الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ، صَحَّ.
ــ
2979 - مسألة: (وإن كاتَبَ السيدُ عبدَه المُمَيَّزَ، صَحَّ)
وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشافعيُّ: لا يَصِحُّ [فيهما جميعًا](1) بحالٍ؛ لأنه ليس بمُكَلَّفٍ، أشْبَهَ المَجْنونَ. ولَنا، أنَّه يَصِحُّ تَصرُّفُه وبَيعُه بإذْنِ وَلِيِّه، فصَحَّتْ منه الكِتابَةُ بذلك، كالمُكَلَّفِ. ودليلُ صِحَّةِ تصرُّفِه قولُ اللهِ تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} (2). والابتِلاءُ: الاخْتِبارُ له بتَفْويضِ التصرُّفِ إليه؛ ليُعْلَمَ هل يَقَعُ منه على وَجْهِ المَصْلَحَةِ أو لا، وهل يُغْبَنُ في بَيعِه وشِرائِه أو لا. وإيجابُ السيدِ لعبدِه المُمَيِّزِ المُكاتَبَةَ إذْنٌ له فِي قَبُولِها. إذا ثَبَتَ هذا، فإن كان السيدُ المُكاتِبُ طفلًا أو مجنونًا، فلا حُكْمَ لتصرُّفِه ولا قَوْلِه.
(1) في م: «فيها جميعها» .
(2)
سورة النساء 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن كاتَبَ المُكَلَّفُ عبدَه الطفلَ (1) أو المجنونَ، لم يَثْبُتْ لهذا التَّصَرُّفِ حكمُ المُكاتَبَةِ الصَّحِيحَةِ ولا الفاسِدَةِ؛ لأنَّه لاحُكْمَ لقولِهما، لكن إن قال: إن أدَّيتُما إليَّ فأنْتُما حُرَّان. فأدَّيا، عَتَقَا بالصِّفَةِ لا بالكِتابَةِ، وما في أيدِيهما لسيدِهما، وإن لم يَقْلُ ذلك لم يُعْتَقَا. ذَكَرَه أبو بكرٍ. وقال القاضي: يُعْتَقانِ. وهو مذهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ الكِتابَةَ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الصِّفَةِ، فيَحْصُلُ العِتْقُ ههُنا بالصِّفَةِ المَحْضةِ، كمالو قال: إن أدَّيتَ إليَّ فأنتَ حُرٌّ. ولَنا، أنَّه ليسَ بصِفَةٍ صريحًا ولا مَعْنًى، وإنَّما هو عَقْدٌ باطلٌ، فأشْبَهَ البَيعَ الباطِلَ.
فصل: إذا كاتَبَ الذِّمِّيُّ عبدَه ثم أسْلَمَا، صَحَّ؛ لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ أو عِتْقٌ بِصفَةٍ (2)، وكلاهُما يَصِحُّ منه. فإذا تَرافَعا إلى الحاكمِ بعدَ الكِتابَةِ، نَظَرَ في العَقْدِ؛ فإن كان موافقًا للشَّرْعِ أمْضاه، وإن كانت كِتابَتُه فاسدةً، مثلَ أن يكونَ العِوَضُ خَمْرًا أو خِنْزِيرًا، أو غيرَ ذلك مِن أنْواعِ الفسادِ، ففيه ثلاثُ مَسائِلَ؛ أحدُها، أن يكونَا قد تَقابَضا حال الكُفْرِ،
(1) في م: «المكلف» .
(2)
في الأصل: «نصفه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فتكونَ الكِتابَةُ ماضِيَةً والعِتقُ حاصلًا؛ لأنَّ ما تَمَّ في حالِ الكُفْرِ لا يَنْقُضُه الحاكِمُ، ويَحْكُمُ بالعِتْقِ، سواءٌ تَرافَعا قبَل الإِسْلامِ أو بعدَه الثانيةُ، تَقَابَضا بعدَ الإِسْلامِ، ثم تَرافَعا إلى الحاكمِ، فإنَّه يَعْتِقُ أيضًا (1)؛ لأنَّ هذه كِتابَةٌ فاسِدَةٌ، ويكونُ حكمُها حكمَ الكِتابَةِ الفاسِدَةِ المَعقودةِ في الإسْلامِ، على ما سَنَذْكره، إن شاء اللهُ تعالى. الثالثةُ، تَرافَعا