الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى مَنْ وَرَاءَ الْإمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، إذَا اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ، وَإِنْ لَمْ يَرَ مَنْ وَرَاءَهُ لَمْ تَصِحَّ. وَعَنْهُ، تَصِحُّ إذَا كَانَا في الْمَسْجِدِ.
ــ
لقَوْلِ عائشةَ، رضي الله عنها: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ» . رَواه أبو داودَ (1).
ويُسْتَحَبُّ أن يَقِفَ الإمامُ في مُقابَلَةِ وَسَطِ الصَّفِّ؛ لقَوْلِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَسِّطُوا الإمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ» [رَواه أبو داودَ](2).
579 - مسألة: (وإذا كان المَأَمُومُ يَرَى مَن وراءَ الإِمامِ صَحَّتْ صلاتُه، إذا اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ. وإن لم يَرَ مَن وراءَه تَصِحَّ، وعنه، تَصِحُّ إذا كانا
(3) في المَسْجِدِ) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّه إذا كان الإمامُ والمَأْمُومُ
(1) في: باب من يستحب أن يلى الإمام في الصف وكراهية التأخير، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 156. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب فضل ميمنة الصفوف، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 321.
(2)
سقط من: م. وأخرجه أبو داود، في: باب مقام الإمام من الصف، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 157.
(3)
في م: «كان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في المَسْجدِ لم (1) يُعْتَبَرِ اتِّصالُ الصُّفُوفِ. قال الآمِديُّ: لا خِلافَ في المَذْهبِ، أنَّه إذا كان في أقْصَى المَسْجِدِ، وليس بينَه وبينَ الِإمامِ ما يَمْنَعُ الاسْتِطْراقَ والمُشاهَدَةَ، أنَّه يَصِحُّ اقْتِداؤُه به، وإن لم تَتَصِلِ الصُّفُوفُ. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ وذلك لأنَّ المَسْجِدَ بُنِيَ للجَماعَةِ، فكلُّ مَن حَصَل فيه فقد حَصَل في مَحَلِّ الجَماعَةِ. فإن كان المأمُومُ خارِجَ المَسْجِدِ، أو كانا جَمِيعًا في غيرِ المَسْجِدِ، صَحَّ أن يَأتَمَّ به، بشَرْطِ إمْكانِ المُشاهَدَةِ واتِّصالِ الصُّفُوفِ، وسَواءٌ كان المأمُومُ في رَحْبَةِ (2)
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «درجة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَسْجِدِ، أو في دارٍ، أبي على سَطْحٍ والإمامُ على سَطْحٍ آخَر، أو كانا (1) في صَحْراءَ، أو في سَفِينَتَيْن. وهذا مَذْهبُ الشافعيِّ، إلَّا أنَّه يُشْتَرِطُ أن لا يكونَ بَيْنَهما ما يَمْنَعُ الاسْتِطْراقَ، في أحَدِ القَوْلَيْن. ولَنا، أنَّ هذا لا تَأثِيرَ له في المَنْع مِن (2) الاقْتِداءِ بالإمامِ، ولم يَرِدْ فيه نَهْىٌ، ولا هو في مَعْنَى ذلك، فلم يَمْنَعْ صِحةَ الائْتِمامِ به، كالفَصْلِ اليَسِيرِ. إِذا ثَبَت هذا، فإنَّ مَعْنَى اتِّصالِ الصُّفُوفِ أن لا يكونَ بينَهما بُعْدٌ لم تَجْرِ العادَةُ به، بحيث يَمْنَعُ إمكانَ الاقْتِداءِ. وحُكِيَ عن الشافعيِّ، صلى الله عليه وسلم أنَّه حَدَّ الاتِّصالَ بما دُونَ ثَلاِثِمائَةِ ذِراعٍ. والتَّحْدِيداتُ بابُها التَّوْقِيفُ، ولا نَعْلَمُ في هذا نَصًّا ولا إجْماعًا يُعْتَمَدُ عليه، فوَجَبَ الرُّجُوعُ فيه إلى العُرْفَ، كالتَّفَرُّقِ، والإحْرازِ.
(1) في م: «كان» .
(2)
في م: «مع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان بينَ المأمُوم والإمام حائِلٌ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ الإمام ومَن وراءَه، فقال ابنُ حامِدٍ: فيه رِوايَتان؛ إحداهما، لا يَصِحُّ الائتِمامُ به. اخْتارَه القاضي؛ لأنَّ عائشةَ قالت لنِساءٍ كُنَّ يُصَلينَ في حُجْرَتِها: لا تُصَلِّين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بصلاةِ الإمامِ، فإنَّكُنَّ دُونَه في حِجابٍ (1). ولأنَّه لا يُمْكِنُه الاقْتِداءُ به في الغالِبِ. والثَّانِيَةُ، تَصِحُّ. قال أحمدُ، في رجلٍ يُصَلِّيِ خارِجَ المَسْجِدِ يومَ الجُمُعَةِ وأَبْوابُ المسجدِ مُغْلَقَةٌ: أرجُو أن لا يكون به بَأسٌ. وذلك لأنَّه يُمْكِنُه الاقْتِداءُ بالإمامِ، فصَحَّ عِن غيرِ مُشاهَدَةٍ، كالأعْمَى، ولأنَّ المُشاهَدَةَ تُرادُ للعِلْمِ بحالِ الإمامِ، والعلمُ [يَحْصُلُ بسَماعِ](2) التَّكبِيرِ،
(1) أخرجه البيهقي، في: باب المأموم خارج المسجد بصلاة الإمام في المسجد وبينهما حائل، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 3/ 111.
