الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَلْ تَصِحُّ إمَامَةُ الْفَاسِقِ وَالْأَقْلَفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
552 - مسألة: (وهل تَصِحُّ إمامَةُ الفاسِقِ والأقْلَفِ؟ على رِوايَتَيْن)
والفاسِقُ يَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْن؛ فاسِقٌ مِن جِهَةِ الاعْتِقادِ، وفاسِقٌ مِن جِهَةِ الأفْعالِ. فأمّا الفاسِقُ مِن جِهَةِ الاعْتِقادِ، فمتى كان يُعْلِنُ بِدْعَتَه، ويَتَكَلَّمُ بها، ويَدْعُو إليها ويُناظِرُ، لم تَصحَّ إمامَتُه، وعلى مَن صَلَّى وراءَه الإِعادَةُ. قال أحمدُ: لا يُصَلَّى خلفَ أحَدٍ مِن أهْلِ الأهْواءِ، إذا كان داعِيَةً إلى هَواه. وقال: لا تُصَلِّ خلفَ المُرْجِيءِ، إذا كان داعِيَةً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال القاضي: وكذلك إن كان مُجْتَهِدًا يَعْتَقِدُها بالدَّلِيلِ، كالمُعْتَزِلَةِ، والقَدَرِيَّةِ، وغُلاةِ (1) الرَّافِضَةِ؛ لأنَّهم يُكَفَّرُون ببِدْعَتِهم. وإن لم يكنْ يُظْهِرُ بِدْعَتَه، ففي وُجُوبِ الإِعَادَةِ خلفَه رِوايتان؛ إحْداهما، تَجِبُ الإِعادَةُ، كالمُعْلِن بدْعَتَه، ولأنَّ الكافِرَ لا تَصِحُّ الصلاةُ خَلْفه، سَواءٌ أظْهَرَ كُفْرَه أو أخْفاه، كذلك المُبْتَدِعُ. قال أحمدُ، في رِوايَةِ أبي الحارِثِ: لا يُصَلِّي خلفَ مُرْجِئٍ ولا رافِضِيٍّ، ولا فاسِقٍ، إلَّا أن يَخافَهم فيُصَلِّي، ثم يُعِيدُ. وقال أبو داودَ: متى صَلَّيْتَ خلفَ مَن يَقُولُ: القُرْآنُ مَخْلُوقٌ.
(1) في م: «وغيرة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأعِدْ. وعن مالكٍ، لا تُصَلِّ خلفَ أهْلِ البِدَعِ. والثّانِيَة، تَصِحُّ الصلاةُ خلفَه. قال الأثْرَمُ: قلتُ لأبي عبدِ اللهِ: الرّافِضَةُ الذين يَتَكَلَّمُون بما تَعْرِفُ؛ قال: نعم، آمُرُه أن يُعِيدَ. قِيلَ له: وهكذا أهْلُ البِدَعِ؟ قال: لا؛ لأنَّ منهم من يَسْكُتُ، ومنهم مَن [يَقِفُ ولا] (1) يَتَكَلَّمُ. وقال: لا تُصَلِّ خلفَ المُرْجِئِ، إذا كان داعِيَةً. فدَلَّ على أنَّه لا يُعِيدُ إذا لم يَكُنْ كذلك. وقال الحسنُ، والشافعيُّ: الصلاةُ خلفَ أهْلِ البِدَعِ جائِزَةٌ بكلِّ حالٍ؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا خَلْفت مَنْ قَالَ في إلَهَ إلَّا اللهُ» (2). ولأنَّه رجلٌ صلاتُه صَحِيحَةٌ، فصَحَّ الائْتِمامُ به، كغَيْرِه. وقال نافِعٌ: كان ابنُ
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه الدارقطني، في: باب في التشديد في ترك الصلاة. . . .، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 2/ 56. وتقدم بعضه في الجزء الثالث صفحة 39.