الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإذَا أَدَّى وَعَتَقَ، فَوَجَدَ السَّيِّدُ بِالْعِوَضِ عَيبًا، فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ.
ــ
فصل: وإن صالحَ المُكاتَبُ سيدَه عمَّا (1) في ذِمَّتِه بغيرِ جِنْسِه، مثْلَ أن يُصالِحَ عن النُّقودِ بحِنْطَةٍ أو شَعيرٍ، جاز، إلَّا أنَّه لا يَجُوزُ أن يُصالِحَه على شيءٍ مؤَجَّلٍ، لأنَّه يكونُ بَيعَ دَينٍ بدَينٍ. وإن صالحَه عن الدَّراهِمِ بدنانِيرَ، أو عن الحِنْطَةِ بشَعيرٍ، لم يَجُزِ التَّفَرُّقُ قبلَ القَبْضِ، لأنَّ هذا بَيعٌ في الحقيقَةِ فيُشْتَرَطُ له القبضُ في المجلِسِ. وقال القاضي: يَحْتَمِلُ أنْ لا تَصِحَّ هذه المُصالحةُ مُطْلَقًا، لأنَّ هذا دَينٌ (2) مِن شَرْطِه التَّأجِيلُ، فلم تَجُزِ المُصالحَةُ عليه بغيرِه، ولأنَّه دَينٌ غيرُ مُسْتَقِرٍّ، فهو كدَينِ السَّلَمِ. وقال ابنُ أبي موسى: لا يجري الرِّبَا بينَ المُكاتَبِ وسيدِه. فعلى قولِه: تجوزُ المُصالحَةُ كيفَما كانت كما تَجُوز بينَ العبدِ القِنِّ وسيدِه. والأَوْلَى ما ذَكَرْناه. ويُفارِقُ دَينُ الكِتابةِ دَينَ السَّلَمِ، فإنَّه يُفارِقُ سائِرَ الدُّيُونِ بما ذَكَرْنا في هذه المسألةِ، فمُفارَقَتُه لدَينِ السَّلَمِ أعْظَمُ.
2990 - مسألة: (وإذا أدَّى وعَتَقَ، فوجَدَ السيدُ بالعِوَضِ عيبًا، فله أَرْشُه أو قِيمَتُه، ولا يَرْتَفِعُ العِتْقُ)
وجملةُ ذلك، أنَّ المُكاتَبَ إذا دَفَعَ
(1) في الأصل: «على ما» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العِوَضَ في الكتابةِ فبانَ مُسْتَحَقًّا، تَبَيَّنَ أنَّه لم يَعْتِقْ، وكان وُجُودُ هذا الدَّفع كعدَمِه، لأنَّه لم يُؤَدِّ الواجِبَ عليه، وقيلَ له: إن أدَّيتَ الآنَ، وإلَّا فُسِخت كِتابتُك. وإن كان قد مات بعدَ الأداءِ، فقد مات عَبْدًا، فإن بانَ مَعِيبًا، مثلَ أن كاتَبَه على عُرُوضٍ مَوْصُوفَةٍ، فقَبَضَها، فأصابَ بها عَيبًا بعدَ قَبْضِها، نَظَرْتَ؛ فإن رَضِيَ بذلك وأمْسَكَها اسْتَقَرَّ العِتْقُ. فإن قيل: كيف (1) يَسْتَقِرُّ العِتْقُ ولم يُعْطِه جَمِيعَ ما وَقَعَ عليه العَقْدُ؛ فإنَّ ما يُقابِلُ العَيبَ لم يَقْبِضْه، فأشْبَهَ ما لو كاتَبَه على عَشرَةٍ، فأعْطاه تِسْعَةً. قُلْنا: إمساكُه العَيبَ راضِيًا به رضًا منه بإسقاطِ حَقِّه، فجرَى مَجرَى إبْرائِه مِن بَقِيَّةِ كِتابَتِه. وإنِ اخْتارَ إمساكَه وأخْذَ أَرْشِ العَيبِ.، أو رَدَّه، فله ذلك.
قال أبو بكرٍ: وقياسُ قولِ أحمدَ أنَّه لا يَبْطُلُ العِتْقُ، وليس له الرَّدُّ وله الأرْشُ، لأنَّ العِتْقَ إتْلافٌ واسْتِهلاك، فإذا حُكِمَ بوُقوعِه لم يَبْطُلْ، كعَقْدِ الخُلْعِ، ولأنَّه ليس المَقْصُودُ منه المال، فأشْبَهَ الخُلْعَ. وقال القاضي:
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يتَوَجَّهُ أنَّ له الرَّدَّ، ويُحْكَمُ بارتفاعِ العِتْقِ الواقِعِ؛ لأنَّ العِتْقَ إنَّما يَسْتَقِرُّ باسْتِقْرارِ الأَدَاءِ، وقد ارْتَفَعَ الأداءُ، فارْتَفَعَ العِتْقُ. وهذا مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ الكِتابَةَ عَقْدُ مُعاوَضَةٍ يلْحَقُه الفَسْخُ بالتَّراضِي، فوَجَبَ أن يُفْسَخَ بوُجودِ العَيبِ، كالبَيعِ. وإنِ اخْتارَ إمساكَه وأخْذَ الأَرشِ فله ذلك، وتَبَيَّنَ أنَّ العِتقَ لم يَقَعْ؛ لأنَّنا تَبَيَّنًا أنَّ ذِمَّتَه لم تَبْرَأْ مِن مالِ الكِتابةِ، ولا يَعْتِقُ [قبلَ ذلك، وظَنُّ](1) وُقُوعِ العِتْقِ لا يُوقِعُه إذا بأن الأمْرُ بخِلافِه؛ كما لو بأن العِوَضُ مُسْتَحَقًّا. وإن تَلِفَتِ العَينُ عندَ السيدِ، أو حَدَثَ بها عندَه عَيبٌ، اسْتَقَرَّ أَرشُ العَيبِ، والحُكْمُ في ارتِفَاعِ العِتْقِ على ما ذَكَرنا فيما مَضَى.