قبلَ قَبْضِ العِوَضِ الفاسِدِ، أو قَبْضِ بعضِه، فإنَّ الحاكمَ يَرْفَعُ هذه الكِتابَةَ ويُبْطِلُها؛ لأنَّها كتابةٌ فاسِدةٌ لم يَتَّصِلْ (2) بها قَبْضٌ تَنبَرِمُ به. ولا فَرْقَ بينَ إسْلامِهما أو إسْلامِ أحَدِهما فيما ذَكَرْناه مِن التَّغليبِ بحُكْمِ الإسْلام. وقال أبو حنيفةَ: إذا كاتَبَه علي خَمْرٍ ثم أسْلَما لم يَفْسُدِ العَقْدُ، ويُؤَدِّي قِيمَةَ الخمرِ؛ لأنَّ الكِتابَةَ كالنِّكاحِ، ولو مَهَرَها خَمْرًا ثم أسْلَما لم يَفْسُدِ العَقْدُ، ويَبْطُلُ الخَمْرُ. ولَنا، أنَّ هذا عَقْدٌ لو عَقْدٌ المُسْلِمُ كان فاسِدًا، فإذا أسْلَما قبلَ التَّقابُضِ، أو أحَدُهما، حُكِمَ بفَسادِه، كالبَيعِ الفاسِدِ. ويُفارِقُ النِّكَاحَ، فإنَّه لو عَقَدَه المسلمُ بخَمْرٍ كان صَحِيحًا. وإن أسْلَمَ مُكاتَبُ الذِّمِّيِّ لم تَنْفَسِخِ الكِتابةُ؛ لأنَّها وقَعَتْ صحيحةً، ولا يُجْبَرُ على إزالَةِ مِلْكِه؛ لأنَّه خارجٌ بالكِتابةِ عن تصَرُّفِ الكافِرِ فيه، فإن (3) عَجَزَ أُجْبِرَ على إزالةِ مِلْكِه عنه حِينَئذٍ. فإنِ اشتَرَى مسلمًا فكاتَبَه، لم تَصِحَّ الكتابةُ؛
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «يبطل» .
(3)
في الأصل: «فإنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ الشِّراءَ باطِلٌ لم يَثْبُتْ له به مِلْكٌ. وإن أسْلَمَ عبدُه فكاتَبَه بعدَ إسْلامِه، لم تَصِحَّ كِتابَتُه (1)؛ لأنَّ الكِتابَةَ لا تُزِيلُ المِلْكَ. وقال القاضي: له ذلك. وقد ذَكَرْناه [في كِتابِ البَيعِ](2)، فإن عَجَزَ عاد رَقِيقًا قِنًّا، وأُجْبِرَ على إزالةِ مِلْكِه عنه.
فصل: وتَصِحُّ كِتابَةُ الحَرْبِيِّ عبدَه في دارِ الحربِ وفي دارِ الإسْلامِ. وبه قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا تَصِحُّ؛ لأنَّ مِلْكَه ناقِصٌ. وحُكِيَ عن مالكٍ، أَنَّه لا يَمْلِكُ ذلك، بدليلِ أنَّ [المسلم يَمْلِكُه](3) عليه. ولَنا، قولُه تعالى:{وَأَوْرَثَكُمْ أرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وأَمْوَالهُمْ} (4). وهذه الإضافةُ إليهم تَقْتَضِي صِحَّةَ أمْلاكِهم، فتَقْتَضِي صِحَّةَ تَصَرُّفاتِهم. إذا ثَبَتَ هذا، فإذا كاتَبَ عبدَه فدَخَلا مُسْتأْمَنَين إلينَا، لم يَتَعَرُّضِ الحاكِمُ لهما. وإن تَرافَعا إليه نَظَرَ بَينَهما؛ فإن كانت كِتابَتُهما صَحِيحةً ألْزَمَهُما حُكْمَها، وإن كانت فاسِدةً بَيّنَ لهما فسادَها. وإن جاءا وقد قَهَرَ أحَدُهما صاحِبَه بَطَلَتِ الكِتابَةُ؛ لأنَّ العبدَ إن قَهَرَ سيدَه مَلَكَه، فبَطَلَتْ كِتابَتُه؛ لخُرُوجِه عن مِلْكِ سيدِه (5). وإن قَهَرَه السيدُ على إبْطالِ الكِتابَةِ وَرَدَّه رَقِيقًا، بَطَلَتْ؛ لأنَّ دارَ الكُفْرِ دارُ قَهْرٍ وإباحَةٍ، ولهذا لو قَهَرَ حُرٌّ حُرًّا
(1) بعده في المغني 14/ 446: «لأنه يلزمه إزالة ملكه عنه» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في م: «للمسلم تملكه» .
(4)
سورة الأحزاب 27.