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عُمَرَ يُصَلِّي خلفَ الخَشَبِيَّةِ (1) والخَوارِجِ زَمَنَ ابنِ الزُّبَيْرِ، وهم يَقْتَتِلُون. فقِيلَ له: أتُصَلِّي مع هؤلاء، وبَعْضُهم يَقْتُلُ بعضًا؟! فقال: مَن قال: حَيَّ على الصلاةِ. أجَبْتُه، وَمَن قال: حَيَّ على الفَلاحِ. أجَبْتُه، ومَن قال: حَيَّ على قَتْلِ أخِيك المُسْلمِ، وأخْذِ مالِه. قلتُ: لا (2). رَواه سعيدٌ. ووَجْهُ القولِ الأوَّلِ ما روَى جابِرٌ. قال: سَمِعْتُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم على مِنْبَرِه يقولُ: «لَا تَؤُمنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إلَّا أنْ يَقْهَرَهُ بسُلْطَانِهِ، أوْ يَخَافَ سَوْطَهُ أوْ سَيْفَهُ» . رَواه ابنُ ماجه (3). وهذا أخَصُّ مِن حدِيثِهم، فيَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُه، وحَدِيثُهم نَقُولُ به في الجُمَعِ والأعْيادِ، ونُعِيدُ، وقِياسُهم مَنْقُوضٌ بالأُمِّيِّ. ويُرْوَى عن حَبِيب بنِ عُمَرَ
(1) في م: «الحسنية» . والخشبية بالتحريك قوم من الجهمية يقولون: إن الله تعالى لا يتكلم، وإن القرآن مخلوق. وقال ابن الأثير: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد. ويقال: هم ضرب من الشيعة، قيل: لأنهم حفظوا خشية زيد بن عليّ حين صلب. والأول أوجه. تاج العروس (الكويت) 2/ 359.
(2)
أخرجه البيهقي، في: باب الصلاة خلف من لا يحمد فعله، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 3/ 122.
(3)
في: باب في فرض الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 343.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأنْصَارِيِّ، عن أَبِيه، قال: سأَلْتُ واثِلَةَ بنَ الأسْقَعِ، قلتُ: أُصَلِّي خلفَ القَدَرِيِّ؟ قال: لا تُصَلِّ خَلْفَه. ثم قال: أمّا أنا لو صَلَّيْتُ خلفَه لأعَدْتُ صَلاِتى. رَواه الأثْرَمُ.
فصل: وأمّا الفاسِقُ مِن جِهَةِ الأعْمالِ؛ كالزّانِي، والذى يَشْرَبُ ما يُسْكِرُه، فرُوِيَ عنه، أنَّه لا يُصَلَّى خلفَه، فإنَّه قال: لا تُصَلِّ خَلْفَ فاجِرٍ ولا فاسِقٍ. وقال أبو داودَ: سَمِعْتُ أحمدَ يُسْئَلُ عن إمامٍ قال: أُصَلِّي بكم رمضانَ بكذا وكذا دِرْهَمًا. قال: أسْألُ اللهَ العافِيَةَ، مَن يُصَلِّي خلفَ هذا؛ ورُوِيَ، لا يُصَلَّى خلف مَن لا يُؤدِّي الزكاةَ، ولا يُصَلَّى خلفَ مَن يُشارِطُ، ولا بَأْسَ أن يُدْفَعَ إليه من غيرِ شَرْطٍ. وهذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اخْتِيارُ ابنِ عَقِيل. وعنه، أنَّ الصلاةَ خَلْفَه جائِزَةٌ. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ» . وكان ابنُ عُمَرَ يُصَلِّي مع الحَجّاجِ. والحَسنُ والحسينُ، وغيرُهما من الصَّحابَةِ كانوا يُصَلُّون مع مَرْوانَ. والَّذين كانوا في وِلايةِ زِيادٍ وابنِه كانوا يُصَلُّون معهما. وصَلَّوْا وراءَ الوَلِيدِ بنِ عُقْبَةَ وقد شَرِبَ الخَمْرَ. فصارَ هذا إجْماعًا. وعن أبي ذَرٍّ، قال: قال لى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا» ؟ قال: قلتُ: فما تَأْمُرُنِي؟ قال: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإنْ أدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» . رَواه مُسْلِمٌ (1). وهذا فِعْلٌ يَقْتَضِي فِسْقَهم، ولأنَّه رجلٌ تَصِحُّ صَلَاتُه لنَفْسِه،
