الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا اخْتَلَفُوا بَعْدَ الْأَدَاءِ في قَدْرِ مَا أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي أَدَاءَ قَدْرِ الْوَاجبِ عَلَيهِ.
ــ
سائِرَ الدُّيونِ. وإن كان بإذْنِه، وطلبَ اسْتِيفاءَه، قُدِّمَ على أداءِ مالِ الكتابةِ، كسائِرِ الديونِ. وإن عَجَزَ عن أدائِه فحُكْمُه حكمُ سائِرِ الدُّيونِ. وهذا كلُّه مذهبُ الشافعيِّ.
3029 - مسألة: (وإنِ اخْتَلَفُوا بعدَ الأداءِ في قَدْرِ ما أدَّى كلُّ واحِدٍ منهم، فالقولُ قولُ مَن يَدَّعِي أداءَ قَدْرِ الواجِبِ عليه)
وهذا إذِا أدَّوْا وعَتَقُوا، فقال مَن كَثُرَتْ قِيمَتُه: أدَّينا على قَدْرِ قِيمَتِنا. وقال الآخرُ (1):
(1) في الأصل: «الآخران» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بل أدَّينَا على السَّواءِ، فبَقِيَتْ لنا على الأكْثَرِ بَقِيَّةٌ. فمَن جَعَلَ العِوَضَ بينَهم على عَدَدِهم، قال: القولُ قولُ مَن يدَّعِي التَّسْويَةَ. ومَن جَعَلَ على كلِّ واحِدٍ قَدْرَ حِصَّتِه، فعندَه فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، القولُ قولُ مَن يَدَّعِي التَّسْويَةَ؛ لأنَّ أيدِيَهم على المالِ، فيتَساوَوْن فيه. والثاني، قولُ مَن يدَّعِي أداءَ قَدْرِ الوَاجِبِ عليه، لأنَّ الظاهِرَ أنَّ الإِنسانَ لا يُؤَدِّي إلَّا ما عليه.
فصل: فإن جَنَى بَعْضُهم، فجِنايَتُه عليه دُونَ صاحِبِه. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال مالكٌ: يُؤَدُّون كلُّهم أَرْشَه، فإن عَجَزُوا رقُّوا. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} (1). وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَجْني جَانٍ إلَّا على نَفْسِه» (2). ولأنَّه لو اشتَرَكَ رجلان وتعاقَدا، لم يَحْمِلْ أحَدُهما جِنايَةَ صاحِبِه، فكذا ههُنا، ولأنَّ ما لا يَصِحُّ، لا يَتَضَمَّنُه عَقْدُ الكِتابةِ، ولا يَجِبُ على أحَدِهما بفِعْلِ الآخَرِ، كالقِصاصِ، وقد بَيَّنَّا أنَّ كلَّ واحِدٍ منهما مُكاتَبٌ بقَدْرِ حِصَّتِه، فهو كالمُنْفَرِدِ بعَقْدِه.
فصل: إذا شَرَطَ المُكاتَبُ في كِتابَتِه أن يُوالِيَ مَن شاء، فالشَّرْطُ بَاطِلٌ، والوَلاءُ لِمن أعْتَقَ، لا نَعْلَمُ في بُطْلانِ الشَّرْطِ خِلافًا؛ لمَا رَوَتْ عائشةُ، رضي الله عنها، قالت: كانت في بَرِيرَةَ ثَلاثُ قَضِيَّاتٍ، أراد أهْلُها أن يَبِيعُوها ويَشْتَرِطُوا الوَلاءَ، فذكَرْتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«اشْتَرِيها واشْتَرِطِي لهم الوَلاءَ، فإنَّما الوَلاءُ لمَن أعْتَقَ» . فقامَ رسولُ
(1) سورة الأنعام 164، والإسراء 15، وفاطر 18، والزمر 7.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 314.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللهِ صلى الله عليه وسلم في النَّاسِ، فحَمِدَ الله وأثْنَى عليه، ثم قال:«أمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ أُناسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيسَتْ في كِتابِ اللهِ! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا ليس في كِتابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وإنْ كانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أحَقُّ، وشَرْطُ اللهِ أوْثَقُ، وإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). ولأنَّ الوَلاءَ لا يَصِحُّ نَقْلُه، بدليلِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيعِ الوَلاءِ وهِبَتِه (2). وقال:«إِنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . ولأنَّه لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسَبِ، فلم يَصِحَّ اشْتِراطُه لغيرِ صاحِبِه، كالقَرابةِ، ولأنَّه حكمٌ للعِتْقِ، فلم يصِحَّ اشْتِراطُه لغيرِ (3) المُعْتِقِ، كما لا يَصِحُّ اشْتِراطُ حُكْمِ النِّكاحِ لغيرِ (3) النَّاكِحِ، ولا حُكْمِ البَيعِ لغيرِ العاقِدِ. وسَواءٌ شَرَطَ أنْ يُوَالِيَ مَن شاءَ، أو شَرَطَه لبائِعِه، أو لرجُلٍ آخَرَ بعَينِه. ولا تفْسُدُ الكتابةُ بهذا الشَّرْطِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وقال الشافعيُّ: تفْسُدُ به، كما لو شَرَطَ عِوَضًا مَجْهولًا. ويتَخَرَّجُ لنا مثلُ ذلك، بِناءً على الشُّروطِ الفاسِدَةِ في البَيعِ. ولَنا، حديثُ بَرِيرَةَ، فإنَّ أهْلَها اشْتَرطُوا لهمُ الوَلاءَ، فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بشِرَائِها مع هذا الشَّرْطِ، وقال:«إِنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . ويُفارِق جَهالةَ العِوَضِ، فإنَّه رُكْنُ العَقْدِ، لا يُمْكِنُ تصْحِيحُ العَقْدِ بدُونِه (4)، ورُبَّما أفْضَتْ جَهالتُه إلى التَّنازُعِ والاخْتِلافِ، وهذا شَرْطٌ زائِدٌ، فإذا حَذَفْناه بَقِيَ العَقْدُ
(1) تقدم تخريجه في 11/ 234، 235.
