الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ، أوْ شَاهدًا وَامْرَأَتَينِ، ثَبَتَ الأَدَاءُ وَعَتَقَ.
ــ
3037 - مسألة: (وإن أقام العبدُ شاهِدًا وحَلَفَ معه، أو شاهِدًا وامرأتَين، ثَبَتَ الأداءُ وعَتَقَ)
وهذا قولُ الشافعيِّ؛ لأنَّ النِّزاعَ بينَهما في أداءِ المالِ، والمالُ يُقْبَلُ فيه الشاهِدُ واليَمِينُ، والرَّجُلُ والمرأتان. فإن قيل: القَصْدُ مِن هذه الشَّهادَةِ العِتْقُ، وهو لا يَثْبُتُ بشاهِدٍ ويَمينٍ. قُلْنا: بل يَثْبُتُ بشاهِدٍ ويَمِينٍ في رِوايَةٍ. وإن سَلَّمْنا أنَّ الشهادَةَ لا تُثْبِتُ، لكنَّ الشهادةَ ههُنا بأداءِ المالِ، والعِتْقُ يَحْصُلُ عندَ أدائِه بالعَقْدِ الأوَّلِ، ولم يَشْهَدِ الشاهِدُ به، ولا بينَهما فيه نِزاعٌ. ولا يَمْتَنِعُ أن يَثْبُتَ بشَهادةِ الواحِدِ ما يَتَرتَّبُ عليه أمْرٌ لا يَثْبُتُ إلَّا بشاهِدَين، كما أنَّ الولادَةَ تَثْبُتُ بشَهادةِ النِّساءِ، ويَتَرَتَّبُ عليها ثُبوتُ النَّسَبِ الذي لا يَثْبُتُ بشَهادَةِ النِّساءِ، ولا بشاهِدٍ واحِدٍ.
فصل: فإن لم يَكُنْ للعبدِ شاهِدٌ، وأنْكَرَ السيدُ، فالقولُ قولُه، فإن
فَصْلٌ: وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ -مِثْلَ أنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خَمْرٍ،
ــ
قال: لي شاهِدٌ غائِبٌ. أُنْظِرَ ثَلاثًا، فإن جاء، وإلَّا حَلَفَ السيدُ. ثم متى جاءَ شاهِدُه وأدَّى الشَّهادَةَ، ثَبَتَتْ حُرِّيتُه. وإن جُرِحَ شاهِدُه، فقال: لي شاهِدٌ آخَرُ. أُنْظِرَ ثَلاثًا، لِما ذَكَرْناه.
فصل: وإن أقَرَّ السيدُ بقَبْضِ مالِ الكتابةٍ عَتَقَ العبْدُ، إذا كان ممَّن يَصِحُّ إقْرارُه. وإن أقَرَّ بذلك في مَرَضِ مَوْتِه قُبِلَ؛ لأنَّه إقْرارٌ لغَيرِ وارِثٍ، فيُقْبَلُ. وإن قال: اسْتَوْفَيتُ كِتابَتِي كُلَّها. عَتَقَ العبدُ. وإن قال: اسْتَوْفَيتُها كُلَّها إن شاء الله. أو: إن شاء زيدٌ. عَتَقَ، ولم يُؤَثِّرْ الاسْتِثْناءُ؛ لأنَّ هذا الاسْتِثْناءَ لا مَدْخَلَ له في الإِقْرارِ. قال أحمدُ في رِوايَةِ أبي طالِبٍ: إذا قال: له ألْفٌ إن شاء الله. كان مُقِرًّا بها. ولأنَّ هذا الاسْتِثْناءَ تَعْلِيقٌ بشَرْطٍ، والذي يَتَعَلَّقُ بالشَّرطِ إنَّما هو المُسْتَقْبَلُ، وأمَّا الماضِي فلا يُمْكِنُ تَعْلِيقُه؛ لأنَّه قد وَقَعَ على صِفَةٍ لا يَتَغَيَّرُ عنها بالشَّرْطِ، وإنَّما يدُلُّ الشَّرْطُ على الشَّكِّ فيه، فكأنَّه قال: اسْتَوْفَيتُ كِتابَتِي، وأنا أشُكُّ فيه. فيَلْغُو الشَّكُّ، ويَثْبُتُ الإِقْرارُ. وإن قال: اسْتَوْفَيتُ آخِرَ كتابَتِي. وقال: إنَّما أرَدْتُ أنَّى اسْتَوْفَيتُ النَّجْمَ الآخِرَ دُونَ ما قبلَه. وادَّعَى العبدُ إقْرارَه باسْتِيفاءِ الكلِّ، فالقولُ قولُ السيدِ؛ لأنَّه أعْرَفُ بمُرادِه. واللهُ أعلمُ.