ولو قال السيدُ لعبدِه: إن أعْطَيتَنِي عبدًا فأنتَ حُرٌّ. فأعْطاه عبدًا، فبان حرًّا أو مُسْتَحَقًّا، لم يَعْتِقْ بذلك؛ لأنَّ معناه: إن أعْطَيتَنِيه مِلْكًا، ولم يُعْطِه إيَّاه مِلْكًا، ولم يُمَلِّكْه إيَّاه.
(1) في م: «قبل ظن» .
فَصْلٌ: وَيَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ أَكْسَابَهُ، وَمَنَافِعَهُ، وَالشِّرَاءَ، وَالْبَيعَ، وَالإِجَارَةَ، وَالاسْتِئْجَارَ، وَالسَّفَرَ، وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ، وَالإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ، وَكُلَّ مَا فِيهِ صَلَاحُ المَالِ.
ــ
فصل: وإذا دَفَعَ إليه مال الكتابةِ ظاهِرًا، فقال له السيدُ: أنتَ حُرٌّ. أو قال: هذا حُرٌّ. ثم بان العِوَضُ مُسْتَحَقًّا، لم يَعْتِقْ بذلك، لأنَّ ظاهِرَه الإِخْبارُ عمَّا حَصَلَ له بالأداءِ، فلو ادَّعَى المُكاتَبُ أنَّ السيدَ قَصَدَ بذلك عِتْقَه، وأنْكَرَ السيدُ، فالقولُ قولُ السيِّدِ مع يَمينه؛ لأنَّ الظاهِرَ معه، وهو أَخبَرُ بما نوى.
فصل: قال، رضي الله عنه:(وَيَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ أَكْسَابَهُ، وَمَنَافِعَهُ، وَالشِّرَاءَ، وَالْبَيعَ، وَالإِجَارَةَ، وَالاسْتِئْجَارَ، وَالسَّفَرَ، وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ، وَالإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ، وَكُلَّ مَا فِيهِ صَلَاحُ المَالِ)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَمْلِكُ المُكاتَبُ أَكْسابَه ومنافِعَه، والشراءَ والبَيعَ، بإِجْماعِ أهلِ العلمِ؛ لأنَّ عَقْدَ الكِتابةِ لتَحْصِيلِ العِتْقِ، ولا يَحْصُلُ إلَّا بأداءِ عِوَضِه، ولا يُمْكِنُه الأداءُ إلَّا بالاكْتِسابِ، والبَيعُ والشِّراءُ مِن أقْوَى جِهَاتِ الاكتِسابِ، فإنَّه قد جاء في بعضِ الآثارِ أنَّ تِسْعَةَ أعشار الرِّزْقِ في التجارَةِ (1)، ويَمْلِكُ الإِجارَةَ والاسْتِئْجارَ قِياسًا على البَيعِ والشِّراءِ، ويَمْلِكُ السَّفَرَ قَرِيبًا كان أو بَعيدًا. وهذا قولُ الشَّعْبِيِّ، والنَّخَعِيِّ، والحسنِ بنِ صالح، وأبي حنيفةَ. وقد أطْلَقَ أصْحابُنا القولَ في ذلك، ولم يُفَرِّقُوا بينَ السَّفَرِ الطويل وغيرِه. وقياسُ المذهبِ، أنَّ له مَنْعَه مِن سَفرٍ تَحِلُّ نُجُومُ كتابتِه قبلَه؛ لأنَّه يَتَعَذَّرُ معه اسْتِيفاءُ النُّجُومِ في وَقْتِها والرُّجُوعُ في رِقِّه عندَ عَجْزِه، فمُنِعَ منه، كالغَرِيمِ الَّذي يَحِلُّ الدَّينُ عليه قبلَ مُدَّةِ سَفرِه. واخْتَلَفَ [قولُ الشافعيِّ](2)، فقال في موضع: له السَّفَرُ. وقال في موضعٍ: ليس
(1) عزاه ابن حجر في المطالب العالية 1/ 409 إلى مسدد، عن نعيم بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال البوصيري: رواه مسدد مرسلا بسند صحيح.
(2)
في م: «قوله» .