(2)
تقدم تخريجه في 18/ 401.
(3)
في الأصل: «كغير» .
(4)
في م: «إلا به» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَحِيحًا بحالِه. فإن قيلَ: المُرادُ بقولِه عليه السلام: «اشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاءَ» . أي عليهم؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يأْمُرُ بالشَّرْطِ الفاسِدِ، واللَّامُ تُسْتَعْمَلُ بمعنى «على» ، كقولِه تعالى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (1). قُلْنا: لا يَصِحُّ؛ لثلاثَةِ وُجوهٍ؛ أحدُها، أنَّه يُخالفُ، وَضْعَ اللَّفْظِ والاسْتِعمال. والثاني، أنَّ أهْلَ بَرِيرَةَ أبَوْا هذا الشَّرْطَ، فكيفَ يأْمُرُها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بشرطٍ لا يَقْبَلُونَه؟ الثالثُ، أنَّ ثُبُوتَ الوَلاءِ لها لا يَحْتَاجُ إلى شَرْطٍ؛ لأنَّه مُقْتَضَى العِتْقِ وحُكْمُه. ولأنَّ في بَعْضِ الألْفاظِ:«لا يَمْنَعُكِ (2) هذا الشَّرْطُ مِنْهَا، ابْتَاعِي وأعْتِقِي» . وإنَّما أمَرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالشَّرْطِ تَعْرِيفًا لنا أنَّ وُجودَ هذا الشَّرْطِ كعَدَمِه، وأنَّه لا يَنْقُلُ الوَلاءَ عن المُعْتِقِ.
فصل: فإن شَرَطَ السيدُ على المُكاتَبِ أن يَرِثَه دُونَ وَرَثَتِه، أو مُزَاحَمَتَهم في موارِيثِهم، فهو شَرْطٌ فاسِدٌ، في قَوْلِ عامَّةِ العُلَماءِ؛ منهم الحسنُ، وَعطاءٌ، وشُرَيحٌ، وعمرُ بنُ عبدِ العزِيزِ، والنَّخَعِيُّ، وإسحاقُ. وأجازَ إياسُ بنُ مُعاويَةَ أن يَشْرُطَ شَيئًا مِن مِيراثِه. ولا يَصِحُّ، لأنَّه يخالِفُ كتابَ اللهِ، وكُلُّ شَرْطٍ ليس في كتابِ اللهِ تعالى فهو باطِلٌ [بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم] (3). وروَى سعيدٌ: ثنا هُشَيمٌ: ثنا (4) منْصُورٌ، عن ابنِ
(1) سورة الإسراء 7.
(2)
في م «يمعنك» .
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «عن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سِيرِينَ (1)، أنَّ رَجُلًا كاتَبَ مَمْلُوكَهُ واشْتَرَطَ مِيرَاثَه، فلمَّا ماتَ المُكاتَبُ خَاصَمَ ورَثَتَه إلى شُرَيحٍ، فقَضَى شُريحٌ بمِيراثِ المُكاتَبِ لوَرَثَتِه، فقال الرجلُ: ما يُغْنِي شَرْطِي منذُ عِشْرِينٍ سَنَةَ؟ فقال شُرَيحٌ: كتابُ اللهِ أنْزَلَه على نبيِّه قبلَ شَرْطِك بخمْسِينَ سَنَة (2). ولا تَفْسُدُ الكتابةُ بهذا الشَّرْطِ، كالذي قبلَهُ.
فصل: فإن شَرَطَ عليه خِدْمَةً معلومَةً بعدَ العِتْقِ جازَ. وبه قال عَطاءٌ، وابنُ شُبْرُمَةَ. وقال مالكٌ، والزُّهْرِيُّ: لا يَصِحُّ، لأنَّه يُنافِي مُقْتَضَى العَقْدِ، أشْبَهَ ما لو شَرَطَ مِيرَاثَه. ولَنا، أنَّه رُويَ عن عمرَ، رضي الله عنه، أنَّه أعْتَقَ كلَّ مَن يُصَلِّي مِن سَبْي العربِ، وشَرَطَ عليهم، [أنَّهم يَخْدِمُونَ](3) الخليفةَ مِن بَعْدِي ثَلاثَ سَنَواتٍ (4). ولأنَّه اشْتَرَطَ خِدْمَةً في عَقْدِ الكِتابةِ، أشْبَهَ ما لو شَرَطَها قبلَ العِتْقِ، ولأنَّه شَرَطَ نَفْعًا مَعْلُومًا، أشْبَهَ ما لو شَرَطَ عِوَضًا معلومًا، ولا نُسَلِّمُ أنَّه يُنافِي مُقْتَضَى العَقْدِ؛ فإنَّ مُقْتَضَاه العِتْقُ عندَ الأداءِ، وهذا لا يُنافِيه.
(1) بعده في م: «بإسناده» .
(2)
وأخرجه عبد الرزاق، في: باب الشرط على المكاتب، من كتاب المكاتب. المصنف 8/ 378. وذكره وكيع، في: أخبار القضاة 2/ 356.
(3)
في م: «أن تخدموا» .
(4)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 8/ 380، 381.