الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ أحْكَامُ الْأَمَةِ، فِي الإِجَارَةِ، وَالاسْتِخْدَام، وَالْوَطْءِ، وَسَائِرِ أُمُورِهَا، إلا فِيمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِي رَقَبَتِهَا؛ كَالْبَيعَ، وَالْهِبَةَ، وَالْوَقْفِ، أَوْ مَا يُرَادُ لَهُ؛ كَالرَّهْنَ. وَعَنْهُ، مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيعِها مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَا عَمَلَ عَلَيهِ.
ــ
3045 - مسألة: (وأحكامُ أُمِّ الوَلَدِ أحْكامُ الأمَةِ، في الإِجارَةِ، والاسْتِخْدامِ، والوَطْءِ، وسائِرِ أمُورِهَا، إلَّا فيما يَنْقُلُ المِلْكَ في رَقَبَتِها؛ كالبَيعِ، والهِبَةِ، والوَقْفِ، أو ما يُرادُ له؛ كالرَّهْنِ. وعنه، ما يَدُلُّ على جَوازِ بَيعِها مع الكَراهَةِ. ولا عَمَلَ عليه)
وجملةُ ذلك، أنَّ الأمَةَ إذا حَمَلَتْ مِن سيدِها، ووَلَدَتْ منه، ثَبَتَ لها حُكْمُ الاسْتِيلادِ، وحُكْمُها حكمُ الإِماءِ في حِلِّ وَطْئِها لسيدِها، واسْتِخْدامِها، ومِلْكِ كَسْبِها، وتَزْويجِها، وإجارَتِها، وعِتْقِها، وتَكْلِيفِها، وحَدِّها، وعَوْرَتِها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا (1) قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وحُكِيَ عن مالكٍ، أنَّه لا يَمْلِكُ إجارَتَها وتَزْويجَها؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ بَيعَها، فلا يَمْلِكُ تَزْويجَها وإجارَتَها، كالحُرَّةِ. ولَنا، أنَّها مَمْلوكَةٌ يُنْتَفَعُ بها، فيَمْلِكُ سيدُها تَزْويجَها وإجارَتَها، كالحُرَّةِ، وإنَّما منِعَ بَيعَها؛ لأنها اسْتَحَقَّتْ أن تَعْتِقَ بمَوْتِه، وبَيعُها يَمْنَعُ ذلك، بخِلافِ التَّزْويجِ والإِجارَةِ. ويبْطُلُ دليلُهم بالمَوْقوفَةِ والمُدَبَّرَةِ عندَ مَن مَنَعَ بَيعَها. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّها تُخالِفُ الأمَةَ القِنَّ، في أنَّها تَعْتِقُ بمَوْتِ سيدِها مِن رأسِ المالِ، ولا يجوزُ بَيعُها، ولا التَّصَرُّفُ فيها بما يَنْقُلُ المِلْكَ، مِن الهِبَةِ والوَقْفِ، ولا ما يُرادُ للبَيعِ، وهو الرَّهْنُ، ولا تُورَثُ؛ لأنَّها تَعْتِقُ بمَوْتِ سيدِها ويَزُولُ المِلْكُ عنها. رُوِيَ هذا عن عمرَ، وعثمانَ، وعائشةَ، وعامَّةِ الفُقهاءِ. ورُوِيَ عن عليٍّ، وابنِ عباسٍ، وابنِ الزُّبَيرِ، إباحَةُ بَيعِهنَّ. وإليه ذَهَبَ داودُ. [قال سعيدٌ] (2): حدثنا سفيانُ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ، في أُمِّ الولدِ، قال:
(1) في الأصل: «غير هذا» .
