الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِن حَلَّ نَجْمٌ فَلَمْ يُودِّهِ، فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ. وَعَنْهُ، لَا يَعْجِزُ حَتَّى يَحِلَّ نَجْمَانِ. وَعَنْهُ، لَا يَعْجِزُ حَتَّى يَقُولَ: قَدْ عَجَزْتُ.
ــ
المُنْكِرَ، لم يَسْرِ إلى نَصِيبِ المُقِرِّ؛ لأنَّه مُكاتَبٌ لغيرِه، وفي سِرايةِ العِتْقِ إليه إبْطالُ سَبَبِ الوَلاءِ عليه، فلم يَجُزْ ذلك.
3023 - مسألة: (وإن حَلَّ نَجْمٌ فلم يُؤَدِّه، فللسيدِ الفَسْخُ. وعنه، لا يَعْجِزُ حتى يَحِلَّ نَجْمانِ. وعنه، لا يَعْجِزُ حَتَّى يقولَ: قد عَجَزْتُ)
اخْتَلَفتِ الرِّوَايةُ عن أحمدَ، رحمه الله، فيما يجوزُ للسيدِ به فَسْخُ الكِتابةِ، فرُوِيَ عنه أنَّه يجوزُ له الفَسْخُ إذا عَجَزَ عن نَجْم واحدٍ. وهو قولُ الحارثِ العُكْلِيِّ، وأبي حنيفةَ، والشافعيِّ؛ لأنَّ السيدَ دَخَلَ على أن يُسَلِّمَ له مال الكِتابةِ على الوَجْهِ الذي كاتَبَه عليه، ويَدْفَعَ إليه المال في نُجُومِه، فإذا لم يُسَلِّمْ له لم يَلْزَمْه عِتْقُه. ولأنَّه عَجَزَ عن أداءِ النَّجْمِ في وَقْتِه (1)، فجازَ فسْخُ كِتابَتِه، كالنَّجْمِ الأخِيرِ. ولأنَّه تَعَذَّرَ العِوَضُ في عَقْدِ مُعاوَضَةٍ، ووَجَدَ عينَ مالِه، فكان له الرُّجُوعُ، كما لو باع سِلْعَةً فأفْلَسَ المُشْتَرِي قبلَ نَقْدِ ثَمَنِها. والروايةُ الثانيةُ، أنَّ السَّيِّدَ لا يَمْلِكُ الفَسْخَ حتَّى يَحِلَّ نَجْمانِ قبلَ أدائِهما. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. قال القاضي: وهو ظاهِرُ كلامِ أصحابِنا. رُوِيَ ذلك عن الحكمِ، وابنِ أبي لَيلَى،
(1) بعده في م: «فجاز في وقته» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأبي يوسفَ، والحسنِ بنِ صالحٍ؛ لما رُوِيَ عن علي، رضي الله عنه، أنَّه قال: لا يُرَدُّ المُكاتَبُ في الرِّقِّ حتَّى يَتَوالى عليه نَجْمان (1). ولأنَّ ما بينَ النَّجْمَين مَحِلٌّ لأداءِ الأوَّلِ، فلا يتَحَقَّقُ العَجْزُ عنه حتى يَفُوتَ مَحِلُّه بحُلُولِ الثاني. والروايةُ الثالثةُ، أنَّه لا يَعْجِزُ حتى يقولَ: قد عَجَزْتُ. رَواها عنه ابنُ أبي موسى. وروى عنه أنَّه إذا أدَّى أكثرَ مالِ الكِتابةِ، لم يُرَدَّ إلى الرِّقِّ، واتْبعَ بما بَقِيَ. وإذا قُلْنا: للسيدِ الفَسْخُ. لم تَنْفَسِخِ الكِتابةُ بالعَجْزِ، بل له مُطالبَةُ المُكاتَبِ بما حَلَّ مِن نُجُومِه؛ لأنَّه دَينٌ له حَلَّ، فأشْبَهَ دَينَه على الأجْنَبِيِّ، [وله](2) الصَّبْرُ عليه وتأخِيرُه به، سَوَاءٌ كان قادِرًا على الأداءِ أو عاجِزًا؛ لأنَّه حَقٌّ له سَمَحَ بتأخِيرِه، أشْبَهَ الدَّينَ على الأجْنَبِيِّ. فإنِ اختار الصَّبْرَ عليه لم يَمْلِكِ [العَبْدُ الفَسْخَ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهلِ العِلْمِ، على أنَّ](3) المُكاتَبَ إذا حَلَّ عليه نَجْمٌ، [أو نَجْمان](4)، أو نُجُومُه كُلُّها، فوَقَفَ (5) السَّيِّدُ عن مُطالبَتِه وتَرَكَه بحالِه، أنَّ الكِتابَةَ لا تَنْفَسِخُ،
(1) أخرجه ابن حزم، في: كتاب الكتابة. المحلى 10/ 292.
