الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ أنْ يُؤتِيَهُ رُبْعَ مَالِ الْكِتَابَةِ، إِنْ شَاءَ وَضَعَهُ عَنْهُ، وَإنْ شَاءَ قَبَضَهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيهِ.
ــ
فلا فَرْقَ بينَ أن تَرِثَه كلَّه أو تَرِثَ بعضَه؛ لأنَّها إذا مَلَكَتْ منه جُزْءًا انْفَسَخَ النِّكاحُ فيه، فبَطَلَ في باقِيه؛ لأنَّه لا يتَجَزأ (1). فإن كانت لا تَرِثُ أباها لمانِع مِن مَوانِعِ الميراثِ، فنِكاحُها باقٍ بحالِه. والحكْمُ في سائِرِ الوَرَثَةِ مِن النِّساءِ كالحكمِ في البنتِ. وكذلك لو تَزَوَّجَ رجلٌ مُكاتَبَةً، فوَرِثَها أو بعضَها، انْفَسَخَ نِكاحُه؛ لذلك.
3026 - مسألة: (ويَجِبُ على السيدِ أن يُؤْتِيَه رُبْعَ مالِ الكِتابَةِ، إن شاء وَضَعَه عنه، وإن شاء قَبَضَه ثم دَفَعَه إليه)
الكلامُ في الإِيتاءِ في خمسةِ فُصُولٍ: وُجُوبِه، وقَدْرِه، وجِنْسِه، ووَقْتِ جَوازِه، وَوَقْتِ وُجُوبِه.
(1) في م: «ينجز» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصل الأوَّلُ: أنَّه يَجِبُ على السيدِ إيتاءُ المُكاتَبِ شيئًا ممَّا كُوتِبَ عليه. رُوِيَ ذلك عن عليٍّ، رضي الله عنه. وبه قال الشافعيُّ، وإسحاق. وقال بُرَيدَةُ، والحسنُ، والنَّخَعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، ومالكٌ، وأبو حنيفةَ: ليس بواجِبٍ؛ لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فلا يَجبُ فيه الإِيتاءُ، كسائِرِ عُقُودِ المُعاوَضاتِ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (1). وظاهِرُ الأمْرِ الوُجُوبُ. قال عليٌّ، رضي الله عنه: ضَعُوا عنهمِ (2) رُبْعَ مالِ الكِتابَةِ (3). وعن ابنِ عباس، قال: ضَعُوا عنهم مِن مُكاتبَتِهم (4) شيئًا (5). وتُفارِق الكِتابَةُ سائِرَ العُقُودِ، فإنَّ القَصْدَ بها رِفْقُ العبدِ، بخِلافِ غيرِها، ولأنَّ الكِتابَةَ يَسْتَحِقُّ بها الوَلاءَ على العبدِ مع المُعاوَضَةِ، فكذلك يَجِبُ أن يَسْتَحِقَّ العبدُ على السيدِ شيئًا. فإن قِيلَ: المُرادُ بالإِيتاءِ إعْطاؤه سهْمًا مِن الصَّدَقَةِ، والنَّدْبُ إلى التَّصَدُّق عليه، وليس ذلك وَاجِبًا، بدليلِ أنَّ العَقْدَ يُوجِبُ العِوَضَ عليه، فكيف يَقْتَضِي إسْقاطَ شيءٍ منه؛ قُلْنا: أمَّا الأوَّلُ، فإنَّ عَلِيًّا، وابنَ عباس، رَضِيَ الله
(1) سورة النور 33.
(2)
في م: «عنه» .
(3)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 8/ 375، 376. والبيهقي، في السنن الكبرى 10/ 325 مرفوعًا وموقوفا.
(4)
في الأصل: «كابتهم» .