فصل: قال رضي الله عنه: (والكِتابةُ الفاسِدَةُ -مثلَ أن يُكاتِبَه على
أَوْ خِنْزِيرٍ- يُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ، في أَنَّه إِذَا أَدَّى عَتَقَ، وَلَا يَعْتِقُ بِالْإِبْرَاءِ.
ــ
خَمْرٍ، أو خِنْزِيرٍ - يُغَلَّبُ فيها حُكْمُ الصِّفَةِ، في أنَّه إذا أدَّى عَتَقَ، ولا يَعْتِقُ بالإِبراءِ) إذا كاتَبَه كِتابَةً فاسِدَةً على عِوَضٍ مَجْهُولٍ، أو حلٍّ، أو مُحَرَّمٍ، كالخَمْرِ والخِنْزِيرِ، فقد رُوِيَ عن أحمدَ، رحمه الله، ما يَدُلُّ على أنَّ الكِتابَةَ على العِوَضِ المُحَرَّمِ باطِلَةٌ، لا يَعْتِقُ بالأداءِ فيها. اخْتارَه أبو بكرٍ؛ فإنَّه روَى عن أحمدَ، أنَّه قال: إذا كاتَبَه كِتابَةً فاسِدَةً، فأدَّى ما كُوتِبَ عليه، عَتَقَ، ما لم تَكُنِ الكِتابَةُ مُحَرَّمَةً. فحَكَمَ بالعِتْقِ بالأداءِ، إلَّا في المُحَرَّمَةِ. واخْتارَ القاضِي أنَّه يَعْتِقُ بالأداءِ، كسائِرِ الكتاباتِ الفَاسِدَةِ. ويُمْكِنُ حَمْلُ كلامِ القاضِي على ما إذا جَعَل السيدُ الأداءَ شَرْطًا للعِتْقِ، فقال: إذا أدَّيتَ لي فأنْتَ حُرٌّ. فأدَّى، فإنَّه يَعْتِقُ بالصِّفَةِ المُجَرَّدَةِ، لا بالكِتابَةِ، ويَثْبُتُ في هذه الكِتابةِ حكمُ الصِّفَةِ في العِتْقِ بوُجُودِها، لا حُكْمُ الكتابَةِ. فأمَّا إن شَرَطَ في الكتابَةِ شَرْطًا فاسِدًا، فالمنصُوصُ أنَّه لا يُفْسِدُها، لكن يَلْغُو الشَّرْطُ وتَصِحُّ الكتابةُ. ويتَخَرَّجُ أن يُفْسِدَها؛ بِناءً على الشروطِ الفاسِدَةِ في البَيعِ. وهو مذهبُ الشافعيِّ. وقد ذَكَرْناهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأمَّا الكِتَابةُ الفاسِدَةُ التي لا [يكونُ عِوَضُها](1) مُحَرَّمًا، فإنَّها تُساوي الصَّحِيحَةَ في أرْبَعَةِ أحْكَامٍ؛ أحدُها، أنَّه يَعْتِقُ بأداءِ (2) ما كُوتِبَ عليه، سَواءٌ صَرَّحَ بالصِّفَةِ، بأن يَقُولَ: إذا أدَّيتَ إليَّ فأنْتَ حُرٌّ. أو لم يَقُلْ؛ لأنَّ مَعْنَى الكِتابةِ يَقْتَضِي هذا، فيصيرُ كالمُصَرَّحِ به، فيَعْتِقُ بوُجودِه، كالصَّحِيحَةِ. الثَّاني، إذا أعْتَقَه بالأداءِ لم تَلْزَمْه قِيمةُ نَفْسِه، ولم يَرْجِعْ على سيدِه بما أعطاه. ذَكَرَه أبو بكرٍ. وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ. وقال الشافعيُّ: يتَراجَعان، فيجبُ على العبدِ قِيمَتُه وعلى السيدِ ما أخَذَه، فيتَقاصَّان بقَدْرِ أقَلِّهِما إن كانَا مِن جِنْسٍ واحِدٍ، ويأخُذُ ذو الفَضْلِ فَضْلَه؛ لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ فاسِدٌ، فوجَبَ التَّراجُعُ فيه، كالبَيعِ الفاسِدِ. ولَنا، أنَّه عَقْدُ كِتابَةٍ حَصَلَ العِتْقُ فيه بالأداءِ، فلم يَجِبِ التَّراجُعُ، كما لو كان العَقْدُ
(1) في م: «تكون عوضا» . وانظر المبدع 6/ 367.
