الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإذَا قَال: قَدْ رَجَعْتُ في تَدْبِيرِي. أو: قَدْ أبطَلْتُهُ. لَمْ يَبْطُلْ؛ لأنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ. وَعَنْهُ، يَبْطُلُ، كَالْوَصِيَّةِ.
ــ
2964 - مسألة: (وإذا قال: قد رَجَعْتُ في تَدبيرِي. أو: أبْطَلْتُه. لم يَبْطُلْ؛ لأنَّه تَعْلِيقٌ للعِتْقِ بصِفَةٍ. وعنه، أنَّه يَبْطُلُ، كالوَصِيَّةِ)
اخْتَلَفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، في بُطْلانِ التدبيرِ بالرُّجُوعِ فيه قولًا. فالصَّحِيحُ أنَّه لا يَبْطُلُ؛ لأنَّه عَلَّقَ العِتْقَ بصِفةٍ فلا يَبْطُلُ، كما لو قال: إن دَخَلْتَ الدارَ فأنتَ حُرٌّ. والثانيةُ، يَبْطُلُ؛ لأنَّه جَعَل له نَفْسَه بعدَ مَوتِه، فكانَ ذلك وَصِيَّةً، فجاز الرُّجُوعُ فيه بالقولِ، كما لو وَصَّى له بعبدٍ آخَرَ. وهو قولُ الشافعيِّ القَدِيمُ. وقولُه الجديدُ كالرِّوايةِ الأُولَى. وهو الصحيحُ، كتَعْلِيقِه بصِفةٍ في الحياةِ. ولا يَصِحُّ القولُ بأنَّه وَصِيَّةٌ به لنَفْسِه؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ نَفْسَه، وإنَّما تَحْصُلُ فيه الحُرِّيةُ ويَسْقُطُ عنه الرِّقُّ، ولهذا لا تَقِفُ الحُرِّيةُ على قَبُولِه واخْتِيارِه، وتَنْجَزُ عَقِيبَ الموتِ، كتَنْجِيزِ ها عَقِيبَ سائِرِ الشُّرُوطِ. ولأنَّه غيرُ مُمْتَنِعٍ أن يَجْمَعَ الأمْرَين، فيَثْبُتَ فيه حُكْمُ التَّعْلِيقِ في امْتِناعِ الرُّجُوعِ، ويَجْتَمِعان في حُصُولِ العِتْقِ بالموتِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا قال السَّيِّدُ لمُدَبَّرِه: إذا أدَّيتَ إلى وَرَثَتِي كذا فأنْتَ حُرٌّ. فهو رُجُوعٌ عن التَّدْبيرِ، ويَنْبَنِي على الرِّوايَتَين؛ إن قُلْنا: إنَّ له الرُجُوعَ بالقولِ. بَطَل التَّدْبيرُ. وإن قُلْنا: ليس له الرُّجوعُ. لم يُؤثِّرْ هذا القولُ شيئًا. وإن دَبَّرَه كلَّه ثم رَجَع في نِصْفِه، صَحَّ إذا قُلْنا بصِحَّةِ الرُّجُوعِ في جميعِه؛ لأنَّه لمَّا صَحَّ أن يُدَبِّرَ نِصْفَه ابْتِداءً، صَحَّ أن يَرْجِعَ في تَدْبيرِ نِصْفِه. وإن غَيَّرَ التَّدْبِيرَ، فكان مُطْلَقًا، فجَعَلَهُ مُقَيَّدًا [صار مُقَيَّدًا](1)، إن قُلْنا: يَصِحُّ الرجوعُ. وإلَّا فلا. فإن كان مُقَيَّدًا فأطْلَقَه، صَحَّ على كلِّ حالٍ؛ لأنَّه زيادةٌ فلا يُمْنَعُ منها. وإذا دَبَّرَ الأخْرَسُ، وكانت إشارَتُه أو كِتابَتُه مَعْلُومةً، صَحَّ تَدْبِيرُه. ويَصِحُّ رُجُوعُه، إن قُلْنا بصِحَّةِ الرُّجوعِ في التَّدْبِيرِ؛ لأنَّ إشارَتَه وكِتابَتَه تقومُ مَقامَ نُطْقِ النَّاطقِ في أحْكامِه، وإن دَبَّرَ وهو نَاطِقٌ، ثم خَرَس، صَحَّ رُجُوعُه بإشارَتِه المعلومةِ أو كِتابَتِه. وإن لم تُفْهَمْ إشارَتُه، فلا عِبْرَةَ بها؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ رُجُوعُه.
