الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أنْكَرَ التَّدْبِيرَ، لَمْ يُحْكَمْ عَلَيهِ إلا بِشَاهِدَينِ. وَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيهِ بِشَاهِدٍ وَامْرأتَينِ، أوْ شَاهِدٍ وَيَمِينِ الْعَبْدِ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
2973 - مسألة: (ومَن أنْكَرَ التَّدْبِيرَ، لم يُحْكَمْ عليه إلَّا بشاهِدَين. وهل يُحْكَمُ بشاهِدٍ وامْرَأتَين، أو شاهِدٍ ويَمِينِ العبدِ؟ على روايتين)
إذا ادَّعَى العَبدُ على سَيِّدِه أنَّه دَبَّره، صَحَّتْ دَعْواه؛ لأنَّه يَدَّعِي اسْتِحْقاقَ العِتْقِ. ويَحْتَمِلُ أن لا تَصِحَّ الدَّعْوَى؛ لأنَّ السيِّدَ إذا أنْكَرَ التَّدْبِيرَ، كان بمَنْزِلَةِ إنْكارِ الوَصِيَّةِ، وإنْكارُ الوَصِيَّةِ رُجُوعٌ عنها، في أحَدِ الوَجْهَين، فيكونُ إنْكارُ التَّدْبِيرِ رُجُوعًا عنه، والرُّجُوعُ عنه يُبْطِلُه، في إحْدَى الروايتين. والصَّحِيحُ أنَّ الدَّعْوى صَحِيحَةٌ؛ لأنَّ الرُّجُوعَ عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّدْبِيرِ لا يُبْطِلُه، في الصَّحِيحِ مِن المذْهَبِ. ولو أبْطَلَه، فما ثَبَتَ كَوْنُ الإِنْكار رُجُوعًا، ولو ثَبَتَ ذلك، فلا يَتَعَيَّنُ الإِنْكارُ جَوابًا للدَّعْوَى؛ فإنَّه يجُوزُ أن يُقِرَّ. إذا ثَبَتَ هذا، فإن أقَرَّ السيدُ فلا كَلامَ، وإن أنْكَرَ ولم تكُنْ للعبدِ بَيِّنَةٌ، فالقولُ قولُ السيدِ مع يَميِنه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُه. فإن كانت للعَبْدِ بَيِّنَةٌ حُكِمَ بها، ويُقْبَلُ فيها شاهدان عَدْلان، بغيرِ خِلافٍ. فإن لم يكُنْ إلَّا شاهِدٌ واحدٌ، وقال: أنا أحْلِفُ معه. أو شاهدٌ وامْرأتان، لم يُحْكَمْ له به، في إحْدَى الرِّوايَتَين. وهو مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ الثابتَ به الحُرِّيةُ، وكمالُ الأحْكامِ، وهذا ليس بمالٍ، ولا المَقْصُودُ منه المالُ، ويَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ في غالبِ الأحْوالِ، فأشْبَهَ النِّكاحَ والطَّلاقَ. والثانيةُ، يَثْبُتُ بذلك؛ لأنَّه لَفْظ يَزُولُ به مِلْكُه عن مَمْلُوكِه، فأشْبَهَ البَيعَ. وهذا أجْوَدُ؛ لأنَّ البَيِّنَةَ إنَّما تُرادُ لإثْباتِ الحُكْمِ على المَشْهُودِ عليه، وهو في حَقِّه إزالةُ مِلْكِه عن مالِه، فيَثْبُتُ بهذا. وإن حَصَلَ به غَرَضٌ آخَرُ للمَشْهُودِ له، فلا يَمْنَعُ ذلك مِن ثُبُوتِه بهذه البَيِّنَةِ. ولأنَّ العِتْقَ ممَّا يُتَشَوّفُ إليه، ويَنْبَنِي على التَّغْلِيبِ والسِّرايةِ، فيَنْبَغِي أن يُسَهَّلَ طريقُ إثْباتِه. وإن كان الاختلافُ بينَ العبدِ ووَرَثَةِ السيدِ بعدَ موتِه، فهو كما لو كان الاختلافُ (1)
(1) في الأصل: «الخلاف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مع السيدِ، إلَّا أنَّ الدَّعْوَى صَحِيحةٌ بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّهم لا يَمْلِكُونَ الرُّجُوعَ، وأيمانُهم على نَفْي العِلْمِ؛ لأنَّ الخِلافَ في فِعْلِ مَوْرُوثِهم، وأيمانُهُم على نَفْى فِعْلِه. وتَجِبُ اليَمينُ على كُلِّ واحدٍ مِن الوَرَثَةِ، ومَن نكَل منهم عَتَقَ نَصِيبُه ولم يَسْرِ إلى باقِيه، وكذلك إن أقَرَّ؛ لأنَّ إعْتاقَه بفعْلِ المَوْرُوثِ، لا بفِعْلِ المُقِرِّ ولا النَّاكِلِ.