(2)
سقط من النسختين، وانظر المغني 14/ 576.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَحِيحًا، ولأنَّ ما يأخُذُه السيدُ فهو مِن كَسْبِ عَبْدِه الذي يَمْلِكُ (1) كَسْبَه، فلم يجِبْ رَدُّه، والعبدُ عَتَقَ بالصِّفَةِ، فلم تجِبْ عليه قِيمَتُه، كما لو قال: إن دَخَلْتَ الدَّارَ فأنْتَ حُرٌّ. وأمَّا البَيعُ الفاسِدُ، فإنَّه إن كان بينَ هذا وسيدِه، فلا رُجُوعَ على السيدِ (2) بما أخَذَه. وإن كان بينَه وبينَ غيرِه، فإنَّه أخَذَ ما لا يَسْتَحِقُّه ودَفَعَ إلى الآخَرِ ما لا يَسْتَحِقُّه، بعَقْدٍ المَقْصُودُ منه المُعاوَضَةُ، بخِلافِ هذا في مسألَتِنا. الثالثُ، أنَّ المُكاتَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ في كَسْبِه؛ لأنَّ عَقْدَ الكِتابَةِ تَضَمَّنَ الإِذْنَ في ذلك، وله أخْذُ الصَّدَقاتِ والزَّكواتِ؛ لأنَّه مُكاتَبٌ يَعْتِقُ بالأدَاءِ، أشْبَهَ الكِتابَةَ الصَّحِيحَةَ. الرابعُ، أنَّه إذا كاتَبَ جماعَةً كِتابَةً فاسِدَةً، فأدَّى أحدُهم حِصَّتَه (3)، عَتَقَ، على قولِ مَن قال: إنَّه يَعْتِقُ [في الكِتابَةِ](4) الصَّحِيحَةِ بأداء حِصَّتِه؛ لأنَّ مَعْنَى العَقْدِ أنَّ كلَّ واحِدٍ منهم مكاتَبٌ بقَدْرِ حِصَّتِه، متى أَدَّى إليَّ كلُّ واحِدٍ منكم (5) قَدْرَ حِصَّتِه فهو حرٌّ. ومَن قال: لا يَعْتِقُ في الصَّحِيحَةِ (5) إلَّا أن يُؤَدِّيَ جَمِيعهم. فههنا أوْلَى.
(1) كذا في النسختين. وفي المغني 14/ 577: «لم يملك» .
(2)
إلى هنا ينتهي السقط من الأصل.
(3)
في م: «حصتهم» .
(4)
في م: «بالكتابة» .
(5)
في الأصل: «الصحيح» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وتُفارِقُ الصَّحيحَةَ في ثَلاثَةِ أحْكامٍ؛ أحدُها، أنَّ السيدَ إذَا أبْرَأه مِن المالِ لم تَصِحَّ البَراءَةُ، ولم يَعْتِقْ بذلك؛ لأنَّ المال غيرُ ثابِتٍ في العَقْدِ، بخِلافِ الكتابةِ الصَّحِيحَةِ، وصار هذا كالصِّفَةِ المُجَرَّدَةِ في قولِه: إذا أدَّيتَ إليَّ ألفًا، فأنتَ حُرٌّ. الثَّاني، أنَّ (لِكُلِّ واحِدٍ مِن) السيدِ والمُكاتَبِ (فَسْخَها) سَواءٌ كان ثَمَّ صِفَةٌ أو لم تَكُنْ. وهذا قولُ أصحابِ الشافعيِّ؛ لأنَّ الفاسِدَ لا يَلْزَمُ حُكْمُه، والصِّفَةُ ههُنا مَبْنِيَّةٌ على المُعاوَضَةِ وتابِعَةٌ لها؛ لأنَّ المُعاوَضَةَ هي المَقْصُودُ (1)، فلمَّا أبْطَلَ المُعاوَضَةَ التيِ هي الأصْلُ، بَطَلَتِ الصِّفَةُ المَبْنِيَّةُ عليها، بخِلافِ الصِّفَةِ المُجَرَّدَةِ، ولأنَّ السيدَ لم يَرْضَ بهذه الصِّفَةِ إلَّا بأن يُسَلَّمَ له العِوَضُ المُسَمَّى، فإذا لم يُسَلَّمْ كان له إبْطالُها، بخِلافِ الصَّحِيحَةِ، فإنَّ العِوَضَ سُلِّمَ له، فكان العَقْدُ لازِمًا له. الثالثُ، أنَّه لا يَلْزَمُ السيدَ أن يُؤَدِّيَ إليه شيئًا مِن الكِتابَةِ؛ لأنَّ العِمقَ ههُنا بالصِّفَةِ المُجَرَّدَةِ، فأشْبَهَ ما لو قال: إذا أدَّيتَ إليَّ ألْفًا فأنْتَ حُرٌّ.
(1) في م: «المقصودة» .