(1) في: باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار. . . .، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 448، 449. كما أخرجه أبو داود، في: باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 102. والتِّرمذيّ، في: باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 1/ 287. والنَّسائي، في: باب الصلاة مع أئمة الجور، من كتاب الإمامة. المجتبى 2/ 58، 59. وابن ماجه، في: باب ما جاء فيما إذا أخروا الصلاة عن وقتها، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 398، والإمام أَحْمد، في: المسند 1/ 40، 409، 455، 459، 3/ 445، 446، 5/ 147، 160، 168، 169، 314، 315، 329، 6/ 7.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصَحَّ الائْتِمامُ به، كالعَدْلِ. ووَجْهُ الأُولَى ما ذَكَرْنا من الحَدِيثِ، ولأنَّ الإِمامَةَ تَتَضَمَّنُ حَمْلَ القِراءَةِ، ولا يُؤْمَنُ تَرْكُه لها، ولا يُؤْمَنُ تَرْكُ بَعْضِ شَرائِطِها، كالطهارةِ، وليس ثَمَّ أمارَةٌ ولا غَلَبَةُ ظنٍّ يُؤَمنُنا ذلك. والحدِيث أجَبْنَا عنه، وفِعْلُ الصَّحابَةِ مَحْمُولٌ على أنَّهم خافُوا الضَّرَرَ بتَرْكِ الصلاةِ معهم، ورَوَيْنا عن قَسامَةَ بنِ زُهَيْرٍ (1)، أنَّه قال: لَمّا كان مِن شَأْنِ فُلانٍ ما كان، قال له أبو بَكْرَةَ (2): تَنَحَّ عن مُصَلَّانا، فإنَّا لا نُصَلِّي خَلْفَكَ. وحَدِيت أبي ذَرٍّ يَدُلُّ على صِحَّتِها نافِلَةً، والنِّزاعُ إنَّما هو في الفَرْضِ.
فصل: وأمّا الجُمَعُ والأعْيادُ فَتُصَلَّى خلفَ كلِّ بَرٍّ وفاجِر. وقد كان أحمدُ يَشْهَدُها مع المُعْتَزِلَةِ، وكذلك مَن كان مِن العُلَماءِ في عَصْرِه. وقد
(1) قسامة بن زهير المازنِيّ البَصْرِيّ، تابعى ثِقَة، تُوفِّي في ولاية الحجاج على العراق بعد الثمانين. تهذيب الكمال 23/ 602.
(2)
في م: «أبو بكر» وهو خطأ، وانظر خبر أبي بكرة مع المغيرة، في شرح مختصر الروضة 2/ 170 - 173.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رُوِيَ أنَّ رَجُلًا جاء محمدَ بنَ النَّضْرِ (1)، فقال له: إنَّ لى جيرانًا مِن أهْلِ الأهْواءِ لا يَشْهَدُون الجُمُعَةَ. قال: حَسْبُكَ، [ما تَقولُ] (2) في مَن رَدَّ على أبي بكرٍ وعُمَرَ؟ قال: ذلك رجلُ سَوْءٍ. قال: فإن رَدَّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: يَكْفُرُ. قال: فإن رَدَّ على العَلِيِّ الأعْلَى؟ ثم غُشِيَ عليه، ثم أفاقَ، فقال: رَدُّوا عليه، والذِي لا إلهَ إلَّا هُوَ، فإنَّه قال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} (3). وهو يَعْلَمُ أنَّ بَنِي العَبّاسِ سَيَلُونَها. ولأنَّ هذه الصلاة مِن شَعائِرِ الإِسْلامِ الظّاهِرَةِ، وتَلِيها الأَئِمَّةُ دُونَ غيرِهم، فتَرْكُها خلفَهم يُفْضِي إلى تَرْكِها بالكُلِّيَةِ. إذا ثَبَت ذلك فإنَّها تُعادُ خَلْفَ مَن يُعادُ خلْفَه غيرُها قِياسًا عليها. هذا ظاهِرُ المَذْهَبِ. وعنه، أنَّه قال: مَن أعادَها فهو مُبْتَدِعٌ. وهذا يَدُلُّ على أنَّها لا تُعادُ خَلْفَ فاسِقٍ ولا مُبْتَدِعٍ؛ لأنَّها صلاةٌ مَأْمُورٌ بها، فلم تَجِبْ إعادَتُها، كسائِرِ الصَّلَواتِ.
