الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَعْتِقْ إلا نَصِيبُهُ، وَيَبْقَى حَقُّ شَرِيكِهِ فِيهِ. وَعَنْهُ، يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ غَيرَ مَشْقُوقٍ عَلَيهِ.
ــ
2923 - مسألة: (وإن كان مُعْسِرًا لم يَعْتِقْ إلَّا نصِيبُه، وبَقِيَ حَقُّ شَريكِه فيه. وعنه، يَعْتِقُ كُلُّه، ويُسْتَسْعَى العَبْدُ في قِيمَةِ باقِيه غيرَ مَشْقوقٍ عليه)
ظاهِرُ المَذْهَبِ أنَّ المُعْسِرَ إذا أعْتَقَ نَصِيبَه مِن العَبْدِ، اسْتَقَرَّ فيه العِتْقُ، ولم يَسْرِ إلى نَصِيبِ شَريكِه، بل يَبْقَى على الرِّقِّ، فإذا أعْتَقَ شَريكُه، عَتَق عليه نَصيبُه. وهذا قولُ إسحاقَ، وأبي عُبَيدٍ، وابنِ المُنْذِرِ، وداودَ، وابنِ جريرٍ. وهو قولُ مالكٍ، والشافعيِّ، على ما بَيَّنّاه فيما مَضَى. ورُوِيَ عن عُرْوَةَ، أنَّه اشْتَرَى عَبْدًا أُعْتِقَ نِصفه، فكان عُرْوَةُ يُشاهِرُه؛ شهْرَ عَبْدٍ وشَهْرَ حُرٍّ. ورُوِيَ عن أحمدَ، أنَّ المُعْتِقَ إذا أعْتَقَ نَصِيبَه اسْتُسْعِيَ العَبْدُ في قِيمَةِ باقِيه حتى يُؤَدِّيَها، فيَعْتِقَ. وهو قولُ ابنِ شُبْرُمَةَ، وابنِ أبي لَيلَى، والأوْزاعِيِّ، وأبي يُوسُفَ، ومحمدٍ؛ لِما روَى أبو هُرَيرَةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَعَلَيهِ أنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وإلَّا اسْتُسْعِيَ العَبْدُ غَيرَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَشْقُوقٍ عَلَيهِ». مُتَّفَقٌ عليه، ورَواه أبو داودَ (1). قال ابنُ أبي لَيلَى، وابنُ شُبْرُمَةَ: فإذا اسْتُسْعِيَ في نِصْفِ قِيمَتِه، ثم أيسَرَ مُعْتِقُه، رَجَع عليه بنِصْفِ القِيمَةِ؛ لأنَّه هو ألْجأه إلى هذا وكَلَّفَه إيّاه. وعن أبي يُوسُفَ، ومحمدٍ، أنَّهما قالا: يَعْتِقُ جَمِيعُه، وتكونُ قِيمَةُ نَصيبِ الشَّرِيكِ في ذِمَّتِه؛ لأنَّ العِتْقَ لا يَتَبَعَّضُ، فإذا وُجِد في البَعْضِ سَرَى إلى جَمِيعِه، كالطَّلاقِ، وتَلْزَمُ المُعْتِقَ القِيمَةُ؛ لأنَّه المُتْلِفُ لنَصِيبِ صاحِبِه بإعْتاقِه، فوجَبَت قِيمَتُه في ذِمَّتِه، كما لو أتْلَفَه. وقال أبو حنيفةَ: لا يَسْرِي فيه العِتْقُ، وإنَّما يُسْتَحَقُّ به إعْتاقُ النَّصيبِ الباقِي، فيُخَيَّرُ شَرِيكُه بينَ إعْتاقِ نَصيبِه، ويكونُ الوَلاءُ بَينَهما، وبينَ أنَّ يُسْتَسْعَى العَبْدُ في قِيمَةِ نَصيبِه فإذا أدّاه إليه عَتَق، والوَلاءُ بَينَهما. ولَنا، حَدِيثُ ابنِ عُمَرَ (2)، وهو حديث (3) صحيحٌ ثابِتٌ عندَ جَميعِ العُلَماءِ بالحَدِيثِ، ولأنَّ الاسْتِسْعاءَ إعْتاقٌ بعِوَضٍ، فلم يُجْبَرْ عليه، كالكِتابَةِ، ولأنَّ في الاسْتِسْعاءِ إضرارًا بالشَّرِيكِ
(1) أخرجه البخاري، في: باب تقويم الأشياء بين الشركاء. . . .، وباب الشركة في الرقيق، من كتاب الشركة، وفي: باب إذا أعتق نصيبا في عبد. . . .، من كتاب العتق. صحيح البخاري 3/ 182، 185، 190. ومسلم، في: باب ذكر سعاية العبد، من كتاب العتق. صحيح مسلم 2/ 1141. وأبو داود، في: باب من ذكر السعاية في هذا الحديث، من كتاب العتق. سنن أبي داود 2/ 349.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب من أعتق شركا له في عبد، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه 2/ 844. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 255، 426، 472.
