الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ وَالْمِلْكِ؛ فَأمَّا الْقَوْلُ فَصَرِيحُهُ لَفْظُ الْعِتْقِ
ــ
2911 - مسألة: (ويحْصُلُ العِتْقُ بالقَوْلِ والمِلْكِ)
ولا يَحْصُلُ بالنِّيَّةِ المُجَرَّدَةِ؛ لأنَّه إزالةُ مِلْكٍ، فلا يَحْصُلُ بالنِّيَّةِ المُجَرَّدَةِ،
وَالْحُرِّيَّةِ، كَيفَ صُرِّفَا.
ــ
كالطَّلاقِ. وألْفاظُهُ تَنْقَسِمُ إلى صريحٍ وكِنايَةٍ؛ فالصَّريحُ (لفْظُ العِتْقِ والحُرِّيَّةِ، كيف صُرِّفا) نحوَ: أنْت حُرٌّ -أو- مُحَرَّرٌ -أو- عَتِيقٌ -أو- مُعْتَقٌ -أو- أعْتَقْتُكَ. لأنَّ هذين اللَّفْظَين ورَدَا في الكِتابِ والسُّنَّةِ، وهما يُسْتَعْمَلانِ في العِتْقِ عُرْفًا، فمتى أتَى بشيءٍ مِن هذه الألْفاظِ حَصَل به العِتْقُ، سواءٌ نَوَاه أو لم يَنْوه. قال أحمدُ، في رجلٍ لَقِيَ امْرأةً في الطَّرِيقِ، فقال: تَنَحَّيْ يا حُرَّةُ. فإذا هي جارِيَتُه، قال: قد عَتَقَتْ عليه. وقال، في رجلٍ قال لخَدَمٍ قِيام في وَلِيمَةٍ: مُرُّوا، أنتم أحرارٌ. و (1) كانت
(1) في م: «أو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
معَهم أمُّ ولَدِه لم يَعْلَمْ بها، قال: هذا عندِي تَعْتِقُ أُمُّ ولَدِهِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ لا تَعْتِقَ في هذين المَوْضِعَين؛ لأنَّه قَصَد باللَّفْظَةِ الأولَى غيرَ العِتْقِ، فلم تَعْتِقْ به، كما لو قال: عَبْدِي حُرٌّ. يُرِيدُ أنَّه عَفِيفٌ كريمُ الأخلاقِ، وباللَّفْظَةِ الثَّانيةِ أراد غيرَ أُمِّ وَلَدِه، فأشْبَهَ ما لو نادَى امرأةً مِن نِسائِه، فأجابَتْه غيرُها، فقال: أنتِ طالِقٌ. يَظُنُّها المُنادَاةَ، فإنَّها لا تَطْلُقُ، في رِوَايةٍ، فكذا ههُنا. وأمّا إن قَصَد غيرَ العِتْقِ، كالرَّجُلِ يقولُ: عَبْدِي هذا حُرٌّ. يُرِيدُ عِفَّتَه وكَرَمَ أخلاقِه. أو يقولُ لعَبْدِه: ما أنتَ إلَّا حُرٌّ. أي: إنَّكَ لا تُطِيعُني، ولا تَرَى لي عليك (1) حقًّا ولا طاعَةً. فلا يَعْتِقُ في ظاهِرِ المَذْهَبِ. قال حَنْبَلٌ: سُئِلَ أبو عبدِ اللهِ، عن رجلٍ قال لغُلامِه: أنت حُرٌّ. وهو يُعاتِبُهُ، قال: إذا كان لا يُرِيدُ بهِ العِتْقَ، يقولُ: كأنَّك حُرٌّ. ولا يُرِيدُ أنَّ يكونَ حُرًّا، أو كلامًا شِبْهَ هذا، رَجَوْتُ أنَّ لا يَعْتِقَ، وأنا أهابُ المَسْألَةَ؛ لأنَّه نَوَى بكَلامِه ما يَحْتَمِلُه فانْصَرَفَ إليه، كما لو نوَى بكِنايَةِ (2) العِتْقِ العِتْقَ. قال: وإن طُلِبَ اسْتِحْلافُه، حَلَفَ. وبيانُ
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «بكنايته» .
وَكِنَايَتُهُ: خَلَّيتُكَ، وَالْحَقْ بِأَهْلِكَ، وَاذْهَبْ حَيثُ شِئْتَ، وَنَحْوُهَا. وَفِي قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيكَ، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيكَ، وَلَا مِلْكَ لِي
ــ
احْتمالِ اللَّفْظِ لِما أرادَه، أنَّ المرأةَ الحُرَّةَ (1) تُمْدَحُ بهذا، يُقالُ: امْرأةٌ حُرَّةٌ. يَعْنُون عفِيفَةً. وتُمْدَحُ المَمْلُوكَةُ به أيضًا، ويُقالُ: للحَييِّ الكَرِيمِ الأخْلاقِ: حُرٌّ. قالت سُبَيعَةُ (2) تَرْثِي عبدَ المُطَّلِبِ:
وَلَا تَسْأْمَا أنْ تَبْكِيا كُلَّ لَيلَةٍ
…
ويَوْمٍ على حُرٍّ كَرِيمِ الشّمائِلِ
وأمّا الكِنايَةُ فنحوُ قوْلِه: (خلَّيتُكَ، والحَقْ بأهْلِكَ، واذهَبْ حيثُ شِئْتَ. ونحوُها). وكذلك قَوْلُه: حَبْلُكَ على غارِبِكَ. فهذا إن نَوَى به العِتْقَ عَتَق، وإن لم يَنْوه لم يَعْتِقْ، لأنَّه يَحْتَمِلُ غيرَه، ولم يَرِدْ به كتابٌ ولا سُنَّةٌ ولا عُرْفُ اسْتِعمالٍ.
(وفي قَوْلِه: لا سبيلَ لي عليكَ، [ولا سُلْطانَ لي عليكَ] (3)،
(1) سقط من: م.
(2)
لعلها سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف. انظر ترجمتها في: أعلام النساء لكحالة 2/ 148. وبعض خبرها في الأغاني 22/ 68، 69، 73.
(3)
سقط من: م.
عَلَيكَ، ولَا رِقَّ لِي عَلَيكَ، وَفَكَكْتُ رَقَبَتَكَ، وَأنْتَ مَوْلَايَ، وَأَنْتَ لِلَّهِ، وَأنْتَ سَائِبَةٌ. رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا، أَنَّهُ صَرِيحٌ. وَالأُخْرَى، كِنَايَةٌ
ــ
ولا مِلْكَ لي علَيكَ، ولا رِقَّ لي عليكَ، وفكَكْتُ رقَبَتَكَ، وأنتَ مَوْلَاي، وأنتَ للهِ، وأنتَ سائِبةٌ. رِوَايتان؛ إحْداهُما، أنَّه صريحٌ. والأخْرَى، كنايَةٌ). ذَكَر القاضي، وأبو الخَطَّابِ، في قَوْلِه: لا سبيلَ لي عليكَ، ولا سُلْطانَ لي عليكَ. روايَتين؛ إحْداهُما، أنَّه صريحٌ. والأخْرَى، كنايَةٌ. قال شيخُنا (1): والصَّحيحُ أنَّه كِنايَةٌ؛ لِما ذَكَرْناه. فأمّا قَوْلُه: لا مِلْكَ لي عليكَ، ولا رِقَّ لي عليكَ، وأنتَ للهِ. فقال القاضي: هو صريحٌ. نَصَّ عليه أحمدُ. وذَكَر أبو الخَطَّابِ فيه رِوايَتَين؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ غيرَ العِتْقِ. ولا خِلافَ في المَذْهَب أنَّه يَعْتِقُ به إذا نوَى، ومِمَّن قال: يَعْتِقُ بقَوْلِه: أنتَ للهِ. إذا نَوَى؛ الشَّعْبِيُّ، والمُسَيَّبُ
(1) في: المغني 14/ 346.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنُ رافِعٍ، وحَمَّادٌ، والشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَعْتِقُ به؛ لأنَّ مُقْتَضاه: أنتَ عَبْدٌ للهِ، أو مخلوقٌ للهِ. وهذا لا يَقْتَضِي العِتْقَ. ولَنا، أنَّه يَحْتَمِلُ: أنتَ حُرٌّ للهِ، أو عَتِيقٌ للهِ، أو عبدٌ للهِ وَحْدَه. لستَ بعَبْدٍ لي ولا لأحَدٍ سِوَى اللهِ. فإذا نَوَىْ الحُرِّيَّةَ به (1)، وَقَعَتْ، كسائِرِ الكِناياتِ. وما ذَكَرُوهُ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ احْتِماله لِما ذَكَرُوه لا يَمْنَعُ احْتِمالهُ لِما ذَكَرْناه، بدَلِيلِ سائِرِ الكِناياتِ، فإنَّها تَحْتَمِلُ العِتْقَ وغيرَه، ولو لم تَحْتَمِلْ إلَّا العِتْقَ لكانت صَرِيحةً فيه، وما احْتَمَلَ أمْرَين انْصَرَفَ إلى أحَدِهما بالنِّيَّةِ، وهذا شأْنُ الكِناياتِ. وما ذَكَرُوه مِن الاحْتِمالِ يَدُلّ على أنَّ هذا ليس بصَرِيح، وإنَّما هو كِنايَةٌ. وقَوْلُه: لا مِلْكَ لي عليكَ، ولا رِقَّ لي عليكَ. خبرٌ عن انْتِفاءِ مِلْكِه ورِقِّه (2)، لم يَرِدْ به شَرْعٌ، ولا عُرْفُ اسْتِعمالٍ في العِتْقِ، فلم يَكُنْ صَرِيحًا فيه، كقَوْلِه: ما أنتَ عَبْدِي ولا مَمْلُوكِي. وقَوْلِه لامرأتِه: ما أنتِ امرأتِي ولا زَوْجَتِي.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.