(2)
في م: «قال حدثنا سعيد» . وهو في: السنن 2/ 63. كما أخرجه الرزاق، في: المصنف 7/ 290.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بِعْهَا كما تَبِيعُ ثِيابَك أو بَعِيرَكَ. قال (1): وحدثنا أبو عَوَانَةَ، عن مُغِيرَةَ، عن الشَّعْبِيِّ، عن عَبِيدَةَ، قال: خَطَبَ عَليٌّ الناسَ، فقال: شاوَرَنِي عمرُ في أُمَّهاتِ الأولادِ، فرَأَيتُ أنا وعمرُ أن أعْتِقَهُنَّ، فقَضَى به عمرُ حَياتَه، وعثمانُ حياتَه، فلمَّا وَلِيتُ رأيتُ أن أُرِقَّهُنَّ. قال عَبِيدَةُ: فرَأْيُ عمرَ وعليٍّ في الجماعَةِ أحَبُّ إلينا مِن رَأْيِ عَلِيٍّ وحْدَه. وقد روَى صالِحُ بنُ أحمدَ، قال: قُلْتُ لأبي: إلى (2) أيِّ شيءٍ تَذْهَبُ في بَيعِ أُمَّهاتِ الأوْلادِ؟ قال: أكْرَهُه، وقد باعَ عليُّ بنُ أبي طالِبٍ. وقال في رِوايةِ إسحاقَ بنِ منصورٍ: لا يُعْجِبُنِي بَيعُهنَّ. قال أبو الخَطَّابِ: وظاهِرُ هذا أنَّه يَصِحُّ بَيعُهُنَّ مع الكَراهَةِ. فجعلَ هذا رِوَايةً ثانيةً (3) عن أحمدَ. قال شيخُنا (4): والصَّحِيحُ أنَّ هذا ليس برِوايةٍ مخالِفَةٍ لقولِه: إنَّهُنَّ لا يُبَعْنَ. لأنَّ السَّلَفَ، رَحْمَةُ اللهِ عليهم، كانوا يُطْلِقُونَ الكَراهَةَ على التَّحْرِيم كثيرًا، ومتى كان التَّحْرِيمُ والمَنْعُ مُصَرَّحًا به في سائِرِ الرِّواياتِ عنه، وَجَبَ حَمْلُ هذا اللَّفْظِ المُحْتَمِلِ على المُصَرَّحِ به، ولا يُجْعَلُ ذلك اخْتِلافًا. وحُجَّةُ مَن أجاز بَيعَهُنَّ، ما روَى جابرٌ، قال: بِعْنَا أُمَّهاتِ الأوْلادِ على
(1) في السنن 2/ 60، 61. وابن أبي شيبة، في: المصنف 6/ 436، 437. والبيهقي، في: السنن الكبرى 10/ 343.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «ثابثة» .
(4)
في: المغني 14/ 585.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَهْدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، [فلمَّا كان عمرُ، نَهانَا، فانْتَهَينا (1). وما كان جائِزًا في عَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ](2)، لم يَجُزْ نَسْخُه بقول عمرَ ولا غيرِه، ولأنَّ نَسْخَ الأحكامِ إنَّما يجوزُ في عصرِ (3) النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّ النَّصَّ إنَّما يُنْسَخُ بنَصٍّ. وأمَّا قولُ الصَّحابيِّ، فلا يَنْسَخُ، ولا يُنْسَخُ به، فإنَّ أصْحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كانوا يَتْرُكُونَ أقْوالهم لقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا يَتْرُكُونَها بأقْوالِهم، وإنَّما تُحْمَلُ مُخالفَةُ عمرَ لهذا النَّصِّ على أنَّه لم يَبْلُغْه، ولو بَلَغَه لم يَعْدُه إلى غيرِه. لأنَّها مَمْلوكَة لم يُعْتِقْها سيدُها، ولا شيئًا منها، ولا قرابَةَ بينَه وبينَها، فلم تَعْتِقْ، كما لو ولَدَتْ مِن أبيه (4) في نِكاح أو غيرِه. ولأنَّ الأصْلَ الرِّقُّ، ولم يَرِدْ بِزَوالِه نصٍّ ولا إجْماعٌ ولا ما في مَعْنَى ذلك، فوجَبَ البقاءُ عليه. ولأنَّ ولادَتَها لو كانت مُوجِبَةً لعِتْقِها، لَثَبَتَ العِتْقُ بها حينَ وُجودِها، كسائِرِ أسْبابِه. ورُوِيَ عن ابنِ عباسٍ رِوَايةٌ أُخْرَى، أنَّها تُجْعَلُ في سَهْمِ وَلَدِها لتَعْتِقَ عليه (5). قال سعيدٌ (6): حدثنا سُفيانُ، حدثنا الأعْمَشُ، عن زيدِ بنِ وَهْبٍ، قال: مات
(1) أخرجه أبو داود، في: باب عتق أمهات الأولاد، من كتاب العتق. سنن أبي داود 2/ 352.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في م: «عهد» .