(2)
تقدم تخريجه في 15/ 259. وتقدم في صفحات 44، 45.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والعَبْدِ؛ أمّا الشَّرِيكُ فإنّا نُحيلُه على سِعايَةٍ قد لا يَحْصُلُ منها (1) شيءٌ أصْلًا، وإن حَصَل، فالظّاهِرُ أنَّه يكون مُتَفَرِّقًا، ويَفُوتُ عليه مِلْكُه. وأمّا العَبْدُ، فإنَّه يُجْبِرُه على سِعايَةٍ لم يُرِدْها وكَسْبٍ لم يَختَرْه، وهذا ضَرَر في حَقِّهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا ضَرَرَ وَلَا إِضْرَارَ (2)» . وقال سليمانُ بنُ حَرْبٍ: أليس الزِمَ (3) المُعْتِقُ ثَمَنَ ما بَقِيَ مِن العَبْدِ، لئَلَّا يَدْخُلَ على شَريكِه ضَرَرٌ، فإذا أمَروه بالسَّعْي، وإعْطائِه كُلَّ شهرٍ دِرْهَمَين، ولم يَقْدِرْ على تَمَلُّكِه، فأيُّ ضَرَرٍ أعْظَمُ مِن ذلك!. فأمّا حديثُ الاسْتِسْعاءِ، فقال الأثْرَمُ: ذَكَرَه سليمانُ بنُ حَرْبٍ، فطَعَنَ فيه وضَعَّفَه. وقال أبو عبدِ اللهِ: ليس في الاسْتِسْعاءِ ثَبَت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حَديثُ أبي هريرةَ يَرْويه ابنُ أبي عَرُوبَةَ، وأمّا شُعْبَةُ (4)، وهشامٌ الدَّسْتُوائِي فلم يَذْكُراه (5). وحدَّث به مَعْمَر، ولم يَذْكُرْ فيه السِّعايَةَ. قال أبو داودَ: وهَمّامٌ أيضًا لا يقُولُه. قال المرُّوذِيُّ: وضَعَّفَ أبو عبدِ اللهِ حديثَ سعيدٍ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: لا يَصِحُّ حديثُ الاسْتِسْعاءِ. وذَكَر هَمّامٌ أنَّ ذِكْرَ الاسْتِسْعاءِ مِن فُتْيا قَتادَةَ، وفرَّقَ بينَ الكلامِ الذي هو مِن قولِ رسولِ اللهِ
(1) في الأصل: «منهما» .
(2)
في م: «ضرار» .
والحديث تقدم تخريجه في 6/ 368.
(3)
في الأصل: «له إلزام» .
(4)
في الأصل: «سعيد» .
(5)
في النسخ: «يذكره» . وانظر المغني 14/ 359.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم وقولِ قَتادَةَ. قال بعدَ ذلك: فكان قَتادَةُ يقولُ:. إن لم يَكُنْ له مَالٌ اسْتُسْعِيَ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ (1): حديثُ أبي هُرَيرَةَ يَدورُ على قَتادَةَ، وقد اتَّفَقَ شُعْبَةُ وهِشامٌ وهَمّامٌ على تَرْكِ ذِكْرِه، وهم الحُجَّةُ في قَتادَةَ، والقولُ قَوْلُهم فيه عندَ جميعِ أهلِ العلمِ بالحديثِ (2) إذا خالفَهم غيرُهم. فأمّا قولُ أبي حنيفةَ، وقولُ صاحِبَيه الأخير، فلا شيءَ معهم يَحْتَجُّون به مِن حديثٍ قَويٍّ ولا ضَعيفٍ، بل هو مُجَرَّدُ رَأْي وتَحَكُّم يُخالِفُ الحَدِيثَين جَميعًا. قال ابن عبدِ البَرِّ (3): لم يَقُلْ أبو حنيفةَ وزُفَرُ بحديثِ ابنِ عُمَرَ، ولا بحديثِ أبي هُرَيرَةَ على وَجْهِه. وكلُّ قولٍ خالفَ السُّنَّةَ، فمَرْدُودٌ على قائِلِه. واللهُ المُسْتَعانُ (4).
فصل: وإذا قُلْنا بالسِّعايَةِ، احْتَمَلَ أنَّ يَعْتِقَ كُلُّه وتكونَ القِيمَةُ في ذِمَّةِ العَبْدِ دَينًا يَسْعَى في أدائِها، وتكونَ أحْكامُه أحكامَ الأحْرارِ، فإن مات وفي يَدِه مالٌ، كان لسَيِّدِه بَقِيَّةُ السِّعايَةِ، وباقِي مالِه مَوْرُوثٌ، ولا يَرْجِعُ العَبْدُ على أحَدٍ. وهو قولُ أبي يُوسُفَ، ومحمدٍ. ويَحْتَمِلُ أنَّ لا يَعْتِقَ حتى يُؤَدِّيَ السِّعايَةَ، فيكونَ حُكْمُه قبلَ أدائِها حُكْمَ مَن بَعْضُه رَقِيقٌ، إن مات فللشَّرِيكِ الذي لم يَعْتِقْ مِن مالِه مِثْلُ مأ يكونُ له، على قولِ مَن لم يَقُلْ بالسِّعايَةِ؛ لأنَّه إعْتاقٌ بأداءِ مالٍ، فلم يَعْتِقْ قبلَ أدائِه، كالمُكاتَبِ. وقال
(1) في: التمهيد 14/ 276، والاستذكار 23/ 120.
(2)
سقط من: م.
(3)
في: الاستذكار 23/ 124.
(4)
أورد ابن حجر أحاديث الاستسعاء وطرقها وكلام العلماء عليها بتفصيل. فتح الباري 5/ 156 - 160.