(1) سقط من: م. وبياض في الأصل. وانظر المغني 14/ 423.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا رُهِنَ المُدَبَّرُ لم يَبْطُلْ تَدْبِيرُه؛ لأنَّه تَعْلِيقٌ للعِتْقِ بصِفَةٍ. فإن مات السيدُ وهو رَهْنٌ عَتَق، وأُخِذَ مِن تَرِكَتِه قِيمَتُه، فتكونُ رَهْنًا مَكانَه؛ لأنَّ عِتْقَه بسَبَبٍ مِن جِهَةِ سيدِه، فأشبَهَ ما لو باشَرَه بالعِتْقِ نَاجِزًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن ارْتَدَّ المُدَبَّرُ ولَحِقَ بدارِ الحَرْبِ لم يَبْطُلْ تَدْبِيرُه؛ لأنَّ مِلْكَ سيدِه باقٍ عليه، ويَصِحُّ تَصَرُّفه فيه بالعِتْقِ والهِبَةِ والبَيعِ، إن كان مَقْدُورًا عليه. فإن سَباه المسلمون لم يَمْلِكُوه؛ لأنَّه مَمْلُوكٌ لمَعْصُومٍ، ويُرَدُّ إلى سَيِّدِه إن عُلِمَ به قبلَ قَسْمِه. ويُسْتَتابُ فإن تاب وإلَّا قُتِلَ، وإن لم يُعْلَمْ به حتى قُسِمَ، لم يُرَدَّ إلى سَيِّدِه، في إحْدَى الرِّوايَتَين. والأُخرَى، إنِ اخْتارَ سَيِّدُه أخْذَه بالثَّمَنِ الذي حُسِبَ به على آخِذِه أخَذَه وإن لم يَختَرْ أخْذَه، بَطَل تَدْبِيرُه. ومتى عاد إلى سَيِّدِه بوَجْهٍ مِن الوُجُوهِ، عادَ تَدْبِيرُه. وإن لم يَعُدْ إلى سَيدِه، بَطَل تَدْبِيرُه، كما لو بِيعَ وكان رقِيقًا لمَن هو في يَدِه. وإن مات سَيِّدُه قبلَ سَبْيِه عَتَقَ. فإن سُبِيَ بعدَ هذا لم يُرَدَّ إلى وَرَثَةِ سَيِّدِه؛ لأنَّ مِلْكَه زال عنه بحُرِّيتِه، فصار كأحْرارِ دارِ الحَرْبِ، ولكن يُسْتَتابُ، فإن تاب وأسْلَمَ صارَ رَقِيقًا، يُقْسَمُ بينَ الغانِمينَ. وإن لم يَتُبْ قُتِلَ، ولم يَجُزِ اسْتِرْقاقُه؛ لأنَّه لا يُقَرُّ على كُفْرِه. وقال القاضي: لا يَجُوزُ اسْتِرْقاقُه إذا أسْلَمَ. وهو قولٌ للشافعيِّ؛ لأنَّ في اسْتِرْقاقِه إبطَال ولاءِ المسلمِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذي (1) أعْتَقَه. ولَنا، أنَّ هذا لا يَمْنَعُ قَتْلَه، وإذْهابَ نفسِه وولائه، فلأنْ لا يَمْنَعَ تَمَلُّكَه أوْلَى، ولأنَّ المَمْلُوكَ الذي لم (2) يُعْتِقْه سيدُه يَثْبُتُ المِلْكُ فيه للغانِمين إذا لم يُعْرَفْ مالِكُه بعَينِه، ويَثْبُتُ فيه إذا قُسِمَ قبلَ العِلْمِ بمالِكِه، والمِلْكُ آكَدُ مِن الولاءِ، فلأنْ يَثْبُتَ مع الولاءِ وحدَه أوْلَى. فعلى هذا، لو كان المُدَبَّرُ ذِميًّا فلَحِقَ بدارِ الحربِ، ثم مات سَيدُه، أو أعْتَقَه، ثم قَدَر عليه المسلمون فسَبَوْه، ملَكُوه وقَسَمُوه. وعلى قولِ القاضي، وقولِ الشافعيِّ، لا يَمْلِكُونه. فإن كان سَيدُه ذِميًّا، جاز اسْتِرْقاقُه في قولِ القاضي. ولأصحاب الشافعيِّ في اسْتِرْقاقِه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يجوزُ. وهذا حُجَّةٌ عليهم؛ لأنَّ عِصْمَةَ مالِ الذِّميِّ كعِصْمَةِ مالِ المسلمِ، بدليلِ قَطعِ سارِقِه (3) سواءٌ كان مسلمًا أو ذِميًّا، ووُجُوبِ ضَمانِه، وتَحْرِيم تَمَلكِ مالِه إذا أخَذَه الكفارُ ثم قَدَر عليه المسلمون فأدْرَكَه صاحِبُه قبلَ
(1) في الأصل: «إذا» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «سارقيه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القِسْمةِ. قال القاضي: الفَرْقُ بينَهما أنَّ سَيِّدَه ههُنا لو لَحِقَ بدارِ الحربِ جازَ تَمَلُّكُه، فجازَ تَمَلُّكُ عَتيقِه؛ بخِلافِ المسلمِ. قُلْنا: إنَّما جاز اسْتِرْقاقُ سَيِّدِه؛ لزوالِ عِصْمَتِه، وذَهابِ عاصِمِه، وهو ذِمَّتُه وعَهْدُه، وأمَّا إذا ارْتَدَّ مُدَبَّرُه، فإنَّ عِصْمةَ ولائِه ثابتةٌ بعِصْمَةِ مَن له وَلاؤُه، وهو والمسلمُ في ذلك سواءٌ، فإذا جاز إبْطالُ أحَدِهما، جاز في الآخرِ مثلُه.
فصل: فإنِ ارْتَدَّ سَيِّدُ المُدَبَّرِ، فذكَرَ القاضي أنَّ المذهبَ أنَّه يكونُ مَوْقوفًا، فإن عاد إلى الإسلامِ فالتَّدْبِيرُ باق بحالِه؛ لأنَّا (1) تَبَينا أنَّ مِلْكَه لم يَزُلْ، وإن قُتِلَ أو مات على رِدَّتِه لم يَعْتِقِ المُدَبَّرُ؛ لأنَّا تَبَّينّا أن مِلْكَه زال برِدَّتِه. وقال أبو بكرٍ: قياسُ قولِ أبي عبدِ اللهِ، أنَّ تَدْبِيرَه يَبْطُلُ
(1) في م: «وإلا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالرِّدَّةِ، فإن عاد إلى الإِسْلام استأْنَف التَّدْبيرَ. وقال الشافعيُّ: التَّدْبِيرُ باقٍ، ويَعْتِقُ بمَوتِ سَيِّدِه؛ لَأنَّ تَدْبِيرَه سَبَقَ رِدَّتَه، فهو كبَيعِه وهِبَتِه قبلَ ارْتِدادِه. وهذا يَنْبَني على القولِ في مالِ المُرْتَدِّ، هل هو باق على مِلْكِه، أو قد زال برِدَّتِه؟ وسيُذْكَرُ في بابِ المُرْتَدِّ. فأمّا إن دَبَّرَ في حالِ رِدَّتِه، فتَدْبِيرُه مُراعًى؛ إن عاد إلى إلإِسْلامِ تَبَيَّنّا أنَّ تَدْبِيرَه وَقَعَ صَحِيحًا، وإن قُتِلَ أو مات تَبَيَّنّا أنَّه وَقَعَ بَاطِلًا، ولم يَعْتِقِ المُدَبَّرُ. وقال ابنُ أبي موسى: تَدْبِيرُه باطلٌ. وهو قولُ أبي بكرٍ؛ لأنَّ المال يزولُ بالرِّدَّةِ، وإذا أسْلَمَ رُدَّ إليه تَملُّكًا (1) مُسْتَأنَفًا.
(1) في الأصل: «تمليكا» .