(1) أبو بكر مُحَمَّد بن النضر بن سلمة الجارودى الحنفي النَّيْسَابُورِيّ، كان شيخ وقته، وعين علماء عصره، حفظًا وجمالا، وتوفى سنة إحدى وتسعين ومائتين. الجواهر المضية 3/ 382.
(2)
سقط من: تش.
(3)
سورة الجمعة 9.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان المُباشِرُ عَدْلًا، والذى وَلَّاه غيرَ مَرْضِيِّ الحالِ لبِدْعَتِه أو لفِسْقِه، لم يُعِدْها. في المَنْصُوصِ عنه؛ لأنَّ صلَاته إنَّما تَرْتَبِطُ بصلاةِ إمامِهِ، ولا يَضُرُّ وُجُودُ مَعْنًى في غيرِه، كالحَدَثِ. وذَكَر القاضي في وُجُوبِ الإِعادَة رِوايَتَيْن. والصَّحِيحُ الأوَّلُ.
فصل: فإنَ لم يَعْلَمْ فِسْقَ إمامِه، ولا بِدْعَتَه، فقال ابنُ عَقِيل: لا إعادَةَ عليه؛ لأنَّ ذلك مما يَخْفِي، فأَشْبَهَ الحَدَثَ والنَّجَسَ. قال شيخُنا (1): والصَّحِيحُ أنَّ هذا يُنْظَرُ فيه، فإن كان مِمَّن يُخْفِي بِدْعَتَه وفُسُوقَه، صَحَّتْ صَلَاتُه؛ لأَنَّ مَن يُصَلِّي خَلْفه مَعْذُورٌ، وإن كان مِمَّن يُظْهِرُ ذلك، وجَبَتِ الإِعادَةُ، على الرِّوايَةِ التى تَقُول بوُجُوبِ إعادَتِها خَلْفَ المُبْتَدِعِ؛ لأنَّه مَعْنًى يَمْنَعُ الائْتِمامَ، فاسْتَوَى فيه العِلْمُ وعَدَمُه، كما لو كان أُمِّيًّا، والحَدَثُ والنَّجاسَةُ يُشْتَرَطُ خَفاؤُهما على الإِمامِ والمَأْمُومِ معًا، والفاسِقُ لا يَخْفَى عليه فِسْقُ نَفْسِه. فأمّا إن لم يَعْلَمْ حَالَه، ولم يَظْهَرْ منه ما يَمْنَعُ الائِتْمامَ به، فصَلاُته صَحِيحَةٌ. نصَّ عليه؛ لأنَّ الأصْلَ في المُسْلِمين السَّلامَةُ.
(1) في: المغني 3/ 22.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمّا المُخالِفُون في الفُرُوعِ كالمذاهِب الأرْبَعَةِ، فالصلاةُ خلفهم جائِزَةٌ صَحِيحَةٌ غيرُ مَكْرُوهَةٍ. نَصَّ عليه؛ لأَنَّ الصَّحابَةَ والتّابِعِين ومَن بعدَهم، لم يَزَلْ بَعْضُهم يُصَلِّي خَلْفَ بَعْضٍ، مع اخْتِلافِهم في الفُرُوعِ، فكان ذلك إجْماعًا. وإن عَلِم أنَّه يَتْرُكُ رُكْنًا يَعْتَقِدُه المَأْمُومُ دوُنَ الإِمامِ، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ صِحَّةُ الائْتِمام به. قال الأثْرَمُ: سَمِعْتُ أحمدَ يُسْألُ عن رَجُلٍ صَلَّى بقَوْمٍ وعليه جُلُودُ الثَّعالِبِ، [فقال: إن كان يَلْبَسُه وهو يَتَأوَّلُ قَوْلَه عليه السلام: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبغَ فَقَدْ طَهُرَ» (1). فَصَلِّ خَلْفَه] (2). فقِيلَ له: أتَراهُ أَنْتَ جائِزًا؟ قال: لا. ولكنَّه إذا كان يَتَأَوَّلُ فلا بَأْسَ أن يُصَلَّىَ خَلْفَه. ثم قال أبو عبدِ الله: لو أنَّ رجلًا لم يَرَ
(1) تقدم تخريجه في الجزء الأول صفحة 168.
