الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أَعْتَقَهُ شَرِيكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِيهِ عِتْقٌ.
ــ
فصل: ولا فَرْقَ في هذا بينَ أنَّ يكونَ الشركاءُ مسلمين أو كافرين، أو بعضُهم مسلمًا وبعضُهم كافرًا، ذَكَرَه القاضي. وهو قولُ الشافعيِّ. وذَكَر أبو الخَطَّابِ في الكافِرِ وَجْهًا أنَّه إذا أعْتَقَ نَصِيبَه مِن مُسْلِم، أنَّه لا يَسْرِي إلى باقِيه، ولا يُقَوَّمُ عليه؛ لأنَّه لا يَصِحُّ شِراءُ الكافِرِ عبدًا مسلمًا. ولَنا، عُمُومُ الخَبَرِ، ولأنَّ ذلك ثَبَت لإِزالةِ الضَّرَرِ، فاسْتَوَى فيه المسلمُ والكافرُ، كالرَّدّ بالعَيبِ، والغَرَضُ ههُنا تَكْمِيلُ العِتْقِ ودَفْعُ الضَّرَرِ عن الشَّرِيكِ دُون التمْلِيكِ، بخِلافِ الشِّراءِ، ولو قُدِّرَ أنَّ ههُنا تمْلِيكًا، لكان تَقْديرًا في أدْنَى زمانٍ، حَصَل ضَرُورَةَ تحْصيلِ العِتْقِ، لا ضَرَرَ فيه، فإن قُدِّرَ فيه ضَرَرٌ، فهو مَغْمُورٌ بالنّسْبَةِ إلى ما يَحْصُلُ مِن العِتْقِ، فوُجُودُه كالعَدَمِ. وقياسُ هذا على الشِّراءِ غيرُ صحيح؛ لِما بينَهما مِن الفَرْقِ.
2922 - مسألة: (فإن أعْتَقَه الشَّرِيكُ بَعْدَ ذلك)
وقبلِ أخْذِ القِيمَةِ (لم يَثْبُتْ له فيه عِتْقٌ) لأنَّه قد صار حُرًّا بعِتْقِ الأوَّلِ له، لأنَّ عِتْقَه حَصَل باللَّفْظِ، لا بدَفْعِ القِيمَةِ، وصار جميعُه حُرًّا، واسْتَقرَّتِ القِيمَةُ على المُعْتِقِ الأوَّلِ، فلا يَعْتِقُ بعدَ ذلك بعِتْقٍ غيرِه. وبهذا قال ابنُ شُبْرُمَةَ، وابنُ أبي لَيلَى، والثَّوْرِيُّ، وأبو يُوسُف، ومحمدٌ، وإسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ، والشافعيُّ في قولٍ له، اخْتارَه المُزَنيُّ. وقال الزُّهْرِيُّ، وعمرُو بنُ دينارٍ، ومالكٌ، والشافعيُّ في قولٍ: لا يَعْتِقُ إلَّا بدَفْعِ القِيمَةُ، ويكون قَبْلَ ذلك مِلْكًا لصاحِبِه، يَنْفُذُ عِتْقُه فيه، ولا يَنْفُذُ تَصَرُّفه فيه بغيرِ العِتْقِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واحتجُّوا بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «قُوِّمَ عَلَيهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، [فأُعْطِيَ شُرَكَاؤه حِصَصَهم وعَتَق جَمِيعُ العَبْدِ» (1). وفي لفظٍ لأبي داودَ: «فإن كان مُوسِرًا يُقَوَّمُ عليه قِيمَةَ عَدْلٍ] (2)، لا وَكْسَ ولا شَطَطَ، ثمَّ يَعْتِقُ» . فجَعَلَه عتيقًا بعدَ دَفْعِ القِيمَةِ. ولأنَّ العِتْقَ إذا ثَبَت بعِوَض وَرَد الشَّرْعُ به مُطْلَقًا، لم يَعْتِقْ إلَّا بالأداءِ، كالمُكاتَبِ. وللشافعيِّ قَوْلٌ ثالِثٌ، أنَّ العِتْقَ مُراعًى، فإن دَفَع القِيمَةَ تَبَينا أنَّ العِتْقَ كان حَصَل مِن حِينَ أعْتَقَ نصيبَه، وإن لم يَدْفَعِ القِيمَةَ تَبَيَّنّا أنَّه لم يَكُنْ عَتَق، لأنَّ فيه احْتِياطًا لهما جميعًا. ولَنا، حديثُ ابنِ عُمَرَ، فإنَّه رُوِيَ بألفاظٍ مُخْتَلِفَةٍ تَجْتَمِعُ في الدَّلالةِ على الحُرِّيَّةِ باللَّفْظِ، فرَوَى أيُّوبُ (3)، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ أعْتَقَ شِرْكًا لَهُ في عَبْدٍ، فَكَانَ له مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهَ بقِيمَةِ العَدْلِ، فَهُوَ عَتِيقٌ» . رواه أبو دَوُادَ، والنَّسائيُّ. وفي لَفظٍ رَواه ابنُ أبي مُلَيكَةَ، عن نافِع، عن ابنِ عُمَرَ:«فَكَانَ لَهُ مَالٌ، فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ» . وفي رِوايَةِ ابنِ أبي ذِئْبٍ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ:«وكَانَ لِلَّذِي يُعْتِقُ ما يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بقِيمَةِ العَدْلِ، فَهُوَ (4) يَعْتِقُ كُلّه» . وروَى أبو داودَ (5) بإسنادِه عن أبي هرَيرَةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أعْتَقَ شِقْصًا في
(1) هو الحديث المتقدم. وقد تقدم تخريج هذه الألفاظ عند أبي داود.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «أبو أيوب» .
