الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تَصِحُّ إلا عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ، مُنَجَّمٍ، نَجْمَينِ فَصَاعِدًا،
ــ
الكِتابَة، فثَبَتَتْ عندَ تَمامِه، كسائِرِ أحْكامِه. ولأنَّ الكِتابَةَ عَقْدٌ وُضِعَ للعِتْقِ، فلم يَحْتَجْ إلى لَفْظِ العِتْقِ ولا نِيَّتِه، كالتَّدْبِيرِ. وما ذَكَرُوه من اسْتِعمالِ الكتابةِ في المُخارَجةِ، إن ثَبَتَ فليس بمَشْهُورٍ، فلم يَمْنَعْ وُقوعَ الحُرِّية به، كسائِرِ الألْفاظِ الصَّريحةِ، على أنَّ اللَّفْظَ المُحْتَمِلَ يَنْصَرِف بالقرائِنِ إلى أحَدِ مُحْتَمِلَيه، كلَفْظِ التَّدْبِيرِ؛ فإنَّه يَحْتَمِلُ التَّدْبيِرَ في مَعاشِه، وغيرِه، وهو صَرِيحٌ في الحُرِّيةِ، كذلك هذا.
2982 - مسألة: (ولا تَصِحُّ إلَّا على عِوَضٍ مَعْلُوم مُنجَّمٍ، نَجْمَين فصاعدًا)
لا تَصِحُّ إلَّا على عِوَضٍ مَعْلُومٍ؛ لأنَّها عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، أشْبَهَتِ البَيعَ. ولا تَجُوزُ إلَّا مُنَجَّمَةً مُؤَجَّلَةً. هذا ظاهِرُ المذهبِ. وبه قال الشافعيُّ. وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ: تجوزُ حالَّةً؛ لأنَّه عَقْدٌ على عَينٍ، فإذا كان عِوَضُه في الذِّمَّةِ، جازَ أن يكونَ حالَّا، كالبَيعِ. ولَنا، أنَّه قد رُوِيَ عن جماعةٍ مِن الصَّحابةِ أنَّهم عَقَدُوا الكتابةَ، ولم يُنْقَلْ عن واحدٍ منهم عَقْدُها حالَّةً، ولو جازَ ذلك لم يَتَّفقُوا على تَرْكِه. ولأنَّ الكِتابَةَ عَقْدُ معاوضَةٍ يَعْجِزُ عن أداءِ عِوَضِها في الحالِ، فكان مِن شَرْطِها التَّأْجيلُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالسَّلَمِ على أبي حنيفةَ. ولأنَّها عَقْدُ مُعاوَضَةٍ يَلْحَقُه الفَسْخُ، مِن شَرْطِه ذِكْرُ العِوَضِ، فإذا وَقَعَ على وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ فيه العَجْزُ عن العِوَضِ لم يَصِحَّ، كما لو أسْلَمَ في شيءٍ لا يُوجَدُ عندَ مَحِلِّه. ويُفارِقُ البَيعَ؛ لأنَّه لا يَتحَقَّقُ فيه العَجْزُ عن العِوَضِ؛ لأنَّ المُشْتَرِيَ يَمْلِكُ المَبيعَ، والعَبْدَ لا يَملِكُ شيئًا، وما في يَدِه لسيدِه. وفي التَنْجِيمِ، إذا كان أكثَرَ مِن نَجْمٍ، حِكْمَتانِ (1)؛ إحداهُما تَرْجِعُ إلى المُكاتَبِ، وهو التَّخْفِيفُ عليه؛ لأنَّ الأداءَ مُفَرَّقًا أسْهَلُ، ولهذا تُقَسَّطُ الدُّيُونُ على المُعْسِرينَ عادةً، تخْفيفًا عليهِم. والأخْرَى للسيدِ، وهي أنَّ مُدَّةَ الكِتابةِ تَطُولُ غَالِبًا، فلو كانت على نجْمٍ واحدٍ لم يَظْهَرْ عَجْزُه إلَّا في آخِرِ المُدَّةِ، فإذا عَجَزَ عادَ إلى الرِّقِّ، وفاتَتْ مَنافِعُه في مُدَّةِ الكتابةِ كلِّها على السيدِ (2)، مِن غيرِ نَفْعٍ حَصَلَ له. وإذا كانت مُنَجَّمةً نُجُومًا، فعَجَزَ عن النَّجْمِ الأوَّلِ فمُدَّتُه يَسِيرَةٌ، وإن عَجَزَ عمَّا بعدَه فقدَ حَصَلَ للسيدِ نَفْعٌ بما أخَذَ مِن النُّجومِ قبلَ عَجْزِه.
إذا ثَبَتَ ذلك، فأقَلُّه نَجْمان فصاعدًا. وهذا مذهبُ الشافعيِّ. ونُقِلَ عن أحمدَ، أنَّه قال: مِن النَّاس من يقولُ: نَجْمٌ واحدٌ. ومنهم مَن يقولُ: نجْمانِ. ونَجْمانِ أحَبُّ إليَّ (3). وهذا يَحْتَمِلُ أن يكونَ معناه أنِّي أذهَبُ
(1) في الأصل: «حكمنا أن» .
(2)
في م: «سيده» .
(3)
في الأصل: «ولى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى أنَّه لا يجوزُ إلَّا نَجْمانِ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ المُسْتَحَبُّ نَجْمَين، ويجوزُ نَجْمٌ واحدٌ. قال ابنُ أبي موسى: هذا على طريقِ الاخْتِيارِ، وإن جَعَلَ المال كُلَّه في نَجْمٍ واحدٍ جازَ؛ لأنَّه عَقْدٌ يُشْتَرَطُ فيه التَّأْجيلُ، فجازَ أن يكونَ إلى أجلٍ واحدٍ، كالسَّلَمِ، ولأنَّ اعْتِبارَ التَّأْجِيلِ ليتَمَكَّنَ مِن تَسْلِيم العِوَضِ، وهذا يَحْصُلُ بنَجْمٍ واحدٍ. ووَجْهُ الأولِ، ما رُوِيَ عن عليٍّ، رضي الله عنه، أنَّه قال: الكِتابةُ على نجْمَين، والإِيتَاءُ مِن الثَّانِي (1). وهذا يَقْتَضِي أنَّ هذا أقَلُّ ما تجوزُ عليه الكتابةُ؛ لأنَّ أكْثَرَ مِن نجْمَين جائزٌ بالإِجْماعِ. ورُوِيَ عن عثمانَ أنَّه غَضِبَ على عبدٍ له، فقال: لأُعاقِبَنَّكَ، ولأُكاتبَنَّكَ على نجْمَين. ولو جازَ أقَلُّ مِن هذه لعاقَبَه به في الظاهِرِ. وفي حديثِ بَريرَةَ، أنَّها أتَتْ عائشةَ، فقالت: يا أُمَّ المؤمنين، إني كاتَبْتُ أهْلِي على تِسْعِ أواقٍ، في كلِّ عامٍ أُوقِيَّةٌ، فأعِينِيني (2). ولأنَّ الكِتابةَ مُشْتَقّةٌ مِن الضَّمِّ، وهو ضَمُّ نَجْمٍ إلى نجْمٍ، فدَلَّ ذلك على افْتِقارِها إلى نَجْمَين. والأوَّلُ أقْيَسُ.
(1) عزاه ابن حجر في تلخيص الحبير 4/ 217، لابن أبي شيبة، ولم نجده في مصنفه.
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 234، 235.