(2)
في م: «إسماع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فجرَى مَجْرَى الرُّؤْيَةِ. وعنه، أنَّه يَصِحُّ إذا كان في المَسجِدِ دُونَ غيرِه؛ لأنَّ المَسْجِدَ مَحَلُّ الجَماعَةِ، وفي مَظِنَّةِ القُرْبِ، ولأنَّه لا يُشْتَرَطُ فيه اتِّصالُ الصُّفُوفِ لذلك، فجازَ أن لا تُشْتَرَطَ الرُّؤْيَةُ. واخْتارَ شيخُنا (1) التَّساوِيَ فيهما؛ لاسْتوائِهما في المَعْنَى المُجَوِّزِ أو المانِعِ، فوَجَبَ اسْتِواؤهما في الحُكْمِ. وإنَّما صَحَّ مع عَدَمِ المُشاهَدَةِ، بشَرْطِ (2) أن يَسْمَعَ التَّكْبِيرَ، فإن لم يَسْمَعْه لم يَصِحَّ ائتِمامُه بحالٍ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه الاقْتِداءُ.
فصل: وكلُّ مَوْضِع اعْتَبَرْنا المُشاهَدَةَ، فإنَّه يَكْفِي مُشاهَدَةُ مَن وراءَ الإِمامِ؛ مِن بابٍ أمامَه أو (3) عن يَمِينِه أو عن يَسارِه، ومُشاهَدَةُ طَرَفِ
(1) في: المغني 3/ 46.
(2)
في م: «لأنه يشترط» .
(3)
سقط: «الأصل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّفِّ الَّذي وراءَه؛ لأنَّه يُمْكِنُه الاقْتِداءُ بذلك. وإن حَصَلَتِ المُشاهَدَةُ في بَعْضِ أحْوالِ الصلاةِ كَفاه في الظّاهِرِ؛ لِما رَوَتْ عائشةُ، قالت: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِن اللَّيْلِ، وجِدارُ الحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فرَأى النَّاسُ شَخْصَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فقامَ أُناسُ يُصَلُّون بصلاتِه. والحديثُ رَواه البخاريُّ (1). والظّاهِرُ أنَّهم كانُوا يَرَوْنَه في حالِ قِيامِه.
(1) في: باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة، من كتاب الأذان. صحيح البُخَارِيّ 1/ 186.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان بَيْنَهما طَرِيقٌ أو نَهْرٌ تَجْرِي فيه السُّفُنُ، أو كانا في سَفينَتَيْن مُتَفرِّقَتَيْن، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، لا يَصِحُّ. اخْتارَه أصحابُنا. وهو قَوْلُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّ الطَّرِيقَ ليست مَحَلًّا للصلاةِ، أشْبَهَ ما يَمْنَعُ الاتِّصالَ. والثّانِي، يَصِحُّ. اخْتارَه شيخُنا (1). وهو مَذْهَبُ مالكٍ، والشافعيِّ؛ لأنَّه لا نَصَّ في مَنْع ذلك، ولا إجْماعَ، ولا هو في مَعْنَى المَنْصُوصِ، لأنَّه لا يَمْنَعُ الاقْتِداءَ، والمُؤثِّرُ في المَنْع ما يَمْنَعُ الرُّؤيَةَ أو سَماعَ الصَّوْتِ، وليس هذا بواحِدٍ منهما. قولُهم (2): إن ما بَيْنَهما ليس مَحَلًّا للصلاةِ. مَمْنُوعٌ، وإن سُلِّمَ في الطَّرِيقِ، فلا يَصِحُّ في النَّهْرِ، بدَلِيلِ صِحَّةِ الصلاةِ عليه في السَّفِينَةِ، وحالَ جُمُودِه. ثم كَوْنُه ليس مَحَلًّا للصلاةِ إنَّما يُؤثِّرُ مَنْع الصلاةِ فيه، أمَّا في صِحَّةِ الاقْتِداء بالإمامِ فتَحَكُّمٌ مَحْضٌ، لا يَلْزَمُ الحَصِيرُ إليه. فأمَّا إن كانت صلاةَ (3) جُمُعَةٍ أو عِيدٍ أو جِنازَةٍ، لم يُؤثِّرْ ذلك فيها؛ لأنَّها تَصِحُّ في الطَّرِيقِ، وقد صَلَّى أنَسٌ في مَوْتِ حُمَيْدِ ابن عبدِ الرَّحْمَنِ بصلاةِ الإمامِ، وبينَهما طَرِيقٌ (4). واللهُ أعلمُ.
(1) في: المغني 3/ 46.
(2)
في الأصل: «فوهم» .
(3)
في م: «صلاته» .
(4)
أخرجه البيهقي، في: باب المأموم يصلي خارج المسجد بصلاة الإمام في المسجد وليس بينهما حائل، =