(5)
أخرج البيهقي، في: باب ما جاء في تفسير قوله عز وجل: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ. . . .} ، من كتاب المكاتب. السنن الكبرى 10/ 330.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنهما، فسَّراه بما ذَكرناه، وهما أعْلَمُ بتأويلِ القُرآنِ، وحَمْلُ الأمْرِ على النَّدْبِ يُخالِفُ مُقْتَضَى الأمْرِ، فلا يُصارُ إليه إلَّا بدليلٍ. وقولُهم: إنَّ العَقْدَ يُوجِبُ عليه، فلا يَسْقُطُ عنه. قُلْنا: إنَّما يَجِبُ الرِّفْقُ به عندَ آخِرِ كِتابَتِه، [رفْقًا به](1)، ومُواساةً له، وشكرًا لنِعْمَةِ اللهِ تعالى، كما تَجِبُ الزَّكاةُ مُواساةً مِن النِّعْمَةِ التي أنْعَمَ الله تعالى بها على عَبْدِه. ولأنَّ العَبْدَ وَلِيَ جَمْعَ (2) هذا المالِ وتَعِبَ فيه فاقْتَضَى الحالُ مُواساتَه منه، كما أمَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإطْعام عَبْدِه مِن الطَّعامِ الذي وَلِيَ حَرَّه ودُخَانَه (3). واخْتَصَّ هذا بالوُجُوبِ؛ لأَنَّ فيه مَعُونَةً على العِتْقِ، وإعانَةً لمن يَحِقُّ على اللهِ تعالى عَوْنُه، فإنَّ أبا هُرَيرَةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «جميع» .
(3)
أخرجه البخاري، في: باب الأكل مع الخادم. من كتاب الأطعمة، صحيح البخاري 7/ 106. ومسلم، في: باب إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1284. وأبو داود، في: باب في الخادم يأكل مع المولى، من كتاب الأطعمة. سنن أبي داود 2/ 328، 329. والترمذي، في: باب ما جاء في الأكل مع المملوك والعيال، من أبواب الأطعمة. عارضة الأحوذي 8/ 44. وابن ماجه، في: باب إذا أتاه خادمه بطعامه فليناوله منه، من كتاب الأطعمة. سنن ابن ماجه 2/ 1094. والدارمي، في: باب في إكرام الخادم عند الطعام، من كتاب الأطعمة. سنن الدارمي 2/ 107. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 245، 259، 277، 283، 299، 316، 406، 409، 430، 464، 473.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَعَالى عَوْنُهُم؛ المُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللهِ، والمُكاتَبُ الَّذي يُرِيدُ الأدَاءَ، والنَّاكِحُ الذِى يُرِيدُ العَفَافَ». قال التِّرْمِذِيُّ (1): هذا حَدِيث حَسَنٌ.
الفصل الثاني: في قَدْرِه، وهو الرُّبْعُ. ذَكَرَه الخِرَقِي، وأبو بكر، وغيرُهما مِن أصْحابِنا. رُوِيَ ذلك عن علي، رضي الله عنه. وقال قتادَة: العُشْرُ. وقال الشافعيُّ، وابنُ المُنْذِرِ: يُجْزِئ ما يَقَعُ عليه. الاسْمُ. وهو قولُ مالكٍ، إلَّأ أنَّه عِندَه مُسْتَحَب؛ لقولِ الله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} . و «مِن» للتبعِيضٍ، والقَلِيلُ بعضٌ، فيُكْتَفَى به. وقال ابنُ عباس: ضَعُوا عَنْهم مِن مُكاتبَتِهم شيئًا. ولأنَّه قد ثَبَتَ أنَّ المُكاتَبَ لا يعْتِقُ حتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الكِتابَةِ، بما ذَكَرْنا مِن الأخْبارِ، ولو وَجَبَ إيتاؤه الرُّبْعَ، لوَجَبَ أن يَعْتِقَ إذا أدَّى ثَلاثةَ أرْباعِ الكِتابةِ، ولا يَجِبُ عليه أداءُ مالٍ يجبُ رَدُّه إليه. وقد رُوِيَ عن ابنِ عمرَ، أنَّه كاتَبَ عبْدًا له على خَمْسَةٍ وثلاثينَ ألْفًا، فأخَذَ منه ثلاثين، وتَرَكَ له خَمْسةً (2). ولَنا، ما روَى أبو بكر بإسْنادِه عن علي، رضي الله عنه، عن صلى الله عليه وسلم:
(1) في: باب ما جاء في المجاهد والناكح والمكاتب. . . .، من أبواب فضائل الجهاد. عارضة الأحوذي 7/ 157. كما أخرجه النسائي، في: باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 50. وابن ماجه، في: باب المكاتب، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه 2/ 842. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 251، 437.