فصل: إذا دَبَّرَ عبدَه ومات، وله مالٌ سِواه يَفِي بثُلُثَيْ مالِه، إلَّا أنَّه غائِبٌ، أو دَينٌ في ذِمَّةِ إنْسانٍ، لم يَعْتِقْ مِن المُدَبَّرِ إلَّا ثُلُثُه؛ لجوازِ أن يَتْلَفَ الغائِبُ، أو يَتَعَذَّرَ اسْتِيفاءُ الدَّينِ، فيكونُ العبدُ جَميعَ التَّرِكَةِ، وهو شَرِيكُ الوَرَثَةِ فيها، له ثُلُثُها ولهم ثُلُثاها، فلا يجوزُ أن يَحْصُلَ على جَمِيعِها، لكِنَّه يَسْتَحِقُّ عِتْقَ ثُلُثِه ويَبْقَى ثُلُثاه مَوْقُوفًا (1)؛ لأنَّ ثُلُثَه حُرٌّ على كلِّ حالٍ؛ لأنَّ أسْوَأَ (2) الأحْوالِ أن لا يَحْصُلَ مِن سائرِ المالِ شيءٌ، فيكونُ العبدُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، فيَعْتِقَ ثُلُثُه، وفي ذلك خِلافٌ ذَكَرْناه في بابِ المُوصَى به، فيما إذا وَصَّى له بمُعَيَّنٍ، ولم يكُنْ له سِوَى المعَيَّنِ إلَّا مالٌ غائبٌ، أو دَينٌ، وهذا مثلُه في اعْتِبارِه مِن الثُّلُثِ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّ العبدَ إذا عَتَقَ كلُّه بقُدُومِ الغَائِبِ، أو اسْتِيفاءِ الدَّينِ، تَبَيَّنًا أنَّه كان حُرًّا حينَ الموتِ، فيكُونُ كَسْبُه له؛ لأنَّه إنَّما عَتَقَ بالتَّدْبِيرِ ووُجُودِ الشَّرْطِ الَّذي عَلَّقَ عليه السيدُ حُرِّيتَه، وهو الموتُ، وإنَّما أوْقَفْناه للشَّكِّ في خُرُوجِه
(1) في م: «موقوفين» .
(2)
في الأصل: «استواء» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن الثُّلُثِ، فإذا زال الشَّكُّ تَبَيَّنّا أنَّه كان حاصِلًا قبلَ زوالِ الشَّكِّ. وإن تَلِفَ المالُ تَبَيَّنّا أنَّه كان ثُلُثاه رَقِيقًا، ولم يَعْتِقْ منه سِوَى ثُلُثِه. وإن تَلِفَ بعضُ المالِ رَقَّ مِن المُدَبَّرِ ما زاد على قَدْرِ ثُلُثِ الحاصِلِ مِن المالِ.
فصل: فإن دَبَّرَ عبدين، وله دَينٌ يَخْرُجان مِن ثُلُثِ المالِ إذا حَصَل، أقْرَعْنا بَينَهما، فيَعْتِقُ ممَّن تَخْرُجُ له القُرْعَةُ قَدْرُ ثُلُثِهما وكان باقِيه والعبدُ (1) الآخَرُ مَوْقُوفًا، فإذا اسْتُوفِيَ مِن الدَّين شيءٌ، كُمِّلَ مِن عِتْقِ مَن وَقَعَتْ له القُرْعَةُ قَدْرُ ثُلُثِه، وما فَضَلَ عَتَقَ مِنَ الآخرِ، كذلك حتَّى يَعْتِقا جميعًا أو مِقْدارُ الثُّلُثِ منهما. فإن تَعَذَّرَ اسْتِيفاءُ الدَّينِ، لم يَزِدِ العِتْقُ على مِقْدارِ ثُلُثِهما. فإن خَرَج الَّذي (2) وَقَعَتْ له القُرْعَةُ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ العِتْقُ فيه، وعَتَقَ مِن الآخَرِ ثُلُثُه.