(4)
سقط من: م.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 42، وهذا لفظ مسلم وليس لفظ أبي داود.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَمْلُوكٍ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِه». وهذه نُصوصٌ في مَحَلِّ النِّزاعِ، فإنَّه جَعَلَه حُرًّا وعَتِيقًا بإعْتاقِه، مَشْرُوطًا بكَوْنِه مُوسِرًا. ولأنَّه عِتْق (1) بالسِّرايَةِ، فكانت حاصِلَةً مِن لَفْظِه عَقِيبَه، كما لو أعْتَقَ جُزْءًا مِن عَبْدِه، ولأنَّ القِيمَةَ مُعْتَبَرَة وَقْتَ الإعْتاقِ. ولا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الشَّرِيكِ فيه بغيرِ الإِعْتاقِ. وعندَ الشافعيِّ، لا يَنْفُذُ بالإِعْتاقِ أيضًا، فدَلَّ على أنَّ العِتْقَ حَصَل فيه بالإِعْتاقِ الأوَّلِ. فأمّا حديثُهم، فلا حُجَّةَ لهم فيه، فإنَّ «الواو» لا تَقتَضِي تَرْتِيبًا، وأمّا العَطْفُ بـ «ثُم» في اللَّفْظِ الآخَرِ، فلم يُرِدْ بها التَّرْتِيبَ، فإنَّها قد تَرِدُ لغَيرِ التَّرْتيبِ، كقوْلِه تعالى:{ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} (2). فأمّا العِوَضُ، فإنَّما وَجَب عَنِ المُتْلَفِ بالإِعْتاقِ، بدَلِيلِ اعْتِبارِه بقِيمَتِه حينَ الإِعْتاقِ وعَدَمِ اعْتِبارِ التَّراضِي فيه، ووُجُوب القِيمَةِ مِن غَيرِ وَكْسٍ ولا شَطَطٍ، بخِلافِ الكِتابَةِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الشَّرِيكَ إذا أعْتَقَه بعدَ عِتْقِ الأوَّلِ وقَبْلَ أخْذِ القِيمَةِ لم يَثْبُتْ له فيه عِتْقٌ، ولا له عليه وَلاءٌ، ووَلَاؤُه كُلُّه للمُعْتِقِ الأوَّلِ، وعليه القِيمَةُ؛ لأنَّه قد صار حُرًّا بإعْتاقِه. وعندَ مالكٍ، يكونُ وَلاؤُه بَينَهما على قَدْرِ مِلْكَيهما فيه، ولا شيءَ على المُعْتِقِ الأوَّلِ مِن القِيمَةِ، ولو أنَّ المُعْتِقَ الأوَّلَ لم يُودِّ القِيمَةَ حتى أفْلَسَ، عَتَق الْعَبدُ، وكانتِ القِيمَةُ في ذِمَّتِه دَينًا، يُزاحِمُ بها الشَّرِيكُ عندَنا. وعندَ مالكٍ، لا يَعْتِقُ منه إلَّا ما عَتَق. ولو كان المُعْتَقُ جارِيَةً حامِلًا، فلم يُؤَدِّ
(1) في م: «عتيق» .
(2)
سورة يونس 46.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القِيمَةَ حتى وَضَعَتْ حَمْلَها، فليس على المُعْتِقِ إلَّا قِيمَتُها حينَ أعْتَقَها؛ لأنَّه حينَئِذٍ حَرَّرَها. وعندَ مالكٍ، يُقَوَّمُ وَلَدُها أيضًا، ولو تَلِف (1) العَبْدُ قبلَ أداءِ القِيمَةِ، تَلِف حُرًّا، والقِيمَةُ على المُعْتِقِ؛ لأنَّه فَوَّتَ رِقَّه. وعندَ مالكٍ، لا شيءَ على المُعْتِقِ، وما لم يُقَوَّمْ ويُحْكَمْ بقِيمَتِه، فهو في جَمِيعِ أحْكامِه عَبْدٌ.