(4)
في م: «ابنه» .
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: المصنف 6/ 440.
(6)
في السنن 2/ 63.كما أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 7/ 289، 290. وابن أبي شيبة، في: المصنف 6/ 438.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رجلٌ مِنَّا وتَرَكَ أُمَّ وَلَدٍ، فأراد الوَليدُ بنُ عُقْبَةَ أن يَبِيعَها في دَينِه، فأتَينا (1) عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ فَذَكَرْنا (2) ذلك له، فقال: إن كان ولابُدَّ، فاجْعَلُوها مِن نَصِيبِ أولادها. ولَنا، ما روَى عِكْرِمَةُ، عن ابنِ عباسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّما أَمةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِها، فهي حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» . وقال ابنُ عباسٍ: ذُكِرَتْ أُمُّ إبراهيمَ عندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:«أعْتَقَها ولَدُها» . روَاهما ابنُ ماجَه (3). وذكَر الشَّرِيفُ أبو جعفرٍ في «مسائِلِه» ، عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه نَهَى عن بَيعِ أُمَّهاتِ الأوْلادِ، ولا يُبَعْنَ، ولا يُرْهَنَّ، ولا يَرِثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بها سيدُها ما بدا له، فإن ماتَ فهي حُرَّةٌ (4). قال شيخُنا (5): وهذا فيما أظُنُّ عن عمرَ، ولا يَصِحُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ولأنَّه إجْماعُ الصَّحابَةِ، رضي الله عنهم، بدَليلِ قولِ عليٍّ: كان رَأْيي ورَأْيُ عمرَ، أن لا تُباعَ أمَّهاتُ الأوْلادِ. وقولِه: فقَضَى به عمرُ حياتَه، وعثمانُ حياتَه. وقولِ عَبيدَةَ: رأْيُ عليٍّ في الجماعَةِ أحَبُّ إلينا مِن رَأْيِه وَحْدَه. ورَوَى عِكْرِمَةُ عن ابنِ عباسٍ،
(1) في الأصل: «فأتيا» .
(2)
في الأصل: «فذكرا» .
(3)
الأول تقدم تخريجه في صفحة 421، والثاني في صفحة 415.
(4)
وأخرجه الدارقطني، في: كتاب المكاتب. سنن الدارقطني 4/ 134، 135. مرفوعًا وموقوفًا على عمر. وأخرجه الإمام مالك موقوفًا على عمر، في: باب عتق أمهات الأولاد. . . .، من كتاب العتق والولاء. الموطأ 2/ 776.
(5)
في: المغني 14/ 587.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: قال عمرُ: ما مِن رَجُلٍ كان (1) يُقِرُّ بأنَّه يَطَأُ جارِيَةً ثم يمُوتُ، إلَّا أعْتَقَها إذا وَلَدَت، وإن كان سَقْطًا (2). فإن قيلَ: فكيف تَصِح دَعْوَى الإِجْماعِ مع مُخالفَةِ علي وابنِ عباسٍ وابنِ الزُّبَيرِ. قُلْنا: قد رُوِيَ عنهم الرُّجوعُ عن المُخالفَةِ، فروَى عَبِيدَةُ، قال: بَعَثَ إليَّ عليٌّ وإلى شُرَيحٍ، فقال (3): اقْضُوا كما كُنْتُم تَقْضُون، فإنِّي أُبْغِضُ الاخْتلافَ (4). وابنُ عباسٍ قال: وَلَدُ أُمِّ الولدِ بمَنْزِلتِها. وهو الرَّاوي لحديثِ عِتْقِهنَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعن عمرَ، فيَدُلُّ على مُوافَقَتِه لهم. ثم قد ثَبَتَ الإِجْماعُ باتِّفاقِهم قبلَ المُخالفَةِ، واتِّفاقُهم مَعْصومٌ عن الخَطَأْ، فإنَّ الأمَّةَ لا تَجْتَمِعُ على ضَلالةٍ، ولا يجوزُ أنْ يَخْلُوَ زَمَنٌ عن قائِمٍ للهِ بحُجَّتِه، ولو جازَ (5) ذلك في بعضِ العَصْرِ لجازَ في جَميعِه، ورَأيُ المُوافِقِ في زَمَنِ الاتِّفاقِ خيرٌ مِن (6) رَأْيِه في الخلافِ بعدَه، فيكونُ الاتِّفاقُ حُجَّةً على المُخالِفِ له منهم، كما هو حُجَّةٌ على غيرِه. فإن قيلَ: فلو كان الاتِّفاقُ في بعضِ العَصْرِ إجْماعًا حَرُمَتْ مُخالفَتُه، فكيف خالفَه هؤلاء الأئمّةُ الذين لا تجوزُ نِسْبَتُهم إلى ارْتكابِ الحرَامِ؟ قُلْنا: الإِجْماعُ يَنْقَسِمُ إلى مَقْطوعٍ به ومَظْنُونٍ،
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 420.
