِيدِ، فكذلك ههُنا؛ لأنَّه وَطْءٌ يُدْرَأُ فيه الحَدُّ بشُبْهَةِ المِلْكِ، فصارَتْ به أُمَّ ولدٍ، كما لو لم يطَأَها الابنُ.
فصل: فإن وَطِئَ الابنُ جارِيَةَ أبِيه فهو زانٍ، عليه الحَدُّ إذا كان عالمًا بالتَّحْرِيمِ، ولا تَصِيرُ أُمَّ ولدٍ له، ويَلْزَمُه مَهْرُها، ويَعْتِقُ ولَدُه على جَدِّه؛ لأنَّه ابنُ ابنِه، إذا قُلْنا: إنَّ ولدَ الزِّنى يَعْتِقُ على أبِيه. وتَحْرُمُ الجارِيَةُ على الأبِ على التَّأْبِيدِ، ولا تَجبُ قِيمَتُها على الابنِ؛ لأنَّه لم يُخرِجْها عن مِلْكِ أبِيه، ولم يَمْنَعْه بَيعَها ولا التَّصَرُّفَ فيها بغيرِ الاسْتِمتاعِ. فإنِ اسْتَوْلَدَها الأبُ بعدَ ذلك فقد فَعَلَ مُحَرَّمًا، ولا حَدَّ عليه؛ لأنَّه وَطْءٌ صادَفَ مِلْكًا، وتَصِيرُ أُمَّ ولَدٍ له؛ لأنَّه اسْتَوْلَدَ مَمْلوكَتَه، فأشْبَهَ ما لو وَطِئَ أمَتَه المَرْهُونَةَ.
فصل: فإن وَطِئَ أمَتَه وهي مُزَوَّجَةٌ، فقد فَعَلَ مُحَرَّمًا، ولا حَدَّ عليه؛ لأنَّها مَمْلوكَتُه، ويُعَزَّرُ. قال أحمدُ: يُجْلَدُ، ولا يُرْجَمُ. يعني
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه يُعَزَّرُ بالجَلْدِ؛ لأنَّه لو وَجَبَ عليه الحَدُّ، لوَجَبَ الرَّجْمُ إذا كان مُحْصَنًا. فإن أوْلَدَها صارَتْ أُمَّ ولدٍ له؛ لأنَّه اسْتَوْلَدَ مَمْلُوكَتَه، وتَعْتِقُ بمَوْتِه، وولدُه حُرٌّ، وما وَلَدَت بعدَ ذلك مِن الزَّوْجِ فحُكْمُه حكمُ أُمِّه.
فصل: ولو مَلَكَ رَجُلٌ أُمَّه مِن الرَّضاعِ، أو أُخْتَه، أو ابْنَتَه، لم يَحِلَّ له وَطْؤُها. فإن وَطِئَها فلا حَدَّ عليه، في أصَحِّ الرِّوايَتَين؛ لأنَّها مَمْلوكَتُه، ويُعَزَّرُ. وإنْ وَلَدَتْ منه فالوَلَدُ حُرٌّ، ونَسَبُه لاحِقٌ به، وهي أُمُّ وَلَدِه. وكذلك (1) لو مَلَكَ أمَةً مَجُوسِيَّةً، أو وَثَنِيَّةً، فاسْتَوْلَدَها، أو مَلَكَ الكافِرُ أمةً مُسْلِمَةً فاسْتَوْلَدَها، فلا حَدَّ عليه، ويعَزَّرُ، ويَلْحَقُه نسَبُ وَلَدِه، وتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ له (2)، تَعْتِقُ بمَوْتِه؛ لِما ذَكَرْنا. وكذلك لو وَطِئَ أمَتَه المَرْهُونَةَ، أو وَطِئَ رَبُّ المالِ أمَةً مِن مالِ المُضارَبَةِ فأوْلَدَها، صارَتْ له بذلك أُمَّ ولدٍ، وخرجت مِن الرَّهْنِ والمُضارَبَةِ، [وتَنْفَسِخُ المُضارَبةُ به فيها](3)، وإن كان فيها رِبْحٌ جُعِلَ الرِّبْحُ في مالِ المُضارَبَةِ، وعليه قِيمَتُها. للمُرْتَهِنِ، تُجْعَلُ مَكانَها رَهْنًا، أو يُوَفيه عن دَينِ الرَّهْنِ. واللهُ أعلمُ.
(1) في م: «لذلك» .
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: م.