(2)
أخرجه البيهقي، في: السنن الكبرى 10/ 330.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} . قال: «رُبْعُ المُكاتَبةِ (1)» (2). ورُوِيَ مَوْقُوفًا على (3) علي، رضي الله عنه. ولأنَّه مالٌ يَجبُ إيتاؤُه مُواساةً بالشرْعِ، فكان مُقَدَّرًا، كالزَّكاةِ، ولأنَّ حِكْمَةَ إيجابِه الرِّفْقُ بالمُكاتَبِ وإعانَتُه على تَحْصِيلِ العِتْقِ، وهذا لا يَحْصُلُ باليَسيرِ الذي هو أقَلُّ ما يَقَعُ عليه الاسْمُ، فلم يَجُزْ أن يكونَ هو الواجبَ، وقولُ الله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} . إذا وَرَدَ غيرَ مُقَدَّرٍ فيه، فإنَّ السنةَ بَيَّنَتْه وقدَّرَته، كالزَّكاةِ.
الفصل الثالث: في جِنْسِه، إن قَبَضَ مال الكِتابةِ، ثم أعْطاه منه، أجْزأ؛ لأنَّ الآيةَ تَقْتَضِيه. وإن وَضَعَ عنه ممَّا وَجَبَ عليه جاز؛ لأنَّ الصَّحابَةَ، رضي الله عنهم، فَسَّرُوا الآيَةَ بذلك، ولأنَّه أْبلَغُ في النَّفْعِ، وأعْوَنُ على حُصُولِ العِتْقِ، فيكونُ أفْضَلَ مِن الإِيتاءِ، وتَدُلُّ الآية عليه مِن طَرِيقِ التنبيهِ. وإن أعْطاه من جِنْسِ مالِ الكتابةِ من غيرِه جاز. ويَحْتَمِلُ أن لا يَلْزمَ المُكاتَبَ قَبُولُه. وهذا ظاهِرُ كلامِ الشافعيِّ؛ لأنَّ الله تعالى أمَرَ بالإِيتاء منه. ولَنا، أنَّه لا فَرْقَ في المعنى بينَ الإِيتاءِ منه والإِيتاءِ
(1) في الأصل: «الكتابة» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 350.
(3)
في م: «عن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من غيرِه، إذا كان مِن جِنْسِه، فوَجَبَ أن يَتَساوَيا في الإِجْزاءِ، كالزَّكاةِ، وغيرُ المَنْصُوصِ إذا كان في مَعْناه الحِقَ به، ولذلك جاز الحَطُّ عنه، وليس هو بإيتاءٍ، لمَّا كان في مَعْناه. وإن آتاه مِن غيرِ جِنْسِه، مثلَ أن يُكاتِبَه على دَراهِمَ، فيُعْطِيَهُ دَنانِيرَ أو عُرُوضًا، لم يَلْزَمْه قَبُوله؛ لأنَّه لم يُؤتِه منه ولا مِن جِنْسِه. ويَحْتَمِلُ اللُّزُومَ، لحصولِ الرِّفْقِ به، فإنْ رَضِيَ المُكاتَبُ بها جازَ.
الفصل الرابع؛ في وَقت جوازِه، وهو مِن حينِ العَقْدِ، [لقولِ اللهِ تعالى] (1):{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيرًا وَآتُوهُمْ} . وذلك يَحْتاجُ إليه مِن حينِ العَقْدِ، وكلَّما عَجَّلَه كان أفْضَلَ؛ لأنَّه يكونُ أنْفَعَ، كالزَّكاةِ.
الفصل الخامس: في وقتِ وُجُوبه، وهو حينَ العِتْقِ؛ لأنَّ الله تعالى أمَرَ بإيتائِه مِن المالِ الذي آتاه، وإذا آتَى المال عَتَقَ، فيَجِبُ إيتاؤه حينَئِذٍ. قال عليٌّ، رضي الله عنه: الكِتابةُ على نَجْمَين، والإِيتاءُ مِن الثاني (2). فإن مات السيدُ قبلَ إيتائِه فهو دَينٌ في تَرِكَتِه؛ لأنَّه حَقٌّ واجِب، فهو كسائِرِ دُيُونِه، فإن ضاقَت التَّركَةُ عنه وعن غيرِه مِن الدُّيُونِ، تحاصُّوا في الترِكَةِ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 207.