الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ يَتْبَعُهَا.
ــ
وإن أعْتَقَه سيدُه عَتَقَ، وصارُوا رَقِيقًا للسيدِ، كما لو عَجَزَ؛ لأنَّ كِتابَتَه تَبْطُلُ بعِتْقِه، كما تَبْطُلُ بموتِه. وعلى ما اخْتارَه شيخُنا يَعْتِقُون؛ لأنَّه عَتَقَ قبلَ فَسْخِ الكِتابَةِ، فوَجَبَ أن يَعْتِقُوا، كما لو عَتَقَ بالإِبْراءِ مِن مالِ الكِتابَةِ، أو بأدَائِه، يُحَقِّقُ هذا أنَّ الكِتابَةَ عَقْدٌ لازِمٌ، يَسْتَفِيدُ بها المُكاتَبُ مِلْكَ رَقِيقِه وأكسابَه، ويَبْقَى حَقُّ السيدِ في مِلْكِ رَقَبَتِه على وجْهٍ لا يَزُولُ إلَّا بالأداءِ (1)، أو ما يقومُ مَقامَه، فلا يَتَسَلَّطُ السيدُ على إبْطالِها فيما يَرْجِعُ إلى إبْطالِ حَقِّ المُكاتَبِ، وإنَّما يَتَسَلَّطُ على إبْطالِ حَقِّه منِ رَقَبَةِ المُكاتَبِ، فيَنْفُذُ في مالِه دُونَ مال المُكاتَبِ. وقد ذَكَرْنا مثْلَ هذا فيما مَضَى. وإن مات المُكاتَبُ ولم يُخَلِّفْ وَفَاءً عادوا رَقِيقًا. وقال أبو يُوسُفَ، ومحمدٌ: يَسْعَوْنَ في الكِتابَةِ على نُجُومِها، وكذلك [أُمُّ وَلَدِه](2). وقال أبو حنيفةَ، في الوَلدِ خاصَّةً: إن جاء بالكتابةِ حالَّةً قُبِلَتْ منه، وعَتَقَ. ولَنا، أنَّه عَبْدٌ للمُكاتَبِ، فصارَ بموتِه لسيدِه إذا لم يُخَلِّفْ وَفَاءً، كالأخنَبِيِّ. وإن خَلَّفَ وَفَاءً، انْبَنَى على الرِّوايَتَين في فَسْخِ الكِتابَةِ، على ما تَقَدَّمَ.
3000 - مسألة: (ووَلَدُ المُكاتَبَةِ الذي وَلَدَتْه في الكِتابَةِ يَتْبَعُها)
تَصِحُّ كِتابَةُ الأمَةِ كما تَصِحُّ كتابةُ العبدِ، بغيرِ خِلافٍ. وقد دَلَّ عليه حَدِيث
(1) في الأصل: «بأدائه» .
(2)
في م: «أم وولده» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَرِيرَةَ (1)، وحديثُ جُوَيرِيةَ (2) بنتِ الحارِثِ، ولأنَّها داخِلَةٌ في عُمُومِ قولِه تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيرًا} (3). فإذا أتَتِ المُكاتَبَةُ بوَلَدٍ مِن غيرِ سيدِها مِن نِكاحٍ أو غيرِه، فهو تَابعٌ لها، فإن عَتَقَتْ بالأداءِ أو بالإِبْراءِ عَتَقَ، وإن فُسِختْ كِتابَتُها وعادَتْ إلى الرِّقِّ، عادَ رَقِيقًا قِنًّا. وهذا قولُ شُرَيحٍ، ومالكٍ، والثَّوْرِيِّ، وأبي حنيفةَ، وإسحاقَ. وسواءٌ في هذا ماكان حَمْلًا حال الكِتابَةِ، أو حَدَثَ بَعدَها. وقال أبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: هو عَبْدٌ قِنٌّ، لا يَتبعُ أُمَّه. وللشافعيِّ قوْلان، كالمَذْهَبَين. واحْتَجُّوا بأنَّ الكِتابَةَ غيرُ لازِمَةٍ مِن جِهَةِ العَبْدِ، فلا تَسْرِي إلى الوَلَدِ، كالتعليقِ بالصفةِ. ولَنا، أنَّ الكِتابَةَ سَبَبٌ ثابِتٌ للعِتْقِ لا يجوزُ إبْطالُه، فسَرَى إلى الولدِ، كالاسْتِيلادِ، ويُفارِقُ التعليقَ بالصِّفَةِ، فإنَّ السيدَ يَمْلِكُ إبْطاله بالبَيعِ.
(1) تقدم تخريجه في 11/ 234، 235.
(2)
في م: «جويرة» . والحديث تقدم تخريجه في صفحة 194.