(2)
في الأصل: «فإن اختار» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
في م: «ونجم» .
(5)
في الأصل: «توقف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما داما ثابتَين على العَقْدِ الأوَّلِ. وإن أجَّلَه به ثم بَدا له الرُّجُوعُ، فله ذلك؛ لأنَّ الحالَّ لا يتَأجَّلُ بالتَّأجِيلِ، كالقَرْضِ. وإنِ اخْتار السيدُ فَسْخَ كِتابتِه ورَدَّه إلى الرِّقِّ، فله ذلك، بغيرِ حُضُورِ حاكمٍ ولا سُلْطانٍ، ولا تَلْزَمُه الاسْتِنابَةُ. فعَل ذلك [ابنُ عُمَرَ](1). وهو قولُ شُرَيحٍ، والنَّخَعِيِّ، وأبي حنيفةَ، والشافعيِّ. وقال ابنُ أبي لَيلَى: لا يكونُ عَجْزُه إلَّا عندَ قاضٍ. وحُكِيَ نحوُه عن مالكٍ. وقال الحسنُ: إذا عَجَزَ اسْتُؤْنِي (2) بعدَ العَجْزِ سَنَتَين. وقال الأوْزَاعِيُّ: شَهْرَين. ولَنا، ما روَى سعيدٌ بإسنادِه عن ابنِ عمرَ، أنَّه كاتَبَ عبدًا له على ألفِ دِينارٍ، وعَجَزَ عن مائةِ في ينارٍ، فرَدَّه في الرِّقِّ (3). وبإسنادِه عن عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، عن ابنِ عمرَ، أنَّه كاتَبَ عبدَه على عشرينَ ألْفًا، فأدَّى عَشَرةَ آلافٍ، ثم أتاهُ، فقال: إني طُفْتُ العِراقَ والحِجازَ، فرُدَّنِي في الرِّقِّ. فرَدَّه. ورُوِيَ عنه أنَّه كاتَبَ عبدًا له على ثَلاثِينَ ألْفًا، فقال له: أنا عاجِزٌ. فقال له: امْحُ كِتابَتَك. فقال: امْحُ أنتَ (4).
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «استوفى» . واستؤنى. أي انتُظِر.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 216.
(4)
وأخرجه البيهقي في: باب عجز المكاتب، من كتاب المكاتب. السنن الكبرى 10/ 341. وعبد الرزاق، في: باب عجز المكاتب وغير ذلك، من كتاب المكاتب. المصنف 8/ 407، 408.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وروَى سعيدٌ، بإسْنادِه عن عمرِو بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ، فقال:«أيُّمَا رَجُل كَاتَبَ غُلَامَهُ عَلَى مِائَةِ أوقِيَّةٍ، فَعَجَزَ عَنْ عَشْرِ أراقٍ، فَهُوَ رَقِيقٌ» (1). ولأنَّه عَقْد عَجَزَ عن عِوَضِه، فمَلَكَ مُسْتَحِقُّه (2) فَسْخَه، كالسَّلَمِ إذا تَعَذَّرَ المُسْلَمُ فيه. فإن قيل: فلِمَ كانتِ الكِتابةُ لازِمَةً مِنِ جِهَةِ السيدِ، غيرَ لازِمَةٍ مِن جِهَةِ العبدِ؟ قُلْنا: بل هي لازِمَةٌ مِن الطرفين، ولا يَمْلِكُ العبدُ فَسْخَها، وإنَّما له أن يُعَجِّزَ نَفْسَه، ويَمْتَنِعَ مِن الكَسْبِ، وإنَّما جاز له ذلك لوَجْهَين: أحدُهما، أنَّ الكِتابةَ تَتَضَمَّنُ إعْتاقًا بصِفَةٍ، ومَن عُلِّقَ عِتْقُه بصِفةٍ لم يَمْلِكْ إبْطالها، ويَلْزَمُ وقوعُ العِتْقِ بالصِّفَةِ، ولا يَلْزَمُ العَبْدَ الإتيانُ بها ولا الإِجْبارُ عليها. الثاني، أنَّ الكِتابَةَ لحظِّ العبدِ دُونَ سيدِه، فكان لازِمًا، كمَن (3) ألزَمَ نَفْسَه حَظَّ غيرِه، وصاحِبُ الحَط بالخِيارِ فيه، كمَن ضَمِنَ لغيرِه شيئًا أو كَفَلَ له أو رَهَنَ عندَه رَهْنًا.