فصل: إذا دَبَّرَ عبدًا قِيمَتُه مائةٌ، وله مائةٌ دَينًا، عَتَقَ ثُلُثُه ورَقَّ ثُلُثُه، ووَقَفَ ثُلُثُه على اسْتِيفاءِ الثُّلُثِ (3) الباقِي. وإن كانت له مائةٌ حاضرةٌ مع ذلك، عَتقَ مِن المُدَبَّرِ ثُلُثاه، ووقَف [عِتْقُ ثُلُثِه](4) على اسْتِيفاءِ الدَّينِ.
فصل: وإن دَبَّرَ عبدَه، وقِيمَتُه مائةٌ، وله ابنانِ، وله (3) مائتان دَينًا على أحَدِهما، عَتَقَ مِن المُدَبَّرِ ثُلُثاه؛ لأنَّ حِصَّةَ الَّذي عليه الدَّينُ منه
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «الدين» .
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «عتقه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كالمُسْتَوْفَى، ويَسْقُطُ عن الَّذي عليه الدَّينُ منه](1) نِصْفُه؛ لأنَّه قَدْرُ حِصَّتِه مِن المِيراثِ، ويَبْقَى للآخَرِ عليه مائةٌ، كلما اسْتَوفَى منها شيئًا عَتَقَ قَدْرُ ثُلُثِه. فإن كانت المائتان دَينًا على الاثْنَين بالسَّويَّةِ عَتَقَ المُدَبَّرُ كلُّه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما عليه قَدْرُ حَقِّه، وقد حَصَلَ له ذلك بسُقوطِه مِن دَينِه.
فصل: إذا دَبَّرَ عبدًا قِيمَتُه مائةٌ، وخَلَّفَ ابنين ومائَتَيْ في دِرْهم دَينًا له على أحَدِهما، ووَصَّى لرجل بثُلثِ مالِه، عَتَقَ مِن المُدَبَّرِ ثُلُثُه، وسَقَطَ عن الغَرِيمِ مائةٌ، وكان للوَصِيِّ سُدْسُ العبدِ، وللابنِ ثُلُثُه، ويَبْقَى سُدْسُ العبدِ مَوْقُوفًا؛ لأنَّ الحاصِلَ مِن المالِ ثُلُثاه، وهو العبدُ والمائةُ الساقِطةُ عن الغَرِيمِ، وثُلُثُ ذلك مَقْسُومٌ بينَ المُدَبَّرِ والوَصِيِّ نِصْفَينِ؛ فحِصَّةُ المُدَبَّرِ منه ثُلُثُه، يَعْتِقُ في الحالِ، ويَبْقَى له [سُدْسٌ مَوْقُوفٌ](2)، فكلَّما اقْتُضِيَ مِن المائةِ الباقِيةِ شيءٌ عَتَقَ مِن المُدَبَّرِ قَدْرُ سُدْسِه، ويكونُ المُسْتَوْفَى بينَ الابنِ والوَصِيِّ أثْلاثًا، فإذا اسْتُوفِيَتْ كلُّها حَصَلَ للابنِ ثُلُثاها وثُلُثُ العبدِ وهو قَدْرُ حَقِّه، وكُمِّلَ للمُدَبَّرِ عِتْقُ نِصْفِه، وحَصَلَ للوَصِيِّ ثُلُثُ المائةِ وسُدْسُ العبدِ، وهو قَدْرُ حَقِّه. وإن كان الدَّينُ على أجْنَبِيٍّ، لم يَعْتِقْ مِن المُدَبَّرِ إلَّا سُدْسُه؛ لأنَّ الحاصِلَ مِن التَّرِكَةِ هو العبدُ، وثُلُثُه بينَه وبينَ الوَصِيِّ الآخَرِ، وللوَصِيِّ سُدْسُه، ولكلِّ ابن سُدْسُه، ويَبْقَى
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «سدسه موقوفًا» .