(3)
سورة النور 33.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا ثَبَتَ هذا، فالكلامُ في الولدِ في فُصُولٍ أرْبَعَةٍ: في قِيمَتِه إذا تَلِفَ، وفي كَسْبه، وفي نَفَقَتِه، وفي عِتْقِه. أما قِيمَتُه إذا تَلِفَ، فقال أبو بكرٍ: هي (1) لأُمِّهِ، تَسْتَعِينُ بها على كِتابَتِها؛ لأنَّ السيدَ لا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فيه مع كونِه عبدًا، فلا يَسْتَحِقُّ قِيمَتَه؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ جُزْءٍ منها ولو جُنِيَ على جُزْءٍ منها، كان أرْشُه لها، كذلك وَلَدُها، وإذا لم يَسْتَحِقَّها هو كانت لأمِّه؛ لأنَّ الحَقَّ لا يَخْرُجُ عنهما، ولأنَّ وَلَدَها لو مَلَكَتْه بهِبَةٍ وشراءٍ فَقُتِلَ (2)، كانت قِيمَتُه لها، فكذلك إذا تَبِعَها. يُحَقِّقُه أنَّه إذا تَبِعَها صار حُكْمُه حُكْمَها، فلا يَثْبُت مِلْكُ السيدِ في مَنافِعِه ولا في أرْشِ الجنايَةِ عليه، كما لا يَثْبُتُ له ذلك فيها. وقال الشافعيُّ، في أحَدِ قولَيه: تكَونُ القِيمَةُ لسيدِها؛ لأنَّها لو قُتِلَتْ كانت قِيمَتُها لسيدِها، فكذلك وَلَدُها. والفَرْقُ بينَهما أنَّ الكِتَابَةَ تَبْطُلُ بقَتْلِها، فيَصِيرُ (3) مالُها لسيدِها، بخِلافِ وَلَدِها، فإنَّ العَقْدَ باقٍ بعدَ قَتْلِه، فنَظِيرُ هذا إتْلافُ بعضِ أعْضائِها.
(1) في الأصل: «هو» .
(2)
في الأصل: «فقبل» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والحُكْمُ في إتْلافِ بَعْضِ أعْضائِه، كالحُكْمِ في إتْلافِه.
وأمَّا كَسْبُه وأَرشُ الجِنايَةِ عليه، فيَنْبَغِي أن يكونَ لأُمِّه أيضًا؛ لأنَّ وَلَدَها جُزْءٌ منها تابعٌ لها، فأشْبَهَ بَقِيَّةَ أجْزائِها، ولأنَّ أداءَها لكِتابتِها سَبَبٌ لعِتْقِه وحُصُولِ الحُرِّيَّةِ له، فيَنْبَغِي أن يُصْرَفَ ذلك فيه؛ [لأنَّ صرفَه فيه](1) بمَنْزِلَةِ صَرْفِه إليه، إذ في عَجْزِها رِقُّه وفَواتُ كَسْبِه عليه.
وأمَّا نَفَقَتُه، فعلى أمِّه؛ لأنَّها تابِعَةٌ لكَسْبِه، وكَسْبُه لها، ونَفَقَتُه عليها.
وأمَّا عِتْقُه، فإَّنه يَعْتِقُ بأدائِها أو إبْرائِها، ويَرِقُّ بِعَجْزِها؛ لأنَّه تَابعٌ لها.
وإن ماتَتِ المُكاتَبَةُ في كِتابَتِها بَطَلَتِ كِتابَتُها، وعاد رَقِيقًا قِنًّا، إلَّا أن تُخلِّفَ وَفَاءً، فيكونَ على الرِّوايَتَين. وإن أعْتَقَها سَيدُها لم يَعْتِقْ وَلَدُها؛ لأنَّه إنَّما تَبِعَها في حُكْمِ الكِتابَةِ، وهو العِتْقُ (2) بَالأداءِ، وما حَصَلَ الأداءُ، إنَّما حَصَل عِتْقُها بأمرٍ (3) لا يَتْبَعُها فيه، فأشْبَهَ ما لو لم (4)
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «التعلق» .
(3)
في الأصل: «بالأمر» .