فصل: والقِيمَةُ مُعْتَبَرَةٌ حينَ اللَّفْظِ بالعِتْقِ؛ لأنَّه حينُ الإِتْلافَ. وهو قولُ الشافعيِّ على أقوالِه كُلِّها. فإنِ اخْتَلَفا في قَدْرِها (2)، رُجِع إلى قولِ المُقَوِّمِين. فإن كان العَبْدُ قد مات أو غاب، أو تأخَّرَ تَقْويمُه زَمَنًا تختَلِفُ فيه القِيمُ، ولم تكُنْ بَيِّنَةٌ، فالقَوْلُ قولُ المعْتِقِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ للزِّيادَةِ، والأصْلُ بَرَاءَة ذِمَّتِه منها. وهذا أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ. فإنِ اخْتَلَفا في صِناعَةٍ في العَبْدِ توجِبُ زيادَةَ (3) القِيمَةِ، فالقَوْلُ قولُ المُعْتِقِ؛ لذلك، إلَّا أنَّ يكونَ العَبْدُ يُحْسِنُ الصِّناعَةَ في الحالِ، ولم يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ تَعَلمُها فيه، فيكونَ القَوْلُ قَوْلَ الشَّرِيكِ؛ لعِلْمِنا بصدْقِه، وإن مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ حُدُوثُها فيه، ففيه وجهان؛ أحَدُهما، القَوْلُ قولُ المُعْتِقِ؛ لأنَّ الأصْلَ بَراءَةُ ذِمَّتِه. والثاني، القَوْلُ قولُ الشَّرِيكِ؛ لأنَّ الأصْلَ بقاءُ ما كان وعَدَمُ الحُدُوثِ. وإنِ اخْتَلَفَا في عَيبٍ يَنْقُصُ قِيمَتَه؛ كسَرِقَةٍ، أوْ إباق، فالقَوْلُ
(1) في م: «أتلف» .
(2)
في م: «قدره» .
(3)
بعده في م: «في» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قولُ الشَّرِيكِ؛ لأنَّ الأصْلَ السَّلامَةُ، فبالجِهَةِ التي رَجَّحْنَا قولَ المُعْتِقِ في نَفْي الصِّناعَةِ، يُرَجَّحُ قولُ الشَّرِيكِ في نَفْي العَيبِ. وإن كان العَيبُ فيه حال الاخْتِلافِ، واخْتَلَفا في حُدُوثِه، فالقَوْلُ قولُ المُعْتِقِ؛ لأنَّ الأصْلَ بَراءَةُ ذِمَّتِه وبَقاءُ ما كان على ما كان وعَدَمُ حُدُوثِ العَيبِ فيه. ويَحْتَمِلُ أنَّ يكونَ القَوْلُ قَولَ الشَّرِيكِ؛ لأنَّ الأصْلَ بَراءَتُه مِن العَيبِ حينَ الإعْتاقِ.
فصل: والمُعْتَبَرُ في اليسارِ في هذا أنَّ يكونَ له فَضْلٌ عن قُوتِ يومِه ولَيلَتِه، وما يَحْتاجُ إليه مِن حَوائِجِه الأصْلِيَّةِ؛ مِن الكِسْوَةِ، [والمسكنِ](1)، وسائِرِ ما لا بُدَّ منه، ما يَدْفَعُه إلى شَرِيكِه. ذَكَرَه أبو بكرٍ، في «التَّنْبِيهِ» . وإن وُجِد بعضُ ما يَدْفَعُه بالقِيمَةِ، قُوِّمَ عليه قَدْرُ ما يَمْلِكُه (2) منه. ذَكَره أحمدُ، في روايَةِ ابنِ منصورٍ. وهو قولُ مالكٍ. وقال أحمدُ: لا تُبَاعُ فيه دَارٌ ولا رِباعٌ. ومُقْتَضَى هذا أنَّ لا يُباعَ له أصْلُ مالٍ. وقال مالكٌ، والشافعيُّ: يُباعُ عليه سِوارُ بَيته، وما له بالٌ مِن كِسْوَتِه، ويُقْضَى عليه في ذلك كما يُقْضَى عليه في سائِرِ الدَّعاوَى. والمُعْتَبَرُ في ذلك حالُ تَلَفُّظِه بالعِتْقِ؛ لأنَّه حالُ الوجُوبِ، فإن أيسَرَ المُعْسِرُ بعدَ ذلك لم يَسْرِ إعْتاقُه، وإن أعْسَرَ المُوسِرُ لم يَسْقُطْ ما وَجَب عليه؛ لأنَّه وَجَب عليه، فلم [يسْقُطْ بإعْسارِه](3)، كدَينِ الإِتْلافِ. نَصَّ عليه أحمدُ.
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «يمكنه» .
(3)
في الأصل: «يسقطه اعتباره» .