(3)
بعده في م: «لي» .
(4)
أخرجه وكيع، في: أخبار القضاة 2/ 399.
(5)
في الأصل: «كان» .
(6)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا مِن المَظْنُونِ، فتُمْكِنُ [المُخالفَةُ منهم](1)، مع كَوْنِه حُجَّةً، كما وَقَعَ منهم مُخالفَةُ النُّصُوصِ الظَّنِّيَّةِ، ولم تَخْرُجْ بمُخالفَتِهم (2) عن كَوْنِها حُجَّةً، كذا ههُنا. فأمّا قولُ جابِرٍ: بعْنا أُمَّهاتِ الأوْلادِ على عَهْدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ. فليس فيه تَصْرِيحٌ بأنَّه كان بعِلْمِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا عِلْمِ أبي بكرٍ، فيكونُ ذلك وَاقِعًا منهم على انْفِرادِهم، فلا تكونُ فيه حُجَّةٌ، ويَتَعَيَّنُ حَمْلُ الأمْرِ على هذا؛ لأنَّه لو كان هذا واقِعًا بعِلْمِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ، وأقَرَّا عليه، لم تَجُزْ مُخالفَتُه، ولم يُجْمِعِ الصَّحابَةُ بعدَهُما على مُخالفَتِهما، ولو فعلُوا ذلك لم يَخْلُ مِن مُنْكِرٍ عليهم، ويَقولُ: كيف تُخالِفُون فِعْلَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وفعلَ صاحِبهِ (3)؟ وكيف تَتْرُكُونَ سُنتَّهَما، وتُحَرِّمُونَ ما أحَلًّا؟ ولأنَّه لو كان ذلك واقِعًا بعِلْمِهما، لاحْتَجَّ به عليٌّ حينَ رأى بَيعَهُنَّ، واحْتَجَّ به كلُّ مَن وَافَقَه على بَيعِهِنَّ، ولم يَجْرِ شيءٌ مِن هذا، فوجَبَ أنْ يُحْمَلَ الأمْرُ على ما حَمَلْناه عليه، فلا يكونُ فيه إذًا حُجَّةٌ. ويَحْتَمِلُ أنَّهم باعُوا أمَّهاتِ الأوْلادِ في النِّكاحِ لا في المِلْكِ.
فصل: ومَن أجازَ بَيعَهُنَّ، فعلى قولِه، إن لم يَبِعْها سَيدُها حتى مات، ولم يكُنْ له وارِث إلَّا ولدَها، عَتَقَتْ عليه، وإن كان له وارِثٌ سِوَى وَلدِها حُسِبَتْ مِن نصِيبِه، فعَتَقَتْ، وكان له ما بَقِيَ مِن مِيراثِه، وإن لم يَبْقَ شيءٌ
(1) في الأصل: «وقوع منهم لهم» .
(2)
في النسختين: «مخالفتهم» وانظر المغني 14/ 588.
(3)
في م: «صاحبيه» .