(2)
سقط من: تش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوُضُوءَ مِن الدَّمِ لم يُصَلَّ خلفَه، فلا نُصَلِّي خَلْفَ سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، ومالكٍ. أي: بَلَى. ولأنَّ كلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أو كالمُصيبِ في حَطِّ المَآثِمِ عنه، وحُصُولِ الثَّوابِ له، ولأنَّ صَلَاتَه تَصِحُّ لنَفْسِه، فجازتِ الصلاةُ خَلْفَه، كما لو لم يَتْرُكْ شيئًا. وقال ابنُ عَقِيلٍ في الفُصُولِ: لا تَصِحُّ الصلاةُ خَلْفَه. وذَكَر القاضي فيه رِوايَتَيْن؛ إحْداهُما، لا تَصِحُّ؛ لأنَّه يَفْعَلُ ما يَعْتَقِدُه المَأْمُومُ مُفْسِدًا للصلاةِ، فلم يَصِحَّ ائْتِمامُه به، كما لو خالَفَه في القِبْلَةِ حالَةَ الاجْتِهادِ، ولأنَّ أكْثَرَ ما فيه أنَّه تَرَك رُكْنًا لا يَأْثَمُ بتَرْكِه، فبَطَلَتِ الصلاةُ خَلْفَه، كما لو تَرَكَه ناسِيًا. والثّانِيَةُ، تَصِحُّ؛ لِما ذَكَرْنا.
فصل: فإن فَعَل شيئًا مِن المُخْتَلَفِ فيه، يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَه، فإن كان يَتْرُكُ ما يُعْتَقَدُ شَرْطًا للصلاةِ، أو وَاجِبًا فيها، فصَلاُته وصلاةُ مَن يَأْتَمُّ به فاسِدَةٌ، وإن كان المَأْمُومُ يُخالِفُ في اعْتِقادِ ذلك؛ لأنَّه تَرَك واجِبًا في الصلاةِ، فبَطَلَتْ صَلَاتُه وصلاةُ مَن خَلْفَه، كالمُجْمَعِ عليه. وإن كان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يَتَعَلَّقُ ذلك بالصلاةِ، كشُرْبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ، والنَّكاحَ بغيرِ وَلِيٍّ مِمَّن يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَه، فهذا إن دام علي ذلك فهو فاسِقٌ، حُكْمُه حُكْمُ سائِرِ الفُسّاقِ، وإن لم يَدُمْ عليه لم يُؤَثِّرْ؛ لأنَّه مِن الصَّغائِرِ. فإن كان الفاعِلُ لذلك عامِّيًّا قَلُّدَ مَن يَعْتَقِدُ جَوازَه، فلا شئَ عليه فيه؛ لأنَّ (1) فَرْضَ العامِّيِّ سُؤَالُ العالِمِ وتَقْلِيدُه؛ قال الله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2). وإنِ اعْتَقَد حِلَّه وفِعْلَه، صَحَّتِ الصلاةُ خَلْفَه في الصَّحيحِ مِن المَذْهَبِ. وذَكَر ابنُ أبي موسى في صِحَّةِ الصلاةِ خَلْفَه رِوايَتَيْن.
فصل: وإذا أُقِيمَتَ الصلاةُ والإِنْسانُ في المَسْجدِ، والإِمامُ لا يَصْلُحُ للإِمامَةِ، فإن شاء صَلَّى خَلْفَه، وأعاد. وإن نَوَى الانْفِرادَ، ووافَقَه في أفْعالِ الصلاةِ، صَحَّتْ صَلاتُه؛ لأنَّه أتَى بالصلاةِ على الكَمالِ، أشْبَهَ ما لو لم يَقْصِدْ مُوافَقَةَ الإِمامِ. ورُوِي عن أحمدَ، أنَّه يُعِيدُ.
(1) في ص: «ولأن» .
(2)
سورة النحل 43.