(1) تقدم تخريجه في 6/ 300.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «لمن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا حَلَّ النَّجْمُ على المُكاتَبِ ومالُه حاضِرٌ عندَه، طُولِبَ به، ولم يَجُزِ الفَسْخُ قبلَ الطَّلَبِ، كما لا يجوزُ فَسخُ البَيعِ والسَّلَمِ بمُجَرَّدِ وُجُوبِ الدَّفْعِ قبلَ الطَّلَبِ. فإن طُلِبَ منه، فذكَرَ أنَّه غائِبٌ عن المجْلِس في ناحِيةٍ مِن نواحِي البَلَدِ، أو قَرِيبٌ منه على مسافةٍ لا تُقْصَرُ فيها الصَّلاةُ يُمْكِنُ (1) إحْضارُه قَرِيبًا، لم يَجُزْ فَسْخُ الكِتابَةِ، وأمْهِلَ بقَدْرِ ما يَأتِي به إذا طَلَبَ الإِمْهال؛ لأنَّ هذا يَسِيرٌ لا ضَرَرَ فيه. وإن كان معه مالٌ مِن غيرِ جِنْسِ مالِ الكِتابَةِ، فطَلَبَ الإِمْهال ليَبِيعَه بجِنْسِ مالِ الكِتابَةِ، أمْهِلَ. وإن كان المالُ غائِبًا أكثرَ مِن مسافَةِ القَصْرِ لم يَلْزَمِ الإِمْهالُ. وهذا قولُ الشافعيِّ. وقال أبو حنيفةَ: إن كان له مالٌ حاضِرٌ، أو غائِبٌ يَرْجُو قُدُومَه، [اسْتُؤْنِي يَوْمَين وثَلاثةً](2)، لا أزيدُه على ذلك. لأنَّ الثلاثةَ آخِرُ حَدِّ القِلّةِ والقُرْب؛ لِما بَيَّنَّاه فيما مَضَى، وما زاد عليها في حَدِّ الكَثْرَةِ (3). وهذا كله قريبٌ بعضُه مِن بعض. فأمَّا إذا كان قادرًا على الأداءِ واجِدًا لما يُؤَدِّيه، فامْتَنَعَ مِن أدائِه، و (4) قال: قد عجَزْتُ. فقال الشَّرِيف أبو جَعْفَرٍ، وجماعةٌ مِن (5) أصْحابِنا المتَأخِّرين: يَمْلِكُ
(1) في م: «لم يمكن» .
(2)
في الأصل: «استوفى يومين أو ثلاثة» .
(3)
في الأصل: «أكثره» .
(4)
في م: «أو» .
(5)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السيدُ الفَسْخَ. وهو الذي ذَكَرَه شيخُنا في الكتابِ المَشْرُوحِ، وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. وهذا مذهبُ الشافعيِّ. وقال أبو بكرِ بنُ جَعْفَرٍ: ليس له ذلك، ويُجْبَرُ على تَسْلِيمِ العِوَضِ. وهو قولُ أبي حنيفةَ، ومالكٍ، والأوْزَاعِيِّ. وقد ذُكِرَ ذلك في كتابِ البَيعِ. وفيه رِوايَةٌ أخْرَى، أنَّه إذا قَدَرَ على أداءِ المالِ كُلِّه، أنَّه يَصِيرُ حُرًّا بِمِلْكِ ما يُؤَدِّي. وقد ذَكَرناها.
فصل: فإن حَلَّ النَّجْمُ والمُكاتَبُ غائِبٌ بغيرِ إذْنِ سيدِه، فله الفَسْخُ. وإن كان غاب بإذْنِه، لم يكنْ له أن يَفْسَخَ؛ لأنَّه أذِنَ في السَّفَرِ المانِعِ مِن الأداءِ، لكنْ يُرْفَعُ الأمْرُ إلى الحاكِمِ، ليَجْعَلَ للسيدِ فَسْخَ الكِتابةِ. وإن كان قادِرًا على الأداءِ، طالبَه بالخُرُوجِ إلى البَلَدِ الذي فيه السيدُ ليُؤَدِّيَ مال الكِتابَةِ، أو يُوَكِّلَ مَن يَفْعَلُ ذلك، فإن فَعَلَه في أوَّلِ حالِ الإِمكانِ عندَ خُرُوجِ القافلةِ، إن كان لا يُمْكِنُه الخروجُ إلَّا معها، لم يَجُزِ الفَسْخُ، [وإن أخَّرَه مع الإِمكانِ، ومَضَى زَمَنُ المَسِيرِ، ثَبَتَ للسيدِ خيارُ الفسْخِ، وإن كان قد جَعَلَ للوكيلِ الفَسْخَ](1) عندَ امتناعِ المُكاتَبِ مِن الدَّفْعِ إليه، جازَ، وله الفَسْخُ إذا ثَبَتَتْ وَكالتُه ببَينةٍ، بحيث يَأمَنُ المُكاتَبُ إنْكارَ السيدِ، فإن لم يَثْبُتْ ذلك، لم يَلْزَمِ المُكاتَبَ الدَّفْعُ إليه، وكان
(1) سقط من: الأصل.