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَكُنْ مُكاتَبَةً. ومُقْتَضَى قولِ أصحابِنا الذين قالوا: تَبْطُلُ كِتابَتُها بعِتْقِها. أنْ يَعُودَ وَلَدُها رَقِيقًا. ومُقْتَضَى قولِ شيخِنا، أنَّه (1) يَبْقَى على حُكْمِ الكِتابَةِ، ويَعْتِقُ بالأداءِ؛ لأنَّ العَقْدَ لم يوجَدْ ما يُبْطِلُه، وإنَّما سَقَط الأداءُ عنها؛ لحُصُولِ الحُرِّيَّةِ بدُونِه، فإذا لم يكنْ لها وَلَدٌ يَتْبَعُها في الكِتابَةِ، ولا في يَدِها مالٌ يأخُذُه، لم يَظْهَرْ حُكْمُ بَقاءِ العَقْدِ، ولم يكُنْ في بقائِه فائِدَةٌ (1)، فانْتَفَى [لانْتِفاءِ فائِدَتِه، وفي مسألتِنا](2)، في بقائه فائِدَةٌ؛ لإِفْضائِه إلى عِتْقِ وَلَدِها، فيَنْبَغِي أنْ يَبْقَى. ويَحْتَمِلُ أن يَعْتِقَ بإعْتاقِها؛ لأنَّه جَرَى مَجْرَى إبْرائِها مِن المالِ، والحُكْمُ فيما إذا عَتَقَتْ باسْتِيلادٍ أو تَدْبِيرٍ أو تَعْلِيقٍ بصِفةٍ (3) كالحُكْمِ فيما إذا أعْتَقَها؛ لأنَّها عَتَقَتْ بغيرِ الكِتابَةِ. وإن أعْتَقَ السيدُ الوَلَدَ دُونَها صَحَّ عِتْقُه. نَصَّ عليه أحمدُ، في روايةِ مُهَنَّا؛ لأنَّه مَمْلوكٌ له (1)، فصَحَّ عِتْقُه، كأُمِّه (4)، ولأنَّه لو أعْتَقَه مَعَها صَحَّ عِتْقُه، ومَن صَحَّ عِتْقُه مع غيرِه صَحَّ مُفْرَدًا، كسائِرِ ممالِيكِه. قال القاضي: وقد كان يَجِبُ أنْ لا يَنْفُذَ عِتْقُه؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا بأُمِّه؛ لتَفْوِيتِ كَسْبِه عَلَيها، فإنَّها كانت تَسْتَعِينُ به في كِتابَتِها، ولعلَّ أحمدَ نَفَّذَ عِتْقَه تَغْلِيبًا للعِتْقِ، والصَّحِيحُ أنَّه يَعْتِقُ، وما ذَكَرَه القاضي مِن الضَّرَرِ لا يَصِحُّ؛ لِوجُوهٍ: أحدُها، أنَّ الضَّرَرَ إنَّما يَحْصُلُ في حَقِّ مَن له كَسْبٌ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «نصفه» .
(4)
في الأصل: «كالأمة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَفْضُلُ عن نَفَقَتِه، فأمَّا مَن لا كَسْبَ له، فتَخْلِيصُها مِن نفَقَتِه نَفْعٌ مَحْضٌ، ومَن له كَسْبٌ لا يَفْضُلُ عن نَفَقَتِه، فلا ضَرَرَ في إعْتاقِه؛ لأنَّه لا يَفْضُلُ لها مِن كَسْبِه شَيءٌ تَنْتَفِعُ به، فكان يَنْبَغِي أنْ يُقَيِّدَ الحُكْمَ الذي ذَكَرَه بهذا القَيدِ. الثاني، أنَّ النَّفْعَ بكَسْبِة ليس بواجِبٍ لها؛ لأنَّها لا تَمْلِكُ إجْبارَه على الكَسْبِ، فلم يكنِ الضَّرَرُ بفَواتِه مُعْتَبَرًا في حَقِّها. الثالثُ، أنَّ مُطْلَقَ الضَّرَرِ لا يَكْفِي في مَنْعِ العِتْقِ الذي تحَقَّق مُقتَضِيه، ما لم يكُنْ له أصْلٌ يَشْهَدُ له بالاعْتِبارِ، ولم يَذْكُرْ له أصْلًا، ثم هو مُلْغًى بعِتْقِ المُفْلِسِ والرَّاهِنِ وسِرايَةِ العِتْقِ إلى مِلْكِ الشَّرِيكِ، فإنَّه يَعْتِقُ مع وُجودِ الضَّرَرِ بتَفْويتِ الحَقِّ اللَّازِمَ، فهذا أوْلَى.
فصل: فأمَّا وَلَدُ وَلَدِها، فإنَّ ولَدَ ابنِها حُكْمُه حُكْمُ أُمِّه، لأنَّ وَلَدَ المكاتَبِ لا يَتْبَعُه، وأمَّا وَلَدُ بِنْتِها فهو كبِنْتِها. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا تَسْرِي الكِتابَةُ إليه؛ لأنَّ السِّرايَةِ إنَّما تكونُ مع الاتِّصالِ، وهذا وَلَدٌ مُنْفَصِلٌ، فلا يَسْرِي إليه، بدَلِيلِ أنَّ ولدَ (1) أُمِّ الوَلدِ قبلَ أن يَسْتَوْلِدَها لا يَسْرِي إليه الاسْتِيلادُ، وهذا الولَدُ اتَّصَلَ بأُمِّه دُونَ جَدَّتِه. ولَنا، أنَّ ابْنَتَها ثَبَتَ (2) لها حُكْمُها تَبَعًا، فيَجِبُ أن يَثْبُتَ لابْنَتِها حُكْمُها تَبَعًا، كما ثَبَتَ لها حكمُ أمِّها. ولأنَّ البِنْتَ تَبِعَتْ أمَّها، فيَجِبُ أنْ يَتْبَعَها وَلَدُها؛ لأنَّ عِلَّةَ إتْباعِها لأُمِّها مَوْجُودَةٌ في وَلَدِها، ولأنَّ البِنْتَ تَعَلَّقَ بها حَقُّ العِتْقِ، فيجبُ أن يَسْرِيَ إلى وَلَدِها، كالمُكاتَبَةِ. وهذا
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «بنت» .