(5)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على نَفسِه مَلَكَه. وإن دَخَلا مِن غَيرِ قَهْرٍ، فقَهَرَ أحَدُهما الآخَرَ في دارِ الإِسْلامِ، لم تَبْطُلِ الكِتابَةُ وكانا على ما كانا عليه قبلَه؛ لأنَّ دارَ الإسْلامِ دارُ حَظْرٍ، لا يُوثِّرُ فيها القَهْرُ إلَّا بالحَقِّ. وإن دَخَلا مُسْتَأْمَنَين ثم أرادَا الرُّجُوعَ إلى دارِ الحربِ (1)، لم يُمْنَعا. وإن أرادَ السيدُ الرُّجُوعَ وأخْذَ المُكاتَبَ معه، فأبَى المُكاتَبُ الرُّجُوعَ معه، لم يُجْبَرْ، لأنَّه بالكِتابَةِ زال سُلْطانُه، وإنَّما له في ذِمَّتِه حَقٌّ، ومَن له دَينٌ في ذِمَّةِ غيرِه لا يَمْلِكُ إجْبارَه على السَّفَرِ معه لأجْلِه. ويقالُ للسيدِ: إن أردتَ الإِقَامَةَ في دارِ الإِسْلامِ لتَسْتَوْفيَ (2) مال الكِتابَةِ فاعْقِدِ الذِّمَّةَ وأقِمْ، إن كانت مُدَّتُها طويلةً، وإن أردتَ تَوْكِيلَ مَن يَقْبِضُ لك نُجومَ الكِتابَةِ فافْعَلْ. فإذا أدَّى نُجومَ الكتابةِ عَتَقَ، وهو مُخَيَّرٌ، إن أحَبَّ المُقامَ في دارِ الإِسْلامِ عَقَد على نَفْسِه الذِّمَّةَ، وإن أحَبَّ الرُّجُوعَ لم يُمْنَعْ. وإن عَجَزَ وفَسَخَ السيدُ كِتابَتَه عادَ رَقِيقًا، ويُرَدُّ إلى سَيدِه، والأمانُ له (3) باقٍ؛ لأنه مِن مالِ سَيِّدِه، وسَيِّدُه عقدَ الأمانَ لنفسِه ومالِه، فإذا انْتَقَضَ الأمانُ في نَفْسِه بعَوْدِه لم يَنْتَقِضْ في مالِه.
وإن كاتَبَه في دارِ الحَرْبِ فهَرَبَ ودَخَلَ إلينا، بَطَلَتِ الكتابةُ، لأنَّ مِلْكَه زال بقَهْره على نَفْسِه، فأشْبَهَ ما لو قَهَرَه على غيره مِن مالِه. وسَواءٌ جاءَنا مُسْلِمًا أو غيرَ مُسلمٍ. وإن جاء بإذنِ سيدِه فالكِتابَةُ بحالِها، لأنَّه لم يَقهَرْ
(1) في م: «الحراب» .
(2)
في الأصل: «ليستوفى» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سيدَه، فإذا دَخَلَ إلينَا بأمانٍ بإذْنِ سيدِه ثم سَبَى المسلمونَ سيدَه وقُتِلَ، انْتَقَلَتِ الكِتابَةُ إلى وَرَثَتِه، كما لو ماتَ حَتْفَ أنْفِه، وإن مَنَّ عليه الإِمامُ أو فاداه أو هَرَبَ، فالكِتابَةُ بحالِها. وإنِ اسْتَرَقَّه الامامُ، فالمُكاتَبُ مَوْقُوفٌ، [إن عَتَقَ السيدُ فالكِتابَةُ بحالِها، وإن مات أو قُتِلَ فالمُكاتَبُ للمسلمين، مُبقًى على ما بَقِيَ مِن كِتابَتِه، يَعْتِقُ](1) بالأداءِ إليهم، ووَلاؤُه لهم، وإن عَجَزَ فهو رَقِيقٌ لهم. فإن أرادَ المُكاتَبُ الأداءَ قبلَ عِتْقِ سيدِه وموتِه، أدَّى إلى الحاكمِ أو إلى أمِينِه، وكان المالُ المَقْبُوضُ مَوْقُوفًا، على ما ذَكَرْناه، ويَعْتِقُ المُكاتَبُ بالأداءِ، وسيدُه رَقِيقٌ، لا يَثْبُت له وَلاءٌ. قال أبو بكرٍ: يكونُ الولاءُ للمسلمين. وقال القاضي: يكونُ مَوْقُوفًا، فإن عَتَقَ سيدُه فهو له، وإن مات رَقيقًا فهو للمسلمينَ، وإن كان اسْتِرْقاقُ سيدِه بعدَ عِتْقِ المُكاتَبِ وثُبُوتِ الوَلاءِ عليه، فقالِ القاضي: يكونُ وَلاؤُه مَوْقُوفًا، فإن عَتَقَ السيدُ كان الوَلاءُ له، وإن قُتِلَ أو مات على رِقِّه بَطَلَ الوَلاءُ؛ لأنَّه رقِيقٌ لا يُورَثُ، فبَطَل الوَلاءُ؛ لعَدَمِ مُسْتَحِقِّه. ويَنْبَغِي أن يكونَ للمسلمينَ؛ لأنَّ مال مَن لا وارِثَ له للمسلمين، فكذلك الوَلاءُ. والله أعلمُ.
فصل: وإن كاتَبَ المُرْتَدُّ عبدَه، فعلى قولِ أبي بكرٍ، الكتابةُ باطلةٌ؛ لأنَّ مِلْكَه زال برِدَّتِه. وعلى ظاهِرِ المذهبِ، كتابَتُه مَوْقُوفَةٌ؛ إن أسْلَمَ (2)
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.